الكذب لنا معه حكايات منذ الصغر .. منذ الخوف من العقاب حتى وان كان لا يذكر .. فتتفوه اللسنتنا بفراغات الحقائق فقط للنجو .. ولِد معنا وسيبقى معنا في كلمات قد توصلنا احيانا للندم .. واحيانا اخرى للنجاة .. وقليلون من يضعونه في رف النسيان حتى لا تتشوه صفائحهم به .. هي تحاول ان تكذب على نفسها .. تخبر نفسها مرارا بانها لا تريد ان تهدم منزلا .. وعقلها يتهادى الى مزعمات والدتها .. فتبتسم وتضحك لذاتها مرددة " الشرع حلل اربع " .. هل نضع الشرع حيث نريد شاهدا .. ونرميه بعيدا حين لا يكون في صف مخططاتنا .. بلعت ريقها وهي تقترب من والدتها الجالسة على الحصير المصنوع من "النايلون" تحت الشمس .. فهي تبحث عن دفئ ابتعد هذا اليوم عن المحيط خلف نسمات هواء ترجف الارض ..
دنت منها تجلس وتسكب لها كوب من الشاي بالحليب .. وتختطف من الكيس قطعة " توست " تقتطع منها وتغمسها في الكوب .. وتبلعها بهدوء .. ووالدتها تبعثر خيوط " البراقع " وتغرس في احدهن الابرة لتعيد ترتيبه بما يتناسب مع وجهها العريض .. وهي في صمت ارجف تلك الهادئة الا من مضغ تلك اللقمة .. لتشرب الشاي بعد ما اضحى بعيدا عن السخونة باميال واميال .. وتردد بعدها : امايه .. خلينا نروح عند ليلى ..
لم ترفع وجهها عن ما في يدها : محد فالبيت ..
ارتبط حاجباها ببعضهما : وشو دراج ؟
وهي على ما هي عليه : البارحة بعد العشا يتهم سيارة .. وحزري( اظن) انها لاخو ام شبيب .. حرمة عمهم الله يرحمه ..
" انزين " .. قالتها وهي تحث والدتها على المتابعة .. لتردف تلك وهي تبعد ما في يدها وتنظف اصابعها من الصبغ البنفسجي الذي سلطه عليهن ذاك البرقع الذهبي : راحت وياهم .. وللحين محد ييا منهم ..
دعكت اطرافها ببعضهن .. وتبلعمت في الحديث : جابر بعد ما رجع من عقب ما طلع امس الظهر ..
ابتسمت تلك : تبينه ؟
زحفت ناحيتها لتمسك كفيها : امايه تقدرين تخلينه ياخذني ..
وكأن ذاك الطلب جاء في وقته .. فهي تسعى لهذا منذ امد .. وها هي ابنتها تسهل عليها الامر .. لتهمس لها بخبث : تسوين اللي اقوله لج .. وهو بيطيح ..
جفلت تلك مبعدة كفيها : لا تقوليلي ادعم فيه .. ترى ذاك اليوم غسل شراعي ..
" لانج غبية " قالتها وهي تقف تحمل ما انهته وتتبعها بكلمة : وخبلة ..
تمشي وتلك تنظر اليها .. وسرعان ما قامت تتبعها .. الى المنزل ومن ثم الى غرفتها .. لتقف عند الباب تنتظر شيء من تلك الداهية .. ظلت واقفة وتلك في صمت مخيف ترتب بعض الملابس في دولابها بعد ان وضعت ما كان في يدها .. زفرت وهي على وقفتها : اوووف .. امايه شو اسوي .. ترا والله اريده ..
" تعالي " نطقتها وهي تمشي خارجة من غرفتها .. وتلك تتبعها كأمعة لا تعرف اي خطوة تخطو .. لتجلس في تلك الصالة وتجلس هي بجانبها بعد ان ربتت بيدها .. وبشوق لما ستنطقه والدتها : هاا امايه .. شو اسوي ؟
قالت وهي تضع كفها على فخذ ابنتها : تتقربين من ليلى .. تصيرين دوم وياها ..
لتصرخ بغباء : امايه وانا شو لي فليلوه .. اقولج اريييييد جابر ..
ضربتها حتى صرخت وهي تضع يدها مكان كف والدتها : يالخبلة .. تبينه صيري دوم فويهه .. ولا بتصيرين الا اذا صارت هي ربيعتج .. فهمتي يالثوله ..
هزت رأسها بغباء .. ونطقت : يعني عشان يشوفني دوم ويحبني وعقبها ياخذني .. صح ؟
تشدقت بفيها : الحمد لله والشكر .. زين انه بعدج عندج عقل .. انتي كل يوم روحيلها تعذري باي شيء .. ملانه ولا عندج حد .. والا انج بروحج فالبيت .. المهم تلقين اي عذر وتروحين عندها .. سولفي وياها تخبريها .. خليها مثل ربيعتج ..
تدس سم التفكير في رأس ابنتها .. حتى ما ان ابتعدت عنها خارجة من المنزل لزيارة لاحدى جاراتها .. اعتزلت هي نفسها في غرفتها .. تبحث عن اعذار من تلك التي وسوست بها والدتها .. لتبتسم ببلاهة وهي تتربع على سريرها .. هي ليست بذاك الجمال الذي يطلبه اي رجل في شريكة حياته .. امتعضت حين قارن عقلها بينها وبين ليلى .. فتلك جميلة مع انها اقصر منها .. وشعرها ناعم جدا بعكس شعرها هي .. وشفتيها على صغرهما الا انهما بارزتان بجمال رائع بعكس شفتيها المختفيتان الا من القليل منهما .. قامت مترجلة عن سريرها .. تنظر الى وجهها في مرآتها .. وتشد خصلة من شعرها : مب حلو مثل شعرها – ابتسمت – لازم اروح الصالون واتعدل ..
رفعت مقلتيها للاعلى وسبابتها على شفتيها .. تدعي التفكير .. واذا بها تعدد : بملس شعري وبصبغه .. وبسوي تنظيف لبشرتي .. و... – نظرت لحاجبيها في المرآة وهي تحرك عليهما سبابتيها – يبالهم تخفيف .. وبصير عقبها حلوة .. واحلى من ليلوه .. وووع ..
,‘,
احلام نرسمها .. لا نعلم هل ستضعنا يوما على اعتابها .. ونلمسها حقيقة .. ام ستبقى سابحة في ملكوت فكرنا .. جميعنا نحلم وهي ايضا تحلم .. بحياة مختلفة .. بعيدة عن الطمع والاذلال .. بعيدا حيث هي فقط مع ابنتيها .. لا ترغب الا بالحياة الكريمة لهما .. ترفع كفيها في كل ليلة داعية بالفرج .. تشعر بالاختناق حتى انسكاب الدمع .. تبكي خوفا من المجهول الذي ينتظرها .. والايام تجري مسرعة .. كأنها ترغب بوضعها مع مواجهة المصير من جديد .. لاول مرة تتمنى من تلك الاشهر الاربعة ان تطول حد الاربعين واكثر .. تتمنى ان تبقى على ذمته بعد موته .. حتى لا يدنسها رجلا كما اخيها .. تكره التفكير في ذاك الرجل القادم لاجلها .. فهو ليس بالرجل الكبير .. فلما يضع نفسه معها وهي ارملة مرتين .. وليست لوحدها بل معها روحين ..
طوت سجادتها بعد ان اتعبها التفكير في هذا الامر .. تشعر بان عقلها توقف عن الاستيعاب .. ترغب بمواجهة عيد .. لربما يخبرها سر ذاك الرجل .. تنهدت وهي تستغفر ربها .. المكان هادئ جدا .. الا من صوت التلفاز الضاج بحديث " الكرتون" المتحرك على شاشته .. خرجت من غرفتها بعد ان صلت العصر .. لتجد ابنتها مريم جالسة امام التلفاز .. وعيناها تنظران بنهم لتلك الشخوص المتحركة .. تلفتت لعلها تلمح ابنتها الصغرى .. وحين خاب بحثها دنت من مريم : مريوم وين اختج ..
هزت رأسها دون ان تبعد عينيها عن تلك الشاشة : ما اعرف .. يمكن تلعب برع وييا فطوم وحصوه بنات خالوه شيخة..
كم تمقت هذا الاسم .. وتمقت صاحبته المتعجرفة الطماعة .. زفرت وبصوت غاضب اردفت : كم مرة قلت لها لا تلعب وياهن ..
تحدثت تلك وهي لا تزال مندمجة مع ما تشاهد : عادي .. خالوه شيخة محد .. يعني لا تخافين ما بتضربها ..
تمتمت بـ " إن شاء الله " .. لا حول لها ولا قوة .. فهي لا تستطيع الخروج لساحة المنزل الخارجية .. تركت المكان لتنزوي من جديد في غرفتها .. وهي تدعو الله ان يحمي تلك الصغيرة من كل سوء ..
تفترش الارض والهواء البارد الذي تنفثه تلك الثلاجة يلفح وجهها دون اكتراث .. وكفها الصغيرة تنغمس في ذاك الوعاء .. تسحب منه " الشكولاتة " الداكنة .. وتتلذذ به شفتيها .. حتى بات ثغرها وجانبه متسخا .. حتى ملابسها اتسخت .. تعشق الـ" نوتيلا" وجدا .. لم تشعر بتلك الخطوات القادمة الى المطبخ البعيد عن المنزل في احد زوايا ساحته الخارجية ..
كفأر صغير مختبأ .. هكذا كانت تختبأ خلف الباب المفتوح .. لتقف تلك خلفها ولا تزال بعباءتها .. لتنزع عباءتها بحنق : غربلاتج يا بنت خويلد ..
بخوف وقفت حتى وقع ما في يدها وتهشم امامها .. لم تشعر الا بكف تلك تقبض على ملابسها من الخلف تطوحها يمنة ويسرى : انا اشتريه لبناتي وانتي تاكلينه .. مسودة الويه ..
وشتائم قذفها لسانها القذر مع صراخ تلك المذعورة الباكية .. لتضربها مرارا على وجهها وعلى كتفها .. وتشدها بقوة تسحبها من المكان وترميها في ذاك المستودع بجانب المطبخ .. لتقع على الارض .. وسرعان ما غطى الظلام المكان .. لتبكي ويتقطع صوتها منادية والدتها .. ووالدها .. وصوت تلك من خلف الباب : عشان تتعلمين ان السرقة حرام يا بنت خويلد .. اذا امج ما ربتج انا اللي بربيج ..
انتحبت حد تحشرج صوتها الطفولي .. لتشعر ببرودة المكان .. والظلام يخيف مقلتيها الصغيرتان .. لتغمضهما وهي تضم ساقيها الى صدرها .. وشهقات صغيرة تخرج منها ونفسها ينقطع مع كل شهقة .. وتمتمات خافتة منها : ما بسرق .. خالوه فتحي الباب .. ماما ..
لا شيء سوى صوتها يتردد .. تمر الدقائق وهي في مكانها .. تتبعها الساعات لترتجف من البرد .. والظلام الذي صار قاسيا اكثر .. وهناك خرجت تلك بعد ان غابت الشمس .. وعادت ادراجها الى غرفتها حين لم تجد للصغيرة اثرا في تلك الصالة .. لتجلس بجانب ابنتها التي افترشت كتبها تقوم بواجبها المدرسي : مريوم حبيبتي قومي شوفي اختج وين ..
بخوف قالت : ظلام برع .. ما اريد اروح ..
تحتضن كتفيها الصغيرين بكفيها : حبيبتي خالج وحرمته وبناته طلعوا يتعشون برع .. قومي شوفي اختج ... انا ما اقدر اطلع من البيت .. روحي عند اليران (الجيران) ساليهم .. قومي فديتج ..
طوحت برأسها رافضة : ما اقدر .. انتي تقولين اذا طلعنا فالليل بتينا ام الدويس وبتاكلنا ..
نزلت دموعها بضعف لتطأطأ رأسها .. فترفعه تلك بكفها الصغير : امايه لا تصيحين .. خلاص بروح ادورها .. بس انتي لا تصيحين ..
تمتمت : يا رب احفظها .. يا رب احفظهن .. مالهن غيرك يا رب ..
خطواتها الصغيرة المترددة تعبر الطريق الى باب المنزل الخارجي .. وتقف لتنظر للخلف .. لترى ثوب والدتها من خلف الباب .. وصوتها يصل اليها : روحي فديتج .. سأليهم وتعالي ..
لتتابع المسير برعب من " ام الدويس " لعلها تهجم عليها الآن وتاخذها معها .. اختفت عن انظار والدتها .. لتقف تلك : حسبي الله عليك يا عيد .. حسبي الله عليك .. لو فاتح تلفون البيت كان ما طرشتها وهي خايفة .. يا رب .. يا رب تحفظهن ..
لتفتح الباب على مصراعيه حين وصلها صوت صراخ ابنتها الخائفة تهرول برعب : امايه امايه ..
ودموعها تتساقط بخوف على وجنتيها .. لتحتضنها برعب تسلل الى صدرها : شو بلاج ؟ شو بلاج فديتج ..
لتصرخ مرددة : حرامي حرامي ..
لتشد تلك من احتضانها .. لتبقى معها تبكي خوفا على صغيرتها المفقودة .. وضعفا تشعر به يكاد يدمرها .. لا تعلم كم مر من الوقت عليها وهي جالسة تدعو ربها ان يحفظ صغيرتها .. حتى ما سمعت اصواتهم قامت .. تتعثر بخطواتها القلقة .. ومريم اخذها النوم بعد لحظات الخوف التي مرت بها .. وقفت : عيد بنتي مب فالبيت ..
ليشد خطاه ويجلس دون اكتراث .. تتبعه تهزه من ذراعه : اقولك البنت مب فالبيت .. قوم دورها ..
لتتذكر تلك ما اقترفته يداها .وهي تطلب من ابنتيها الذهاب للنوم .. لتنظر اليهما وهي ترمي عباءتها جانبا .. وبصوت متوتر : اكيد مندسه فمكان .. والا وين بتروح – واردفت وهي مدبرة – بروح اسويلي زعتر .. هالاكل ما تقبلته .. كنه الا لحم رجاب ( جمل ) ..
هرولت بخطاها الى حيث موقع جريمتها .. وهي تسمع صراخ شقيقة زوجها عليه .. لتفتح الباب ومن بعده النور .. لتراها متكومة على الارض بين اكياس الارز والطحين .. وانفاسها متقطعة .. وصوت صدرها يضج في ذاك المستودع .. لتحملها بخوف .. وتجري خارجة .. وما ان وصلت حتى وضعتها ارضا لتجري تلك تاخذها في حضنها .. تبكي بخوف : وين لقيتيها ..
بلعت ريقها واجابت : راقدة فالستور (المستودع ) .. قلتلج مندسة فمكان .. شوفي حلجها ويديها ..
وكأنها تريد ان تدس جريمتها بجرم تلك الطفلة المتطفلة على تلك العلبة ..
تحرك كفيها على جهها تمسح الاثار عنه برعب.. لتنطق : عيد الحق البنت بتموت ..
,‘,
الموت قد يكون بداية لشخصياتنا المخبأة تحت اضلعنا .. او قد يكون نهاية لشخصيتنا الظاهرة للملأ .. منذ يومين وهو مختلف .. يذهب الى مدرسته بهدوء ويعود بهدوء .. لا يغادر المنزل مع صحبه .. حتى وان جاءوا يحثوه للخروج معهم يعتذر .. هناك شيء ما في داخله انتهى .. وشيء آخر ولد في تلك الليلة الظلماء .. التي قاسى منها الكثير .. والده ووالدته لم يسألاه شيئا .. فذاك الشبيب ابلغهما بوجوده معه .. الهذه الدرجة يثقان به .. ولا يسألان عن ابنهما دام شبيب برفقته ؟ .. زفر انفاسه وهو يقلب صفحات كتاب الفيزياء الذي اتعبته مسائله .. الكثير من القوانين التي لا يجيد تطبيقها .. لربما بسبب فكره المحمل بالكثير من الاحاديث المتضاربة .. لانه طالب ذكي .. لن يقف عند احد تلك المسائل هذه المدة الطويلة ..
شبك اصابعه ليسند ذقنه الخشن عليها .. فتلك الشعيرات تحث طريقها للنمو .. تنهد مرات ومرات .. وما حدث في تلك الليلة يؤرقه .. لم يعد الا ليلا في الليلة التي تليها .. فقط لان لديه مدرسة عليه ان يرتادها في اليوم التالي .. والا لم يكن ليعود .. سيطبق عليه ذاك مدة اطول .. نفض رأسه وهو يتذكر كلام كثير قيل من ثغر ذاك ابن العم ..
تنهد من جديد واذا به يلتفت حين فتح الباب .. ودخول شقيقه ذو العشر سنوات الى الداخل .. ظل واقفا عند الباب لينطق : ابويه يباك فالميلس ..
هز رأسه بنعم .. دون ان ينطق .. وعلامات استفهام اخذ يجرها خلفه وهو خارج .. ليسحب الهواء الى رئتيه .. الجو بدا دافئ في عصر هذا اليوم .. لربما سيرحل الشتاء باكرا .. كما رحل بعض ما في نفسه .. ولج ملقيا السلام .. ليقبل رأس والده ويجلس بجانبه .. يبدو غاضبا .. وانعقاد حاجبيه وصمته خير دليل ..
كانت والدته بمعيته .. تتناولت معه القهوة بعد ان صلت العصر وعاد هو من المسجد القريب .. لتنهي فنجانها حينها بحديث قد أرقها الاسبوعين الماضيين : حمد .. دام البنت لخالد خلنا نشوفها .. شو ذنبها المسكينه ..
ليتجهم وجهه : وانتي عادي عندج تربين بنت ما تعرفين امها من وين ..
ابتلعت ريقها وهي تغلق غطاء" الدلة " بعد ان هز هو فنجانه مكتفيا : بس نعرف ابوها ..
- سمعي يا حفصة .. الام ما يندرى عنها وعن اصلها وادبها .. دامها قدرت تلعب بعقل خالد وتاخذه فما منها امان .. ولدج وتعرفينه زين .. ما ينضحك عليه بكلمتين .. ولا هو من الشباب اللي ما يفكرون زين قبل ما يسون شيء ..
- يعني شبيب يكذب ..
- لا .. امها تكذب ..
بعد الصمت الذي طال .. نطق وهو يرى وجه والده : خير يا ابويه .. مبارك يقول انك بغيتني .. آمرني ..
نظر اليه وقد خطت تجاعيد السنون تحت عينيه اخاديد صغيرة .. هو ليس بذاك الكبير .. ولكن وفاة اكبر ابناءه قدمته سنين وسنين .. حتى بات يحمل سنين على سنينه الحقيقية .. تنهد : مطر من يومين وانا اشوفك رديت مطر اللي اعرفه .. ولا خاب ظني فيك .. وادري ان اليوم اللي كان فيه شبيب وياك هو السبب ..
عدل جلسته ليستند بظهره واستطرد : ما بسألك شو ستوى .. وشو اللي خلاك تروحله .. وشو اللي خلاه يبقى وياك يوم كامل ..
ازدرد ريقه .. احس بان والده يعلم بما فعله في تلك الليلة .. ربما ليلى ابلغت عنه بعد ان علمت من زوجها .. وربما ان شبيب هو من اخبره .. طرد تلك الافكار من رأسه .. فشبيب وعده بانه لن يخبر احدا .. كان هادئ جدا وهو يستمع لوالده .. الذي اردف : خل بالك من مبارك وانا ابوك .. الولد متغير وكاره بيت عمك وعيال عمك .. وتعرف منو السبب ورى هالشيء ..
اجل هو وافعاله وحديثه الحانق على شبيب كانوا سببا في زرع الكره في قلب ذاك الصغير .. ابتسم وهو يقف ينحني على رأس والده يقبله : ان شاء الله ..
وبعدها ابتعد .. يعلم بان ليس الامر بتلك السهولة .. تمنى لو يملك جزء بسيطا من شخصية خالد .. او شخصية شبيب .. ما ان ابتعد عن المجلس حتى كان لضيوف قادمون مكانا مع والده .. وحديث كثير يجر معه احداث اكثر ..
,‘,
جالسة امام التلفاز في الصالة .. تقلب في قنواته دون ان ترسي لها على شيء .. رأته خارجا وهاهي تراه داخلا .. تتغطى عنه .. فلم يعد مطر الصغير الذي تكشف شعرها في حضرته .. ابتسمت وهي ترى عرض ازياء على احدى قنوات الموضة .. وفساتين بيضاء جعلتها ترتحل بينها .. ستكون رائعة بفستان من تلك الفساتين .. بالامس اجرت تحاليلها .. وغدا او بعده ستظهر النتيجة .. وبعدها ان اراد الله ستكون له .. لشبيب الذي لا تكل الالسنة عن مدحه .. حتى خالد حبها القديم كان يمتدحه وجدا .. التفتت لخالتها التي توجه الخادمة باخذ القهوة والفاكهة .. والخبز الذي صنعته للمجلس .. خالتها هادئة من بعد اجتماعها مع بعلها .. وقفت لتجر خطواتها اليها : خالتي .. عمي عنده ضيوف ؟
تنفست وكأن بها خوف من وأد حلم تلك اليتيمة .. تراها فرحة مبتسمة على الدوام .. والآن هناك شيء ما يخبر قلبها بان هذه اليتيمة الواقفة امامها ستجر الى مكان لا تريده .. نطقت وهي تبتعد .. وتلك من خلفها : عمج وعياله هني ..
عمي .. أقالت عمي .. أي عم هذا يا خالتي .. ولما الآن يأتي لزيارة من مكان بعيد .. يبعد كيلومترات طوال .. ؟ ترددت تلك الاسئلة بخوف في صدرها .. لتجلس بسكون في تلك الصالة حيث كانت قبلا .. والاخرى جلست تشاهد مسلسلا ما .. ازدردت ريقها : خالتي ..
التفتت لها .. وسرعان ما عادت تنظر الى تلك الشاشة : خير ..
- اي عم فيهم ..
خوف يعتصر قلبها .. فاذا كان عمها الاكبر فهي في سلام .. لان اكبر ابناءه الذكور اصغر منها بسبع سنوات .. واذا كان الاخر فهنا طامة كُبرى .. نفسها تصرخ بدعوات متلاحقه .. ليس الآن ..وبعد ان بدأ قلبها يضخ حب لذاك الشبيب .. ليس الآن .. بعد ان رسمت احلامها القادمة معه ..
وقف بغضب من بين والده واخيه الاكبر صارخا : هذي مب رمسة يا عمي .. البنت بنت عمي الله يرحمه وانا احق فيها ..
ليمسكه والده من معصمة : ايلس .. السالفة ما بتنحل بالعصبية – ليتوجه بالحديث لـ حمد – شوف يا بو خالد .. البنت مالها الا ولد عمها .. وسلطان يبيها .. وانتوا حتى ما سألتونا قبل لا توافقون .. وهذي مب من شيمنا وانا اخوك .. الحق تشاور عيال عمها اذا يبونها او لا ..
تنهد وبهدوء : اسمعني يا بو عبدالله .. ولدك سلطان ع العين والراس ولا يعيبه شيء .. والبنت ربينها من صغرها .. وسالناكم اذا تبونها .. قلتوا خالتها اقرب لها .. ويدتها ما بتقوى ع تربيتها .. ربيتها وعيال اخواني بحسبة عيال عم لها .. وشبيب ولد عمها دامه ولد اخوي ..
صرخ من جديد : مها ما بتاخذ غيري .. وهذا الكلام ولا عندي زيادة عليه .. وصل هالرمسة لولد اخوك .. خبره ان سلطان يريد بنت عمه وهو اولى فيها ..
الصوت العالي وصل اليهن .. ليقتربن بخطوات وجله من باب المنزل .. لترتجف ومن بين شفتيها تنطق : هذا صوت سلطان – تمسك بكفي خالتها – خالتي الله يخليج ما ابيهم .. ما ابيهم .. الله يسلمج قولي لعمي .. خبريهم ..
دموعها تتسابق على وجنتيها .. وتلك لا تعلم ماذا تفعل .. ما عساها تخبرها ؟ .. فهم باستطاعتهم ان يبعدوا عنها اي رجل ان كان ابن عمها يطلبها .. فهو احق بها من الغريب .. يدها تربت على كتفها : لا تخافين .. عمج شاري شبيب .. واكيد بيقنعهم ..
ابتلعت خوفها وابتعدت مهرولة .. تريد ان تبتعد عن الاصوات تلك .. صوته هو .. قاسي جدا .. ولم تفكر يوما ان تكون له زوجة .. جلست على طرف سريرها بتعب الجري .. انفاسها تتقاذف بلهاث امامها .. تمتمت بينها وبين نفسها : يا رب .. دخيلك تبعده عني .. يا رب لا تخليني ..