,‘,
أي وَصَب اباح لنفسه انتهاك الجسد الجريح حتى رمى برداء الهذيان عليه .. يغطيه به ويسحبه الى دهاليز الوجوه .. وجه جدها وجارهم العجوز المتوفي منذ عشر سنوات واكثر . ووجوه اطفال صغار يصرخون .. وطاولات دراسة .. ومعادلات كيميائية معقدة .. وخوف يجتاحها .. هل نست المذاكرة للاختبار الفلاني .. كيف ستجيب !.. وتعثرات قدم تحيل ساقها لحركة لا ارادية .. تجبر الجفون على الانبلاج قليلا في فتور مُنهِك ..ورجفة جسد مستلقي وملتوي على نفسه كجنين في رحم امه ..
عيونهم الخائفة عليها وجدا كانت ستبتلعها بسبب تمنعها الغريب منذ ساعة خلت .. تُقسم عليهم أن لا يخرجوا جسدها من غرفتها حتى وان كان الموت يتربص بها .. ارتجتهم .. خالها الذي دفعته بعيدا عنها حين اصر على حملها على ذراعيه عنوة ليريحها من حمى اغدقت عليها بوابل سهامها .. وشقيقها الباكية روحه على شقيقته الباكية امامه .. تستعطفه ان لا يأخذوها من سريرها .. وشامة الواقفة مستندة على الدولاب .. ويدها تطبق على فيها تمنع شهقاتها على حال وصلت اليه من كانت دائما معها وتساندها .. وقفت وكفاها تحملان عباءة طلبها خالها بصرخة .. واستوقفتها صرخة أخرى من تلك الـ كنة حين دفعته عن جسدها المشتعل ..
استعانوا باكياس الثلج على مدى تلك الساعة لعل تلك الحمى تهرب مولية .. ولكن لا فائدة .. عاد ذاك الخال ادراجه الى الغرفة بعد ان غادرها .. ليقف يكتف ذراعيه ومستندا على جانب الباب المفتوح .. ينظر لكف شبيب تبعد خصلات شعرها المبتلة بسبب تكثف القطرات على الاكياس الرابتة على جبينها : خلنا نشلها الطواري .. الحمى مب طايعه تخليها .. يمكن ايدها ملتهبه .. ان كان ع الحلفان فبتكفر عنه ..
ليزفر انفاسه ويردف : اذا مب قادر تشلها .. انا بشلها ولا اشوفها بهالشكل ..
ليطوح برأسه وهو يسمع ذاك يوقظها بهدوء .. لتهمهم وينطق : قومي اوصلج الدختر ..
وتجيبه كطفلة صغيرة عنيدة : ما اريد .. الله يخليكم خلوني ..
ان اجبرها ستصرخ .. وستثور في وجوههم كما حدث آنفا .. ليقف يغطيها جيدا .. ويبتعد من امام ذاك الذي ابتعد عن الباب قليلا : اذا ما صحت لباكر الصبح ما علي منكم ..
قالها منذر وترك المكان ساخطا متبرما .. الا هي .. لا يجب ان تكافأ على طيبتها بهذه القسوة .. تتأرجح بها المصائب حينا بعد حين .. وقف في ساحة المنزل يعب الهواء في رئتيه .. وينظر للسماء .. داكنة والنجوم تتسامر على وجهها .. تنهد ليجر خُطاه يتخذ من عتبة الدرجات كرسيا .. النوم لا يرغب بزيارته هذه الليلة .. لعل السبب اللعب مع هاشل وكلثم ساعات طوال .. وهاهما يغطان في نوم عميق لا يكترثان لشيء ..وحال ذاك الشبيب الصامت يثير في نفسه الرعب .. لا يحكي ولا يشكي .. فقط حديث قصير بالامر احيانا على شامة وبحنانا احيانا اخرى على كنة .. يرأف بحالهم والسبب ناصر .. ذاك المتعنت الجلف .. حتى هو لم يسلم من قسوته ..
يذكره بعد تلك الحادثة .. يذكر حديثه الفج وصياحه الاذع عليه كما كانت تلذع جراح السياط ظهره .. هو يومها صمت احتراما لشقيقته .. خوفا عليها من بعلها اذا رفع هو صوته في وجهه .. وهي صمتت ايضا .. هل كان خوفا منه .. ام خوفا عليها هي من حياة بدونه ..
بصق في نفسه .. فأي ضعف يكتنف النساء يحيلهن الى تجارب وجع لا يرحم .. وأي قلوب يحملن .. لاجل رجال يتخطين المعقول واللا معقول .. تبا لنسوة آثرن انفسهن يوما .. وتبا لها تلك القاتلة لمراهقته .. وتبا وتبا ومائة تبا على رجل تهينه أمرأة .
كان ماضيه يجتاحه يجره من حاضره الى حادثة علقت في عقلة ولا ترغب بالزوال .. خروج ذاك من الباب خلفه جعله يلتفت له .. يراه يبتعد الى البوابة .. وصوت عجلات توقفت وإضاءة سيارة ما انسلت من بين الفراغات .. لم ينطق .. فقط وقف في مكانه وبصره على ظهر ذاك المدبر .. ليبتسم بخفوت .. غريب ذاك الشبيب حقا .. يرغب بالثوران في وجهه .. فكيف يرضى ؟..
,‘,
رغم اصراره عليه بان يعتقه ويرحل .. ينشد راحته خيرا له من البقاء بجانب جسد اعيته حراب الحقيقة .. الا انه لم يغادره ساعة واحدة .. يجلس على الارض .. فاتعبه المكوث على ذاك الكرسي .. وبيده هاتفه يشد عليه بانامله يكاد ان يهشمه .. فذاك الشبيب القاسي لا يجيب .. بل انه اغلق هاتفه حتى لا يزعجه هو .. الا يزال يكرهه .. يحقد عليه .. وماذا عن حديث فارس .. انه لا يكره بل يسامح .. وان خلف اضلعه قلبا لا يعرف الحقد .. حقيرة تلك اللحظات المبتعد عنها العقل .. ك***** تتلوى .. تزين لك التسرع في الاحكام .. وتقودك بعدها الى حفرة ندم لا قرار لها ..
جفل على الرنين والاهتزاز في راحته .. ليبتسم بسخط .. هو هكذا ذاك المتعنت .. متى احتاجه طلبه .. يدوس على قرارته الجوفاء .. وقف ناظرا لفارس النائم .. سيتركه .. فالصبح قادم وعُمر سيكون معه حينها .. وبعدها حث الخُطى .. شديدة كانت .. يرغب بتحطيم وجه ذاك الشبيب .. ضربه والصراخ عليه .. يرغب بان يدفعه ويحشره في زاوية ضيقه وينهال عليه جلدا بالكلمات .. أيطلبه الآن .. وهو من جف الدم في عروقه خوفا عليه ..
ترجل من سيارته .. يدفع بشعره الكثيف للخلف .. وبيده حقيبته .. ليقف ينظر الى من فتح له الباب .. يبدو متعبا .. شاردا .. غارقا في سحيق الآه .. دنا منه .. وتلاقت الاعين .. وابتسامة شاحبة من شبيب ..
هل ستحتضنني يا أخي .. ام ستلوذ بالابتعاد ؟ هل تشتاق الى وجودي كما اشتاق .. ام ان القلوب شق بينها جدار العتاب ؟ ابتسم هيا ابتسم .. واقترب شدني اليك كسابق عهدنا بعد غياب .. ارمي بمخلفات الماضي في محرقة الآت .. وضمني .. اخبرني بأنك تشتاقني .. هل تخجل من الشوق بين الاخوة يا شبيب ؟
جحظت عيناه فذاك اقترب منه وهو في معمعة حديثه .. ليشده من كتفه .. يربت على ظهره ويتمتم : الحمد لله ع السلامة .
تكشف شفتاه عن ابتسامة سطت على احاديثه السابقة فاغتالتها .. ليمشي بمعية صاحبه نحو ذاك المتكتف واقفا .. لينبس قبل القاء السلام من حارب : من صدقك يا شبيب .. يايب ريال غريب يكشف ع اختك ..
" وانا لقيت حل وقلت لا " .. قالها بنبرة عالية مردفا : العيادات فهالوقت مسكرة .. من وين اييب دختورة تشوفها خبرني ..
نظرة غيض اقتحم بها وجه حارب وهو ينطق : نشلها الطواري ..
ضحك بسخرية ليجيب : والطواري مب فيه رياييل .. والا هناك حلال وهني حرام .. مب كلهم دخاتر .
ليهديء من نبرته المشحونة : خالي .. دخيل ربك خل هالليلة تمر .
انكسار تطاير مع تلك الاحرف الخاتمة للجدل العقيم .. جعل من جبين حارب ان ينقطب .. ليمشي من خلف ذاك يشعر برهبة المكان .. ولا تزال احاديث قديمة تصرخ في اذنيه .. هنا قال وهنا تناثر ما كان .. رعشة تنسل اليه .. فهو يسمع ذاك يطلب من شامة ان تستر شقيقته الاخرى .. شامة .. تلك الفتاة المكسورة .. كيف عساها الآن ؟
تنهد وهو يقف في اول الممر .. ظهره لهما .. يشعر بخطواتها بتمتماتها لشقيقها ويقسم انه استشعر رعشة شفتيها .. هل لا يزال له مكان في ذاك النابض خلف الاعوجاج ؟ ام تلاشى كما ضباب انقشع بزفرات نهار ؟
كفى يا قلبي ضجيجا .. كف عن تناهيدك الموجعة .. دعني اخطو دون رعشة .. دون همساتك القاتلة .. كف عن النبض الناهك لي لدقائق فقط .. واعصف بي كما تشاء حين الاختلاء .. فحضرة الصاحب رهيبة .. وعيناه ستلتقف ما تستره روحي .. كف ان كنت ترغب بالحياة .. ودعك من الحياء .
لستُ نادما يا حارب .. فما كان كليلة مسامرة لذات مع الذات .. وانت، ها أنا اراك من جديد .. مختلف .. بك شيء من أنين .. وشيء من حنين .. وشيء آخر اود يوما أن اطأ ارضه .. اتمحص فيه واعرف دهاليزه وخباياه .. لم الارتعاش .. ولما التردد في الحركات ؟ هل لا زال قلبك ينبض بها .. ام اني اعيش عالم من ماض ؟
يجلس قبالتها تلك المستترة بغطاء رأسها الهاربة منه بضع خصلات متمردة .. يقيس حرارتها .. يجهز ابرة ليحقنها بها تُسكن لهيب الاحتراق المسيطر على بدنها المتأوه .. كل ذاك بارتعاشة انامل يلحظها الجالس على طرف السرير .. يرقب عمل صاحبه .. ليتوتر ناطقا : بعطيها ابره فايدها ..
ليفهم عليه الاخر يخرج نصف ذراعها العارية من تحت الغطاء .. ليستوقف الاخر ذاك الشاش الابيض الملتف على راحتها متسائلا : شو بلاها ايدها ؟
كان لهذيانها صوت خانق .. ابتسامتها وحركة رأسها المتعبة .. اختلط الهذيان بصوت شبيب المجيب على التساؤول المطروح .. وذاك يغرس الابرة بحذر .. لينتهي ويعبث في حقيبته .. يخرج المعقمات والشاش .. وتسارع انامله الى كفها .. يحل وثاقه بهدوء يكتنفه الخوف .. حرق من الدرجة الثانية .. هذا ما قاله ذاك الجالس بجوارها .. الماسح على رأسها . المهديء لها بحديث خافت .. وكأنها طفلته المتعبة .. وكأن سنين عمرها لا تتعدى الثلاث سنوات .. مشدوها هو بشخصية صاحبه الحنونة ..
قطب حاجبيه حين ظهرت له تلك الحروق .. وبحذر يطببها .. بانفاس ثائرة فالاجواء لا يطيقها .. وولوج ذاك المنذر المربع ذراعيه الواقف بجانبه يثير التوتر في خلاياه .. يعلم بان ذاك الخال ناقم عليه .. لا يسامح بسهولة .. ولا ينسى مطلقا ..
ينهمك في ترتيب حقيبته منحني الظهر : يبالها راحة وتغذيه .. بكتبلها ادويه لازم تاخذهن ع الموعد .. وان شاء الله خير .
ينهي كتابة الوصفة ويمدها لشبيب مبتسما : سمحولي .. وما تشوف شر .
ليبتعد على عجالة من المكان يصحبه منذر الصامت .. حتى ما خرج طالبا الطريق للبوابة الرئيسية نطق : مشكور .. والحمد لله ع السلامة ..
التفت وكأنه يرغب في اخفاء روحه الضائعة ناطقا على عجل : الله يسلمك .. والعفو هذا واجبنا ..
,‘,
الواجب المثقلة به النفوس .. يسير العقول حيث يرغب لا حيث يرغب مالكيه .. يكتنفها خوف من اصوات اقتحمت عليها هدوء غرفة والدها .. تذكره هنا نائما .. اخبرها في تلك الليلة انه يرغب بالنوم .. ولم تدرك ان مطلبه النوم الابدي .. وقفت بخوف امام الباب الموصد تحرك المفتاح ببطء ومن ثم تتحرك قبضتها المرتجفة على تلك البكرة تُديرها .. واذا به يُفتح فتشهق بخوف مبتعدة للوراء خطوات .. لتزفر بعدها براحة مثقلة بالرعب ويدها تقع على صدرها الهابط بقوة والمرتفع بلهاث يجبر الحروف على الانتحار قبل الخروج من جوفها .. ليأتيها صوتها : أنا اسفة .. لقد اخفتك دون قصد .
واردفت وهي تدخل مقتربة منها : هل انتِ بخير ؟
اسقطت جسدها على سرير والدها .. تُجزم بان الموت هلعا كان متربصا بها .. التقطت انفاسها .. ناظرة الى تلك السائقة المتطفلة في ساعة متأخرة من الليل . لتنطق بحدة : نيرما .. ماذا تفعلين في المنزل وفي هذه الساعة ؟
" رأيته خارجا كما الامس " .. قالتها ومن ثم اردفت وهي لا تزال واقفة امام تلك : انه لص .. لم يبقى في المنزل شيء .. اخذ الاجهزة الالكترونية .. والتحف الخزفية .. وذاك السيف المطلي بالذهب .. ماذا تبقى ؟ .. حتى سيارة والدك باعها ..
قلبت مقلتيها بسخرية : لم يبقى الا انتِ .
" أتسخرين مني ؟ " .. قالتها ووقفت تنحني لتلتقط ذاك المغلف الذي سقط منها في لحظة خوف : وماذا عساي ان افعل ؟
تحركت خارجة وتلك من خلفها : اتصلي بالشرطة .. يضعوا له حدا .. لص ومدمن .. دعيهم يردعوه عما يفعله هو وصحبه .
تسمرت في مكانها .. وكأن بالارض من تحتها مغناطيس يمنعها من الحراك .. لتنطق بخفوت : لا استطيع ؟
هي تعتبرها صديقة لا موظفة لديها .. دائما كانت تخبرها بذلك .. وهذا ما جعلها تمسكها من ذراعها تديرها اليها .. لتنظر تلك لوجهها الدائري المكتنز وعيونها الغائرة .. وشعرها الناعم الساقط على جانبي رأسها .. تنظر اليها ساخطة ناطقة : لا تدعيني اكره دينكم بعد ان احببته ..
" وما دخلي ان احببته او لا ؟ " كان سؤال ابعد معه يد تلك عن ذراع ريّا : لانكِ انتِ من حببني فيه .. اخبرتني ان المرأة مكرمة .. لا تُذل .. لا تهان .. ولا تداس كما يدوسك وليد .
لتكمل وقد ربعت ذراعيها : وما اراه عكس ما اخبرتني به .. أين التكريم في حالتك ..
خطت نحو اقرب اريكة لتجلس : حالتي مختلفة .. لا دخل لها بتكريم الدين لنا ..
تربت بقبضتها على جانب صدرها الايسر : هنا الم .. لا استطيع ان اتناساه .. ووليد اخي .. والناس لن ترحمني ..
- وهل سيرحمونك الان .. هه ..
متهكمة هي وتلك تعلم بان معها الحق فيما تقول .. تسمعها تكمل : عليكِ ان تنقذي نفسك ..
ثرثرت كثيرا على رأسها .. وهناك غصة استوطنتها .. ينحني معها رأسها للاسفل .. تتساقط دموعها وتأن شفتها السفلى تحت وطأة اسنانها .. وتلك تزيد من شحنها بالحديث المحرض على وليد ..
لتصرخ رافعة وجهها الغارق : كفى يا نيرما .. كفي عن الحديث .
عقدت حاجبيها وسرعان ما ارتخت ملامحها مستغربة حين اردفت تلك : لدي ملف اسود عند الشرطة .
" ماذا ؟ " .. لتستطرد : وان يكن ..
وقفت تلك تمسح دموعها .. تسحب المغلف معها : انتِ لا تفهمين شيئا .. الناس هنا لا يرحمون احد .. وعائلتي لن ترحمني ان فعلت شيئا لوليد .. ان فضحتهم كما حدث منذ ست سنوات ..
كانت تتحدث صاعدة للاعلى .. ناقمة هي على تهور فتاة كانت .. وعلى عائلة تبرأت منها ومن والديها .. تغلق الباب صارخة : محد بيفهم .. عمره محد بيفهم ..
ترمي المغلف من يدها على سريرها .. وتنهار جالسة .. سيكون مصيرها الموت ان فعلت شيئا لوليد .. سيدفنونها حية ان ارادوا ذلك .. فالسجن فضيحة .. ومركز الشرطة مقصلة معلقة من يدنو منها عليه الموت واللعنة .. وهي لُعنت دون الموت سابقا .. فهل تقود نفسها لبراثم هادم اللذات والسبب وليد .. فليمت هو .. وليموتوا هم .. وليمت الجميع .. لا بأس بأنانية مقننة .. تثير راحة مؤقتة في نفسها ..
,‘,
يــتــبــع |~