تجلس على الارض مسندة ظهرها على النمرقة القاسية وعلى يسارها جلس شقيقها .. في قلبها خوف من المستقبل .. فهي تخاف من ربط مصير ابتيها بشقيقين .. لتعتدل بجلستها لتواجهه : اخوي .. ما بنظلم سمية باللي نسويه ؟
يترك هاتفه جانبا .. ليمسد لحيته الطويلة بكفه : الريال والنعم فيه .. واذا بنتج ما بتتعدل عنده انا اللي بعدلها ..
- بس الخوف لو ..
ليخرسها دخول ذاك الشايب وقد تعكز على عصاه .. ليقف شقيقها يساعده ويحيه بالتحية الاماراتية ( المخاشمة ) : هلا والله ببو سيف ..
ليجلس وقد اعياه تعب قلبه .. نجى من موت محتم بسبب جلطة تعرض لها .. وبدأ الخوف يساور زوجته وشقيقها عليه .. ليخفيان امورا كثيرة عنه .. لينطق معاتبا لنفسه : والله مكلف عليك يا سعيد .. وهم البنات وهم العرس وسوالفهن كله ع ظهرك ..
- افا عليك يالنسيب .. تراني مب غريب .. ولو علي ما خليتك تمد ايدك لشيء ..
ربت على فخذه : كفو يا سعيد .. وهذا العشم ..
هناك في الاعلى دخلت الى غرفة شقيقتها بعنف .. لترمي بنفسها على السرير .. لتنظر اليها تلك ومن ثم تنطق وهي تحرك سبابتها من الاسفل الى الاعلى على جسد سلوى : انتي بتروحين جذي ؟
بنطال التصق بجسدها وقميص تدلى على ردفيها : سميووه مب ناقصتنج .. لا انتي ولا خالي المعقد .. مادري ع شو مستعيلين .. كل شيء بسرعه بسرعه .. ليش ما تفهمون اني ما اريد اعرس .. جامعة وطلعني منها .. قلت عاادي مب مهم .. وحبسه فالبيت وحبسني بعد قلت عادي .. بس انه يزوجني واحد معرس .. لا وبعد يموت فحرمته هذا شيء مب عاادي ..
استدارت لتكمل تمشيط شعرها : انتي مكبرة السالفة .. الصراحة ناس طيبين .. وخواته يدخلن القلب ..وانتي تقدرين تخلينه يحبج .. واذا ع حرمته ترا الكل يمدح فيها ..و ...
اشرت لها بيدها : بس بس .. مب ناقص الا تكتبين فيهم قصيدة – وقفت لتكون على مقربة من شقيقتها – وبعدين انتي شعليج .. شوف وشفتيه .. ومن ملكنا صار لنا اسبوع وهو كل يوم يتصل عليج ..
تغير نبرتها باستهزاء : سمية ناقصنج شيء .. سمية لا يردج الا لسانج .. سمية لا تستحين ..
عادت لترمي بنفسها على السرير .. وتضرب بكفيها وتوجههما الى وجهها : وانا مالت علي .. حتى شوفه شرعية متخلي عنها .. ومب بعيدة يوم العرس يترياني فالسيارة ..
كتمت ضحكتها .. ولكنها لم تكن بعيدة عن عيني سلوى.. التقطتها لتقف وتقف قريبا منها : ضحكي ضحكي
ترفع يدها وتبعثر شعر شقيقتها التي ابتعدت برأسها عنها : وبعدين يا فهيمة ريلج مطوع .. والشعر القصير ما يعيبه اكيد ..
عادت ترتب ما افسدته شقيقتها : عاادي بطوله مب مشكله .. الحين خلينا نستعيل .. بنروح نخلص اللي باقيلنا وبنقيس فساتين العرس يمكن يحتاين تعديل – التفتت لسلوى – وبعدين فستانج واايد مفسخ لو يشوفه خالي ما بيسكت ..
ادبرت وقبل ان تغلق الباب : عاادي .. واصلا ما له خص .. يسوي اللي يباه وانا اسوي اللي اباه .. وبعدين فكه منه باقي اسبوع ويحكمني ريال .. بروح البس عباتي .. واكيد مسكرة .
اكدت على الجملة الاخيرة واغلقت الباب خلفها بعنف .. لتطوح سمية برأسها .. وتشد خطاها تخرج عباءتها و " شيلتها " .. وهناك في قلبها خوف من تلك الايام التي تستعجل المسير ..
،‘,
جرت مستعجلة في خطواتها حتى ربضت بجانب والدتها في الصالة .. فزعت الاخرى واستعاذت من الشيطان : شو بلاج داخله بهالشكل ..
- اماايه راح ..
اخفضت على صوت التلفاز : بسم الله الرحمن الرحيم .. منو اللي راح ؟ ..
" جابر " قالتها وبدموع تماسيح مفتعلة اكملت : شفته شال شنطته وطالع من بيته .. خلاص راح ما بشوفه .. امايه سوي شيء ..
التقطت جهاز التحكم من جديد .. واستدارت بوجهها للتلفاز ورفعت صوته : انسيه ..
تركت مكانها لتقابل والدتها وجها لوجه : لا ما بنساه .. اريده .. انتي دخلتيه فراسي .. والشيء اذا دخل راسي صعب يطلع ..
قالت بشيء من الامبالاة : الريال ما اييب عيال شو تبين فيه .. خليه يلحق حرمته .. وبييج اللي احسن منه ..
انتفضت في مكانها لتصرخ : ما اريد عيال .. ما اريدهم .. اريد جابر فاهمه ..
لتصمت على كف والدتها الذي ادار وجهها : تأدبي يا نوالووه .. اذا انا فيوم فكرت فيه لج .. لاني اريده يسنعج .. بس الظاهر محد بيسنعج غيري ..
ارتجف وجهها بغضب : اضربيني عشانه .. بس باخذه ياميه .. باخذه ..
وقفت واردفت : بالطيب بالغصب جابر ما بيكون الا لي .. فاهمة ..
ادبرت مولية .. وتلك اغلقت التلفاز وتحوقلت : يا ربي انا شو سويت .. البنت تخبلت .. استغفر الله العظيم ..
تنهدت فهي من صنع من الغباء خبثا .. ومن الطيبة شرا .. فتلك لا ترى نصب عينيها الا هو .. والانتقام لكرامتها من ليلى كما تردد دائما .. وقفت عند نافذة غرفتها وقد ازاحت الستار بيدها قليلا .. وانفاسها الثائرة تشرخ سكون المكان .. وعيناها تسمرتا على مسكنه الخالي من ساكنيه : جابر لي .. وبتشوفون ..
انزلت يدها بعنف .. واختطفت هاتفها من على " التسريحة " لترمي بجسدها على الكرسي الوحيد في غرفتها .. لتطوح بجسدها عليه للامام والخلف .. واصبعها يبحث بين الاسماء .. حتى ما ان وجدت مبتغاها رفعت الهاتف الى اذنها .. وابتسامة مصطنعة .. وسؤال عن الحال .. لتردف بعدها : في مرة كلمتيني عن ولد خالتج .. هيه هو .. قلتيلي انه تغير صح .. اوكي اريدج تساعديني .. لا لا .. ما اريد فلوس .. الحمد لله عندي خير .. اريد شيء ثاني ..
،‘,
لا اريد منك الا ان تجيب على رسائلي .. على اتصالي المتواصل بك .. اترغب بالابتعاد عن من اسميتها طفلتك ؟ اشعر باني كارهة للحياة بدونك .. ثلاثة ايام ولا رد يصلني منك .. هل انت بخير ؟ هل ظلمتك بدلالي الذي ارتشفته من بين احضانك ؟ آآه يا جابر لو تعلم مقدار اسفي .. ومقدار شوقي .. ومقدار عتبي الذي لا حدود له .. ومع كل هذا هناك ما يردعني من الذهاب اليك برجلي .. أأنتظرك كعادتي ؟ ام ان انتظاري سيطول ؟
كانت تائهة في سراديب الفكر .. تريد ولا تريد .. تتهادى بين الندم وبين التمسك بما قامت به .. وهم يتحدثون بحديث لا يصل الى اذنيها .. وكأن هناك جدار عازل بُني على اسماعها ..
- ابويه شو رايك نسوي عزومه ونتيمع فيها قبل رمضان .. ترا والله من زمان ما تيمعنا ..
قال ذاك الحديث مطر وهو يتجول في قنوات التلفاز وقد جلس في منتصف الصالة واتكأ بذراعه على احدى النمارق الساقطة بجانبه ..
ليجيبه حمد وقد علت محياه ابتسامة : ان شاء الله .. والله انه نعم الشور .. بس بنسويها فالمزرعة شرايكم ؟
لتعتدل هي في جلستها : ما نريدها فالمزرعه .. وين بتيلسون هناك .. كلها نخل وشير .. والبيت تراك هدمته وقلت بتبنيه من يديد ولا شفنا شيء للحين ..
قفز مبارك من مكانه ليجلس بين والديه : نروح السيح .. ونخيم .. ونشوي .. ربعي دوم يروحون وييون يسولفون انهم ركبوا دراجات ع العراقيب ( تلال رملية )
" وان شاء الله بعد بتركبلي دراجات؟ " .. قالتها والدته .. ليجيبها : شو فيها .. يعني انا مب مثل ربعي .. والا هم احسن عني ..
ليلتفت لوالده : ابويه الله يخليك وافق .. وتراني ما بسرع .. ولا بسوي حشرة .. وهاشل بيلعب وياي ومطر بعد ..
التفت ذاك حين سمع اسمه : لا والله .. قالولك ياهل العب بدراجات .. انا لو اريد اركب العراقيب بركبها بالفتك مال خالد الله يرحمه ..
" كملت ؟ " نطقتها حفصة بعصبية لتردف : يوم هذي سوالفكم ماشي روحه .. وانت يا حمد اذا بتسوي عزومة سوها هني فهالبيت ..
وقفت لتتركهم وقد علت ضحكاتهم : زين جذي زعلتوا امكم ..
التفت لابنته : ليلى ما سمعنا رايج .. ومها وينها كل هذا تتكلم فالتيلفون ؟
" ها ؟ " .. تبعثرت على شفتيها لتردف : السموحه ابويه .. بغيت شيء ؟
وقف : تعالي وياي ..
حث خطاه للخارج حيث مجلس الرجال وهي تتبعه بعد ان اردفت " شيلتها " على شعرها .. ليجلس ويربت بجانبه لتجلس .. تقدمت على استحياء وجلست : خير يالغالي ؟
- شو مستوي بينج وبين ولد عمج ؟
أتفضح ما تخبأة بين حناياها ؟ وتبلبل هدوء والدها بادخال اعصار من مشكلة واجهتها ؟ .. اتخبره بان ابن اخيه قد خدعها ؟ ام تخبره بانه لم يعد راغبا بها .. حتى صوتها لم يشتاقه .. ابتسمت على مضض وهي ترفع كف والدها تقبله : ما بينا شيء .. بس هو عنده شغل واايد .. ما صاير يهدى .. وقلت ايي عندكم بدال ما ابقى بروحي فالبيت ..
حمحمة صادرة من على عتبة الباب ارجفت اضلعها .. وصوته ادخل في قلبها رعشة غريبة .. لتقف مع وقوف والدها الذي حث خطاه مرحبا : اقرب .. البيت بيتك ..
ليظهر لها بطوله يقبل رأس والدها ويسأله عن الحال .. هل جاء لاجلها .. سيخبرها بانه اشتاق لها .. ترغب بالجري نحوه ورمي جسدها بين ذراعيه .. لن تخجل من احد .. حتى من والدها .. هو زوجها وحبيبها وروحها وقلبها النابض بين اضلعها .. ابتسم وهو يحث الخطى مع والدها الذي يشد على كفه : حياك ياولدي .. ولد الحلال ع الطاري تونا يايبين في سيرتك ..
ضحك .. ليقترب منها .. ويقبل وجنتيها ببرود : شحالج ليلى ؟
فقط هذا ما استطعت قوله ؟ .. ردت عليه بابتسامة وبعدها اعتذرت منهما للخروج .. تسمع صوته خلفها .. سيناديها ربما لتبقى .. سيخبرها ان تتجهز .. ها هي تصل الى عتبة الباب .. الآن سيناديها .. كانت تمني نفسها بشيء لم يفعله .. فتوارت خلف الجدران لتهرول بعدها مسرعة ..
اسف يا ليلى .. فانكِ اوجعتني دون ذنب .. ولا ترغبين بالبوح بخطأ لم اجده حتى الآن .. ساجبرك على البوح بما يعتلج في صدرك وان طال الزمان .. آسف لاني دست على قلبي حين رأيتك .. فاني اعلم بانه سيفضح شوقي ان بقي كما كان ..
تنهد وهو يسمع سؤال عمه له : مشاغل يا عمي .. وانت تدري ما يبعدني عنكم الا الشيء الكايد ..
رأتها تدخل غرفتها على عجالة .. لتلحق بها وتطرق الباب ومن ثم تدخل .. لتراها تبكي على سريرها .. دنت منها حتى جلست بجانبها .. وكفها ترفع خصلات شعرها لعلها تلمح وجهها المندس في الوسادة : ليلى حبيبتي شو بلاج .. ليش تصيحين ..
بصوت مكتوم نطقت : جابر هني .. ولا عبرني .. متغير علي واايد يا مها .. مب بعيد العقربة نوالووه خذته ..
ضحكت لترفع تلك رأسها : ليش اضحكيني ؟
تزايدت قهقهتها .. لتدفعها تلك عن السرير وتقع على الارض .. مما زاد من ضحكها اكثر .. فتصرخ تلك : مهاااا
تتمالك نفسها حتى تستطيع الكلام : دامج تحبيه روحيله وخبريه هالشيء ..
وقفت وكتفت ذراعيها على صدرها : يا هبله شو يعني ما اييب عيال .. هذا اذا هو ما اييب عيال صدج .. يعني تظنين اذا ياكم ياهل بيكون بار فيج وفيه .. كل يوم نسمع عن العقوق .. وناس تقول ياليتنا ما يبناهم ..
اقتربت منها لتحتضن وجهها بكفيها : يعني بلاها هالدموع .. قومي روحيله .. مب لازم هو اللي يبدا دايم – انتصبت واقفة بعد ان كانت منحنية – مشكلتنا اذا حبينا وانحبينا نتمادى .. نظن ان بهالشكل نثبت حبهم لنا .. وما نعرف ان بهالشكل نحطم حبنا بيدنا .. قومي ولا تصيرين عنيدة .. وبعدين تقولين ياليت ويا ليت ..
" مب رايحة يا مها " .. قالتها ومسحت وجهها : هو غلط .. لازم ايي ويعتذر ..
لوحت برأسها : غلطانه .. سمعي الكلام وقومي قبل لا يروح ..
قالت كلامها وخرجت .. وهناك اشياء كثيرة بدأت تتغير في ذاتها .. لتلج الى غرفتها .. ويقع نظرها على سلة المهملات .. وقصاصات ورق تناثرت فيها .. رسائله .. ورقم هاتفه .. وكلمات العشق المنمقة .. جميعها ستأكلها النيران قريبا .. سحبت انفاسها وسحبت بعدها هاتفها لتجلس على طرف سريرها وقد ضغطت على الاخضر .. وانتظار مع ابتسامة صغيرة .. ما ان استقبل اتصالها حتى نطقت : هلا سوسن .. شحالج ؟
تعثرت الحروف على لسانها .. لتزفر : هلا .. خير اشوفج متصلة ؟ بتعتذرين مني ؟ ما بقبل اعتذارج يا مها ..
ضحكت تلك حتى اغتاضت سوسن : ومن قالج اني متصلة عشان اعتذر .. حبيبتي اللي لازم تعتذر هي انتي .. قايمة اطلعين رمسات علي مني ومناك .. انتي ما تخافين ربج .. وبعد تقولين مرافقة شباب ..
وقفت بغضب : انا ما قلت هالشيء .. ولا تيلسين تتبلين علي ..
" لااه " .. قالتها وقد مدتها بهدوء واردفت : سمعيني ترا قذف الناس بالباطل اثم .. ولو تشوهين سمعتي من اليوم الين ما تشبعين .. مها ما بتتغير .. واذا ع كلمة قلتها فساعة غضب قومتي الدنيا علي .. انا بكون احسن عنج .. وما بقول الا الله يهديج ..
زمت شفتيها .. لتعتقهما بنبرة ساخطة : اكيد نادية اللي وصلتلج هالرمسة .. اشوفج دووم وياها .. شكلج بديتي تصدقين اي كلام ينقال عني ..
" الله يسامحج يا سوسن " .. بعثرتها على مسامعها واردفت : باقي كم شهر وبنتخرج .. والله العالم نلتقي بعدها او لا .. مع السلامة ..
رمته بجانبها واستلقت على ظهرها .. اغمضت عينيها ونفسها تحدثها باحاديث متزاحمة .. وافكار تعبث بروحها .. ولا تزال تضع مئات الاسئلة خلف كلمات العشق اليومية ..