كاتب الموضوع :
**روووح**
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: روايتي...ولغد طيات أخرى...
لطيفة:
قال ابن مسعود : إن الله ليضحك إلى رجلين : رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ ، ثم قام إلى الصلاة ، فيقول الله عز وجل لملائكته : ما حمل عبدي هذا على ما صنع ؟ فيقولون : ربنا ! رجاء ما عندك ، وشفقة مما عندك . فيقول : فإني قد أعطيته ما رجا ، وأمنته مما يخاف ، وذكر بقيته
صحيح الترغيب
في غرفة الفندق...
تنظر لنفسها في المرآة...تتمنى أن تنخسف الأرض بها الآن...هذه الليلة هي ليلة دفنها...ألا يكفي ما حدث لها في دنيتها من قبل...لماذا؟؟!!...لماذا يا رب؟!!
لماذا؟!!...لماذا وافقت وأدخلت نفسها في هذه الدوامة اللانهائية من الألم؟!...ماذا فعلت بنفسها؟!...لماذا وافقت عل هذه المهزلة؟!...كيف صوّرت لنفسها بأنها تستطيع الزواج كبقية الفتيات؟!...كيف؟!
تأملت نفسها بذلك الفستان الملتصق بجسدها و هو عارى الصدر...لا تحس بالراحة معه...كيف يمكنها أن تظهر بهذا الشكل أمام رجل؟!!!...كامل الرجولة؟!!...
مدت يدها لتتأمل تلك النقوش السوداء التي تتمايل لتزين يدها من أصابعها الصغيرة الى منتصف يدها...منقوشة بطريقة جذابة تعلن عن أنها عروس في أجمل لحظات حياتها...و لم تكتف تلك النقوش بالرسم على يديها فقط...بل على قدميها أيضا...تلك الأقدام الصغيرة...و شعرها المنسدل برقة ليتراقص حول رقبتها..و لم يكن مكياجها ككل العروسات بل رسمت لها مرام كحلاً خفيفاً ليخطط أطراف عينيها و يعلن عن مدى كبرها..و أحمر الشفاه الفاقع الذي يعلن عن نضج انثى و يصرخ بأنوثتها...قطع عليها تفكيرها صوت مرام التي قد احتضنتها من الخلف و هي تقول...\اوووه نورة..ما شاء الله تهبلييين!!
ابتسمت لها نورة في المقابل...لتردف مرام...\ماني مصدقة انك كبرتي و صرتي عروسة..!!
نزلت دمعة من طرف عينها لتنتبه لها مرام و هي تقول..\أوووه وش هالدموع ...مانبي الميك أب يخترب...حبست نورة دمعتها و هي تهز رأسها بالموافقة...
مرام \ماني عارفة كيف سويتيها؟!...اختفيتي لأسبوع و انتي اليوم عروس...و لساتني مو مصدقة عيوني..و لولا انك قلتيلي بخبر زواجك...كنت قتلتك على ذيك الإختفاءة...
نورة \مرااام...أنتِي تدرين اني ما قدر اخبي شي عليكي...و قلتلك كل اللي صار ..و ..قاطعتها مرام لتضع يدها على فمها و تقول...\شششش...اليوم يوم زواجكِ...و مانبي نفتح مواضيع تمغص...
سمعا طرقا في الباب...ازدادت ضربات قلب نورة منه...و لكن الباب يفتح ليجدا الجدة تقف في الباب و ابتسامة حزينة تعتلي وجهها...
وقفت نورة تتأملها مدة...قالت لها مرام...\ها يا جدة...وش رأيك...ما انفع اترك شغلي و اشتغل ف تجهيز العروسات؟!
قالت لها الجدة...\بنوتتنا هي الحلوة و ماهي محتاجة لخرابيطكم...
مرام \هههههه....أنا الغلطانة اني تعبانة معاها من الصباح و اشتغل....
لاحظا لسكوتها التام و اعتبراه نتيجة لخجلها...قالت الجدة...\ما دري لو يسّار يقدر يصبر لين نهاية الحفلة مع كل هالزين؟!!
احمرت وجنتا نورة رغم حزنها و ذلك لطبعها كأنثى...اقتربت منها الجدة لتلبسها سلسال يخصها و أهدته لها...\ هذا لكي يا عمري..
ابتسمت نورة لها بحب و اقتربت منها الجدة لتطبع قبلة على جبينها...و قطع عليهم صوت طرق الباب الذي اقشعر جسدها لسماعه...و اذا بها تفاجأ بذاك العريس الذي قد ملأ الغرفة بكيانه!!
************
في الصالة...
كانت تحس بالإرهاق...الضيق...الحزن...الألم..أحاسيس لا تخص عروس ليلة عرسها..و لكنها عروس من نوع خاص و ليست كبقية الفتيات...كانت منزلة رأسها للأسفل...فلم تكن لها قدرة على النظر لذلك العدد الكبير من النساء...كانت مرام جالسة بقربها لتطمئنها...و لكن هيهات أن يطمئن قلبها اليوم...!!
مرت الدقائق ببطء قاتل...وإذا بها تسمع جدتها و هي تقول بأن العريس سيدخل؟!!...انتفض قلبها..عقلها...و كل شعرة في جسدها...خائفة؟!...لا...بل مرعوووبة بكل ما للكلمة من معنى...تغطت النساء اللاتي في الصالة ليدخل هو و معه خالد وعبدالرحمن...كانت منزلة رأسها فقط... تتمنى لو بإمكانها إدخاله تحت الأرض...!! كانت فقط تسمع تلك الزغاريد العالية و المعلنة عن دخوله...ما زالت تعتقد أنها في حلم...كابوس و تتمنى أن تستيقظ منه في أيّة لحظة...
هودخل...لا يعلم ماهية إحساسه ولكنه إحساس لن يحسده عليه أحد...غضب!!..ضيق!!..صدمة!!..كل تلك الأحاسيس قد كانت بداخله و لكن كالعادة يحكم عليها بالدفن في أعماق صدره و لا يبدو منه إلا ذاك البرود الشديد !!...نظر لكل شئ في الصالة..الحيطان..الزينة...الإضاءة ...إلا هي...تجنب النظر إليها تماماً...!!
تقدم عبدالرحمن ليطبع قبلة على رأسها و يبارك لها وخرج...و فعل خالد المثل...ليتركاه وحيداً بين كل تلك الكمية من النساء...رجل بمعني الكلمة...فكل من في الصالة تحسد نورة على هذه الزيجة...ابن الراضي!!!...من هي تلك القوية التي حصلت عليه؟!...كان الكل مستغرباً انه و بعد كل هذه السنين من ترشيح جدته له العشرات من النساء ينتهي بهذه؟!!
هي قد كانت جميلة ولكن ليس لذلك الحد...فيمكن إخراج عدد من الفتيات اللاتي كن أجمل منها...و من يراها يقل عليها...اعتيادية ليس إلا...!!
لم يقل لها أي شئ...بل اكتفي بالصمت و الصمت المطلق...و استخسر عليها حتى كلمة..\مبروك!!..عزت الجدة صمته لكونه خجلاً...وأحرجته عندما قالت...\قول ما شاء الله ...و حصنها بالأذكار...
ابتسم للجدة فقط و لم يقل شيئاً... سحبت نورة نفساً قويا ليعطيها القوة على احتمال ذلك...تعليق واحد من الجدة قد قشعر كل جسدها ..فكيف بحياة بأكملها معه؟!! ...تتمنى لو بإمكانهم الجلوس في هذه الحفلة للأبد... فهي لا تريد الاختلاء به أبداً أبداً...
تحس بالضيق من كل شئ...من تلك الكمية المهوولة من النساء وكل الأعين موجهة عليهم...أحست بأنها سيغمى عليها من شدة خوفها..
مرت الدقائق بسرعة بين مباركة و تهنئة و سلام...تعبت..أرهقت من شدة التمثيل و ذاك القناع الذي على وجهها.. و لكنه أفضل من أن يختليا ببعضهما!!!...مرت اللحظات بسرعة لتفرغ الصالة من المعازيم ولم يتبق فيها إلا القليل...كانت نورة طوال الوقت منزلة رأسها للأسفل و لم تكن تريد لشخص أن يري عينيها ليدرك ما بها من ألم..و فجأة اقتربت مرام منها لتهمس لها...\عطاني الحارس هذي الورقة و قال أنه في شخص خلاها لك و قاله لازم تستلمينها شخصياً...
ومدت لها تلك الورقة الصغيرة ...قرأت نورة الحروف التي تتخلل تلك الورقة ببطء دون احساس من يسّار فقد كان مشغولاً بالحديث مع جدته...
رفعت رأسها لتحس بأنها توشك أن تموت...أنفاسها تعالت...واحدة تلو الأخرى...ضاقت الدنيا على صدرها...لم تحس بشئ...لم تستطع الإحساس بشئ...فقدت المنطق في هذه اللحظة....فقدت كل شئ...أحست بدوار في رأسها..و أنها على وشك أن يغمى عليها...
تحس بتلك العاصفة من المشاعر المختلفة...تحس بالألم و الحسرة على حالها ...تحس بحقل من الذكريات الأليمة و المريرة يغزو فكرها...لم تستطع...و إذا بها فجأة تسقط على الأرض مغماً عليها....
يسَار تفاجأ...ولم يحس بنفسه و إلا و هو يحملها بين يديه ليجلسها مرة أخرى على الكرسي القريب وسط شهقات مرام و الجدة و بقية من تبقى في الصالة...قال وهو يضرب على خدها بخفة...\أبي موية...عطر أي شي...بسرعة ..بسرعة...
أسرعت مرام لتأتي بكوب من الماء و يقوم برش القليل منه عليها ...بدأت بفتح عينيها ببطء...كان الكل مسلط عينيه عليها يترقبونها...منهم من هو خائف كل الخوف عليها...و منهم من يتساءل ما سبب اغمائها...ومنهم من يجزم أنها حركات دلعٍ منها لا غير...
أما ذلك الرجل المفعم بالرجولة و المنحني فوقها تماماً فلا يمكن الجزم بمشاعره في تلك اللحظة...فالمفترض أنه زوجها و أنه خائف كل الخوف عليها..و لكنه لم يكن بتلك الدرجة من الخوف عليها و لكن لايعلم ماهية شعوره...كمية من المشاعر المختلطة ...تعجب..استغراب..استفهام..خوف..صدمة..ترقب...لا يعلم؟!!!...
هي لم تحس بشي و لكنها أحست بدوار و لم تعلم ما الذي حدث لها و لكن فقط كانت تسمع القليل من الكلام (اوووووه..نوووورة...)...(وش فييها)....(يا ربي ..وش صار عليها ؟!)...(نووورة اصحيييي)...(أبي موية ..عطر..أي شي)!!!...كانت هذه مقتطفات الكلام التي قد سمعتها...و لم تسمع شيئا اخر...وعندما أفاقت كانت الرؤيا غير واضحة بالنسبة لها...صدمت من كمية الناس التي كانت أنظارهم عليها...
قالت الجدة في خوف..\نورة حبيبتي بسم الله عليك؟!...
اجابتها نورة بصوت متعب...\أن..أنا كويسة و مافيني شي...
قالت مرام..\خوفتينا عليكي يا بنت...
قالت الجدة..\يسَار...شيلها للغرفة...
نعم؟!!...يحملهااااا!!...بين يديه؟!!...لا..لا يمكن..لم يكن هذا الاقتراح مسموحا به ضمن قاموسيهما الاثنين...قالت نورة في تدارك الموضوع...\ل..لا..مافيه داعي جدتي أنا ما فيني شي...
أخرج يسّار تنهيدة قوية بانت للاخرين الذين اعتقدوها نتيجة لخوفه عليها و انما هي كانت راحة من ذاك الاقتراح المرفوض...أحس أنه يوشك على الاختناق...لا يستطيع التنفس من الموقف ككل...زواجه؟!!...خرج من هذه الكومة من البشر دون أن يدع فرصة لأي أحد أن يتحدث معه...خرج و عندما وصل الى الصالة الخارجية من الفندق رأي خالد من بعيد و لكن أشار له أنه سيذهب لتلقي مكالمة هاتفية....
*****************
اثناء العرس..
قبلها بساعة من الزمن...
رجاء \مافيه حل غير اني احكي معها...خليني أحكي معها..
الجدة \لا...ماهو مفروض..
رجاء \هي غسلت مخه و ما بيرضى يتزوج إلا برضاها...عشان كذا لازم نضغطها خليني أنا أحكي معها..
قالت الجدة بإصرار...\لا...مافيه أحد يحكي معها غيري...
*************
خارج الصالة...
مجلس الرجال ...
عبدالرحمن \وينه يسَار؟!!
خالد \ما دري...شفته و كان طالع من الصالة و أشر لي انه يبي يستقبل مكالمة في الجوال...
قال عبدالرحمن و الغضب قد اعتراه من تصرفات ابنه...\مكالمة تخليه يسيب زوجته لحالها في نص الحفلة؟!
قال له خالد بقلق ...\ليش...وش اللي صار؟!!
عبدالرحمن \المسكينة داخت... و ما نعرف ليش..قالتلي رجاء انها بخير دحين بس أمك تدور عليه و هي تتوعده...
أمسك خالد هاتفه وهو يحاول الإتصال به...\دحين أنا قاعد اتصل عليه..
*********************
وصل الى الحديقة الخلفية من الفندق...وقف في مكان خال من الناس تقريباً...وقف..مدة..دون حراك..ثم انحنى بظهره للأسفل واضعاَ يديه على ركبتيه...ظل مدة من الزمن على هذا الحال...اعتدل في وقفته سحب نفساً قوياً...و آخر أقوى ثم أخرجه في آهة قوية كانت كفيلة بالتعبير عن حالته...تزاحمت الأفكار في رأسه...أحرقت خلايا مخه...وضع يده اليمنى على صدره و مسح بخفة لعل هذه الحرقة التي في صدره تخف...
تزوج...له زوجة...منزل..أسره..عرس...أغمي عليها...أفكار كثيرة قد غزت تفكيره...و لكن الفكرة الوحيدة و الأهم التي قد سيطرت على عقله هي...هي...ووحدها هي...سماح!!!...كم كانت جميلة و جذابة بذلك الفستان البنفسجي اللون و المظهر لأنوثتها المتفجرة..و شعرها المنسدل على ظهرها ليظهر مدى صفاء بشرتها...يعلم أنها قصدت ألا تتغطى لكي يرى مدى جمالها...فهو يعلم ما يدور في عقلها المريض أكثر من أي شخص آخر...يالحقارتها...لماذا تفعل ذلك بخالد؟!!...الذي يحبها؟!!.. لقد كانت تقف بعيدا..و لكن كم كانت قريبة من قلبه؟!!..
و لكم هو حقير؟!!...يوم زاوجه؟!!..و يفكر فيها؟!!..هي؟!!...زوجة عمه ليس غيرها؟!!...لم كل هذه الدناءة التي يتمتع بها؟!!..ولكن حاول..نعم قد حاول...حاول أن يتأمل تلك المزعومة بزوجته..حاول أن ينجذب لها...و أن يتناسى تلك البعيدة..و لكن هيهات للقلب أن يسمع...أو يطيع...انما القلب يأمر و أوامره تنفذ!!
سقطت تلك بين يده مغشيا عليها و هو لم يعرها أدنى انتباه..سوى ذلك الانتباه الذي كان سيعيره لأى شخص يقع مغشيا عليه بالقرب منه...بل كان عقله و قلبه و فكره كله مع تلك...السماح!!!
و لكنها تستحق..نعم تستحق..و ستستحق كل قسوة تجدها منه..فهو قد حذرها..أخبرها ألا توافق على الزواج منه...لماذا وافقت..فبعد ما قاله لها من كلمات مهينة توقع رفضها و رفضها التام..و لكنه فوجئ بجدته لتخبره بأنها قد وافقت على الزواج منه...يتذكر تلك الليلة إلى الآن...و كيف جلس الليل بطوله ليحلل سبب موافقتها عليه بعد ذلك الكلام الجارح الذي ألقاه عليها...
مسح وجهه بكلتا يديه...يجب أن ينسى سماح...يتناساها...لم يعد هنالك مكان لها...يجب و يجب و يجب...و لكن هل له القدرة على فعل ما يجب؟!!!..
\انت ما تحبها...
التفت على مصدر الصوت ليجدها تقف أمامه...سماح!!!...وقال بصدمة وغضب شديدين...\وش تسويين هنا؟!!.
قالت وهي تقترب أكثر...\ليش؟!...ليش تزوجتها؟!..ها..بس عشان تبي تحرق قلبي مو أكثر من كذا؟!..ها...قوليييي....أسكتها وهو يقول بغضب شديد...
يسار \ إخرسييييي...انتي ما تفهمين...أنا أحبها..أحبهااااا...
سماح \لاااا..أنت تكذب...أنا راقبتك طول الوقت...أنت ما تنظر لها حتى...و دحين سبتها وهي في محتاجة لك...لأنك ببساطة... ما تحبها...
يسّار \سمااااح....قالها وهو يمسك يديه بقوة عن طبع ألم قوي على خدها ليسكتها...ولكن قطع عليه تفكيره صوت الهاتف الذي يرن...ليجده هو..خالد...و كأنما يريد تأنيبه على ما يفعله الآن مع زوجته؟!!
رد بارتباك واضح...
خالد \وينك فيه؟!!...الكل يدور عليك و أولهم أمي؟!!
يسّار \جايي...و أغلق السماعة دون أن يترك أدنى مجال لخالد لقول ما يريد...وتركها بعد أن رمقها بنظرة غاضبة وذهب...
****************
وبعد انتهاء الحفل وذهاب كل المعازيم...وجاء الوقت الذي لطالما تجاهلاه..و لكن هي حقيقة لابد من مواجهتها...
توجها لجناحهما...
كانت الغرفة جميلٌة جداً..مفروشة بأفخم أنواع الأُثاث..يتخلل حوائطها اللونان الرمادي و البنفسجي و ما يعرف عن هذا اللون أنه يبعث الدفء و الرومانسية في الأجواء.. الغرفة من مظهرها تدل على أنها للعرسان و تملأ أركانها تلك الشموع المزينة...و الورود التي في كل مكان...و تلك الموسيقي الهادئة و الرومانسية...و لكن كل ذلك لم يكن مناسباً لكليهما....بل كانت هذه الأجواء خانقة لا غير...
هو بدوره لم يقم بكل هذه الاجراءات بل يبدو أنها جدته هي من أتتها الجرأة لتوصي العاملين بالفندق على تجهيز كل هذه الأجواء...لعروسين؟!!
أحست بأن ضربات قلبها تزداد..لم تعلم ما تفعل في تلك اللحظة للهروب من هذه الورطة..أتدَعِ المرض؟؟!..و لكن بماذا سيفيد ذلك..فأولاً و آخراً سوف يعلم الحقيقة المرة...و لكنه لا يريدها..إذن فهو لن يعلم شيئاً...
أغلق الباب..و أغلق ذلك المسجل الذي كان يصدر ازعاجاً لا غير بالنسبة له...غلف الصمت المكان...و لم يكٌن هنالك صوت..سوى أنفاسهما!!
هو بدوره كان أشد ضيقا منها...أحس بالاختناق...كان لابد له من كسر هذا الصمت..فقد أحسسه بالاعياء..حاول أن يتذكر أي موضوع يمكن فتحه في تلك اللحظة...و لكن ذاكرته خانته...ما الذي أصابه؟!!...فهو نادرا ما كانت تغلب عليه صفة الخوف!!...لم يدري ماذا يفعل...كيف سيخرج من هذه الورطة التي قد أدخل نفسه فيها...
لم تزوجها؟!!...لايريد لمسها..ولا يريد التواجد مع هذا الكائن في مكان واحد...فكل تفكيره قد كان منصبا في مكان واحد...تلك المحرمة عليه!!...استغفر بصوت عال حتى يطرد هذه الأفكار...و تلك التي تعطيه ظهرها قد سمعت تلك الكلمات من الاستغفار و التي قد اقشعر لها جسدها..
تأمل ذلك الكائن الصغير بالنسبة له و هي تنظر في النافذة الزجاجية في الفندق لحدود المدينة...و هي ترتدي ذلك الثوب الشديد البياض كالثلج و معلقة فيه كمية غير محدودة من الأحجار و اللالئ...
فجأه و بحركة لم يعلم ما دافعها اقترب منها...مد يده لتلامس كتفها..
وهي ما زالت تعطيه ظهرها...و لكنه أحس بأنها اقشعرت منه...دعى ذلك الى خجلها في ليلة كهذه..و لكنها ...انتفضت...\لا تلمسني!!!.
اصابته الصدمة فنبرتها لا تدل على خجلها و إنما على نفورها منه...هو لا يريد منها شيئاً مما تتخيله...فلو كان الأمر رهناً عليه لطلقها في هذه الليلة...ولكن أسلوبها في الرفض و التمنع قد استفزه...وهو لا يحب من يستفزه..يريد أن يرى الى أين ستصل؟!.. أمسك كتفها بكلتا يديه ببطء و جعلها تواجهه..و بيده رفع رأسها لتواجهه..و بنبرة لم يستطع التحكم فيها...
يسّار \هذا نفور منك؟؟...لم تجب..بل اكتفت بانزال رأسها فهي لا تملك القدرة على مواجهته...ولكنه بإصرار لا يعلم من أين أتاه قال لها...\ليش؟!
و لكنها مرة أخري ازاحت وجهها عنه..و قالت بضيق قد كان بادياً من نظرتها...\أرجوك لا تلمسنييي!!!...
لم يستطع تماسك أعصابه..وقال وهو يشتعل غضبا...\هيييي أنتِي...اذا كنتي رافضتني...ليش وافقتي من البداية..ليش وافقتي لما سألتك جدتي عن رايك؟!...ها..ليش؟!..ليش وافقتي على الزواج من شخص ما يبيك...و ما رح يفكر فيك و لا يوم فحياته...و صارحك بكذا بنفسه..ليش؟!!
كان لا بد أن تضع حداً نهائياً لكل هذا...لابد أن تبين رفضها التام له حتى لا يلمسها حتى لا يقترب أكثر...نعم وافقت عليه و لكنها لا ترغب به كما لا يرغب هو بها...قالت وهي تحاول التجلد بالقوة في نبرتها...
\أنا مابيك!!..أنا كارهتك و ما أتحمل فكرة لمسك لي....قالتها بكل ما لديها من قوة..وهي ترتجف خائفة من ردة فعله..
صدم من جرأتها العجيبة و بكل قوتها و ما لها من عقل تقول له ذلك؟!!...نعم هو قد رفضها و لا يريدها و لم يحس يوماً تجاهها بشئ و لكن لم يستفزه أحد بهذا الشكل في حياته كلها كما استفزته هي!!..لم يكن أحداً جريئا بهذه الصورة كما تجرأت معه!!
ألا تقوم بمقارنة صغيرة بين...
صغرها و ضخامته...!!
ضعفها و قوته...!!
أنوثتها و رجولته...!!
ألا تعلم أن بمقدوره فعل ما يريد بها بإذنها أو بغيره..؟!
يسّار \اووووه كل هذا الكلام ف ليلة زفاف!!... و لكن مثل ما تحبين...مانيب لامسك...مو حباً فيك يا مدام...لو كان فبالي كنت سويت اللي أبيه...و كل اللي أبيه...بس انتي ما جذبتيني كأنثى و ما رح تجذبيني..و ماني شايف فيك شي يجذب من الأساس...و سبق و قلتلك الحقيقة و حذرتك من الموافقة...بس تحملي نتيجة قراراتك !!!..
ثم تركها و غادر الجناح لتسمع صوت الباب الخارجي و هو يغلق بقوة جعلتها تنتفض من الخوف...أحست بأنه سيتكسر بين يديه....
لم تتوقع ذلك كردة فعل...لأنه معروف بمزاجه الحاد و حماقته و عصبيته...توقعت صفعة قوية على خدها...توقعت ضربة من يده..و لكن رده كان أكثر ألماً من ذلك كله...كلمات كان وقعها كالسهم عليها...حتى و إن كانت قد ارتاحت بتركه لها...و لكن لو قال لها أنه يكرهها لكان ذلك أفضل...ولكنه طعنها في أنوثتها..أنوثتها المجروحة منذ القِدم...لم تقو على التعبير و إنما تركت المجال لتلك الدموع أن تنهمر من مقلتيها...لم تستطع حبسها..
يفترض أن تكون هذه أسعد ليلة في حياتها و لكن!!... لم تستطع فعل شئ غير أن ترتمي على السرير بفستانها الأبيض..فستان مصمم لأجمل ليلة في حياتها!!...أغرقت رأسها داخل الوسادة و لكن هذه المرة لم تقو على قول أن لغد طيات أخرى...
لخوفها من المستقبل و ما سيجلبه معه...
***********************
وعندما رجع الكل للمنزل...أسرع خالد لتغيير ملابسه و أخذ حقيبة سفره التي كان قد جهزها قبل مدة لأن لديه سفرية مهمة لإيطاليا..قدمته سماح للباب وودعته و دخلت..
ولكن وهي في طريقها للأعلى استوقفها صوتها...
\سمااااح...
التفتت لتجد الجدة واقفة وهي تستند على عكازها الخشبي...قالت لها بثقة...\نعم..
التفتت الجدة و هي تعطيها ظهرها لتقول...\أبيك..تعالى معاي...
*******************
في الفندق...
في الحديقة الخارجية..
لم يراوده مثل هذا الاحساس من قبل... امتص كل ما في السيجارة من دخان..و كأنما أراد أن يملأ بها جسده و عقله بدلاً من تلك الاحاسيس ...لايعلم لم عصب بتلك الطريقة و رمى عليها ذلك الفوج من الكلمات؟!!...و لكنها قد استفزته..وقحة!!!..لم هو غضبان اذا؟!!...قد حققت له ما يريد..فهذا ما يريده..ألا يقترب منها...ألا تكلفه بسعادة زوجية...و ها هي تقدم له طلبه في طبق من ذهب...!!
يقف أمام حوض السباحة..لا يعلم كيف أتى إلى هنا؟!...و ماذا يفعل في هذه البقعة من الفندق!!...و لكن كان هذا من أنسب الأماكن المسموح فيها بالتدخين..وأيضا عدم وجود الرغبة عند أحد بالسباحة في هذا الوقت المتأخر..ليتساءل الناس ماذا يفعل عريس ليلة عرسه خارج غرفته..و خاصة أنه يبدو عليه مظهر العريس أنزل رأسه ليتأمل ملابسه الدالة على كونه عريساً...
رفع رأسه مرة أخرى ليحاول استنشاق تلك السيجارة...عادة هو لا يدخن و لكن هنالك مواقف معينة في الحياة تعصبه و تكون هذه السيجارة خير رفيق له!!...
لماذا فعلت ذلك؟!!..لماذا لم ترده أن يلمسها؟!...لا لم يكن ذلك خجلا منها..فهو ذا خبرة مع النساء تجعله يميز جيدا بين التي تخجل منه..و من تنفره!!..نعم لقد أهانها و ما ألقاه عليها من كلمات ذلك اليوم قد كانت كفيلة يإغضابها و لكن ليس لدرجة إعطائها هذه الجرأة المطلقة في الحديث..
و لكن نبرتها أوضحت له جيدا أنها لا تريده أن يقترب منها طول الحياة...و ليس لوقت مؤقت..ااااااه كم أراد صفعها في تلك اللحظة..و أن يفعل بها أي شئ...ليس حباً فيها و إنما قهراً لها لا غير.. و هذا حقه! ..ولكن ببساطة لم يستطع!!...
قطع عليه تفكيره ذلك الصوت...
العامل \أستاذ..تبي شي؟...كان هذا أحد الخدم بالفندق...
يسّار \هه..أأ...لا شكرا..مابي شي...و أحس بنظرات الخادم المتفحصة له....\كم الوقت دحين؟
العامل \أريعة و نص صباحا أستاذ.. قالها له ليس كإجابة..و إنما كتعجب مما يجعل هذا العريس يقف في هذه الساعة دون عروسه؟!
يسّار \حسناً شكراً... يمكنك الانصراف الآن...رمى تلك السيجارة التي بيده ليعفصها بقدمه بقوة...
******************
في تلك الغرفة في الفندق...
ممسكة تلك الورقة البيضاء في يدها و هي تقرأ تلك الأحرف مرة بعد الأخرى...لتعلن دموعها عن خروجها...تتأمل تلك الحروف التي تتخلل الورقة...و قد إختلط حبرها بتلك القطرات من دموعها لتصبح الورقة لوحة تمزج بين خط يدِ ذلك الغريب..و بين دموعها...!!
تأملت فستانها و قد تلطخ بقطرات الدموع المختلطة بسواد كحلها لتلطخ الفستان...لم تكترث للفستان..و لكن ما في صدرها و ما يؤلمها ...أكثر من ذلك...بكثير!!...رجعت ببصرها لتلك الورقة...
(مبروك...بس...سؤال: العريس درى بحقيقتكِ؟!...عموماً...اشتقتُ لك...كثير...)
هذه الرسالة منه...نعم إنها منه و ليست من شخص سواه...و لكن..لماذا ظهر..و بعد كل هذه المدة...بعد كل ما فعله بها..بروحها..و بحياتها؟!...ماذا يريد؟!..إلى ماذا يريد الوصول...أصبحت تشهق بقوة شديدة...فهي لا تستطيع إحتمال ما تأتيها من صدمات...فهي قد حاولت تجاوز ذلك الماضي الأليم..أن تتناساه تماماً....و لكن هيهات لها نسيان كذلك ماضٍ؟!!...لماذا رجع؟!...و يوم زواجها؟!!...ما الذي يريد أن يوصله لها بتلك الكلمات؟!...
أن يرعبها؟!...قد حقق مراده و ها هي الآن في قمة الرعب مما سيحدث؟!...
أن يؤلمها؟!...لا يحتاج لكل ذلك فهي كل يوم تتألم بسببه و بسبب ما فعله بها...
أن يحزنها يوم زواجها؟!...أيضاً ليس بحاجة لذلك فهي أصلاً لا تريد هذا الزواج...
خائفة...بل مرعوبة...مصدومة...متألمة...حزينة...لا يمكنها احتمال هذا الخليط من المشاعر...لا تعلم ما يجب فعله...ماذا ستفعل؟!...ماذا سيحدث لها؟!...أو ماذا سيفعل ذلك الحقير؟!...ماذا ستجلب لها الأيام القادمة من صدمات؟!
لا تعلم حقاً لا تعلم...و لكن ما تعلمه أنه حقاً ...
لغدٍ طيّاتٌ أخرى...و ستكون مؤلمة جداً...
لا تغيـبي.. أنتِ مِنّي وأَنَـا..
ما لِبعضِ الرّوحِ عنْ بعضٍ غنىً
أنتِ لونُ الفجرِ في طعمِ النّدَى
وعبيرُ الزّهرِ في خَمـرِ الوَسَنْ
أنتِ نايٌ فوقَ وَجْناتِ الدُّجَى
يَـعزِفُ النّجوَى إلى بحرٍ سَكَنْ
كم يَهُزُّ الشّوقُ وِجدَانـي إذا
أبعـدتنِي عنكِ أهـواءُ المِحَنْ
فاغـفِرِي لي.. واقبلِيـنِي تائِبَاً
واقتُلينِي.. إِنْ هَوانَا لـمْ أَصُنْ
نِزار قبّاني
لمحات من القادم...
( جذبته تلك الورقة القابعة في الأرض بالقرب من قدمه...نظر لها مدة ثم تناولها بين يديه...ليفتحها ببطء...قرأ محتواها من حروف...أنزل الورقة ثم نظر لها...إذاً ما راودته من أفكار لم تكن شكوك..و إنما هي حقيقة مطلقة...)
( أما هو فكان و ما زال في قمة عصبيته...لم يقابل شخصاً في حياته يعانده بهذه الطريقة!!!...استفزته...بل أيقظت كل خلية غضب في جسده ..و لو لم يكسر تلك المزهرية لكانت ستكون هي مكانها...!! )
( أجابته بعدم مبالاة مصطنعة....\ ماهو مهم..المهم اني موافقة...بس بشرط...
ابتسم لأنه بات يعرفها جيدا.. قال وهو يضع يداً فوق الأخرى\ شنو هذا الشرط يا مدام؟ )
ماذا سيكون القادم من طيات لنورة و يسار بعد أن يعيشا تحت سقف واحد؟
ماذا سيفعل خالد في قرار والدته؟
من هو هذا الشخص الذي أرسل تلك الكلمات لنورة؟
من هو هذا المتعجرف الذي ضايق نادية و ما الذي يريد فعله لها؟
ماذ ستفعل روح بالرسالة و ما ستكون ردة فعل محمود عليها؟
هنا محطة الوقوف..و أنا على أمل أن يكون الفصل قد نال اعجابكم و كان عند حسن ظنكم...
أتمنى ألا تحرموني من آرائكم و مشاركاتكم...
لنا لقاء آخر ان شاء الله...
|