لتقف هي على دخوله .. يستدير ليغلق الباب .. ويقترب منها ببرود مصطنع .. ليفاجأ بها تجري وتدفع بجسده للوراء قليلا .. ارتمت في حضنه بعنف .. وتشد بقبضتيها على ظهره .. وبصوت مبحوح : لا تخليني ..
ليبعدها عنه بهدوء .. لينعقد حاجبيها لفعله .. ظنت بانه سيشدها اليه اكثر .. سيحتضنها بعنف .. وسيخبرها بانه اشتاق لها .. نظرت اليه .. الى عينيه : منو اللي خلى الثاني ؟
لا تعذبني يا جابر .. لا تعاقبني بصوتك وبحديثك وبملامتك .. فقلبي اليوم متعب بتعب جميع الايام الماضية .. انا هنا معك .. لا ارغب باي شيء الا انت .. لا تعاتبني بقسوة .. فاني لا احتمل ..
انسكبت دموعها وهو على حاله : جاوبي .. منو اللي ترك الثاني بدون سبب .. انا والا انتي ؟ .. منو اللي كان يتهرب باي شيء عشان ما يسمع صوت الثاني ؟ خبريني ..
شدت على شفتيها : ليش ما خبرتني .. ليش ؟
صرخت بالاخيرة واردفت : سمعتك .. سمعتك تقول لام نوال انك ما تييب عيال .. ليش كنت تضحك علي .. وكل ما اسولف وياك عن العيال تقولي تصبري .. ليش ما خبرتني .. خايف اخليك .. خايف اقولك طلـ
كتم صوتها كفه الذي سقط على فيها .. ليلفح وجهها بانفاسه : حتى لو مجرد كلام ما تقوليها ع لسانج ..
دموعها تنسكب تبلل كفه .. تسمرت في مكانها .. تستطيع ان تبتعد لتبتعد كفه عنها .. ولكنها لم تفعل .. لربما الشوق للمساته اجبرها على التصلب .. لتسمعه وعينيها في عينيه : انا قلت ما فيّ عيال .. ؟ .. قلت اني عقيم يا ليلى ؟
انزل كفه ولا تزال عينيه في عينيها : اذكر كلامي زين .. قلت ...
اقترب برأسه منها لينحني عند اذنها : واذا الريال ما اييب عيال ..
ارتجفت .. خلايا جسدها تراقصت من همساته تلك .. وانفاسها تتضارب في صدرها حتى لتجزم بان قلبها سيقفز من صدرها .. ابتعد ليجلس على الارضية ويستند بظهره على جانب " الكنب الطويل " .. ينظر اليها متسمرة في مكانها .. لينطق بوجع لروحها : شو اللي يابج يا ليلى ؟
ازدردت ريقها .. كل شيء في هذه الساعة وفي هذه اللحظة بالذات يجرحها .. لتهتز شفتيها .. وشهقة خفيفة خرجت من صدرها تكاد لا تُسمع : ام نوال يتنا اليوم .. تقول ان بنتها ناويتلنا ع شر .. ولازم نخلي البيت .. لازم نبعد عن نوال ..
شهقة متعبة خرجت لتطعنه في الصميم .. وهو يتصنع الامبالاة .. ويكابر على شوقه والمه لالمها : نخلي بيتنا ؟ بيت اهلي .. البيت اللي كبرت فيه .
وبسخرية قاتلة لها : والا هو عذر وبس .. قولي انج تبين بيت باسمج ..
قاسي يا جابر .. ولم اعهدك هكذا يوما .. اجل اخطأت واعترف .. لكن لا تقسو .. ارجوك قف وتعال هنا امامي .. انظر الى وجهي والى عيني .. انظر الى وجع نفسي كيف ارتسم على ملامح وجهي الهاربة .. متعبة يا جابر .. واشعر بان هناك ما يشدني بقوة .. دوامة لا نهاية لها ..
سحبت انفاسها لتستدير تنظر اليه .. ليبعد نظره عن وجهها .. وثغرها سرعان ما اغلقته بعد ان ارادت ان تنطق .. كبلها بصوته : لو انتي اللي ما فيج عيال .. بخليج ؟
ابتسمت بشحوب : سامحني .. يومها فهمت انك تقول ..
وقف وهو يخرسها بكفه التي وجهها لوجهها : بس .. باين انج ما عرفتيني زين يا ليلى .. والا دلعي لج وحبي خلاج تتمادين .. بجاوبج ع سؤالي .. لو انتي العاقر ما تخليت عنج يا بنت عمي .. ما بكون ريال اذا سويتها .. بس
يوخز صدعها بسبابته اليمنى ويردف : هذا ما تفكرون فيه ..
طأطأت رأسها وسحبت انفاسها بعنف : احبك .. لا تخليني .. جابر .. انا .. انا ..
انعقد حاجباه على اثر صوتها المتقطع .. يشعر بشيء غريب .. هناك شيء ما اجبره ليستدير لها بعد ان ولاها ظهره .. تقف وهالة سوداء تحيط بها .. الظلام يمتد ويمتد .. والهواء يبتعد .. بل انه يهرب مسرعا .. وثقل غريب يشد رأسها الى القاع .. والم غريب يتسلل من قدميها لساقيها .. لصدرها المكتوم .. لتنهار بين كفيه .. وصوته يبتعد .. سمعته يصرخ باسمها .. وبعدها تزاحمت الحروف وتباعدت في آن .