,‘,
بعكس الحزن الذي سيطر على حياة عائلة فيصل كان هناك فرحا في منزل عائلة احمد .. كانت اسبابه منبعثة من قلب سارة التي ما ان دخلت المنزل حتى اخذت تصرخ بفرح لا متناهي .. اخيرا انتهت من هم الدراسة كما كانت تقول .. فهي تظن ان المدرسة والدراسة متعبة جدا .. جلست في الصالة بعد تلك الكلمات التي سمعتها من والدتها وهي تنهرها بسبب صوتها العالي في المنزل .. كانت ممسكة بقلم وورقة .. تكتب وهي مبتسمة .. جاءت لها العنود وبيدها تلك الاوراق المضرجة بالاحمر والاسود : تلعبين ورق ؟
رفعت راسها .. وبحماس شديد : وليش لا .. هاتي
مدت لها بالاوراق .. واخذت تحركهن بين يديها بحرفية متناهية .. وبسرعة وزعتهن بينها وبين العنود .
شو كنتي تكتبين ؟ .. سؤال طرحته العنود عليها .. لتجيب بفرح وهي ترمي باحدى الاوراق من يدها : خطة الاجازة .. بقول لنصور عنها .. لانه هو اللي بينفذها لنا .
دخل ناصر بلباسه الرسمي .. وذاك القميص ذو اللون الرمادي قد فكت ازراره العلوية .. رمى بقبعته الحمراء على سارة : شو بلاه نويصر بعد .
تركت ما بيدها متوجهة لاخيها .. الذي جلس على الارض بتعب ساندا ظهره على احدى الوسائد .. اقتربت منه .. واخذت تدلك ساقيه وهي تقول : فديت اخوي .. اكييد تعبان .. خلني اهمزك ( ادلكك )
انفجرت العنود ضاحكة : الله ع الحايه .. اللي تسوي فيج جذي يا سويره هههههههه
ناصر : وانا اقول ما في شيء لله ..
تلعثمت : لا لا منو قالك اصلا .. بس تدري اجازة .. يعني يبالنا طلعة مني مناك .. والا شو رايك ؟
سحب ساقيه .. وقام واقفا وهي تنظر اليه رافعة رأسها حيث لا تزال جالسة : يصير خير .. بروح اتسبح ..
مشى مبتعدا وفجأة توقف .. حين اقبلت والدته .. تقدم منها مقبلا رأسها : امي جهزي عمرج الاسبوع الياي لعزيمة عودة .
دون شعورا منها قالت : احمد بيرد من السفر ؟
انزل رأسه .. وكأن بتلك الجملة تلاش الفرح من قلبه : لا .. بس بترقى .. وبعلق النجمتين .
تداركت الامر .. وقامت تبارك له وتقبله : عقبال ما افرح فيك معرس يا ناصر .
بعد تلك الفرحة التي ملأت قلب ام احمد .. قالت بشيء من الجدية : ناصر .. شوف اختك .. ترا ابوك كل شوي يسألني شو رايها بولد عمها .. وكل ما اسألها تقول بتفكر .. ترا والله طولنا عليهم .
- ان شاء الله بشوفها .. بس سمعيني يا امي .. ترا روضة مب مجبورة .. واتمنى انكم ما تغصبوها ع شيء .. وافقت كان بها .. ما وافقت الله بيكتبها النصيب مع غيره .
" شوفي يا بنت الناس .. لا تبنين حياتج على زيف الحروف .. اللي عرفته من رسالتج انج بعدج تدرسين فالجامعة .. وان اغلب وقت بريكاتج تقرين فيهن مقالاتي .. يعني لو عندي بنت بتكون بعمرج .. يا بنتي خلي وقت بريكاتج لشيء ينفعج فدراستج .. ولا تتعلقين في كم كلمة كتبتها .. ما كنت برد على رسالتج .. مثل باقي الرسايل اللي وصلتني منج .. بس لو ما رديت كنتي بتبقين عايشه فوهم اسمه حب ..الحب ما يكون من كم حرف منمق .. الحب عشرة .. سامحيني يا بنتي .. بس اذا كانت مقالاتي بتسبب معاناتج فاقولج من الحين تركيها."
هذه المرة العشرون التي تقرأ فيها تلك الرسالة .. كانت تقرأها وهي تهز كيس الـ " m&ms " الاصفر .. لتدحرج الزرقاء والحمراء في كفها .. ومن ثم تنزلق على لسانها .. لتهشمهن اسنانها دون رحمة ..
اغلقت جهازها على عجل حين فتح الباب بعد طرقة خفيفة عليه .. ازاحته من على حجرها .. ابتسمت لاخيها الذي اقترب منها : ليش يالسه بروحج هني .. ؟
سحبت ساقيها حتى يجلس ناصر على السرير : ولا شيء .. بس كنت افكر .
فذياب ؟ .. سؤال من شأنه ان يجعلها تعتدل في جلستها .. وتضع الكيس من يدها على الكوميدينة : ما اتصور اني بكون حرمته .. صح انه ريال والنعم فيه .. بس
باهتمام منه : بس شو يا روضة ؟ .. اذا انتي مب موافقة محد بيجبرج .
هزت رأسها بعشوائية سريعة :لا .. مب قصدي .. انا صليت استخارة اكثر من مرة .. وكل مرة احس قلبي يرتاح اكثر .. بس
ضحكت ليضحك معها : هيه جذي ضحكي .. وبقولج شيء .. ذياب اعرفه زين .. ربيت وياه .. والصراحة بقولها لج .. ذياب بيحطج فعيونه الثنتين .. ما اريد كلامي يأثر عليج .. بس اللي اشوفه انج موافقه بس متردده .. وترا من حقج تشوفينه وتتكلمين وياه بعد .. لا تستحين منه .. لان من حقج هالشيء – قام واقفا – الحين بخليج .. تراني هلكان .. بروح اكلي لقمة وبرقد .
تركها .. لترجع وتسبح في بحر افكارها من جديد .. الكلام المادح له الذي يصلها من الجميع جعلها ترتاح كثيرا .. وايضا كلام المغترب لها .. ايقنت به انها لم تكن تحبه هو .. في كل مرة تقرأ فيها رسالته تلك .. يزداد يقينها بانها لم تحب الا حروفه المنسابة على تلك الجريدة .
,‘,
تناولوا الغداء .. واجتمعوا في تلك الصالة الصغيرة .. الجميع هناك .. ما عدا شهد .. وعمار الذي ذهب ليقدم اخر امتحان له لهذا الفصل .. الساعة تقارب الثالثة عصرا .. وميثة تشعر باحساس غريب وهي بين عائلة اخيها عبد الرحمن .. احست براحة تجمعّهم .. تلك الراحة التي لم تكن تحسها وهي في بيت راشد .. كانت هاجر جالسة بجانب طارق وملتصقة به تنظر معه لشاشة هاتفه التي تعرض فيديو لشيء مضحك .. اما مريم فكانت جالسة قبالة عبد الرحمن تسكب له فنجان قهوة .. الذي بادرميثة بسؤالها : شخبار عليا الحين ؟ اذا محتاية مستشفى لا تترددين .. انا هني وطارق .
نظر طارق لهم عندما سمع اسمه : اكييد ما يبالها – ترك هاتفه لهاجر واعتدل في جلسته – وين خلود وحصة ؟
ابتسمت : شهد يزاها الله خير .. خذتهن عندها .. قالت بتلعب وياهن شوي .
كل شخص فيهم كان يتمنى ان يعرف الاسباب خلف خروج ميثة من منزل راشد .. ولكنها لا ترغب في الحديث عن الامر .. حتى عندما سألها عبد الرحمن .. وبسبب الحاحه عليها .. ما كان منها الا ان تقول : اذا ما تبوني بطلع .
كانت تلك الجملة كفيلة ان تلجمهم عن السؤال ثانية .. فجأة اذا بشخص يقتحم المكان .. ليقف الجميع مشدوهين النظر اليه .. كان يصرخ مزمجرا : ياللي ما تستحين .. جذي اطلعين بدون كلام ولا علام .
تكلم عبد الرحمن محاولا تهدئة راشد : السلام لله يا اخوي .. شو بلاك هاجم علينا .. وتراها ما راحت لبيت غريب .. هذا بيت اخوها بعد .
اخذ يشير اليها بيده : اختك هذي قليلة ادب وما تربت .
صرخت في وجهه : والله اللي رباني رباكم ..
عبد الرحمن : يا ميثة اقصري الشر – امسك اخيه من ذراعه – تعال وياي يا بو سعيد .
سحب يده : هدني يا عبد الرحمن .. البنت السنعة واللي متربية ما تطلع بانصاف اليالي .. وكانها شاردة من سجن .. خبريني بشو قصرت وياج .. دستلج ع طرف فيوم عشان اطلعين من البيت بهالشكل .
رن هاتف طارق .. وتحملق الجميع له . انسحب من المكان .. اما هاجر فوقفت بجانب والدتها ..
ميثة : ما عليك الا بياض الويه يا بوسعيد .. بس غيرك ما صان حرمة البيت .. يا بوسعيد ولدك ما خاف ربه فبناتي .. ولدك ما سوى اعتبار لعمته .. ولا سوى اعتبار لابوه .
تقدم منها حتى باتت انفاسه الغاضبة تلفح وجهها : ما اسمحلج تيبين طاري واحد من عيالي بالشينه .
عاد عبد الرحمن ليمسك راشد من ذراعه .. والتفت لمريم : خذي ميثة فوق يا مريم .. تعال يا راشد وياي .
صرخ من جديد : هدني يا عبد الرحمن .. خلني اعلمها واربيها من يديد .
نطقت هاجر : التربية ما اتيي ع كبر يا عمي .
صرخ عبد الرحمن على ابنته : يوم يتكلمون الكبار الصغار يسكتون ..
اغتاضت وانسحبت من المكان .. اما مريم فاخذت تحاول في ميثة لتترك المكان لكن بدون اي طائل .. اخذ الصراخ يعلو من جديد بينهما .. يقول كلمة وترد عليها بعشرة من مثلها .. كانت كالبوة التي تدافع عن جراءها : ما برجع للبيت اللي دمر بنتي يا بوسعيد .. وبدال ما ياي تصب غضبك ع راسي .. روح اسأل ولدك شو سوى .. اسأله كيف وصلت عليا لهالمواصيل .. وبعدين تعال كلمني .. والله ونذرا علي يابو سعيد بيتك ما عاد ادخله .
انسحبت من المكان .. وسط هيجان راشد .. كانت كلماتها مبهمة جدا .. من تقصد ؟ .. كان سؤالا يتردد في ذهنه .. ترك منزل عبد الرحمن والغضب لا يزال يجتاحه .. اما ميثة فجلست على السرير واخذت علياء في حظنها .. فتحت عينيها المتعبتين : امي .. لا تخليني بروحي .
شدتها اكثر الى حظنها : ما بخليج .. ما بخليج .
فتح الباب على مصراعية : شو اللي سمعته من شوي ؟
ارتجفت خوفا بين يدي والدتها .. التي بدورها شدتها اكثر واحتضنتها بقوة . اردفت : شو اللي صار لعليا عموتي ؟ .. اذا مثل ما فهمت .. لازم ما تسكتين .. عليا باين ان اللي فيها مب حمى وبس ..
- هاجر طلعي برع .. ما اريد اتكلم فاي شيء .. الله يخليج طلعي .
اقتربت منها وهي تؤشر لعلياء : عايبنج حالها .. اذا عايبنج حالها .. فهو ما عايبني .. ولازم تشتكين ع اللي وصلها لهالمواصيل .. واللي افتعل فيها( اغتصبها ) .
- اص .. سكتي يا هاجر – بدأ صوتها يتهدج – يا رب ما يكون فيها شيء .. يا رب ما يكون فيها شيء .. ما بسامح عمري اذا افتعل فيها النذل .. وربي ما بسامح عمري ولا بسامحه .
اما راشد فهاهو يدخل منزله في قمة غضبه .. ينادي باعلى صوته على ابناءه الذكور : سعيد .. عبدالله .. بدر .. مايد .. وينكم ؟
كان واقفا باسفل السلم .. ونظره للاعلى .. خرج سعيد من الصالة ووقف بخوف : شو صاير ؟
- وين اخوانك ؟ - رجع لينادي – عبدالله .. بدر .. مايد .
خرج الجميع .. نزل بدر الدرجات حتى وصل عند والده .. اما مايد فوقف في منتصف السلم .. فاطمة وريم تقفان هناك بخوف في الاعلى .. اما ام سعيد فوقفت بجانب سعيد .. كان الرعب مسيطر عليهم
زمجر من جديد : وين عبدالله ..
لا اجابة تصله .. فاستطرد : منو منكم اللي تعدى حدودة وييا ميثة وبناتها ؟
حين لم يصله اي جواب .. صرخ : تكلموا ؟
ارتجف مايد في مكانه .. ونظر له بدر .. ثم وجه نظره لسعيد : ابويه شو مستوي ؟
- انا اللي اسألكم .. منو فيكم اللي غلط على ميثة وخلاها تطلع من بيتي بهالشكل .. بتتكلمون والا شو ؟
ام سعيد : الله يهداك يا بو سعيد .. تشك فولادك اللي انت ربيتهم .. وليش ما تقول ان ميثة يالسه تتبلى على عيالي عشان تحطي اسباب لطلعتها بالهشكل مثل الحرامية .
تقدم سعيد من والده : امي صادقة يا ابوي ..
- لا مب صادقة .. ميثة ما تسوي هالسواه الا اذا شيء كايد مستوي ... بتخبروني بالطيب .. والا تبون تصرف ثاني وياكم .
سعيد : يمكن عبدالله .. تراه من امس مختفي .. محد يدري عنه شيء .. شكله خايف من سواته .
هزت ريم رأسها واخذت تردد : حرام عليكم .. حرام عليكم .. عبدالله ما يسويها .. حرام
امسكتها فاطمة من ذراعها .. وادارتها نحوها : انتي شو فيج .. واايد متغيرة .. وشو تقصدين باللي تقولينه .
رفعت عيونها المليئة بالدموع : حرام اللي تسونه .. الله يتكفل فيكم ..
سحبت ذراعها وجرت مسرعة لغرفتها .. ارتمت على سريرها .. تبكي بقوة .. وكأنها بدأت تفيق من غيبوبة الزوجة الطيبة السعيدة .. بكت وهي تردد : كلكم مثل بعض ما همكم الا نفسكم .. حرام عليكم ..
من سوء حظه انه عاد في تلك الساعة .. والاحتقان بالغضب قد سيطر على ارجاء المكان .. دخل وتحولت الانظار له .. القى التحية .. واذا به ينصدم من رد والده : الله لا يسلم فيك عظم ..
تقدم منه .. ليستقبلة بضربة على الوجه جمدته في مكانه : لا بارك الله فيك من ولد .. هذي سواه تسويها ..
مشت بعكازتها نحو زوجها .. ارادت ان تبعده عن ولدها الذي انهال عليه ضربا بيديه وهو ساكن في مكانه لا يتحرك .. وما كان به الا ان دفعها .. ليمسكها بدر .. وبعدها حاول ابعاد والده عن عبدالله .. يشده للخلف من وسطه : خلاص يا ابويه ..
رفع عبدالله نظره محاولا ان يستوعب ما يحدث .. ازدرد ريقه : شو اللي مستوي ؟
هم ليضربه من جديد ولكن بدر حال بينهما : وتسأل يالخسيس – اخذ يأشر عليه فبنية بدر القوية تمنعه من الوصل لعبدالله – اطلع من بيتي يا مسود الويه .. اطلع ..
صرخت ام سعيد .. وامسكت بساقي زوجها .. تنظر اليه : لا يا بو سعيد .. لا .. الله يخليك هذا ولدك ..
لم يعرها اي اهتمام واخذ يردد تلك الجملة " اطلع من بيتي " .. وقف ينظر للجميع .. وتوقفت النظرات على سعيد .. فابتسم.. وكأنه يقول له .. انتصرت يا سعيد : انا طالع يا ابويه .. بس بيي يوم تعرف فيه انك ظلمتني ..
كل ذلك يحدث تحت انظار المجرم الحقيقي .. المجرم الذي توشح ثوب البراءة .. المجرم الذي عرف اخيرا حجم اجرامه .. لم ينبس ببنت شفة .. رأى عبدالله يغادر .. لطالما كان الاخ مهضوم الحق بينهم .. وهو كان الكل في الكل .. فهو اخر ابناء راشد .. المدلل .. اذا اراد شيء وصله دون معارضة .. انسحب وهو يرى والده قد انهكه الغضب .. يقوداه بدر وسعيد ليجلساه على احدى الارائك .. ولج الى غرفته .. اغلق الباب .. وجلس على الارض محتضنا رأسه بكفيه : شو اللي سويته يا مايد ..
,‘,
Continue