,‘،
ترجل من سيارته " الرنج " بهيبته المعهودة .. وتلك النظارات لا تفارقه ابداً ..اليوم عادي بالنسبة له .. لا يختلف عن باقي الايام الا بدخول شخص جديد لحياته .. اكمل طريقه ليعبر ذاك الممر القصير .. ويلج الى المحكمة من بوابتها الكبيرة .. كانت هناك اعين ترقبه : شوف منو اللي ياي المحكمة
التفت الرجل لصاحبه وبعدها على جاسم : هذا جاسم ولد الاستاذ عبد العزيز .. ليكون ياي يشتكي ع ابوه
- عاادي . تصير .. ومب بعيده عنه .
- صدقت .. كل شيء متوقع منه .
تهامس كغيره من التهامسات التي لطالما تداولها الناس بينهم .. عُرف بالابن العاق .. والرجل القاسي .. ولكن لا يعرفون لماذا هو هكذا .. الظاهر يصور لناس اشياء واشياء .. والداخل شيء قد يكون اكبر بكثير مما يتم تداوله .. لا تهمه تلك الاقاويل .. فهو لا يرى حياته الا عمل خالية من العائلة
جسداهما يرتفعان ويهبطان .. وفرساهما تعدوان بمرح بين تلك السهول الخضراء والغابات المتفرقة ..
- ما قلتلك بنستانس .. شوف حلاة السهول هني .. ياليت عندنا مثل اللي عند البريطانين ههه
- اللي عندنا خير يا قاسم .. ما محتايين لبلاد الغرب تكون فبلاد حكمها شيخ ما في مثله ولا بيكون بعد .
سحب الجام لتقف فرسه وهي تحرك ساقاها الرشيقتان بخفة : عندي لك هدية .
ادخل يده في جيبه وهو يرفع جذعه للاعلاى .. حتى يستطيع الوصول لاخر جيبه .. اخرج ورقة قد طويت .. اعطاها لجاسم الذي ترجل عن ظهر فرسه : شو هذا ؟
اخذ لجام فرس جاسم وامسكه مع لجام فرسه .. ومشى بمعية اخيه .. الذي كان يفتح الورقة .. توقف وهو ينظر الى ما فيها .. لؤلؤة وجناحان .. رسما بدقة متناهية .. وهناك ايضا رسمة لهما كتب عليها Q&J .. التفت لقاسم الذي علت محياه ابتسامة فخر : شو رايك بتصميمي .. ترا هذي هدية لك .. ما اريد لها شبيه اوكي .. اول ما تعرس سلمها لعروسك .. بس هااااا .. ما اريدها الا للانسانة اللي ملكت قلبك .. غيرها لا .
جاسم : وليش حرفك قبل حرفي .. مب انا العود .. لازم يكون حرفي قبل .
ربط الجامان في تلك الشجرة الباسقة .. وارتمى على العشب الاخضر .. شابك ذراعيه تحت رأسه : طرار( شحاذ) وبعد يتشرط . واللي يسمعك تقول العود بيقول تكبرني بسنين مب كأنهن 5 دقايق .
وقف ينظر لاخيه .. واخذ يهز الورقة اعلى رأسه : وليش تريدها وحيده .. نسوي ثنتين لك ولي .
رفع ساقيه في الهواءدافعا جذعه على الارض .. ليستطيع الجلوس : شوف جويسم .. اريدها لك انت وبس .. وفي هدية ثانية لك .. واللي هي موجودة فالرسمة
ضحك : من امي بخيته .. تراها عطتني اياها تحسبني انت .. مثلت عليها وصدقتني .. وقالت – يقلد كلامها – قويسم ما يتأمن ع شيء .. لو اعطيه اياها ما بعيد يفرها
ضحكا سوية .. وفجأة تغيرت ملامح قاسم وهو يعود ليطرح نفسه على العشب : واتريا هديتي منك .. بس الهدية بتكون طلب مني .. توعدني تلبيه يا جاسم .
نظر إليه .. وبعدها استلقى بجانبه : اوعدك .. لو تطلب عيوني بقدمهن لك .
وضع يده على نظارته من جهة اليمين .. وحرك اطراف اصابعه على جبينه مبتعدا بهم تجاه شعره ..وانتبه لعيسى الذي سحب الاوراق من يد خولة .. وادرك ان هناك شيء ما بينهما .. مر الوقت وهو لا يزال يرقبها .. انتبه لتوترها .. ولتصرفات عيسى معها .. اصبحت على ذمته .. ها هو يعود لتحمل امرأة في بيته ..ابتسم وهو يمشي بمعيتهما للخارج .. توجهوا حيث تقف سيارة عيسى .. فتح باب سيارته ليخرج حقيبتها .. فما كان من جاسم الا ان ينادي سائقه الخاص لحملها ..
جاسم : ما في حتى مبروك .. ؟
نظر عيسى له بنظرة كره : صارت لك وانتهينا .
اراد أن ينصرف فامسكته من ذراعه : عيسى اصبر – التفتت لجاسم – اقدر ابقى فبيتنا اليوم .. اريد ابقى مع ايمان .. وانت اصلا مشغول .. يعني اذ....
وقبل أن تكمل : مالج بيت يا خولة الا بيت جاسم .. عن اذنكم .
شدت على قبضتها .. وتسمرت في مكانها .. تلفت جاسم وكأن وقوفها بهذا الشكل ووقوفه بجانبها احرجه .. امسكها من ذراعها : خلينا نمشي .
لم تكن تشعر باي شيء .. وكأنها نومت مغناطيسيا .. مشت .. ثم ركبت وهي لا تزال في عالم آخر .. اما هو فلا يجد اي كلام قد يقوله .. فلقد ادرك ان عيسى تخلى عن اخته .. ابتسم وهو يخمن سبب هذا الكره .. لعلها تلك الطلبات .. فهو يعلم ان عيسى عزيز نفس .. كما هو بالضبط .. خاطب نفسه وهو ينظر من نافذة سيارته : للحين ما لقيت اللي تستاهل هديتك يا قاسم .
,‘،
انسلت من فراشها .. في تلك الليلة التي لم ينعم فيها طارق ولا خولة بالنوم .. هي نفس الليلة .. ونفس شهودها .. شهدوا على احلام اسهرت اصحابها .. وها هم يشهدون عليها .. انسلت وهي تنظر اليه .. شخيره لا يهدأ .. كثيرا ما قالت له ان يجري جراحة لاستأصال تلك اللحمية من انفه .. لكن ما كان يأتيها منه الا الاهانة .. والكلام الجارح .. انسحبت من الغرفة بهدوء تام .. جلست بكاملها على الكنبة وظهرها مسندا على ذراع الكنبة .. وذراعيها على ركبتيها .. لتدع رأسها ينكب عليهما ..
نزل امام احدى العمارات الشاهقة .. فتح الباب : نزلي .
نظرت له بخوف : رجعني البيت .. الله يخليك ..
امسكها من ذراعها .. وهو يحثها للنزول .. نزلت .. لم ترغب بان يتجمع الناس عليهما .. لا تريد للفضيحة ان تخترق حياتها .. نزلت وهو يجرها الى المصعد .. نزلت دموعها .. فهي لا تعلم اين يأخذها .. ومالذي يريده منها بالضبط .. هذا ليس عبدالله الذي تعرفه .. توقف المصعد وكاد قلبها ان يتوقف حين شدها ليخرجها منه .. تمشي معه دون ان تتكلم او حتى ان تقاوم .. وقف قبالة باب لشقة ما .. لا يزال ممسكا بذراعها .. فتح الباب .. ودعاها لدخول .. لكنها أبت .. فما كان منه الا ان جرها ودفعها لداخل .. حتى سقطت " شيلتها " من قوة سقوطها .. سحبتها بسرعه تستر شعرها .. وتبكي : عبدالله شو بتسوي في .. حرام عليك .. انا ما سويت لك شيء ..
زحفت حتى قدميه امسكتهما وهي تبكي وتترجاه : الله يخليك رجعني البيت .. الله يخليك .. ابوس ريولك .. لا تسوي في شيء ..
سحب قدماه .. وهو ينظر اليها .. ضعيفة باكية : مستحيل اسوي فيج شيء يا ريم .. مستحيل – رفعها من ذراعها – قومي ..
مشى بها وهو يتكلم بحزن يكتسيه شيء من الغضب .. كلما توقف في مكان : هني كنت احلم فيج وياي نطالع التلفزيون .. ونضحك – سحبها لاحدى الغرف – وهني كنت اتمنى اشوف عيالنا يكبرون ويلعبون ..
سحبها من جديد وسط دهشتها لما تسمعه .. توقف عند باب غرفة اخرى .. ظل واقفا لبرهة .. ثم فتحها .. غرفة نوم بسرير اقل ما يقال عنه ذوق : وهني كنت اتمنى اقضي اليالي وياج ..
تركها واخذ يجوب الغرفة كالمجنون : هني تخيلتج يالسه تسحيين( تمشطين ) شعرج .. وهني تخيلتج واقفه اطالعين السيارت الصغيرة .. وهني – جلس على السرير – كنت اتمنى احضانج .. وقتلوا كل امنياتي .. .. قلت لهم اريد اعرس .. رحت لابوي خبرته .. ابويه اريد ريم حرمة لي .. تدرين شو كان رده .. ريم لخوك سعيد .. العود احق فيها منك .... العود ... آآآآآآآآآآآآآآخ
شدت بيدها على فمها بقوة .. واخذت تبكي بحرقة .. انسحبت بجذعها على الجدار حتى جلست القرفصاء .. كلام جديد تسمعه الآن .. عبدالله يحبها .. يتعذب من أجلها .. وهي تتعذب بنار سعيد يوميا ..
نظر اليها بعيون دامعه : تمنيتج ترفضين ...تمنيت سعيد يقول لا .. بس محد قال لا الا فويهي انا .. قلت لازم انساج .. بس ما قدرت .. انتي الوحيدة اللي حبيتها يا ريم ..
صدمة الجمتها عن الحراك .. او حتى الكلام .. فقط دمووعها التي اخذت تنسكب دون توقف .. مر الوقت هو يحكي معاناته اليومية بسبب رؤيتها .. وهي تستمع وتود لو انها لا تسمع .. تمنت لو كانت صماء .. قامت واقفة .. لفت " شيلتها" باحكام على رأسها .. اخذت طرفها لتغطي وجهها الباكي : وين بتروحين .
لم تجبه .. خرجت من تلك الغرفة .. وهو يتبعها .. انحنت لتلتقط حقيبة يدها التي وقعت بوقوعها عند الباب .. يسألها ولكن لا تجيب .. ضغطت زر المصعد .. مرة واثنتان وثلاث .. لعله يأتي سريعا . امسكها من جديد .. لفها لناحيته : سامحيني ..
لم تجبه .. سحبت يدها من يده .. وآثرت ان تنزل الدرجات .. المصعد لا يأتي .. والانتظار بجانبه يقتلها ..نزلت مسرعة وهي تصرخ عليه : لا تتبعني .. خلك بعيد ..
لتستقل بعدها اول سيارة أجرة تصادفها .. عادت الى منزلها .. حمدت ربها مليون مرة ان سعيد لا يزال نائما .. فهو لا تهمة صلاة .. اسرعت الى دورة المياه (اكرمكم الله ) تفرغ ما بقي في جعبتها من دموع .. وخرجت بعدها لتصلي المغرب .. مع ان وقتها حان منذ اكثر من ساعة ..
رفعت رأسها .. تحاول ان تنسى ما قيل في تلك الشقة المشئومة .. كما رفعت ميثة رأسها عن ظهر السرير .. وعليا هناك نائمة .. حرارتها مرتفعة .. تهذي بكلمات لا تفهم .. تصرخ احيانا .. تترجى احيانا اخرى .. وتنادي والدها كثيرا .. تحسست جبين ابنتها .. وتذكرت ذاك اليوم .. لم تفتح الباب لها .. مع انها بكت وترجت .. لكن لم تفتحه .. فجأة سمعت انسياب الماء .. خافت حين طال الامر .. طرقت الباب اكثر واكثر دون جدوى .. جرت تنادي احدا يساعدها ليكسر الباب .. فما كان في وجهها الا بدر .. ضرب الباب مرة .. واثنتان .. بباطن قدمه اليمين .. انفتح .. لتتراء علياء في حوض الاستحمام جالسة .. والماء ينهال عليها .. يضربها بقسوة .. وهي ترتجف .. تريد ان تستيقظ من تلك الاحلام التي تراودها .. اغلق الماء .. ورفعها وهي تصرخ .. تحرك ساقاها بعنف .. وتحاول دفعه عنها .. وهو ممسكا بها .. حتى اغمي عليها ..
هاهي تنام دون ان تستيقظ .. الا دقائق قليلة لاخذ الدواء .. او لتسقيها ميثة العصير والماء او شيء من الشوربة .. قامت بكسل .. وقد عقدت العزم .. ان هذه هي آخر ليلة لها في هذا المنزل .. تركت غرفتها ذاهبة لغرفة بناتها ... جمعت ملابسهن في حقيبة واحدة .. لا يهم ان تأخذ جميع ما يملكن .. المهم ان تخرج من هذه الاجواء الموبوءة .. ايقظتهن بحنان أم خائفة .. لا يرغبن بالنهوض .. صرحت لهن بكذبة لعلهما يتركان الفراش لاجلها : ياللا حبيباتي قومن بنروح الالعاب ..
نقطة ضعف ابنتيها .. حديقة الالعاب .. قامتا بكسل .. غيرت لهن ملابسهن بسرعة .. نطقت خلود وهي تحرك يدها الصغيرة على عينها داعكة لها : ماما .. وين علايا .
الحين بتيي .. قالت هذه الجملة فقط .. وبعدها اخرجتهما الى غرفتها .. ايقظت علياء المتعبة .. لا تعي شيئا فحرارتها تناهز التاسعة والثلاثين .. عيونها ذابله لا ترى شيئا .. طلبت منهن الجلوس وخرجت .. لتجهز سيارتها .. وبيدها حقيبتان .. وحقيبة يدها .. عادت بعد دقائق : ياللا .. خلود مسكي ايد حصووه ..
فعلت ما طلبته منها والدتها .. وهي مستغربة ما يجري .. عمدت ميثة الى ابنتها علياء .. تساعدها على النهوض .. لكن جسمها لا يقوى حتى على الوقوف .. ما كان بها الا ان تحملها على كتفها .. وتناست انها ترتجف بردا .. اخذتها بلباس نومها فقط .. ادخلتها لسيارة وعدلت لها الكرسي .. فتحت الباب الخلفي وادخلت خلود وحصة .. وانطلقت .. تلفتت خلود : ماما بعده فليل . ما في العاب الحين .
ما كان من ميثة الا ان تصرخ على خلود لتسكت ..تقوست شفتاها الصغيرتان .. وبكت حصة لصراخ والدتها .. وساعدتها خلود بالبكاء ... تمالكت اعصابها : خلاص فديتكن .. خلود بنروح بيت خالو عبد الرحمن .. وبعدين بنروح الالعاب وييا هاجر .. انتي تحبين هاجر صح ..
هزت رأسها وهي تحاول ان لا تبكي .. استطرد ميثة وهي تنظر لها من المرآة الامامية : عفيه ع خلوود الشاطرة ..
اذن الفجر وهي في الطريق الى منزل اخيها .. هربت حتى لا تواجه راشد .. فهي ليست بتلك القوة لتواجه اخيها الاكبر .. تعلم بانه سيقسم عليها ان تبقى .. وسيمنعها .. وقد يغضب منها .. وهي لا تريد هذا التصادم .. كل ما تريده هو الابتعاد فقط .. ولو كان منزلها خاليا لما ذهبت لمنزل احد ..
,‘،
Continue