,‘,
كما يحمل هو في طيات حياته الكثير والكثير من الامور .. قد تكون صائبة وقد تكون عكس ذلك .. ضحكاته تملأ جنبات المكتب الراقي .. فتلك الكلمات الواصله اليه عبر هاتفه " النوكيا " تدغدغ خلايا الفرح في نفسه .. قابعا على كرسيه مواجها تلك النافذة التي يتعلق خلفها خيطا ثخينا .. فعمال النظافة لا يزالون يتدلون من اعالي تلك العمارة الشاهقة .. ضحك من جديد وهو يردد : يعني طلقها- عاد ليقهق بزهو – هذا هو جاسم عمره ما بيتغير ..
التفت بكرسيه حين احس بوجود شخصا ما يجلس على الكرسي المقابل .. قطب حاجبيه .. ومالبث حتى اعتقهما .. وانهى تلك المكالمة .. ليسارع الآخر قائلا : مسرع ما وصلتك الاخبار ..
- انا اقول جاسم هو جاسم ما بيتغير .
ابتسم بسخرية : وتظن ان جاسم الحين نفس جاسم من 11 سنة يا عبد العزيز .. وتقول ان جاسم هو جاسم .. عجيبة الدنيا اللي نستك جاسم اللي كان وياك خطوة بخطوة .. واللي كان يمينك – يتلفت في انحاء المكتب – فهالشركة .
- مب حقد يا عبدالعزيز .. كره .. لان اللي داخل هالصدر – يضرب براحته على صدره – ما يعرف الا اثنين .. حب وكره .. ودامك انت مب مع الاول .. فتكون مع الثاني .
تشدق وهو يرخي ظهره على كرسيه : تحبها يا جاسم .. وخايف عليها ..
ضحك باعلى صوته .. تلك الضحكة التي يمقتها عبد العزيز بقوة : قلت لك عمرك ما بتفهمني .. بس مب جاسم اللي يطيح
ضحك تهكما .. وصدره يرتفع ويهبط .. وبعدها اسند ذراعيه على الطاولة منحنيا : بطيح ..
- ضيقت علي انت وجون الكلب .. ووقفتوا شغلي فشركتي الشهور اللي راحت .. كل مناقصة ادخلها تسحبوها .. بس لا تنسى يا عبد العزيز ان البيت ما يوقف ع عمود واحد ..
- تريد تقولي انك معتمد على " روز فاشن " اللي ما تسوى بيسه قدام اللي عندي .
- انت غول يا عبد العزيز ..بس انا بن آوى – ابتسم وهو ينظر لعبد العزيز – تذكر هالقصة يا عبدالعزيز .. الكتاب بعده عندي ..
- كنت تسوي فيها العود .. والقوي .. وتقرا قصص اطفال من كليلة ودمنة .
قهقه بشكل اثار الغيض في نفس عبد العزيز : القصص هذي عمرك ما بتفهمها .
قام واقفا ليجلس على الكرسي المقابل لجاسم : الحين تبي تقولي يابن آوى .. انك بتحتال علي .
طقطق بلسانه وهو يحرك رأسه بخفه دليل الا : ياي اخبرك عن نصيبي هني بهالشركة .
- رجعت بكلامك اللي قلته لي ذيك الليلة .. وانا اظن ان جاسم ما يرجع فكلمة قالها .
- بس اذا كان الطرف الثاني غول .. ومب اي غول بعد .. لازم تاخذ احتياطاتك
قام واقفا وهو يمسح ذقنه باصابع يده اليسرى : اعتبرها مثل ما تعتبرها – مشى حتى النافذة .. كتف ذراعيه على صدره والتفت لعبد العزيز – دريت ان شركة المرحوم سالم الــ ... انباعت ؟
تغير بروده الذي كان .. صارخا وهو يقف : انت شو تقول .. انا متفق مع البنك اللي حاجز عليها اني اشتريها .. قالولي الشهر الياي .. انت متأكد .. والا بس تحاول تـ..
قاطعه : ما احاول .. الشركة صارت لفرناند مور .. تاجر امريكي .. وازيدك من الشعر بيت لي فيها 25 % .
تقدم منه والغضب يتطاير من عينيه : جويسم لا تلعب باعصابي .. ومنو هذا مور .. اول مرة اسمع بهالاسم .. وانت كيف اشتريت هالنسبة .. ومن وين لك .. وشغلك واقف من ...
سكت وهو ينظر لابتسامة جاسم التي اثارت في نفسه الخوف : جسووم .. من وين لك الفلوس عشان تاخذ هالنسبة .
مشى ليجلس على تلك الاريكة .. ثانيا ساق على الاخرى : قلت لك لازم الواحد يكون حذر .. عطيتهم كل نسبتي هني مقابل ربع الاسهم فشركتهم .
تقدم منه ماسكا ثوبه بعنف حتى ارتفع صدره من قوة شد والده له : انت مينون ..
فك يد والده ورتب هندامه وهو يقف : لا ما ينيت .. ع فكرة قبل لا انسى .. ترى مدير الشركة الحالي هو فيصل سالم الـ.... .. وهو اللي بيكون رئيسك هني ..
قهقه تاركا المكان .. وقبل ان يغادر التفت لعبد العزيز : ع فكرة جاسوستك روز بكنسلها .. اذا المدام تريدها ياليت تخبرني
ضحك من جديد .. حتى توارى وتوارت ضحكته .. اما الاخر فسقط على الاريكة يحاول ان يفتح ازرار ثوبه .. فانفاسه بدأت تثقل وتزيد من اختناقه .. تمتم بغضب : الله ياخذك .. ياليتني ما يبتك ..
,‘,
ياليت كلمة نقولها حين الندم .. او التحسر .. او عند التمنى كما هو حال فاطمة التي تتمنى ان لا تقابل سناء في هذا الصباح .. فهي تثير في نفسها مشاعر الانزعاج .. قامت متأخرة على غير عادتها .. اليوم يوم الثلاثاء .. يوم لا اجازة فيه .. ولكنها اعطت لنفسها اجازة بسبب موعدها .. عند الحادية عشر ستقابله .. خرجت من غرفتها لتعد لها كوب "نسكافية " لعله يهدأ من توترها الزائد .. ستخرج من حدود ابوظبي لتقابله .. شيء بالفعل مخيف لفتاة لم تبتعد يوما لخارج العاصمة بمفردها ..حركت الملعقة في الكوب .. حتى تتلاشى حبيبات السكر .. خرجت لتصادف والدتها .. التي استنكرت وجودها في المنزل .. لترد الاخرى وهي تتابع طريقها نحو السلم : ما عندي شيء الصبح .. بطلع عقب شوي .
صعدت درجة .. اثنتان .. ثلاث .. وتوقفت لكلام والدتها .. والتفتت لها : قلت لابوج عن سالفة اخو ام خلفان .
رشفت من كوبها : وشو رد عليج ؟
يكسرها حال ابنتها البكر .. ولكن لا تستطيع ان تعصي زوجها .. ردت بحزن : يقول بييج الاحسن منه .. لا هو من مواخيذنا ولا من قبيلتنا .
رفعت كتفيها وهي تنطق : عاادي .. مب شيء يديد ..
وتابعت الصعود .. تحت انظار والدتها التي استغربت ذاك البرود منها .. فبالعادة اذا تم رفض شخص تقدم لها .. تقيم الدنيا ولا تقعدها .. تصرخ بوالدتها .. وتحتقن على والدها في غيابه .. تثور فجأة .. وتستهزأ قبل الانصراف .. لكن اليوم لم يحدث ما كان يحدث ..
دلفت الى غرفتها .. شربت ما تبقى من " النسكافية " .. وتركت الكوب على "الكوميدينة " .. تنفست بعمق .. بعدها قامت تجمع بعض الاوراق من الادراج .. وتضعهن في حقيبة يدها الجلدية .. رمتها على السرير .. وقامت لتغير ملابسها .. سحبت لها جينز ازرق .. وبلوزة سوداء .. يجب ان ترتدي اشياء تساعدها على المشي بحرية .. فيكفيها توترها .. الدولاب يعج بالعباءات .. السادة والمطرز .. سحبت عباءة سادة .. وسرعان ما ارجعتها وهي تحدث نفسها : لازم تبانين انج شيك ..
اخذت اخرى بها تطريزات على الاكمام بشكل ملفت .. ارتدتها .. ولفت " شيلتها " على رأسها .. نظرت الى وجهها .. يبدو شاحبا .. مدت يدها لعلبة " أولاي " ورطبت وجهها .. وطبعت اللون الوردي الفاتح على شفاهها .. سحبت عطرها المفضل من " جيفنشي " .. واذا بها تمطر عباءتها به .. شهقت وهي تتمت : فطوم شو صارلج .. انتي ما رايحه المدرسة عشان تتعطرين .. انتي رايحه تقابلين ريال .. استغفر الله العظيم .
خلعت ما ارتدته .. ولكن تلك الرائحة تخللت ملابسها الاخرى .. لا بد من التغيير الكامل .. ابدلت جميع ملابسها بملابس اخرى .. انحنت تفتح حقيبتها للمرة المليون تتأكد من انها لم تنسى شيئا .. اخذت نفسا عميقا قبل ان تخرج من غرفتها .. اقفلتها وما ان استدارت وهي تضع المفتاح في حقيبتها حتى جاءها ذاك الصوت الذي تشمئز منه : غريبة متأخرة اليوم – وهي تنشق الهواء – ما اشم ريحة العطر اللي تتسبحين فيه .
رفعت حاجبها وتقدمت من سناء : اقول .. خلج بعيد عني .. وما في داعي كل هالاهتمام .. اخاف بعدين اتعود عليه .. وبصراحة اذا تعودت على شيء صعب اني اخليه .. واخاف اموت من بعدج .
وضعت يدها على وسطها .. وبغيض : تطنزين ( تستهزء )
هزت رأسها وبوجه بريء قالت : حشا لله – ابتسمت – عن اذنج يا حرمة اخوي .
زفرت .. وبعدها انصرفت لغرفتها .. كان جالسا على الارض عند نهاية السرير .. منحنيا الظهر يقلم اظافر قدميه .. دنت منه .. وبغيض جامح جلست على السرير .. ببرود : خير ..شو فيج حبيبتي .
ابتسمت بمكر .. وهي تزحف حتى اضحت خلفه .. حركت يدها بحنيه على جانب وجهه : سعوودي .
دون ان يرفع نظره : هاااااااا .
- امممممم حبيبي .. شو رايك تاخذلنا بيت .. ونطلع مني ..
انهى اخر ظفر .. وضعه مع اخوته على ورقة المناديل .. ولفها : لا يا روحي – قام ونظر لها وهو يمسك وجهها بكفيه – ما يصير نخلي البيت لاخواني .. وهذا بيتنا فديتج .
انزلت كفيه بعنف .. وادارت وجهها بزعل مصطنع : بس انا مب مرتاحة .. وابوك ع الطالعة والنازله يحارش في .. ومب ماخذه راحتي واخوانك هني .
جلس بجانبها ناظرا لوجهها .. وشفاهها البارزة : يا روحي .. يا عمري صبري علينا شوي .. وترا اخواني مب دوم فالبيت ..
تهلل وجهها فجأة وهي تضغط على شفتها السفلى : انزين حبيبي .. غرفتنا صغيرة .. وبعدين انت عندك جناح بروحك ليش ما ننقل فيه .
قامت صارخة : انت بعدك تحسبلها حساب .. وليش ما تطلقها .. وبعدين انت كنت تقولي انك ما تحبها .. واشوف العكس الصراحة .
ربعت ذراعيها على صدرها .. واعطته ظهرها .. وساقها تلك لا تهدأ من الاهتزاز .. طوقها من الخلف منحنيا على كتفها : يا روحي .. لا تزعلين .. ولا يصير خاطرج الا طيب .. من باكر ننقل للجناح ..
التفتت له .. وبدلع يقتله .. ويذيب رجولته التي كان يظهرها على ريم .. وكلمات تحيل ما يختبيء خلفه من رجولة الى سراب .. قالت وهي تطوق رقبته بذراعيها : سعودي .. طلقها وارتاح .
التهمهما بنظراته : مب وقته .. ترا حلاتج تزيد ع الصبح .
,‘,
الصبح الذي تدمر فيه محمد جراء جرعة زائدة .. لم تصل الاسعاف بعد .. وهو ما ان وصل حتى طار الى غرفته .. هناك كان ممدا على الارض وجدته تحاول فيه لعله يستيقظ .. والاخرى واقفة مستندة على الجدار تبكي بخوف .. وصل وبسرعة ابعد والدته عنه .. تحسس انفاسه بظهر كفه وهو يصرخ : شو صار ؟ ..
لترد والدته : وديمة عطته الدوا وبعدها ما ندري شو صارله ..
انحنى يستمع لنبضات قلبه : قلبه ضعيف – اخذ يضغط عليه بخفه – لازم اخذه للمستشفى – صرخ في وسط توتره – اي دوا عطيتيه ؟
تلعثمت : ما اعرف .. مكتوب عليه حبتين .
ارتجفت شفتاها .. ويداها اضحى لونهما احمر بسبب دعكها لهما .. حين صرخ : حبتين شو .. طلعيه لي بسرعة
كان يضغط على صدر محمد .. ويعود يستمع لنبضه .. بعثرت الادوية امامها .. تبكي بقوة وتردد : والله مب قصدي .. والله مب قصدي
ليصرخ بها ان تحضر الدواء وهو يرفع محمد عن الارض .. دنت منه .. تمد له علبة الدواء بيد مرتجفة : مكتوب عليه اثنين .
صرخ : اثنين شو يالعمية .. ما تشوفين الواحد .. مكتوب نص مب اثنين – صرخ بها – حطيه فمخباي ( جيبي ) .
وبعدها هرول مسرعا ومحمد بين ذراعية .. لا حياة فيه .. سوى انفاس خافتة .. وقلب على وشك التوقف .. نزلت على الارض تبكي .. وهي تسمع كلمات امها المحملة باللوم ..دفنت وجهها في ركبتيها .. و رددت من وسط شهقاتها : والله ما شفته انه نص .. والله ..
انطلق بسيارته بعد ان اراح جسد محمد في الكراسي الخلفية .. سلك الجانب الايمن من ذاك الطريق متعدد المسارات .. فتلك الجهة غير مزدحمة كما الباقي .. ابطء من سرعته .. ليتفقد محمد .. التفت له واضعا كفه الايمن على صدره .. لا يزال قلبه ينبض .. ارتاح .. واذا به فجأة يندفع للامام .. ويندفع مع اندفاعه جسدها .. خافت .. فنزلت مسرعة تقف امام بابه صارخة به : عّمي ..ما تشوف ..
انزل زجاج سيارته : سامحيني ياختي .. الله يخليج خوزي من طريجي .. مستعيل ..
تخصرت وهي تزم شفتيها : لا والله .. تقتل القتيل وتشرد .. مب خايزه الين ايون الشرطة يشوفون صرفه وياك ..
ضاق ذرعا بها .. بعثر اوراق الدرج الصغير .. واخرج ورقة وقلم وكتب لها رقمه على عجل .. مده لها وهو يترجاها : اندوج رقمي .. وخليني اروح يا بنت الناس .. ولدي مريض ولازم اوصله المستشفى
- والله عيب عليك .. ريال شكبرك وترقم .. لا وبعد تتعلث ( تتعذر ) بولدك .
زفر بعنف .. وفتح باب سيارته .. ليجرها من يدها بعيدا عنه .. وبعدها يفتح كفها ضاربا بالورقة فيه : هذا رقمي
ادخل يده في جيبه .. واخرج محفظته .. وهو يسحب بطاقتان منها.. صرخت : انت شو تسوي .
سحب يدها من جديد ولا تزال تلك الورقة فيها : هذي هويتي .. وهذي بطاقة الليسن – نظر لها بغضب – خليهن عندج .. عشان تظمنين حقج .
تصلبت في مكانها .. لا تعرف ماذا تقول .. او ماذا عساها تفعل .. مر بسيارته مسرعا .. تمتمت وهي تلتقط انفاسها : مينون .
اسرعت الخطى الى سيارتها .. سحبت حقيبتها من على الكرسي .. ورمت فيها ما يخص سعود .. رقم هاتفه وبطاقاته .. اعادتها وسحبت هاتفها القابع بجوارها بيد مرتجفة .. فما حدث شيء اثار خلاياها .. لمسها بعنف .. استغفرت ربها اكثر من مرة وهي تضغط على ارقام هاتفها .. يجب ان تطلب سيارة اجرة .. فسيارتها تلك لن توصلها لوجهتها وقد كسرت انوارها الخلفية .. وذاك الموعد ينتظرها .. لا بد لها ان تصل في الوقت المحدد .. زفرت وهي تجلس في سيارتها واصوات السيارات المارة ترهقها .. وايضا اولئك الشباب الطائش .. وصراخهم كلما مروا عليها .. عادت لتستغفر من جديد وهي ترى رجفة يدها .. لم يلمسها انسان غريب يوما .. وهذا السعود لمسها بقوة .. تساءلت في نفسها .. هل ابنه فعلا مريضا ؟ .. فهي لم ترى احدا معه .. نفضت راسها من تلك الافكار .. وهي تسحب حقيبتها وتخرج بطاقة هويته . قرأت اسمه .. وتمتمت : شكله ما يكذب .. والا حد يتوح ( يرمي ) اوراقه ع انسانه ما يعرفها بهالشكل – اخذت تضرب بها على راحة يدها بخفة – بس شكله وسيم ..
ضحكت على كلامها وهي ترى سيارة الاجرة تقف خلف سيارتها .. تاكدت من اخذ جميع الاوراق المهمة وترجلت .. بعد ان هاتفت من سيأتي لاخذ سيارتها للتصليح ..
,‘,
Continue