اوتار قلبها منذ البارحة تعزف سيمفونية لا تعيها .. لحنها غريب وكأنها قادمة من مكان لا حياة فيه .. مكان مغاير او لعله موازي للمكان الذي هي فيه .. جاءتها بالامس خالتها بحديث قاله لها حمد .. يخبرها بان سلطان راغبا بالارتباط بها .. ويشتري ابنة عمه .. وهل هي سلعة لتشترى ؟ .. تنهدت بعد ان افاقت من غيبوبة التفكير .. لينسل المشط من بين خصلاتها ليقبع على ظهر التسريحة داكنة اللون .. نظرت الى وجهها في تلك المرآة .. تخاطب ذاتها .. عينيها اللتان ابتعدتا عن النوم ليلا .. وفضلا السهر خلف افكار عقيمة تأخذها للبعيد .. كثيرا ما تركت سريرها لتصلي مطالبة رب الكون بالعون .. ليمدها بشيء تتمسك به .. لكن لا شيء .. لم ينتابها اي شعور .. فقط الفتور المخيف ..
وقفت لتحرك ساقيها خارجة من غرفتها بعد ان ارتدت " شيلتها " خوفا من مصادفة مطر .. سكون غريب طوقها وهي تقف على عتبات النزول .. تنظر الى الاسفل .. البارحة كانت هناك في الاسفل تحاول ان تتناساه .. وبعدها اجتاح كيانها بحديث كانت تخاف منه .. مشت بخطواتها تنزل الدرجات ببطء ويدها تعانق المعدن المذهب ..
تنهدت من جديد .. وهي تتخطى آخر عتبة للنزول .. وسرعان ما رسمت ابتسامة حين جاءها صوته مصبحا عليها .. لربما هي بحاجة للحديث مع من اعتبرته ابا لها .. تابعته بنظراتها الى الصالة التي جمعت احاديث نساء منذ ساعات خلت .. لتتبعه بعدها بقدميها .. حتى ما ولجت تسارعت انفاسها .. توتر يجتاحها .. ولكنها بحاجة لتصل الى جواب .. تحتاج لتُسكن الخوف الذي يعصف بقلبها ..
تقدمت منه وهو يرتشف له فنجان قهوة صباحي قبل ان يغادر الى حيثُ المزرعة .. لتقف : عمي اقدر اسولف وياك شوي ؟
ترك الفنجان من يده وابتسم : يلسي .. وقولي اللي عندج ؟
جلست على ركبتيها بخجل احاطها .. لتزدرد ريقها : عمي انت ربيتني مثل بنتك .. ووالله انك ما قصرت .. عرفتني الصح من الغلط .. بس هالمرة مب عارفه الصح من الغلط ..
شدت قبضتيها الساكنتين على فخذيها .. ونظرها يصب امامها .. لينطق هو : مها .. اذا ما تبينه محد بيغصبج .. حتى ولو كان ولد عمج ..
هزت رأسها بعنف ونظرها يرتفع ليقع على عينيه الغارقتان في تجاعيد خفيفة : مب ذا قصدي .. عمي انا ما اعرف سلطان .. ما اعرف اذا هو زين او شين .. عقلي ضايع مب عارفه افكر .. الموضوع وترني .. اخاف يمنعني اكمل السمستر اللي باقي لي اذا وافقت عليه .. اخاف انه ما يكون مثل ما احلم ..
تنهد : سمعيني يا بنتي .. محد ياخذ اللي يتمناه واللي يحلم فيه .. الحياة غير فديتج .. وسلطان ما اقدر اقول فيه الا الخير .. يمدحونه .. ويسد انه تغرب ورجع بشهادة عودة بدون ما يتأثر بالغربة .. صلي استخارة .. ولا تستعيلي بالرد .. وصدقيني اللي تبينه هو اللي بيستوي ..
وقف واردف وهي تقف معه : فكري زين لان هذي حياة كاملة مب يوم وليلة .. وحطي فبالج انه بيصونج دامه من اهلج ..
وابتعد لتتقاذف الافكار عليها من كُل حدب وصوب .. تجبرها على الضياع .. لم تنتبه لدخول خالتها حاملة صينية الافطار .. ولم تنتبه لسؤالها عن بعلها .. هي في دوامة جديدة عليها .. زواج ومسؤولية كبيرة .. ليلى في مثل عمرها ولكنها تراها مختلفة من ناحية تكوين اسرة .. حركت قدميها وهي تسمع صوت حمد في الخارج يتحدث في هاتفه .. فانصرفت عائدة ادراجها .. عليها ان تضع جميع الاحتمالات امامها .. ان هي وافقت فعليها وضع شروط اولها انهاء الدراسة واخرها العمل ..
وقف في ساحة المنزل حين باغته اتصال من شبيب .. ليرحب به كثيرا .. وسرعان ما قطب الحاجبين : انت شو يالس ترمس .. قلت لك هالسيرة لا تفتحها .. خالد ما عنده بنات ..
تنهد بخفوت وهو خلف مكتبه : عمي الله يهداك اسمعني .. لا تسكر باب النقاش بهالشكل .. لو ما متاكد انها بنته ما رمستك .. كلثم محتايتلكم انتوا اهلها .. و..
ليقاطعه وقدماه تدوران في ساحة بسيطة من تلك الساحة الشاسعة : شبيب كلمة وقلتها .. واذا امها رمتها عليك انا مب مجبور اربي عيال الغير .. وكلمة زيادة فهالموضوع ما اريد اسمع .. ووصل بنتها لها ..
الحديث كان امام ناظريها .. ومسامعها التقطت كل حرف قيل .. لتبتلع ريقها وهي تقترب من حمد الغاضب : بو خالد .. عندي سالفة ما قدرت اخبرك فيها .. بس دامني سمعت اللي سمعته لازم اقولك ..
انعقد حاجبيه : حفصة لا تقوليلي بنت خالد وانا بربيها .. الي سمعتيه الحين انسيه .. وشبيب بيرجع البنت لامها ..
هزت راسها بخفة : لا مب ذي السالفة .. تعال وياي وانا اخبرك ..
مشت امامه نحو مجلس الرجال الخالي .. هناك ستبعثر حديث ارادت ان تطويه في صدرها ولا تخرجه .. ولكن وجود كلثم وظهورها في حياتهم يستدعيها لان تتكلم .. لان تضع الحروف امام عيني حمد ..
جلست في زاوية الكنب الطويل ليجلس هو بجانبها على الكنب الاخر : خير يا حفصة شو اللي داستنه وتبين تخبريني عنه .
تحتاج الى القوة لتحكي .. وللهواء لتعُب رئتيها حتى لا ينقطع الحديث .. فشدت انفاسها : من ايام يتني هنا حرمة اخوها ..
حاجباه ينعقدان في عدم فهم لحديثها : حرمة اخو منو ؟
- الحرمة اللي يقولون ان خالد تزوجها .
اطرق السمع بصمت في رغبة لمتابعة الحديث من ثغرها .. لتكمل : يت ووياه اوراق .. هالاوراق تقول ان البنت مب بنت ولدك .. وفي اوراق غيرها تقول ان خالد عمره ما خذها .. ورقة الزواج كانت باسم ريال غير ... وشهادة ميلاد البنية باسم هالريال .. اولاد اخوانك ضحكوا عليك يا حمد .. والله العالم شو نيتهم ..
لتدارك ما سيؤول اليه حديثها اردفت : ويمكن هم بعد مخدوعين .. ما اعرف .. بس الاوراق قريتهن زين ..
صرخ : شو هالرمسة اللي اسمعها ..
كفاها يشدان على يده بقوة : الله يخليك يا حمد .. الحرمة حلفتني ما اقول شيء عن الاوراق .. تراها يايبتنهن بالخش .. الله يخليك لا تييب سيرة لشبيب ولجابر عنهن ..
سحب يده وهو يقف .. ونظراته تقدح بشرر نحوها : وليش ما تكلمتي من يومها .. الحين يايه تخبريني ..
وقفت وكفاها عادا ليشدان على يده : لا تخليني اخلف بوعدي .. ولولا الحلف والوعد كنت تكلمت من يومها ..
مشى عنها دون ان ينطق .. فذاك الحديث اخرسه .. بل انه اثقل لسانه عن البوح .. وقلبه بدأت نبضاته تتسارع حتى وكأنه في سباق مع ذاته .. ابتعد عن المنزل .. سيعيد ترتيب ما قيل .. وما سيقال سيرتبه ايضا .. ليس سهلا ان يُخدع ممن اعتبرهما في مكانة ابناءه ..
اما هي فجلست بانكسار .. تحاول ان تسيطر على انفعالات روحها .. ولسانها يتمتم بدعاء ليكون كل شيء بخير .. لا تريد ان تخلف بما اتفقت به مع تلك المرأة .. ولكن لن ترضى باستغفال زوجها من قبلهم .. لن ترضى بذلك ابدا ..
,‘,
منذ ان تركها شبيب متوجها الى عمله وهي تشعر بملل قاتل .. ونعاس يداعب مقلتيها كُل حين .. ولكن صوت جهاز التنفس يجبرها على عدم الاستمتاع باغفاءة حتى لدقائق قصار .. وتلك الجلسة المتعبة على تلك الاريكة الصغيرة تجعل عظامها تتأوه كلما استلقت .. اغمضت عينيها وقد اطلقت العنان لرأسها ليرتاح على ظهر تلك الاريكة .. فقط ستغفو قليلا حتى يأتي الطبيب يطمئن على تلك الصغيرة .. وربما تخرج معها بعدها ..
انفاسها بدأت تنتظم دون ان تشعر .. ارتحلت بعيدا عن صوت ذاك الجهاز .. ابتعدت عن زوايا المكان .. كلثم مستلقية في تعب انهكها .. وتنفسها شبه طبيعيا .. فلا تزال رئتيها تأنان تحت وطأت ضيق الانفاس .. جفونها تصدر حركة خفيفة تنبأ عن الاستيقاظ .. وسرعان ما فتحت عينيها .. ليس غريب عليها الصوت المسموع .. ولا قطرات البخار التي تشعر بهن على انفها واسفله وجانبي فيها .. كُل شيء تعرفه .. لتعود لها ذاكرتها .. تركتها والدتها واقفة هناك .. تقوست شفتيها وبنبرة متقطعة نطقت : ما .. ما ..
واذا بشهقاتها تتابع .. ونداء لامرأة كانت لها الصدر الدافئ .. رمشت تلك بعينيها مرارا وكأنها تستوعب الصوت الذي طغى على المكان .. لتعتدل في جلستها وسرعان ما تقف تشد خطاها الى ذاك السرير .. ويدها تقع على رأس كلثم .. وجذعها قد انحنى اليها : اشششش حبيبتي .. ليش تصيحين ..
- اريد ماما
وبابتسامة مع صوت حنون : خلاص فديتج لا تصيحين .. وماما بتي .. بس خلج شاطرة .. بعدين البنت اللي تصيح مب حلوة ..
اناملها تمسد شعر تلك الطفلة المجعد .. لتهدأ رويدا رويدا : عفيه ع الشطورة ..
تركتها لتسحب لها كرسي وتجلس بجانبها .. وكفها تمسك الكف الصغير : انا شامة .. وانتي شو اسمج ؟
لا اجابة تصلها .. وتقوس الشفتين لا زال قائما .. اما تلك الشهقات المتتابعة ارتحلت .. لتردف وهي تمسح دموع سقطت على جانبي الوجه الصغير : يعني ما بتخبريني باسمج ..
حركت راسها في سخط .. وقطرات دمع انسكبت من جديد .. لتسارع الانامل الصغيرة لليد الحرة لمسحها بعشوائية .. قلبها بدأ يؤلمها .. فحال تلك المستلقية لا يسرها .. تنهدت فلا تستطيع فعل المزيد .. ماذا عساه تقول لها .. كم من كذبة عليها ان تلقيها على مسامعها .. مسحت على شعرها من جديد .. وابتسامة ارتسمت على شفتيها : ما قلنا ما نريد دموع ..
لتسحب يدها بسرعة على صوت الطرقات .. وتسارع لترتيب " شيلتها " وتدس اطراف خصلاتها عن الاعين .. القي السلام من قبله .. لترده على مضض .. وتبتعد للوراء .. شعور غريب اجتاحها .. تشعر براحتيها تتعرقان .. ونبضات قلبها تتسارع .. وانفاسها تضيق .. تكره صنف الرجال .. او لعلها تكره ما يذكرها بما حدث لها .. وهو هنا مع تلك الممرضة .. وهي وحيدة .. تنظر اليه وهو منحني عليها ..
دخل بطوله الفارع .. ومن خلفه ممرضة تصل الى اسفل كتفه .. ليبتسم بعد القاءه للسلام .. وينحنى على ذاك السرير : شخبار بنوتتنا الصغيرونه ..
تعرفه .. وتذكر معاملته لها .. طبيبها المعالج .. رأى تقوس شفتيها يزداد .. ونوبة بكاء على وشك الانطلاق : افااا .. الحلو زعلان منا ..
اشار للممرضة لتنزع ابرة المصل من كفها .. واقترب اكثر هامسا في اذنها : اذا صحتي مافي حلاوة .. ولا باخذ الكمامة عن ويهج ..
ابتعد ليرى عيونها جامدة ودمعها ينسحب على جانبي صدعها : تبيني اخذها عن ويهج ..
صرخت بتأوه حين المتها الابرة .. لتهز رأسها له : ما اريدها ..
ابتسم .. لينزعها عنها ويرفع رأسها قليلا ليسحبها بعيدا : اليوم انتي احسن واايد .. خبريني من متى وصدرج يعورج ..
رفعت كفها الصغير وهي تعد على اصابعها بكفها الاخر .. وابتسامته تزيد حين رأى الفرح في عينيها .. لترفع اصابعها له : سته .. يمكن .. ما اعرف
لتردف حين رفعها لتجلس : ماما تقولي ما العب .. بس انا ما العب .. هو بروحه يعورني .. مني يعورني ..
وضعت كفها على صدرها : الحين ما يعورني ..
-لان كلثم شطورة وتسمع الكلام .. عشان جذي راح الويع ..
ضحكت وكأنه انساها كُل شيء : انت خبرتني ..
ضحك بخفة : خلاص .. كل ما تسمعين كلام اللي اكبر منج الويع يخاف ويشرد ..
التفت لشامة الواقفة بارتباك بعيدا عنهم .. لينظر هو بدوره لها .. لتزدرد ريقها .. لماذا ينظر اليها .. يكفي خوفها لوجودها بمفردها .. شعرت ان الانظار تبتعد فرفعت نظرها .. لتسمعها تنطق : سمعت كلام ماما .. بس ما راح ..
قبل جبينها وكأنه يحاول ان يبعدها عن اي شيء يعيد الدموع لها : يمكن ما سويت كل اللي طلبته منج .. لازم تسوين كل شيء ..
طوحت برأسها نافية : سويت كل شيء .. راحت .. ومريوم راحت .. ما ..
شدها الى صدره يهدأها .. واذا به يوجه كلامه الى شامة : شو اللي مستوي ..
حين رأى حركة رأسها بعدم المعرفة .. اردف : خلي شبيب يمر علي المكتب اول ما يوصل ..
ليتابع بعدها الحديث مع تلك الصغيرة .. نسى سنه ليكون في مثل سنها .. يضحك معها ويداعبها .. ويمنحها لوح من الشكولاتة .. تراه وتتمنى ان يترك المكان .. هي لا تستطيع ترك الغرفة وترك تلك الصغيرة وحدها .. فـ شبيب قد اوصاها بالعناية بها .. وبعدم تركها .. اخبرها ان تكون لها اخت كُبرى وتنتظر انتهاءه من عمله وعودته اليهما .. تنهدت لتعود ادراجها الى تلك الاريكة .. وتقبع عليها جالسة .. وعيناها للاسفل .. واسماعها الى ضحكات ذاك الطبيب .. الا يوجد لديه مرضى اُخر يهتم بهم ؟
يالله .. أين أنت يا شبيب .. بدأت اختنق هنا .. وذاك الطبيب لا يرغب بالمغادرة .. وصغيرتك تلك راضية بوجوده حد المشاكسة معه .. ماذا بي ؟ اشعر وكأن هواء الغرفة انسرق .. وأن صدري يجثم عليه شيء ما ..
سحبت انفاسها وقامت واقفة .. وبنبرة مرتجفة : بكون برع ..
لتتسابق خطواتها للخارج .. لم ينتبها لها .. ولم يسمعا نبرتها تلك .. ليشد على كفها : كلثوم انا بروح الحين .. في صغاريه غيرج يبوني اعطيهم دواهم .. لازم اروح ..
تمسكت به .. هو الوحيد الذي اشعرها بالامان .. تعرفه ويذكرها بوجود والدها : لا تروح .. انا ما بصيح ..
يده تمسح على شعرها : تبين اليهال الصغار يصيحون .. ويتعبون ؟
هزت رأسها بالنفي ليردف : عيل لازم اروح .. وانتي خلج شطورة عشان تطلعين وتروحين البيت ..
ستفعل ما يقال إن كان سيوصلها الى كنف والدتها .. لن تبكي .. لن تصرخ بالمطالبة .. فقط ستكون هادئة .. ستقوم بما يريده منها ان كانت النهاية التي تتمناه ستكون .. والعودة الى والدتها واختها ستتحقق ..
,‘,
,‘,
طرق العودة لا بد لها ان تكون في يوما ما .. وقد لا تكون .. معادلة من الصعب ان تقاس على قانون .. عاد ليقف ينظر الى الجدران .. يذكر ان رقمه كان بين الاسماء في هاتفه .. ولكن ما لا يذكره هي تلك الارقام بعينها .. تنهد وهو يرفع نظره للسماء .. الشمس حارقة والباب موصد .. والجرس قد تعب من ضغط اصبعه عليه .. اين هم .. لما لا يجيب احد .. اسند ظهره للجدار في الظل الهارب لجهت الغرب .. ساعات وسيختفي خلف الجدار وتجتاح اشعة الشمس الجهة الواقف فيها .. ساقه تنثني ليثبتها على الحائط .. ويده تقبض على هاتفه .. يحاول ان يتذكر الارقام .. هناك تسعة .. و اربعة .. وخمسة .. لا .. لا يوجد خمسة .. نفض رأسه من تعب التفكير .. تلفت .. ثم تسمر نظره على المنزل المقابل .. هناك ام نوال .. قد يجد عندها الجواب ..
دس هاتفه في جيب بنطاله .. وانحنى ليرفع حقيبته بيمناه .. وسرعان ما تخطى الاسفلت ليقف امام باب المنزل .. رأته يتجه نحو منزلها .. فاسدلت الستار .. الشخص ليس غريبا .. وجهه مألوف لكنها لا تذكره .. جفلت وهي تسمع رنين الجرس .. لتسحب " شيلتها " وتغطي رأسها .. مشت بتردد .. حتى ما وقفت قريبا من البوبة سكنت .. لعله ذهب .. واذا بالجرس يرن من جديد .. سحبت انفاسها وزفرتهن .. لتفتح الباب قليلا ..
ابتسم حين تحرك الباب .. ليلقي السلام وترده .. يراها تتفحص وجهه فشعر بالحياء لفعلها .. ليسقط نظره للاسفل .. ويسمعها تسأله : خير اخوي .. بغيت شيء ..
رفع نظره لبرهة من خلف نظارته .. واعاده بسرعة : دقيت ع بيتنا بس محد طلعلي ..
باستغراب اجابته بسؤال : بيتكم ؟
ابتسم لتبان فتحة في جانب اسنانه .. هناك سن مفقود .. تتأمله بكل تفاصيله .. وهو يغرقه الحياء من نظراتها الجريئة .. ليجيبها : اقصد بيت جابر .. وينهم ؟
تشدقت : اها .. محد .. خلوا البيت وراحوا ..
انعقد حاجبيه : انزين ما تعرفين وين راحوا ؟
ابتسمت وكأن خبثها عاد من جديد .. ستفعل شيء يريحها : لحظة شوي .. بيبلك رقمهم ..
وغادرت ليظل واقفا .. وتعود بعد دقائق تملي عليه رقم ليلى .. لربما يدب الخلاف بينهما بسبب هذا الغريب .. اخذ الرقم شاكرا لها .. وابتعد عن المكان .. لتغلق البوابة وتعود الى مكانها .. وابتسامة نصر رافقتها .. شيء أخير لعله يريح بالها .. لا يهمها الا ان تأول خططها للنجاح .. رمت بنفسها على سريرها .. وضحكة جنونية صدحت في ارجاء الغرفة ..
,‘,
حلم راودها لمدة طالت شهورا .. ترى المتزوجات ينجبن من بعد زواج سنة وهي طالت السنه ولم تحمل في احشاءها نطفة منه .. اتعبها ما يحدث .. والآن تناست تعبها .. وخوفها .. جُل تفكيرها ينصب على تلك الروح الصغيرة القابعة في احشاءها .. لا يهمها ان غرسوا فيه ملايين الابر .. لا يهمها ان اكلت آلآف الادوية .. ما يهمها ان يكون ذاك الصغير بخير .. فاجأته بعدم خوفها من ابرة الحديد التي طالت في يدها .. فاجأته بهدوءها .. وابتسامتها .. وضحكات عينيها التي لا تختفي .. ينظر اليها بجانبه .. تريح رأسها على الكرسي .. متعبة .. ولكنها تجد لذة في تعبها .. ترى في كل خطوة سعادة تناديها .. ابتسم وهو يعود بنظره على الطريق .. حتى اذا توقفت العجلات ناداها بخفة ..
سمعت صوته الهادئ فادارت وجهها اليه : هممم
- وصلنا .. والا عيبتج الرقدة هني ..
ضحكت فابتسم .. حثها على النزول .. وساعدها بان امسك بكفها ومشى معها .. لا يعلم لما يشعر بها بهذه القوة في هذه الايام .. يشعر بانها ستطير في السماء فرحا .. ستحلق امام ناظريه .. وصلا .. واذا به يُخرج المفتاح من جيب ثوبه .. وهاتفه سبقه الى كفه .. ليلجا وتسبقه هي الى الغرفة .. تلفت في المكان ليحث الخطى الى المطبخ .. ويجد تلك الخادمة تقطع خضار السلطة : سوي عصير برتقال ويبيه لمدام ليلى ..
ردت عليه وتابعته يغادر .. لتغسل كفيها وتمسحهما بثوبها .. وتحث الخطى الى الثلاجة تخرج البرتقال لتقوم بعصره .. اما هو فولج الى الغرفة واغلق الباب .. واذا به يعقد حاجبيه حين رآها مستلقية بعباءتها .. و" شيلتها " قد رمتها بأهمال حتى تدلت من على السرير قريب قدميها .. تقدم ليجلس بجانبها : ليلى فيج شيء ..
فتحت عينيها بارهاق .. وهزت رأسها بالنفي .. ليردف هو : تغدي وبعدين ارتاحي ..
ابتسمت : المفروض تقول صلي وبعدين تغدي وبعدين ارتاحي ..
قهقه واذا به يصمت وهو يضع كفه على بطنها : من الحين قام ينسي ابوه اهم شيء فالحياة ..
ابعدت يده واعتدلت : ما اسمحلك .. انت بروحك نساي .. لا تحط اللوم عليه ..
وقف : الله يالدنيا .. الحين هو صار الكل بالكل وانا ركنتيني ع يانب ..
ابتسمت .. وقبل ان تنطق رن هاتفها .. ليسحب هو حقيبتها القابعة على اخر السرير .. ويفتحها ليخرجه لها .. انعقد حاجبيه : رقم مب مدون .. انتي عاطيه رقمج لحد ..
نفت واذا بها تمد يدها لتأخذه .. حملقت فيه لبرهة .. ومن ثم رفعت نظرها له حين صمت الرنين : ما اعرفه .. اكيد حد غلطان .. واذا شيء مهم بيرد يتصل ..
رمته جانبا ووقفت : بتسبح وبصلي الظهر .. و ..
قاطعها الطرق على الباب .. لتلج تلك الخادمة بعد ان اذن لها بالدخول .. وبيدها كأسين من العصير .. تناولهما منها وترك الصينية على الطاولة الصغيرة .. ليلتقف احدهما ويتقدم من ليلى يمده لها : شربيلج شوي وروحي تسبحي ..
اخذته من يده لترتشف منه .. واذا بها تعيده ليده حين رن هاتفها من جديد .. انحنت لتاخذه .. زفرت انفاسها والتفت له : نفس الرقم ..
- ردي عليه ..
ضغطت زر الرد واذا بها تردفه على اذنها .. نطقت بالـ " الو " .. لكن لا من مجيب .. سوى انفاس تسمعها .. اعادت الكلمة من جديد .. ليأتيها الرد : اسف اختي .. شكلي غلطت بالرقم ..
ليغلقه بسرعة .. وترميه من جديد وتبتعد : يقول غلطان ..
لم يهتم .. ليخرج من الغرفة يحمل بيده كأس العصير وهاتفه في الكف الاخرى .. ليتربع على الكنب الطويل .. يترك هاتفه والكأس على الطاولة الصغيرة بجانبه .. ويلتقط جهاز التحكم .. ليتنقل بين القنوات .. ليستقر على " ام بي سي 2 " وفلم المساء قد تمت اعادته .. يتابع ويرتشف من العصير .. سينتظر الاذان وبعدها يغادر الى المسجد ..
وهو بين افكاره وبين مشاهدة التلفاز اذا بهاتفه يرن .. يسحبه اليه ليفاجئ بالمتصل : هلا عمي .. شخبارك وعلومك .. عساكم بخير ..
ليأتيه صوته الغاضب : وين شبيب .. ليش ما يرد على تلفونه .. والا عرف ان كذبه انكشف وقام يتهرب ..
وقف في فزع : عمي شو مستوي .. واي كذب ..
لم يجبه الا بأمر : اريدك تكون وياه عندي فالبيت اليوم .. دوره وييبه وياك ..
ليغلق الهاتف في وجهه .. استغفر ربه .. واذا به يبحث عن شبيب بين القائمة ..
,‘,
ذاك الذي ارتسمت على وجهه ابتسامة نصر لطالما نشدها .. فذاك المجرم يجلس قبالته في هذه الساعة .. وهو يرغب بالمزيد من تلك الاخبار المتعطش لها .. هادئ .. بل وكأنه جثة هامدة .. يثير الخوف في قلب ذاك النحيل الجالس على الكرسي ..
طلب من حارس السجن ان يقابله .. يرغب بقول امور تتعلق في تلك الليلة .. يرغب في تخفيف الحكم الصادر بحقه .. كره حياة السجن بعيدا عن الحرية .. كره الصحبة التي معه .. جلس بتوتر .. وذاك ينتظر منه المبادرة بالحديث ..
لينطق : بغيتني .. ياللا اسمعك ..
بلع ريقه ونطق بعدها وفي عينيه امل يرتجيه : انتوا قلتوا اذا ساعدناكم بتخففوا علينا .. وانا بساعدكم باللي اعرفه ..
الصمت فقط من قبل ذاك المنتظر .. نسى تعب جسده الذي لم يذق النوم منذ الامس .. نسى ارهاقه .. وهاهو يجلس يستمع بكل تركيز .. ليردف ذاك : ذيك الليلة .. خلفان ياه اتصال .. ما اعرف من منو .. بس خلانا وراح بعيد يتكلم .. عقبها يانا وقالنا بنفذ المهمة .. ورحنا وياه ع اساس نسلمكم البضاعة اللي عندنا وناخذ الفلوس .. بس يومها خلفان خلانا احنا نتقدم لكم وهو بقى عند السيارة .. وقبل ما نتحرك صوبكم يته رسالة .. ما اعرف شو فيها بالضبط .. وصار اللي صار عقبها ..
ابتسم : الحين تريد تقولي ان خلفان هو اللي يعرف .. ترا ع فكرة موبايلاتكم تم تفتيشها .. ما حصلنا شيء ..
حرك رأسه : ما اعرف .. هذا اللي اعرفه وبس .. احنا كنا رايحين واحنا ضامنين المبادلة 100 بالمية .. وخلفان هو اللي بدا وضربكم بالرصاص .. هو اللي يدري بكل شيء ..
زفر انفاسه .. فما يقوله ذاك لن يوصله الى شيء .. فالمدعو خلفان لن يعترف .. حاول معه مرار ولاذ بالصمت .. فقط السكوت كان جوابه على كم الاسئلة التي القيت على مسامعه .. نادى على الشرطي لياخذه الى زنزانته .. يشعر بان الخيط الذي تعلق به كان مهترئ وقطع قبل ان يصل لمبتغاه .. اسقط رأسه على رأس كرسي الجلد الاسود .. وكفه سارعت لدعك عينيه .. وانسحبت انامله على انفه ومن ثم لحيته .. منهك الى حد السقوط ارضا .. حتى الساعة ارتشف خمسة فناجين من القهوة .. فقط ليبقى مركزا .. لكنها لم تكن ذا فائدة .. قام واقفا ليسحب قبعته .. ويرتحل عن المكان ..
آه كم احتاج الى قسط من الراحة .. جفناي ثقيلان .. وخيالات اشخاص تراودني .. ونبضات قلبي تشعرني بحدوث شيء لا احبذه .. لماذا بات طيفك يا حارب يراود احلامي في ايامي التي خلت .. هل ظلمي لك هو السبب ؟ بل هل ظلمتك ؟ اشعر بشتات يدمر عقلي .. وكلثم .. والف سؤال ارغب بالاجابة عليه .. لماذا ؟ .. اوليست هي من تمسكت بها وترجتني ان اتركها .. اوليست اسقطت دموعها امامي حتى ابتعد واتخلى عن وصية طوقت رقبتي .. وماذا الآن ؟ ماذا الآن يا شبيب ؟
قبع على كرسيه .. واذا به ينتبه لهاتفه في ذاك الصندوق .. نسيه هنا .. ونسى العديد من الامور .. فغضب والدته في الصباح حين عاد ليغير هندامه لاجل عمله وضعه في ضياع .. لا يلقي باللوم عليها .. فهي تبحث عن راحته .. ولكن هذا عمله .. وتلك وصية من اعز اصحابه .. تنهد وهو يرى الاتصالات الواردة .. شامة .. وكنة .. ووالدته .. وما يفوق العشر مكالمات من عمه .. ارتعب قلبه .. ليهتز الهاتف في يده .. واسم جابر هناك ..
يحشر سماعته في اذنه ليجيب : هلا جابر .. شو مستوي عمي متصل علي فوق العشر مكالمات ..
اتسعت عينيه : شو تقول .. ما خبرك شو مستوي ..
تنهد : جابر خلاص نلتقي عقب ساعة .. الحين انا رايح المستشفى .. باخذ كلثم وشامة للبيت .. وبشوف الدختور شو يريد مني .. لا لا .. من شوي وصلتني رسالة من شامة .. رخصوها ..المهم نلتقي ..
اغلق الاتصال .. ليصدح صوت اذان الظهر في مسامعه .. وياخذ طريق فرعي يوصله لاقرب مسجد .. سيصلي وبعدها سينهي اعماله .. لم يستطع البقاء في عمله حتى العصر .. فعينيه بالكاد يستطيع ان يفتحهما .. وهاهو بعد نصف ساعة يسير في ممرات المستشفى بعد لقاءه بذاك الطبيب .. يخبره بان التهاب الشعب الهوائية عندها كان قويا .. كان هناك اهمال في مراجعاتها .. لا يريد للامر ان يتكرر .. وهاهي مسؤولية ترمى عليه دون رحمة .. لا ينكر بانه سعيد لوجود تلك الصغيرة في حياته .. ولكن ماذا بعد ؟ هل ستتقبل هي هذه الحياة .. هل ستتقبله في حياتها .. تنهد وتبعها بابتسامة .. يشعر بانظار المراجعين عليه .. أيستنكرون وجود رجل أمن هنا .. وصل اخيرا .. ليسمع صوت شامة وهي تحاول ان تلعب معها لعبة قديمة ..
" خوصة بوصة يالنبوصة .. كلاج الدود من حمدون ".. تنطقها شامة وهي تمر على اصابع كلثم المفرودة على طرف السرير بسبابتها .. وعلى اصابع كفها اليسار ايضا .. وما ان وصلت نهادية تلك الاهزوجة .. حتى صرخت كلثم : ما يصير ..
لتضحك معها وسرعان ما يصمتان لدخوله .. يدنو من السرير وتلك تنظر اليه بشرود .. تعرفه ولا تذكره .. لينحني يقبل رأسها .. ويحدثها : شخبار بنتي الصغيرة الحين ؟
التفتت لشامة وكأنها تسألها من هذا .. لتبتسم تلك : تاخرت علينا .. من متى اتصل فيك وانت ما ترد .. مليت هني ..
- سامحيني فديتج .. بس نسيت الفون بالسيارة .. المهم ياللا بوصلكن البيت
تنظر الى عينيه المتعبة .. فتبتسم لتنطق : انت كنت اتينا البيت ..
تذكره .. لا تزال تذكر جمعاته مع والدها .. رغما عنه ابتسم وضمها اليه : هيه كنت اييكم ..
الحزن هذا ما تراه في عينيه .. حزن ممزوج بتعب .. ونظرة رأتها بالامس .. نظرة الى الآن لا تعيها .. حملت نفسها تتبعه وهو يحمل كلثم على ذراعه .. ولسانها لا يكف عن الثرثرة .. تسأله ان يأخذها الى والدها .. وان يلعب معها كما كان يفعل بصحبة والدها .. وهي تنظر الى وجهه لتجد مسحة حزن رغم ضحكاته معها .. ووعوده التي لا تعلم ان كان سيستطيع الوفاء بها .. فكيف له ان يأتي بوالدها .. او بوالدتها .. كيف له ان يتصنع الجلد بهذا الشكل .. قاسي على نفسه .. عقلها يكتب تساؤلات على صفحاته ولا من مجيب عليها ..
صامتة في تلك السيارة .. وكلثم في حجرها .. متعبة وسيطر عليها النوم .. لتسقط رأسها على كتفها ..
نظرت اليه : شبيب
دون ان يبعد نظره عن الطريق : آمريني ..
- فيك شيء ؟
في داخلي اشياء يا شامة .. ابتّي تقرأيني كما كانت كنه قبلا تفعل .. هل ستكونين مثلها يوما .. تقرأين آهاتي من عيني .. وتضحكين لتُضحكيني .. ام سابقى وحدي .. سأتوه وحدي .. بماذا عساي اجيبك .. سؤالك صعب يا شامة .. صعب بصعوبة الصعود على سطح املس قائم .. هل جربتي هذا الشعور يوما .. اني اشعر به يدمرني ..
ابتسم وصمت .. لن يجيب .. لن يكذب .. هو بخير وليس بخير .. وعقله يترقب القادم من عمه .. توقفت العجلات .. لينظر اليها : لا تحاتين ما في الا الخير ..
نزل ليحمل الصغيرة عنها ويسبقها الى الداخل .. سيضعها في غرفته اليوم وقد يكون غدا ايضا .. وقد يستمر الى الابد .. دخل لتستقبله والدته .. تسأل عن حال الصغيرة .. فيجيبها بجواب مختصر .. ويتركها واقفة تنظر لسيارة التي توقفت .. وذاك الاخ الذي ترجل .. وشامة تقف مكانها تنظر الى هاتفها .. يقترب منها ويلقي السلام فترده وتبتعد .. تنهد فعلاقته معها ليست على ما يرام .. ابتسم وهو يدنو من شقيقته الواقفة عند عتبة الباب .. قبل رأسها : اخبار ام شبيب ..
لتباغته : انت وين كنت .. يومين غايب ما ندري عنك .. ولا كأن هني بيت يحتايك ..
طوق كتفيها وشدها اليه وهو يلج الى الداخل .. لتبتعد عنه وتتابع خطواتها بدونه ..
- اووف اووف .. شموس زعلانه علينا – عاد يطوقها ويقبل راسها – فديت الزعلان يا ناس ..
دفعته عنها : يوم تحس ع دمك تعال راضني .. ما بيي من وراك الا الهم ..
ابتسم : انا رايق .. ولا اريد سالفة راحت تنفتح يا شمسة .. نسيتها وانتي نسيتيها .. فلا تخبصين المواضيع فبعضها .. الموضوع تسكر من اكثر من 11 سنه ..
" شو بلاكم " قالتها تلك العجوز وهي تمر من جانبه تتعكز على عصاها .. لتردف وهي تستند على ذراعيها لتجلس : شميس خلج منه .. ولا اطلعين قهرج ع الرايح واللي ياي .. تراج بتخسرين ..
قبل ان تنطق نظرت الى شبيب .. يرتدي ثوب اماراتي ابيض .. وغترة لفها على رأسه .. لتقترب منه : ع وين .. لا تقولي شغل .. تراك من امس واقف ع ريولك .. ارحم نفسك يا شبيب .. الدنيا ما بطير ..
- زين انك طلعت .. استلمها عني ..
قال جملته وابتعد .. وهي زفرت انفاس الغضب .. ليبتسم ويقبل رأسها : عمي يترياني يالغالية .. وكلثم فحجرتي ياليت تبارونها الين ارد .. لا تخلونها بروحها .. والادوية عند شامة ..
نظرت الى والدتها : شفتي ياميه .. وتقوليلي لا انقهر .. شفتي فعايلهم .. ولا همهم شيء ..
ضحك بخفه : يالغالية ليش معصبة جذي .. هو جسمي والا جسمج فديتج ..
نظرت اليه بغضب : هذا يزاتي لني احاتيك .. سو اللي بتسويه .. ما يهمني ..
طوح برأسه وهو يتتبعها بنظراته .. ليحث الخطى بعد ذلك الى جدته .. يقبل رأسها .. ويجلس بجانبها : شو بلاها .. ترا والله ياميه اللي في مكفيني .. ولاني حمل زعلها ..
ربتت على فخذه : قوم .. قوم روح لعمك شوف شو يريد منك .. وشموس بتزعل وبترضى من كيفها .. قوم وانا امك ..
,‘,
,‘,
دقائق واذا بسيارته تتوقف عند منزل حمد .. وسيارة جابر متوقفة قبله بدقائق .. ينتظره ليدخلان سويه .. لا يرغب بان يكون الاول .. بل انه لا يرغب بان ياخذ التعنيف لوحده .. ضحك وهو يدنو منه حين ترجل من سيارته .. ليضربه على كتفه بقبضة يده : عوايدك ما تخليها .. الين متى تخليني كبش الفدا هاا ..
قهقه جابر بعنف : حرام عليك .. تراني اريدك تقاسمني باللي يصير ..
رفع حاجبيه : لا والله صدقتك .. اقول خلنا ندخل ونشوف عمي شو يبانا ..
يجلسان في انتظاره كتلميذين عوقبا وفي انتظار تنفيذ ذاك العقاب .. هدوء يعم المجلس .. منذ ان خرج مطر من المكان خيم السكون على ارجاءه .. وسرعان ما وقفا على صوت حمد الملقي السلام .. ليرداه ويتقدما يقبلا رأسه .. واذا به يتحدث : هذا سواه تسويها يا شبيب انت وجابر ..
نظرا الى بعضيهما بذهول .. لينطق شبيب : خير يا عمي ..
ليصرخ فيه : من وين بيي الخير .. وانتوا لا قدرتوني ولا احترمتوا اني عمكم .. ياي تكذب علي .. وانت – يوجه حديث لجابر – ياي تبيني اصدق كلامه .. شوهتوا سمعة ولدي .. خليتوه ولا شيء فعيون اخوانه .. اتهمتوه انه معرس وعنده بنت ..
جابر : شو هالرمسه يا عمي .. احنا ما كذبنا ..
- كذبتوا ونص .. افاا يا ولد ناصر .. افاا .. قلت شيبه وبضحك عليه بكم كلمة وبخليه ياخذ البنت .. تبيني اسوي يميله ( معروف ) فحد بسويها بس بدون كذب .. وبدون ما تطعنون فاخوكم وهو ميت ..
- عمي ..
كان سيتحدث سيدافع عنه وعن شبيب .. واذا بكف شبيب تمنعه .. عمه غاضب .. لا يناديه باسم ابيه الا اذا آلمه بافعاله .. افعال هي حقيقة .. وهو يؤكد ذلك .. تقدم منه : عمي .. عمري ما كذبت .. ولا بكذب وبطعن فخالد وهو تحت التراب .. انا وسعد كنا شاهدين ع عقد الزواج .. و البنت عندنا واذا تبون نسوي تحليل نأكد انها بنتكم خل مطر يروح ويانا اذا انت ما تريد ..
رص على اسنانه بغيض : خلك بعيد عن عيالي يا شبيب .. والا والله .. وهذا انا حلفت .. والله لا انا اعرفكم ولا تعرفوني ..
تقدم جابر حين رأى الوجوم على وجه شبيب : عمي شو اللي مستوي .. منو اللي قالك ان السالفة كذب .. خبرنا واحنا بنيبه الين عندك يحلفلك بصدقه اذا يقدر .. ومليون بالميه ما بيحلف بهالشيء لانه كذاب ..
- كلام وقلته لكم .. غيره ما عندي .. وطلعوا من بيتي .. اذا ما عندكم شيء .. والبنت خلها عندك اذا تبي تربي ولاد الحر..
قاطعه : لا تزيد يا بو خالد .. لا تزيد وتحط فذمتك .. انا طالع .. بس قبل ما اطلع ..
دنى منه وقبل رأسه : هذا راسك احبه .. وحقك علي اذا اخطيت .. تبقى فمقام ابويه الله يرحمه .. واحترامك واجب علي ..
دنى الاخر منه وقبل رأسه : سامحنا يا عمي .. والله يسامح اللي كان السبب ..
تركا المكان .. ليتسمر هو في مكانه .. هل اخطأ ؟ لماذا يظل شبيب مختلفا .. لماذا يظل الاحترام قائما في تصرفاته رغم ما حدث .. مشى .. ليرمي بجسده على الارض ويستند بظهره على الكنب .. قسى عليهما .. وفي ظنه بانهما يستحقان المزيد ..
,‘,
والظروف قست عليه هو .. قست حتى جعلته عاقد الحاجبين دوما .. يرى الحياة الماضية تنسل من بين كفيه .. راحته ترتحل بين اثنتين .. عشق قديم .. وامر فرض عليه .. خرج من غرفته وقد شمر عن ساعديه متوضيء .. ليقف عند عتبة الصالة ناطقا : كنه تجهزي بصلي وبنروح السوق نتشرى اللي تبونه لرمضان ..
كانت جالسة هناك مع شقيقتيه ووالدته .. تقطع الفاكهة في الصحن .. تلتقف " كيوي " وتقشره .. لتنطق تلك الجالسة بجانبها بهمس لا تسمعه ابنتيها اللتان تشاهدان التلفاز : كنه .. زعلانه علي ؟
أهو الشعور بالذنب .. ام هو تبرءة للذات مما قد يكون ؟ .. ابتسمت .. ودون ان ترفع نظرها : قدر الله وما شاء فعل ..
وصمتت .. اخرست تلك العجوز بجملتها .. ماذا عساه تجيبها .. اتخبرها بانها تتأوه ليلا عندما يكون هناك مع الجديدة .. اتخبرها بانها لا تنام حتى الفجر فقط لتخرج وتراه خارجا للصلاة فتطمئن .. ماذا عساه تجيب .. اتحكي لها عن اسطر وجهه الحزين .. عن احرف الوجع التي حفرت بين ثنايا روحه .. هي لم تفهم .. ولن تفهم .. رفعت رأسها لصوته : ان شاء الله ..
ليأتي صوت تلك التي وقفت على مقربة منه : وليش هي مب انا .. من يوم ما خذتني ما طلعتني مكان ..
نظر اليها بغضب : لانها تعرف شو يريد البيت اكثر منج ..
ربعت ذراعيها على صدرها : اها .. ترا بيتنا ما يختلف عن بيتكم .. ولا اكلات رمضان تختلف ..
ابتسمت كنه : خلاص يا فارس .. خلها هي تروح ..
لتنطق والدته : طلعها يا ولدي .. هكوه اخوك سافر وييا حرمته يعتمر .. ما فيها شيء لو طلعتها من البيت وياكم ..
نظر اليهن .. فاختيه قد شدهما الحديث : امايه سمحيلي ..بس اللي بيني وبين حريمي ما اريد حد يدخل فيه .. واللي بيني وبين كنه سلوى ما لها علاقة فيه .. واللي بيني وبين سلوى كنه مالها اي علاقة فيه ..
قال جملته الاخيرة وهو ينظر لكنه .. ليلتفت بغضب على صوت سلوى العالي : انت شفيك .. حتى اهلي ما خذتني لهم ..
- قلتلج آخر الاسبوع ..
- بيكون رمضان .. وانا اريد اروحلهم قبل ..
الصمت من قبل الاربع الجالسات .. وحديث غضب يتبعثر من فيه : سلوى قلتلج بنزورهم آخر الاسبوع ..
لتصرخ : انت شفيك .. ماخذني عشان تحبسني والا شو .. حتى حقوقي حارمني منها ..
هنا لم يتمالك نفسه .. ليشدها من عضدها .. تقسم بانها شعرت باصابعه تحفر لحمها لتصل للعظم .. شدها من المكان بعنف .. حتى ما ولج الى غرفتهما رماها على السرير : انتي ما تستحين تقولين هالكلام قدام امي وخواتي .. خذي مني باللي يرضيج يا سلوه .. اذا طلعت كلمة من هالكلام لهم .. ولا طلعت رمسه عن اللي يصير هني ما تلومني الا نفسج ..
وقفت لتنظر اليه بتحدي : ليش بتهجرني .. تراك هاجرني .. ومسوي فيها الديّن المحافظ ع الصلاة .. وانت كلك اكاذيب .. ليش اتيي هني دامك ما تباني .. والا عشان يقولون انك عادل بينا .. عادل طل ..
دنى منها حتى صار وجهه بوجهها : سلوى قصري الشر .. والا والله ما يردني عن الطلاق شيء ..
- تباها من الـ...
صمتت حين قاطعها الطرق على الباب .. ليشد خطاه بغضب .. ويفتح الباب بقسوة : خير ..
ازدردت ريقها .. فارس يعاني .. عشقها وحبها وروحها يعاني .. بعيون تكاد ان تغرق : الخير فويهك .. بس صوتكم عالي .. وصلاة العصر بتفوتك ..
اغمض عينيه .. وسحب انفاسه ليزفرهن .. هي لا تستحق قسوته هذه .. ابتسم : يزاج الله خير .. لا تنسين تتجهزين ..
خرج ليغلق الباب على الاخرى .. تشعر بالغيرة تتآكلها .. يعاملها كحثالة التقطها من الشارع وليست كزوجة لها حقوق ترغب فيها .. ترى تعامله مع كنه فتتحسر .. تسمع ضحكة شقيقتها في الهاتف وفرحتها فتندم .. لماذا رمتها الاقدار هنا .. لماذا رمت هي نفسها في هذا الجحيم الذي تحياه .. جلست على السرير بغضب .. لا تعلم كيف تجعله يلين لها .. كيف تكسبه وتسحبه من احضان القديمة .. هي الجديدة وهي الاحق به من تلك ..
انهى صلاة العصر جماعة في المسجد .. ليمسك المصحف بعدها يقرأ فيه .. قرأ كثيرا من الايات .. رتل العديد والعديد .. وهناك عينان ترقبه .. ترقب تغيره .. ترى ابتعاد فارس الذي كان .. فارس مختلف .. عيناه تحكي احاديث مكبوته لا ترغب بالخروج .. دنى بخطواته وثوبه الكاشف عن اسفل ساقه .. ليجلس امامه متربعا .. وتلك المسبحة المزخرفة الحبات تتدلى من بين اصابعه .. صدّق ورفع نظره لوجه امام المسجد البشوش وابتسم .. لينطق ذاك : شو بلاك يا ولدي .. مب عوايدك ؟
قطب حاجبيه : ما فهمت ؟
- ضايق وشايل هموم الدنيا ع راسك .. وين الويه السمح .. وين البشاشة والابتسامة .. وين اللي يسابق المصلين ع الصفوف الاولى .. وين فارس يا فارس ؟
اتسألني اين فارس يا شيخ ؟ كيف اجيبك وانا لا اعلم اين هو .. اين ارتحل .. فارس هناك مدفون بين احضانها .. ومقتول بين احضان الاخرى .. آآه لو تعلم بما في صدري .. لما سألتني .. اشعر بالفراغ يجتاح جنبات روحي .. اشعر اني اغرق وان اعصابي حبات زئبق تنفرط من بين اصابعي ..
ابتسم الامام . ليربت على فخذه : وكلها ع ربك .. اللي يتوكل عليه ما يخيب .. سو اللي عليك والباقي خله عليه ..
تسللت اليه الراحة من جراء ذاك الحديث القصير .. ليحث الخطى بفرح الى منزله .. ويفاجأ بوالدته تقف تنتظره .. وتدعوه الى غرفتها بشيء من الشدة .. مشى خلفها حتى ما ولج أمرته باغلاق الباب .. لتجلس وتنظر اليه واقفا : شو اللي سمعته يا فارس .. ترا بنات الناس مب لعبة .. وما ربيتك ع هالشيء ..
- دخيل ربج ياميه لا تجبريني ع شيء .. احب راسج واطيح عند ريولج بس لا تجبريني ..
ضرب على صدره بقبضته : فيوفي نار مب طايعه تنطفي .. نار محد حاس فيها .. دخيل اللي خلقكم لا تحدوني ع شيء ما ابيه ..
لا تعلم لماذا اعتقته .. هل رأت المعاناة فيه اخيرا ؟ .. تركته يبتعد من امامها .. لم تنطق بشيء .. فقط انظارها تسمرت على ظهره .. منذ متى وهو يمشيء حانيا ظهره .. هل بحثها عن ملذات الدنيا في طفل من صلبه جعلها عمياء ولم تعد ترى ما يعانيه بكرها .. تنهدت .. وصمتت .. ستلتزم الصمت .. لا لشيء .. سوى لتراه كما كان سابقا ..
,‘,
الصمت كان عنوانها في تلك الجلسة النسائية عند الضحى .. تجمعن عند احداهن يتبادلن الحديث .. ويرتشفن القهوة .. ويأكلن مما اعددنه بايديهن او بايدي خادماتهن .. جلست تستمع للاحاديث بشرود .. هي ايضا تغيرت كثيرا .. لم تعد تلك المرأة التي تستلذ بالاجتماعات مع جاراتها .. نطقت احداهن : شو بلاج يام سالم ؟ لا تسولفين ويانا مثل اول .. ولا تزورينا .. لولا ام سيف كان ما يتي ..
ابتسمت من اسفل برقعها : ما في شيء .. بس المرض هدني يام فيصل .. والعمر مب مثل قبل ..
لتخرسها احداهن بمزاح : تكلمي عن نفسج احنا بعدنا شباب ..
ليتضاحكن .. وفجأة تبعثر الحديث عن امرأة تبحث هي عنها .. امرأة ارتحلت الى الاراضي البحرينية منذ امد بعيد .. كان الحديث من احداهن دائراً : والله ولدها هني صارله كم يوم وييا لعيال .. يقول اشتاق للبلاد .. ويمكن ايون ع العيد هو واهله ..
شدها الحديث لتسأل : ام عبدالله بتيي ع العيد ؟ ..
- هيه هذا اللي قاله ولدها عبدالله حق عيالي .. بيعيدون ويانا مثل قبل .. ترا بيتهم بعده مكانه ما تغير .. يقول بيون قبل العيد هو وواحد من اخوانه يعدلونه .. والباقين بيون عقبهم .. والله من زمان عنها ..
فرح يخالجها ممزوج بخوف من القادم .. هل ستعيش الى يومها لتبوح بالسر من جديد .. ستبوح به مع دليل لطالما طالبوا به لاثبات كلامها وادعائها .. تنهدت .. وهناك في قلبها دقات متسارعة .. وكفاها ارتجفتا .. وبرودة سرت في عظامها .. لتبتسم كبلهاء لا تعي مما حولها شيء .. ويتمايل جسدها على اليسار .. وسرعان ما سقط بين صرخات النساء ..
,‘,
هنا اقف .. وموعدنا باذن الله يوم الخميس ^^