*******************
في بقعة أخرى...
ممسكة بذلك الهاتف في يدها...ظلت ثابتة لوهلة دونما أي حراك...و هي تحاول جاهدة الثبات على موقفها و فعل ما هي ناوية على فعله...
فبعد أن حادثها والدها مطولاً عن نيته الإتصال بذاك المحمود و أن يتحدث معه عن حل لهما الإثنين و أنه ليس من الجيد ما يحدث بينهما...رفضت هي فكرة والدها...و طلبت منه أن يتنحى جانباً تاركاً لها الحرية في حل مشكلتها...فهي مشكلتها وحدها...
و هي الآن قد تغيرت كثيراً...أصبحت أكثر عقلاً و هدوءاً..و لا بد لها من حل مشاكلها بنفسها...لذلك...هي من ستتصل به...نعم هي من ستفعلها...
و مع أن يدها لا تتوقف عن الإرتجاف..لكنها ستفعلها و تتحدث إليه...!!
ضغطت على أرقام هاتفه التي كانت تحفظها عن ظهر قلب...و لم تعد تسمع شيئاً سوى دقات قلبها التي أصبحت طبولاً تعزف سمفونية خوفها...الجرس الأول...الثاني...و..
...\ألو؟!
توقفت لوهلة و هي تحاول جاهدة التنفس و هي تستمع لصوته...صوت من عشقته حد الثمالة...من أحبته بكل مافيها من عنفوان...لتسمعه مرة أخرى..
..\ألووو...منو معاي؟!
هي و بلهفة...\محمود...!!
ليحل الصمت بينهما...و لم تعد هنالك أصوات في المكان..بل مجرد أنفاسهما...لتحاول هي جاهدة ان تكسره...بلعت ريقها و هي تقول..\محمود أنا اتصلت فيك عشان ننهي هاللي صاير بينا...و صمتت لوهلة..تود لو تسمع رداً منه...أي تعليق..جملة..تقلل من شدة ما هي فيه...و لكن لم يكن هنالك أي رد...
أردفت و بعد جهد جهيد...\محمود أنا أدري إنه تصرفي كان غلط..و غلط كبير...بس هذا ما يعطيك الحق في اللي سويته..إنت حتى ما عطيتني فرصة لشرح الموضوع...صمتت لوهلة أخرى و هي تقول..\عالعموم أنا ما اتصلت فيك عشان أطلب السماح و لا غيره...لأني مابي منك شي بعد كل هالفترة اللي ما سألت عني فيها...أنا اتصلت لأنه هالحال اللي إحنا فيه ماهوب عاجبني...معلقين كذا...و أنا شايفة إنه أحسن للكل...
بلعت ريقها و هي تنطقها بصعوبة..\الطلاق..!!
لتسمع رده بإستغراب..\الطلاق...؟!!
قالت محاولة ان تبدو قوية..\إيه...إذا إنت ما تبيني ..و لسبب مثل اللي صار بتتخلى عني يبقى كل واحد فينا يروح فحال سبيله...عشان يشوف حياته...
محمود وهو يسألها..\إنتي شايفة إنه هذا هو الحل؟!!...
روح \إيه..
محمود مرة أخرى..\هذا اللي تبينه؟!!
روح \إيه...
محمود \روح...!!
و مع سماعها لتلك الكلمة منه كانت على وشك الإنهيار و إعلان إستسلامها له و سحب تلك الكلمة التي قالتها...و لكنها تحاملت على نفسها و صمدت...لتسمعه وهو يقول...\آنا كنت انتظر هالمكالمة من مدة طويلة...و كنت متوقع كلام ثاني منك...بعيد كل البعد عن اللي قليته...بس دام هذا اللي تبينه...
تم...!!
لماذا؟!!
لماذا تقولها تم...!!
لماذا تم..!!
لماذا لا تصرخ في وجهي...؟!
تتمسك بي...!!
تقولها لي و بكل قوة..\ما رح طلقك..!!
لماذا تتنازل عني بكل هذه السهولة..و دون حتى أي نقاش حتى أي جدال..فقط هكذا..!!
قالتها و بألم...\تم؟!!..عمرك ما رح تتغير يا محمود...بس قلتها..و بعيدها لك..هذا اللي أبيه..و مابي شي غيره...أتطلق و أرتاح..!!
محمود \إذن بيصير لك اللي تبينه...بس بعد ما ترجعين إنتي و الوالد و بيكون لك اللي تبينه...
روح \خير...و أغلقت الهاتف...و هي..
متألمة..و بشدة منه...تمنت لو طلبت من والدها أن يخبره هو بطلبها..و لا أن تسمع كلامه الذي يؤلمها جداً...و لكنها كانت قد اشتاقت له..!!
أهكذا يبادلها شوقها له؟!!
اهذا هو رده عليها؟!!
أما هو...
أغلق الهاتف وهو يتأمله لوهلة...!!
من هذه؟!!
أهي فعلاً روح من تزوجها؟!...أهذه هي روح الطفلة؟!..أم أن هذه أنثى أخرى من تحدثت معه؟!...
أفعلاً قد تغيرت...!!
**********************
بعد عدة أيام...
وضعت آخر غرض داخل ذلك الكيس لتحمله و تخرج من المركز التجاري...كانت مستمتعة بشكل الأشجار و بالطبيعة و الجو الجميل...و أكثر ما يسعدها هو مكوث نورة و صغيرها معها...على الأقل هناك من يونسها في وحدتها...و ها هي قد أتت لشراء بعض الأغراض بعد ذهاب الصغيرتان للمدرسة...و خروج نورة و صغيرها بحثاً عن عمل لها في المنطقة
كانت الأكياس التي في يدها ثقيلة بعض الشئ...كانت تحاول جاهدة حملها...و لكن المسافة من المنزل للسوق كانت قريبة بعض الشئ...و عندما اقتربت من المنزل بدأ هاتفها بالرنين...توقفت لوهلة وضعت الأكياس أرضاً...و أخرجته من حقيبتها لتجدها هي نورة...ردت لتخبرها نورة بأنها ستتأخر قليلاً مع الصغير...و أنهت المكالمة...انحنت بعدها لترفع الأكياس و لكنها و بمجرد رفعها لرأسها تفاجأت...توقفت لوهلة و هي تكذب عينيها...و كأنما لمحت طيفاً يقف من بعيد...
و كأنما هو طيف ذاك الذي قد تركهم...أغمضت عينيها و هي موقنة بأنها مجرد أوهام..و لكن مع فتحها لعينيها ذاك الطيف لم يختفي بل ظل واقفاً نفس الوقفة...واضعاً يديه في جيوب جاكيته الأسود
أشتاقت لذلك اليسار لهذا الحد ؟!!
ذاك الحد الذي يجعلها تتوهم رؤيته حيا
اقتربت و دقات قلبها تتسارع مع كل خطوة تقتربها..و ما كان يزيد رعبها هو ان الطيف لا يختفي...بل يتأكد لها كلما اقتربت منه...حتى توقفت على بضع خطوات منه...رمت الأكياس أرضاً و هي تقولها في استغراب لا حدود له...
..\يسار.!!
ليبتسم ذاك الطيف الواقف نصب عينيها...و يتحدث..\اشتقت لك..!!
كشرت حاجبيها و هي موقنة أن الجنون حتماً قد أصاب عقلها...اقتربت منه حتى لم يفصل بينهم أي شئ...و مدت كفها برجفة لا حدود لها و هي خائفة...بل مرعوبة أن يختفي هذا الطيف....و لكن...
لمسته...هو بعينه يسار...نعم هو يقف نصب عينيها...و ليس حلماً أو وهماً أو خيالاً أو جنوناً...و عادتها للمرة الثانية لتؤكد جنونها...\يسار..!!
ليقول هو...\ههههه...أدري إنك مو مصدقة بس إي..هذا أنا يسار..لساتني حي...
هو..توقع أن تسأله مرة أخرى..أن تستفسر..أو أن تفعل أي شئ...و لكن...لا...بل تفاجأ بردة فعلها...بل كل ما فعلته هو أن أجهشت بنوبة لا حدود لها من البكاء...و بدأت تشهق و هي تقولها بين دموعها...\يسااار...لسااتك حي..حي...و ظلت تبكي..و تبكي دون توقف بطريقة صدمته أكثر من كل شئ...ليقول..\صبا وش فييك...هذا بدل ما تفرحين..تبكين؟!!
و لكنها لم تستطع التوقف و هي تبكي فقط...ليقترب هو منها و يضمها لصدره...وهو يضحك..\يا بنت الناس وش فيك؟!!...الحين أنا قلت لك آنا حي..ما مت...!!
و هي ما زالت على نفس موقفها و هي تبكي بقوة و هي تتشبث بجاكيته و تبكي بقوة...ليزداد ضحكه وهو يقول..\يا بنت الناس وقفي هالنواح اللي إنتي فيه...و أبعدها قليلاً ليحيط وجهها بكفيه وهو يمسح دموعها...وهو يقول..\الحين ممكن تسكتي...عشان نفهم شي..
و لكنها خففت من البكاء قليلاً و أصبحت أنفاسها تتعالى و كأنما هي طفلة صغيرة وجدت ملاذها أخيراً...لتقول وسط شهقاتها..\م..من..متى و إنت..إنت ...ح..؟!!
ليضمها مرة أخرى لصدره وهو يقول...\من مدة طويلة...
لتنفعل بقوة و هي تقول..\أمييي...عبدالرحمن...خالد...يدروووون فيك؟!!...لازم أخبرهم و...و لكنه قاطعها وهو يقول بإبتسامة..\إيه...يدرون أنا خبرتهم إنه لا يقولون لك أي شي لين ما...و لكنه لم يكمل جملته إلا و هي تلقي عليه ضرباتها من كل جهة و هي تقول بغضب لا حدود له وسط دموعها..\شنووو..يعني...يعني إنت حي من مدة و آنا ما أدري فيك؟!!...يعني كل هالمدة و أنا مدري..و أنا....آآآه..و الله ما خليك..و بين كل كلمة و أخرى هي تضرب صدره بقوة مما لفت نظر الناس لهما...ليقولها وهو يضحك ماسكاً يديها من ضربه..\يا بنت الناااس إهدي شوية خليتي العالم يناظرونا...إهدييي...
لتصرخ هي..\أهدااا و أنا مادري فيك و أنا...ليضمها مرة أخرى لصدره وهو يقول..\وش فييك إنتي و خبالك ما رح توقفي هالضرب...شليتيني...
و في وسط حضنه لها هي ما زالت تضربه بيدها و هي تقول...\شليييتك..مين اللي شلّ الثاني فيناااا..مييين..إنت من متى..و كيف..وش اللي صار لك..و...قاطعها وهو يقول...\خلينا نطلع شقتك و بقول لك كل شي...
************************
الحرم المكي...!!
خائفة...و لكن متشوقة في نفس الوقت...كيف لا و هي ستزور بيت الله الحرام...كيف لا و هي ستطوف بكعبته...و هي ستشتنشق
عبير المكان...
و لكنها خائفة بعض الشئ من تلك الظلمة التي تغطي رؤيتها...فيحق لها الخوف و هي لا ترى شيئاً..و هي لا تعلم أي شئ عن المكان الذي هي فيه..لا تعلم إلا شيئاً واحداً...
أنها برفقة ذاك الآخر...
وهو الآن بصرها الذي تبصر به...!!
أحكمت قبضتها بكفه الممسكة بها...ليبتسم لها هو في المقابل و يقول....\خايفة...؟!!
لترد بنفي إبتسامته التي لا تراها...\متشوقة...كثييير..!!
ابتسم لا إرادياً لها وهو يصف لها و لوجد الصغيرة التي تتوسد رقبته...\الحين حنا دخلنا الحرم...يقولون إن أول مرة تشوفين فيها الكعبة أول دعاء تقوليه بيتحقق....لترد وجد بتساؤل..\أي سؤال أي سؤال..!!
ليبتسم وهو يقول..\إيه..
وجد \حتى لو قلت أبي قطوة..!
قال ضاحكاً....\هههههه إيه...
و فعلاً و لدى دخولهم و رؤيتهم للكعبة...توقف هو...و توقفت تلك التي تتوسد كفيه...و كان بداخل كل منهما الكثير و الكثير مما بداخلهما...
أما هو...فكل ما فكر فيه....
\ياااه...
سبحانك يا خالقي..!!
آخر مرة أتيت فيها..دعوتك...دعوتك أن تصبرني...أن تساعدني على العيش بدونها....أن تعينني على الصبر على فراقها...أن تقف معي...أن ترزقني الصبر...
و ها أنا الآن آتي و هي ممسكة بيدي...هي نفسها تلك التي كنت أدعوك لتصبرني على فراقها..فسبحانك يا رب السموات...و الحمد لك..حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه...
يا رب...
أحفظها هي و تلك الصغيرة لي...احفظهما لي يا رب...و لا تحرمني منهما..!!
تأمل تلك الأخرى و على وجهه إبتسامة لا توصف...
و هي مغمضة عينيها و على وجهها ابتسامة غريبة...
فكل ما كانت تفكر فيه هو...
يا رب...أتمنى لو كنت أرى...لأرى بيتك الحرام...لأرى الكعبة...
و أري الناس وهم يطوفون...
و أرى ضوء الشمس وهو ينساب بين زاويا المكان..
و أرى دموع المذنبين...
و أرى تضرع الداعين..
و أرى أيدي عبادك و هي ترفع لك...و أرى نفسي...
و أرى ذلك الآخر القابع قربي...!!
أراه..
أرى ملامح وجهه...أهي بنفس جمال روحه و حلاوتها؟!..أهي أخاذة كروحه التي لا حدود لجمالها؟!...أهي كما وصفتها هي..تلك الراحلة..؟!!
يا رب...
أصبحت أغار...
عليه و منه و فيه..
أصبحت أغار من روح ميتة....
أغار منها هي تلك التي ما زال يعشقها...!!
يا رب...
يا مقلب القلوب..
إجعل قلبه يحبني...
يا رب إرحم خالتي في قبرها...
يا رب...يا رب إشف ضاحي..إشفه و عافه و أفقه من مرضه...
داهم روحها بسؤال...\وش اللي دعيتي فيه؟!!...
قالت هاربة من سؤاله...\هممم..إني ربي يشفيه لضاحي...
توقع منها إجابة أخرى...و لكن آلمته إجابتها لتستدركه هي بقولها..\ممم..و إشيا ثانية...
ليقول بإبتسامة..\وش هي؟!
قالت بإبتسامة...\مقدر أقول..إشيا بيني و بين ربي...
خالد \هههههه...طيب لو تحققت بتقولين لي؟!
قالت \إيه...بقول..!!..ثم أردفت
...\و إنت دعيت لها؟!!
ليقول بتساؤل...\من هي؟!!
\زوجتك...مرضية؟!!
ابتسم لتناسيه الأمر تماماً...ليقول..\إيه أكيد دعيت لها...
قالت و هي تفرك كفيها..\دعيت إن ربي يجمعك فيها في الجنة؟!!
ابتسم بشدة لسؤالها هذه المرة...اقترب من أذنها ليقول بهمس..\دعيت ربي يجمعني فيك في الدنيا قبل الآخرة...!!
*******************
أرجع ظهره ليتكله على الكنبة وهو يقول..\و الله فلقتيني أسئلة و إستجوابات..خلاااص...أبي مي..ريقي نشف...
ضربته بقوة بيدها و هي تقول..\نششف فعينك و الله كان المفروض اغتالك بعد هالسوات اللي سويتها فيني..يعني يكون لك شهور و إنت عايش و ما تقول لي..لا و كل اللي في البيت يدرون فيك إلا آنا..آخر من يعلم..و ربي لوريهم كلهم...
يسار ممازحاً لها...\مااا قلت لك يا هانم...كنت أبي تكون مفاجأة تجيب جلطة دماغية مرة وحدة...
صبا..\و فعلاً كنت بنجلط منك...صمتت لوهلة و هي تتأمله..\بس..بس..لساتني مو مصدقة..يا ربي..و أخذت تمسك بيده و تلمسها ليقول لها..\و الله شكلي اليوم ما رح أنفك منك..و ما..و لكن أوقفه صوت باص في الشارع لتقول هي بفرحة..\هذول أكيد البنات...وابتعدت لتتأمل النافذة...
اسرعت و هي تقول..\يا ربيي...بيفرحون كثيير بشوفتك...لتبتعد و تفتح باب الشقة حتى تدخل الصغيرتان و هما ترميان حقائبهما أرضاً وسط تأففٍ بادٍ منهما...لتقول ملك..\مامااااا أنا جوووعااانة...و تردف شهد خلفها...\إيييهه مامااااا نحنا جووو..و لكنها لم تكمل جملتها لرؤية ذاك الذي يتوسط الصالة...لتمسكهما صبا و تقول...\تذكرونه؟!!
بدت معالم الصغيرتان و كأنما هنالك إستغراب في روحهما..لتردف صبا..\هذا عموو يسااار..
اقترب يسار منهما و هو يقول بمد كفه..\ما تذكروني؟!!
لتمد كل منهما يدها و ما زالت معالمهما مستغربة...
ليقول هو...\ما شا ءالله كبرتو و صرتو بنوتات...هذي الخبلة لا تملا لكم راسكم و تقول عمو...أنا ولد خالكم..و أردف رافعاً إحدى حاجبيه...\ يعني إحتمال وحدة منكم تصير نصيبي...
صبا...\لا تخربط لين ما يكبرون تكون صرت شايب عايب...و دفعت الصغيرتان للداخل لتقول..\يلا كل وحدة فيكم على الحمام تسبحوا و بعدا الأكل بيكون جاهز...
و بعد وهلة تأملها و هي تضع الصحون على طاولة الصفرة...تأمل زوايا الشقة وهو يقول...\مبسوطة؟!!
توقفت لوهلة عن الحركة لسؤاله...ثم رجعت لحركتها الإعتيادية...\هذا إنت عمرك ما تغيرت...
يسار \هههه...وش قلت؟!
صبا \دايم تسألني إسئلة في الصميم....بس الحمد لله مبسوطة....
يسار \يعني نسيتيه خلاص؟!!
صبا وضعت ذاك الإناء على الطاولة و هي تقول له..\ههه...صعبة أقول إني نسيته..بس سطام يعاملني أحسن معاملة..و مو مخليلي شي أطلبه...و البنات يعشقونه...وش ودي أكثر من كذا...؟!
قال ذاك الآخر وهو يعتدل ليقف قرب تلك النافذة و يتأمل الشوارع وهو يضع كفيه داخل جيوب بنطاله...\مدري..بس أحس فيك شي...فيك شي ماهوب زين...!!
و لكن الصمت قد حل...ليستغرب هو..التفت لينظر لها..و لكن ما فاجأه هو وقوفها بعيداً و هي تبكي و عينيها ممتلأتان بالدموع...ليقول بإستغراب شديد...\وش فيييك الحيين؟!!
لتقول وسط بكائها...\ماااني مصدقة إنك لساتك حي...
ليقول بضحكة..\لاااا حول و لا قوة إلا بالله...يا بنت الناس الحين هذا وش دخله في البكا...؟؟!!
صبا..\مدرييي...بس..بس..أنا...إنت ما تدري وش اللي حاسة فيه الحين...مارح تحس فيني...!!
اقترب منها يسار ليحتضنها مرة أخرى ليقول..\حرام عليك..أنا اللي مو حاس فيك...أنا أبو الإحساااااااس يا هاااانم...ليسمع ضحكتها التي يتخللها نوع من البكاء...و يقبل رأسها وهو يقول..\إشتقت لك يا الخبلة...!!
و ترد هي و هي تدفن رأسها فيه..\ و آنا إشتقت لك حييييل..!!
****************************
مصر...
كانت قابعة تتأمل في صغيرتها و هي تلعب بتلك الألعاب في صالة الأطفال...و تتأمل طفلها الصغير وهو نائم على عربة الأطفال قربها...لا تعلم لماذا هي تود فعلاً لو تقابل تلك الأخرى...ربما فقط كرغبة منها للتعرف على أشخاص جدد في حياتها...ربما تود لو ترى تلك التي قد فتحت قلبها لها...و ها هي الآن بإنتظارها في المول...ربما اختارت كل منهما هذا المكان ليكون وسط العامة...فمهما وثقت في الآخرين فلابد لها أن تكون حذرة...و ألا تثق في أي شخص ثقة عمياء..و خاصة بعدما حدث لها في الماضي...
تأملت هاتفها الذي قد أعلن رنينه...\ألو...
كانت تلك الأخرى تحمل كيسين و ممسكة بيد والدها و هي تقول..\يبة...ترجيتك...ترجيتك يبا..بس هي صديقة لي و لازم أقابلها ثواني بس و بنروح..
عبدالعزيز \يا بنتي آنا تعبان و أبي أرتاح قبل لا نسافر و نرجع..
روح \بس دقاايق يابو روووح..أفااا..يعني بتزعلني..
ابتسم لها وهو يقول..\لا يبنتي..و أنا أقدر على زعلك..؟!!
لتتقدم و هي تتصل بتلك الهمسة..\ألوو...همووسة..كيفك؟!!
\ألو..بخير..
روح \إحنا الحين في المول...وينك فيه؟!
نادية بتساؤل \إنتو؟!!..إنتو منو؟!
روح \أنا وأبوي...قلت لازم أسلم عليك دقايق بس قبل لا سافر..لازم أشوفك..بموت و أشوفك...
نادية \هههه..أوكي يا ستي آنا فقسم ألعاب الأطفال في الدور الثاني...
روح \طيب كيف أعرفك...و لا أقول لك...آنا لابسة عباية سودا و شال أحمر فاااقع على راسي ب تلمحينه على بعد أمتار...و معي أبوي...إذا لمحتيني أشري لي..أوكي...
و أغلقت منها الهاتف...
لترجع نادية بتأمل صغيرتها لخوفها من إختفائها...ليرن الهاتف مرة أخرى...و ترد..\ألو..
روح \ها..أنا الحين في الصالة..و لابسة شنطة قوتشي كذا..شفتيني..
وقفت نادية لتتأملها...و فعلاً لمحت من بعيد فتاة بنفس مواصفاتها...و معها رجل...ابتسمت و هي تقول..\إنتييي...و لكنها توقفت فجأة عن الكلام و هي تتأمل ملامح الرجل الذي معها...و تركز مرة أخرى فيه جيداً..أحست بأنه سيغمى عليها لا محالة و هي تستمع لصوت تلك الأخرى..\همووس..وييينك..ويين رحتي.أنا ماشوفك..أنا
أغلقت الهاتف بسرعة و هي تبتعد لتأتي بهديل الصغيرة التي كانت تتذمر لأخذها فجأة..\ماما..مااابي..ليششش نروووح...نحنا تو جينا..
نادية..\مابي كلام كثير...بسرعة خلينا نمشي...و أخذت صغيرها و ذهبت في صدمة لا حدود لها...!!
******************************
ممسكة بإحدى الكتب المقررة عليها...كانت تقرأها و هي تمسح على شعر شهد القابعة قربها...و مما يبدو أنها و اختها قد استسلمتا للنوم...تاملت الوقت و هي تنوي الإتصال بنورة لتأخرها هي و صغيرها...و بعدا بالتأكيد ستتصل بيسار...و ذلك لانه هو أيضاً قد خرج لزيارة صديق كما زعم...و خاصة بعد إصرارها عليه المبيت معهم...
تناولت الهاتف وهي تنوي فعلاً الإتصال بنورة...و لكن فاجأها إتصال ما...تاملت القم الذي لم يبدو لها...استغربت...و لكن ردت..\ألو..
...\ألو صبا هذا انا سطام...
و مع أنها لم تحتج منه للتعريف عن نفسه...فقد عرفته من أول لحظة من نبرة صوته...اعتدلت في جلستها و هي تقول..\هلا سطام...
سطام \كيفك و كيف البنات؟!
قالت و هي تتأمل صغيرتاها...\بخير...إنت كيفك؟!
...\أنا بأحسن حال و الحمد لله...
قالت بغيظ..\دامك بأحسن حال ليش ما اتصلت من مدة؟!!...
حل الصمت لوهلة ليكسره هو و هو يقول بنبرة غريبة..\وش اللي تبيه إنتي...مانيب فاهم شي منك...تبيني اتصل أو لا...؟!!
صبا و بتبرير ضعيف...\مدري...بس كان لازم تسأل عن البنات بس...
سطام \يعني كل همك البنات و بس؟!!
لم ترد عليه ليقول..\عموماً قوليلي..كيفها دراستك..و الوالدة و أبو يسار لساتهم معاكم و لا رجعوا؟!
صبا \لاه رجعوا بس نورة معي...قالت و هي تتأمل الصغيرتان...\البنات زعلانين منك كثير..و حيييل مشتاقين لك...
ليسألها هو بجدية بادية في نبرته...\البنات بس؟!!
قالت بضيق..\سطام وش هالنبرة ال..و لكنه قاطعها..\يعني ما يحق لي أسأل إذا فرقت معك شوية أو لا؟!!
صبا...\أكيد بتفرق معانا...
سطام \و رجعنا لصيغة الجمع مرة ثانية..يا ستي أنا أصلاً كنت داري إني ما رح أطلع منك بشي...وينهم البنات..جنبك؟!
أغاظها و بشدة تغييره للموضوع و كأنما يود لو ينهي الكلام معها...و لكن..!!
أليس هذا ما تريده هي؟!!
قال..\نايمين..لتفيق شهد فجأة و هي تحك عينيها و هي تقول..\ماما..مع منو تتكلمين؟!!..
قالت صبا..\هذا سطام..
لتقول تلك بإنفعال...\سطااام...عطييني أكلمه..و لم تعطها فرصة و أخذت الهاتف منها و هي تقوم من السرير و تحمل معها ذلك الدب الصغير و مما يبدو أنها توبخ ذلك الآخر..\آآآنا زعلااانة منك..و إنت كذاااب...ما سألت و لا تكلمت معنا...لااااه..أنا و ملك مخاصمييينك...و ما...
كانت تود لو تسمع الطرف الآخر من الحديث..لا تعلم و لكن فضول غريب راودها لمعرفة أسلوبه في إقناع الصغيرة و نيل رضاها...تأملت صغيرتها و ملامح وجهها تتغير فعلاً للرضا و كأنما قد أقنعها بأسلوبه...لتسمعها تقول..\متى بترجع؟!!...لاااه بس قووولي متى رح ترجع و لا تكذب هالمرة؟!!
...\إحلف..!!
...\إحلف بس..!!
شهد و بنبرة طفولية..\إنت حلفت...يعنييي لو كذبت بتروح النار...
لتكمل...\إيه...خلاااص باخذ بالي منها...شنو..أوكي..
و اقتربت منها لتمد لها الهاتف...لتسألها صبا..\شنو؟!
شهد \يبيك...
صبا \ألو..
سطام \خلاص آنا لازم أسكر الحين..هذا رقمي سجليه...و إذا إحتجتي أي شي إنتي و البنات إتصلي فيني...خذي بالك من نفسك و منهم...
صبا \أوكي...
سطام \يلا بروح..
صبا \سطام...!!.
سطام \لبيه..!!
صبا \لا إله إلا الله...!!
ليحل الصمت لوهلة بينهما و تسمع بعدها صوته..\محمد رسول الله...!!
سرحت لوهلة فيه..و في المكالمة...و في كلماته..و في كل شئ..فهي لا تعلم حقاً ما يحدث...فهي لا تحبه..و لن تحبه..و لكن أصبحت له مكانة في حياتها...
و كيف لا تكون له مكانة بعد كل ما فعله معها...!!
قطع أفكارها صوت صغيرتها و هي تقول..\ما رح يتأخر لا تقلقي...
ابتسمت لكلمات صغيرتها لتسألها..\وش قالك..؟!
لترد تلك و بنبرة جاادة...\هأ...ماا رح قولك..هو قالي ما قولك..
صبا و بجدية \وش فيك قولي..
شهد \قاااالي..إنتي بطلة..أبيك تاخذين بالك من أمك..و تحفظينها لي..!!
أحقاً هذا ما قاله..؟؟؟!!!
******************************
بعد عدة ساعات...
ليلاً...
تاملت صغيرها الذي قد غط في نوم عميق...تذكرت تلك الرواية التي تقرأ منها جزءاً كل يوم...و انها قد تركتها في الخارج...و لكنها خائفة أن تجد ذلك اليسار في الخارج..و خاصة بعد معرفتها بقدومه من صبا و توبيخها لها..
كانت بين خيارين..أتخرج أم لا..؟!!
و لكن في النهاية فكرت أنها لن تغصب نفسها على شئ من أجله...لذا ارتدت غطاءاً لرأسها و خرجت...
حمدت الله أنه لا وجود لأي شخص في الصالة...و بدأت بالبحث عن روايتها...و لكنها لم تجدها..ابتعدت لتبحث في المطبخ و لكنها استبعدت وجودها في ذاك المكان...و لكن ما فاجأها هو ذلك الصوت القادم من خلفها...\تدورين على هذي؟!!
التفتت لتجده ممسكاً بروايتها في يده...اقتربت لتمد يدها له حتى يعطيها لها...و لكنه قال..\مافيه حمد لله على السلامة أو أي شي من هالمثيل؟!!
نورة \حمد لله على السلامة...الحين عطيني الرواية..
يسار \بعطيها لك..بس بطلب؟!
نورة بضيق \يسار لو سمحت..أنا ماني بذر عشان تعاملني كذا..عطني الرواية لو سمحت...
يسار و بنفس أسلوبه \بطلب..
قالت و ضيقها يتزايد..\وش هو...؟؟
يسار \تعطيني فرصة..!!
استغربت..بل أصيبت بالذهول من جملته..أهذا يسار بعينه من يطلب منها فرصة ثانية؟!!..قالت...\لشنو؟!!
يسار \لأي شي في الحياة...
نورة و بألم \لا تحاول يا يسار...انا كل اللي اعرفه عنك الحين إني أكرهك..أكرهك حيل... ما قدر أغير هالشي اللي جواتي...
يسار \و انا كنت أكرهك فلحظة...
نورة \كنت؟!!
يسار \إيه كنت...
قالت و بتساؤل لطالما شغل تفكيرها...\و السبب؟!!...السبب في تغيييرك المفاجئ لرأيك فيني...وش هو هالسبب القوي؟!!
قال و ببساطة \هذا بحتفظ فيه لنفسي...
قالت و قد وصلت حدها منه...\هذا إنت..عمرك ما رح تتغير...تمشي كل شي بقوانينك و بس...اللي تبي تقوله بتقوله..و اللي ما تبي تقوله ما بتقوله...بس أنا مارح صير من هالقوانين...مافيه أمل لنا...فياريت تخليني فحال سبيلي...
يسار \وش هالقوة اللي جتك فجأة...
قالت لتكمل جملها الجارحة له \قووة؟!!..انا كل قوة كانت لي فيوم من الأيام إنت نهيتها..أبدتها...محيتها من شخصيتي...
يسار و قد أخرجته من طوره...\نورة...تتحدثين كنك الوحيدة اللي تأذيتي و تألمتي...و كني حجر ما صار له شي وسط هالمعمعة...تذكري..إذا تألمتي...فأنا بالضعف..و كل شي صار لك أنا صار لي ضعف..!!
و تركها و ابتعد...
كما يفعل دائماً....
دائماً ما يرمي قذائفه و يبتعد...
**********************
ضعيني، إذا ما رجعتُ
وقوداً بتنّورِ ناركْ
وحبلِ الغسيلِ على سطحِ دارِكْ
لأني فقدتُ الوقوفَ
بدونِ صلاةِ نهارِكْ
هرِمتُ، فرُدّي نجومَ الطفولة
حتّى أُشارِكْ
صغارَ العصافيرِ
دربَ الرجوع..
لعشِّ انتظاركْ..
محمود درويش
هنا أقف و أنا كليييي أمل إنه البارت عجبكم...
و ان شاء الله القادم أجمل بكثييير..
و يحمل الكثير من المفاجآت...
إدعووولي معاكم ربي يفرج همي و ييسر أمري...
إلى الملتقى بإذن الرحمن...
أختكم روووح...