هي كانت في معركة شنعاء مع ذاتها الخائفة .. ذاتها الخائنة .. تُزيَن وهي في عالم آخر .. لا ملامح تستشف من وجهها .. سوى الجمود .. وكأن به الموت تربص بها .. ما حدث بالامس .. وما حدث ليلا هشمها .. حتى باتت موقنة بان نفخة هواء ستذروها بعيدا .. انتهت اخر اللمسات على شعرها المتدرج بخصلات ذهبية تجتاح لونه البُني القاتم .. مرفوعا ومتدلي بتموجات رائعة .. وخصلة كالموج تداعب وجنتها ..
تجلس بسكون على ذاك الكرسي .. اليوم ستنقض وعدها مع ربها .. اليوم سيلمسها رجل لا يحل لها .. وستكشف عليه .. سيقبلها .. انطلقت آه عميقه في روحها .. اغمضت معها اجفانها .. لتفتحهن على صوت خالتها : بعدج ما لبستي فستانج ؟ قومي اساعدج ..
ترفعه .. ثقيل هو .. وتساعدها في ارتدائه .. تخبرها ان تدخل ذراعها اليسرى .. فتتأوه بوجع .. وترتعب الاخرى ناطقة : شو بلاه كتفج ؟
بابتسامة جوفاء نطقت : البركة فعمي غانم ..
وبغضب : وليش ما تكلمتي .. من ذاك اليوم وانتي ساكته ع الويع ..
وماذا هو أمام وجعي الاخر يا خالة ؟ إني احترق اليوم دون نار .. ودون دُخان يُشم .. جسدي يحرقني .. كسيل لافا يجتاح عروقي .. خائنة أنا اليوم خيانة عُظمى .. وهل من بعد خيانة الرب من خيانة .
يمر الوقت باهزيج الفرح .. لا تسمعها هي .. لا تسمع الا صوت داخلها يستغفر .. ملايين المرات .. استغفار يتلوه آخر .. تجلس وحيدة في تلك الغرفة .. لا اخت .. لا ام .. ولا بنات اعمام .. ولا حتى صديقة تؤنسها وتبعد عنها توجس نفسها .. لم تشعر الا بقبلة على وجنتها .. فتلتفت : شامة ؟
" مبروك " .. نطقتها بفرح .. واردفت : تستاهلين كل خير .. وسامحيني ع الكلام اللي قلته ذاك اليوم ع الفون ..
تنظر للخلف حين جاءها صوت احداهن تناديها .. واذا بتلك تمسكها من ذراعها : شامة لـ....
لتقاطعها وهي تقف : بروح اكيد اليهالوه عفسوا الكوشة .. الايام يايه وبنيلس وييا بعض .. مبروك ..
وتنحني تقبلها .. وتلك في شرودها .. تتساءل عما يجري .. عن تعب ساقيها .. عن وجع قبلها .. عن عقلها الساكن والشارد إلى حيث لا تعلم .. لم يوقظها هذه المرة الا صوته يقتحم المكان مع تلك المصورة المصرية .. فتتعارك انفاسها .. تنطق : ما اريد اتصور .. لا تقرب ..
ويأتيها صوت تلك المصورة .. وهي تهم بمد يد العون لمساعدتها في تركيب الكاميرا : ليه يا عروسه .. دا الاستاز فهد موصيني عليكي ..
هالة استغراب احاطت به .. استشف خوفها .. توترها .. هلعها الشديد حين ذُكر أبن عمها .. ليدنو منها .. ينحني يقبل جبينها .. فتصعقه رجفتها الواضحة .. يبتسم : مبروك ..
تتذكر كلمات التهديد السامة .. فتصمت .. تحاول ان تكون عروس كما طُلب منها .. ولا تقوى .. تتحرك مع تعليمات تلك .. لمساته كنار تكويها .. وانفاسه تقتلها .. هي لا تقوى على الحرام .. هي طلقته منذُ أمد طويل .. وبصمت على عقود ومواثيق مع ربها أن لا عودة لطريق السيئات .. واليوم مجبرة لتخطو في ذاك السبيل .. خوفا يخنقها .. باتت تخاف البشر اكثر من خوفها من خالقها .. ارتجفت اكثر بين ذراعيه حين طوق خصرها .. مميلا رأسه لرأسها .. تعانق وجنته الشائكة وجنتها الناعمة المتجمدة ..
يهمس لها بخفوت : ليش كل هالتوتر .. وكني واحد غريب .. مب ريلج وحلالج ..
ابتسمت على مضض .. فتلك تجبرها .. تلك جاسوسة لذاك الفهد .. وهذا الذي معها لا يعلم من الامر شيء .. الوقت امسى بطيء .. وxxxxب الساعة كأنها في سبات .. أو كأنها تناست المسير خلف همهمات النساء .. واغاني الشيطان .. وضحكات الصغار .. وضوء تلك الآلة التي كرهتها وجدا .. لا تسمع شيء .. ولا ترى .. حتى احساسها تبلد .. ترقب ساعة الصفر .. ساعة الحرام الكبرى .. يزلزلها ما يعتلج في عقلها من افكار ..
هو كان يتصنع الابتسام .. يتصنع الفرح بجانبها .. يشعر بها .. يشعر برعشة كُل خلية من خلاياها .. ينظر إليها مرارا .. قابعة بجانبه على ذاك الكرسي .. تهز رأسها لهمساته ويقسم بأنها لا تعي مما يقول شيء .. وكأنها دمية تحركها خيوط لا يراها .. حتى حين امسك بكفها ليسير معها .. تزفهم الزغاريد وكلمات الغناء الممزوجة بالعشق والفرح .. احس بقشعريرة تعتريها .. اخافته .. كأنها شبح او جسد سيقع صريعا في لحظة شرود منه ..
ضمت صدرها بذراعيها حين قبعت على الكرسي بجواره .. اصر ان يقود هو سيارته بنفسه .. لا يرغب باي شخص معهما .. يحدثها : تعبانة ؟
لتصله اهتزازة من رأسها .. وشهقة خافتة .. أي رعب تحياه في هذه الساعات .. لم تشعر الا بتوقف العجلات .. ومباركات كثيرة تنهال عليهما .. من عائلته .. وهي مطأطأة الرأس .. تغطيها العباءة البيضاء .. تستر نصف وجهها مع انحناءة عنقها .. تصلها الضحكات .. صوته يثير في قلبها اعصار من الخوف .. تمشي معه .. لا يزال يمسك بكفها المتجمد .. يوصلها إلى الغرفة من بعد أن مرا بالصالة .. وهنا شعرت بخذلان ساقيها لها .. لتخر على السرير جالسة .. ويجلس هو القرفصاء امامها .. يمسك كفيها .. فتشدهما بعيدا عنه : لا تصكني .. مالك اي حق تلمسني ..
قطب حاجبيه لما يسمع .. ويعود يحاول كشف القبعة المغطية لرأسها واغلب وجهها .. لتدفع يده بعيدا .. تصرخ مع بكاء ونشيج خافت : قلتلك لا تلمسني .. يكفيني ذنوب .. والله العظيم تكفيني هالذنوب اللي حملتها الليلة .. والله لو في ادعي ربي يعطيني عمر فوق عمري بس عشان استغفر عن هالليلة ..
" تعوذي من بليس يا بنت الناس " .. نطقها وهو يعتدل في وقفته .. ينظر إلى جسها المتدثر من علو .. ويردف : انتي مب طبيعية .. ما اظن ان هذي رهبة العرس .. شو مستوي .. تكلمي .. مستعد اسمعج ..
بلعت ريقها .. وبخفوت : الله يخليك لا تقرب مني .. الله يخليك انا ما احل لك .. لو يصير بينا شيء بيكون زنا والعياذ بالله ..
اكفهر وجهه واضطربت انفاسه من حديثها .. استعاذ بالله من الشيطان .. واستغفر ربه .. فاي بلاء وقع فيه .. واي اتهام تنسجه عليه .. هي حلاله .. فكيف سيكون زاني ان عاشرها ..
سحب انفاسه وهو يسمع بكاءها وشهقاتها المتلاحقة .. ليزفر بقسوة .. يبتعد يسحب كرسي التسريحة ويقبع جالسا عليه أمامها : هاتي اللي عندج ..
تسللت اليها بعض من راحة .. لتبلع ريقها وتنطق : انا معرسة ..
لتراود شفتيه ابتسامة .. ينظر إليها بذهول .. يستحثها : انزين ..
صوتها المتقطع يحاول ان يربط الجمل ببعضها : ابوي زوجني قبل لا يموت .. قلت لهم حرام اللي يسونه بس ما سمعوا كلامي .. هددوني بيقتلونه اذا ما وافقت عليك .. هو ماله ذنب .. كل ذنبه ان ابوي يعرفه ..