,‘،
تقارب الساعة الحادية عشر ظهرا .. خرج من ذاك المبنى متوجها لمنزل والده .. حياته العملية غير مستقرة وهو يعلم من وراء كل ذاك التذبذب .. واليوم سيواجهه بما اكتشفه .. او سيحاول ابعاده .. دخل الى المنزل ليجلس بهيبته في تلك الصالة .. فوالده لم يذهب الى شركته هذا اليوم .. اقبل وبتهكم قال : غريبه يايني للبيت .. شو وراك ؟
وخبث ابتسامة تهادى على شفتيه .. ليدس ذاك يده في جيبه ليخرج ورقة مطويه ويضعها امام والده على تلك الطاولة المذهبة .. باستنكار اردف : شو هذا ؟
وقف مستقيما : مب ياي ازورك الا لهالشيء .. رايح تزور امي بخيته اكثر من مرة .. وتسأل وادور .. والمسكينة تقولي واحد يشبهك اييني ..ما تدري اني ما افتخر بهالشبه
ضحك ليستفزه : ومنو خطر عبالك هالشخص ؟
لاول مرة يبدو ضعيفا امام عبد العزيز .. ليظهر شبح ابتسامة على وجهه : ما اعرف شو نيتك .. يمكن تلعب بمشاعري .. ويمكن اشياء واايد ما اعرفها .. كل مرة اقول لنفسي سامحه هذا ابوك .. بس اكتشف انك انسان ما تليق عليه كلمة ابو ..
احتقن بالغيض .. ليقف : شو اللي يابك لبيتي يا جاسم ؟
اشار برأسه لتلك الورقة : هذي .
فتحها تحت انظار جاسم: شو هذا ؟
" مكان سلامه محمد " قالها وهو يبتعد عن المكان ليقف بعد خطوات : ما بتستفيد منها لا حق ولا باطل ..
وانسحب ليصله اتصالا عبر هاتفه من سكرتيره .. ركب سيارته : هلا.. شو .. عطني اكلمه ..
لحظات لينهال عليه ذاك بالكثير من الكلمات المعنفة : لو مب قادر عليها ردها لنا يا جاسم ..
علامات الاستفهام ارتسمت عليه .. ماذا يقصد ؟ حاول معه ان يفهم كل شيء .. حتى اخبره برفضها لرؤيته او رؤية شقيقتها .. وحتى اتصالتهما لا تجيب عليها .. انهى المكالمة ليحول مسار طريقه الى منزله .. ليدخل ويتفاجأ بها تجلس في الصالة وبيدها وعاء به " اندومي " .. اقترب منها : خولة انتي مب صايمة ..
ارتجفت من صوته .. لتضع الطبق من يدها على الطاولة .. لم ترفع نظرها اليه .. وشعرها قد تدلى بعض منه على وجهها .. فزعت حين رمى بالمفاتيح على الطاولة .. لتقف وتصرخ : لا تقرب ..
هاله خوفها منه .. ليمد يده وتبتعد هي صارخة : قاسم لا تقرب الله يخليك ..
تسمر مكانه .. هل قالت قاسم ؟ لم يستيقظ من غفوته تلك الا عليها وهي تركض صاعدة الدرجات .. زمجر مناديا باسمها .. ليتخطى الدرجات اثنتين اثنتين .. ليقف محاولا ان يفتح باب الغرفة .. يضربه بعنف : خولة فتحي الباب .. شو صاير فيج .. وبعدين ليش ما تردين ع اخوانج ..
ضربه من جديد بعنف : فتحي ..
نبرتها المهتزه هلعا وصلته : ما بفتح .. خلك بعيد عني . لا تقرب .. والا بقول لجاسم .
الخوف تسلل الى قلبه .. فما بالها تسميه قاسم .. وتهدد باخباره هو عن نفسه .. ضرب الباب بهداوة لعلها تستجيب له .. لكن قاطعه هاتفه من جديد .. ليبتعد عن الباب خطوات : هلا سلطان ..
صوته المتوتر يصل اليه : الحق يا جاسم .. شركة روز لاحقتنها خسارة كبيرة .. هذا غير فرعنا اللي هني فالبحرين .. الاختلاسات بلملايين .. احس اللي دمروا سالم الـ ... ناويين ع دمارنا .
شد بقبضة يده : يخسون الا هم .. اهتم انت بفرع البحرين .. وانا بسافر ع اول طيارة لفرنسا .. اسمع .. حاول تعرف ظروف باقي فروعنا .. عندك 24 ساعه ويوصلني تقرير كامل منك .. اوكي ..
اغلق هاتفه ليلتفت لغرفتها : سامحيني يا خولة .. بس بتكون لي جلسه وياج ووييا خرابيطج .
اما هي فجلست على سريرها محتضنة ساقيها .. تشعر بانها مضطربة .. لا تعي اي شيء .. وهو يخيفها .. دائما يظهر في احلامها .. بات هو يشبهه .. بكت وهي تردد : كله منك يا جاسم .. كله منك ..
خرج من منزله قاصدا شركته .. ليراجع كل ما يستطيع مراجعته .. هل يعقل ان ينهار كل شيء .. كيف لم ينتبه .. ولم يشعر بتلك المؤامرات التي تحاك من خلفه .. فتح بريده عبر هاتفه .. لعل هناك خبرا ما منها .. فهو اعطاها اياه في تلك الورقة .. لا يوجد اي شيء .. وقبل ان يهمم باغلاقه اذا برسالة تصل .. بدون عنوان ..
ابتسم وهو يقرأ ما كتب فيها .. ثلاث كلمات .." البداية ستكون قريبا " . بداية تخطيط سيدمر الكثيرين .. وهي قد تدمر فيه ايضا .. امتعض ليعقد حاجبيه .. فهي قد تكون في خطر .. ستبدأ بالبحث في وكر الذئاب .. وهي ليست سوى فتاة صغيرة .. لن يسامح نفسه اذا تعرضت للاذى .. فهم خطيرون .. يحفرون للايقاع باصحاب الشركات الناجحة ..
,‘،
وذاك ايضا ليس بعيدا عنهم .. قد يعيدون ما حدث مع والده .. وسيخسر من جديد .. انهكه العمل بقوة .. وذاك المشروع اخذ من وقته الكثير .. هو من سيضعه في القمة .. واي خطأ قد يوقعه في الحضيض .. تنهد وهو يجلس على سريره بعد حمام دافيء .. فوالدته بثت اليه بخوفها على جود .. فهي شعرت بغرابة في حديث فتاتها الصغيرة .. لتطلب منه ان يترك اعماله ويذهب لها .. لكن كيف له ان يفعل ذلك .. فعينه يجب ان لا تغفل عن العمل .. وضع رأسه لينام .. وينهض قبل الفجر ليتسحر .. تكفيه ساعتان ليرتاح ..
وما هي الا ساعة حتى قام مفزوعا .. ها هي احلامه تؤكد خوف والدته .. تعوذ من الشيطان .. ليتمتم : اكييد بسبب خوفها صرت اشوف هالاحلام ..
حرك رأسه .. يشد رقبته بكفه .. وبعدها نهض .. يحتاجها بقربه .. ويشتاق لوجودها .. هي لا تزال مبتعدة عنه .. فتح باب غرفة والدته ليراها جالسة على الارض وسجادتها امامها .. والقرآن الكريم بين كفيها .. اقترب منها ليطبع قبلة على رأسها .. وتغلق هي المصحف .. لتستغرب بعدها فعله .. جلس على الارض ليضع رأسه في حجرها مستلقيا .. لتمسح على شعره القصير : شو بلاك يا فيصل ؟
- تعبان ياميه .. مب قادر ارقد مثل العالم والناس .. وخايف عليها .. يمكن كلامج صح .. ويمكن خوفج هو اللي خوفني .. خليني ارتاح ..
مسحت على رأسه وهي تسمي باسم الله .. تشعر بتعبه وانهاكه .. ليس سهل ان يعيد كل شيء من جديد .. وهو لا يزال في مقتبل العمر .. نطقت لتطمأنه : جود بخير .. كلمتها اليوم ..
يمر الوقت سريعا .. ليجد نفسه في مكتبه وامامه سيف الذي اصر على رؤيته لموضوع لا يتأجل .. ليمتعض من كلامه : انت شو يالس تقول ؟
- اسمعني يا فيصل .. اذا ما تريد اللي صار لابوك يتكرر انسحب من شركة عبد العزيز .. حتى لو بخسارة ..
ضحك هازئا به : اكيد طلول ورى السالفة .. انا قلت شغلته فالشركة مب لله ..
وقف ذاك ليستند على ظهر الطاولة بكفيه .. يدنو برأسه من فيصل : اذا ما تريد تخسر .. ابتعد عن شركة عبد العزيز ..
وتشدق مبتسما .. ليخرج بعدها .. ليزداد ذاك غضبا .. وينتشل هاتفه ليتصل بها .. يصرخ في وجهها ان تبعد زوجها عن طريقه .. والا فانه لن يدع اي فرصة ليدمره ..
لتصرخ هي فيه : فيصل انت شو بلاك .. حشا ما يسوى عليه انه شاركك فهالمشروع ..
- ريلج هذا لو ما ابتعد عني ترى والله ما بيحصله طيب .
- شو ؟ .. فيصل انت ناسي انه ريل اختك ..
لم يدع لها مجالا لتؤثر عليه .. فاغلق الهاتف في وجهها .. وانفاسه تتبعثر باجرام امامه .. لتقف هي بعد تلك المحادثة .. تفرك كفاها ببعضهما .. وتطوي الصالة ذهابا وايابا .. تنتظره .. عيناها تحدقان بتلك الحائطية الفاخرة .. وقت عودته ليأخذ قيلولته .. دخل وهو يبتسم .. يلقي عليها السلام .. ويقبل وجنتها .. ليستغرب توترها .. كفاه يعانقا كفيها .. ليجلسها ويجلس بجانبها : شو فيج حياتي ؟
نزلت دموعها .. ليشعر بخوف غريب .. يحتظن وجهها بكلا كفيه : فديتج ليش الدموع .
- احلف ان مالك علاقة باللي صار لابوي .
رفع حاجبه ليبتسم وهو يترك وجهها ويقف : فيصل اتصل عليج – هزت رأسها بنعم ليردف- رش رش خلج بعيد عن شغلي اوكي فديتج ..
قبل جبينها وابتعد .. ليقف ملتفتا لها : بروح ارقد .. وعيني ع صلاة العصر اذا ما وعيت .
مسحت دموعها .. هي لا تصدق بان سيف له علاقة بما حدث سابقا .. ولكن شكوك فيصل تنحت في عقلها حتى باتت تظن فيه .. لعله غضب منها .. لعلها جرحته بظنها ذاك .. وبطلبها ان يقسم لها .. رفعت هاتفها لتحدث والدتها .. فلعلها تطمأن قلبها المتأجج خوفا .. فقد تكون حياتها مع سيف على المحك ..
,‘،
كحياة تلك التي اضحت مليئة بالافكار .. الليلة سيكون اللقاء معهم .. بعد مماطلة دامت اسابيع .. ارتدت عباءتها و " شيلتها " .. وتنفست الصعداء .. تحاول ان تتسلح بالقوة .. ستذهب هي وعبد الرحمن فقط .. فذاك راشد تعذر بان لديه عملا ما .. في صلاة التراويح كانت تدعي بان الله يوفقها وينصرها عليهم .. وطوال الطريق وهي تستغفر ربها .. فالاستغفار باب يفتح الكثير والكثير .. توقفت سيارة عبد الرحمن في منزل عم بناتها .. العم الاكبر " ابو خالد " لتترجل هي معه .. ويقترب منها : خليني اتكلم معهم ولا تقاطعيني الين اعرف شو اللي يريدونه بالضبط ..
ابتسمت وهي تأخذ طرف " شيلتها " لتغطي وجهها : يصير خير يابو عمار .
هناك في المجلس اجتمعوا .. جدة بناتها وابنيها الاثنين .. دخلت بعد ان دخل اخيها .. لتجلس بجواره بعد ان قبلة رأس تلك الجدة العجوز .. وسألت عن احوال بناتها .. ليبدأ عبد الرحمن الحديث .. وذاك يسكته الى ما بعد الضيافة .. ليمضي الوقت والحديث لا يتعدى عبد الرحمن وابو خالد .. وذاك الاخ الاخر صامت .. كما هي والدتهما .. كل ما في الامر انهم احق بتربية الفتاتان .. هذا ما كان يدور في ذاك المجلس .. لتقف هي : بناتي محد بيربيهن غيري يا بو خالد ..
ليرد عليها الاخ الاصغر : يا ام عليا اقصري الشر .
لتتكلم بكل هدوء : اي شر اللي تتكلم عنه .. الحين صار عندكم بنات اخو وتريدون تربوهن .. الحين يا خالتي تذكرتي ان عمر الله يرحمه عنده بنات .. قولولي كم مرة زرتوهن والا سألتوا عنهن .. قبل كان في شيء ما يوقف زياراتكم .. مزرعة المرحوم ..
صرخ بها : احنا مب طمعانين .
التفتت له : صح يابو خالد .. والدليل بعتوا المزرعة اللي تسوالها ملايين وما عطيتوني الا عشرين الف .. وتحججتوا بان المرحوم مديون وسدتوا دينه .. قلت ما عليه بسكت اهل بناتي ولهم الحشيمة .. واخواني ما قصروا ضربوا الصدر ووقفوا وياي عن الحاية لك ولاخوانك ..
وجه كلامه لعبد الرحمن : عايبنك كلام اختك يا ابو عمار .
-صاحبة حق وتطالب بحقها ..
تقدمت خطوات من تلك العجوز الصامتة : خالتي كد مرة شليتي التلفون تسأليني عنهن .. والا مديتي ايدج بعيدية تفرحيهن كل ما يبتهن لج يزورنج .. الحين يايه تقولين لي بنات ..
نطقت اخيرا : اعمامهن احق بتربيتهن .. والحضانة وخذها بو خالد .. ومالج الا الرضا .
ليردف هو على حديث والدته : بس اذا مالج غنى عنهن تقدرين تاخذيهن واحنا بنتنازل .
رمقته بنظرة من خلف غشاءها : والشرط ؟
كل ما يدور يجعل عبد الرحمن لا يفقه شيء .. وكأن هناك معركة قديمة عادة لتُشعل من جديد .. وهو لا يعلم عنها شيئا .. نظر لبو خالد الذي وقف ناطقا : تزوجين عمهن .
ابتسمت : طبعا مب انت لانك مستحيل تزعل بنت عمك وتييب عليها عديله – التفتت للاخر – ومب انت لانك ما بتزعل الوالدة وبتييب حرمة ثانية ع بنت اختها .. فما بقى الا خليفه – نظرت للعجوز – صح كلامي يا خالتي .
صمت استحوذ على المكان .. فذاك الخليفة هي تعرفه كما يعرفه الجميع .. لو لم يبقى الا هو على وجه الارض لم ترتبط به .. قالتها في الماضي لهم .. وقفت بشموخ لطالما اعتادوه منها .. لتحث الخطى نحو الباب .. وتقف : باكر البنات بيكونن عندج يا خالتي ..
وادبرت .. ليستوقف ذاك عبد الرحمن : عقل اختك يا بو عمار ..
- اختي عاقل وهي ادرى بمصلحتها ..
عاد الصمت من جديد في تلك السيارة .. ليبدده هو : من صدقج يا ميثة .. بتعطيهم بناتج .
التفت له بابتسامة : هم ما يبوهن .. كل السالفة يبون يلون ذراعي .. وما عاش اللي يمشيني على كيفه يا عبد الرحمن .. حتى لو الثمن بناتي .
قساوة ظاهرة عليها اعلنتها امامهم .. وفي داخلها ام تحترق لفراق طفلتيها .. ولكنها لن ترضخ .. وسترى نهاية ما يحاولون اجبارها عليه .. نزلت لتصعد الدرجات الى غرفتها .. نائمتان بسلام .. رمت " شيلتها " وعباءتها .. لتتحوقل بصوت خافت .. وتبعثر نظراتها عليهما .. ستحرم منهما .. نزلت دموعها لتجرح وجنتيها : وينك يا عمر تشوف حالي من بعدك .
,‘،
احواله هو ايضا تغيرت .. كما يقولون " كثر الطرق يفك اللحام " وهو قد لان لكلام والدته .. حتى اضحى اسم تلك الريم لا يفارقه .. يبتسم لذكرها لا شعوريا .. وكأن له وقعا خاصا في قلبه .. جلس بجوارها في غرفتها .. لتردد عليه الحديث القديم : بو محمد ترا عرس وديمة قرب .. يعني ما باقي شيء .. وانت لازم تخلي هالعناد عنك .. وترى البنت طلعت من عدتها .. واذا موافق بروح اخطبها لك .. ها شو قلت .
لا يريد ان يتسرع في اي شيء .. عُرف بعقله .. ولكن ذاك الفهد ايضا عرف عنه ذلك وها هو يغوص في مشاعر لا يعرف لها اسم .. كحاله هو .. ايسميه حب مراهقة متاخرة الذي هو فيه .. ام حب من نوع اخر .. تردد في القاء ردا على حديث والدته .. ليبتعد بفكره عنها .. لا يسمع الا صوت عقله الهامس له بان يتقدم لها .. ان رضت فسيكون قد حقق مراده وان لا .. فكل شيء في الدنيا نصيب ..
انتبه لضربتها على فخذه .. ليضحك على كلامها : ها وين وصلت .. وانا من الصبح اهذر عليك .
امسكته من ثوبه : تعال هني .. شو هو اللي يصير خير .. اخطبلك البنت والا ؟
انحنى ليقبل رأسها : بكلم ابوها بالاول . . الليلة عقب ما اصلي التراويح بكلمه .. وبشوف رايه ..
الفرحة لا تسعها .. قامت مستندة على كفيها .. ليساعدها هو : يا رب تكون من نصيبك يا وليدي .. ما تدري كثر شو ادعيلك ..
عاد ليقبل رأسها .. ومن ثم يلثم كفيها : الله يطول بعمرج .. واذا لنا نصيب بناخذه .
غادر غرفتها .. مبتعدا عن منزله .. يريد احدا ان يشاركه ذاك الاحساس الذي استوطنه منذ فترة .. هل لكلام والدته دخلا في مشاعره الآن ..
ترجل ليجلس مقابل البحر .. يعشق المغيب لانه يبشر بيوم جديد قادم .. الهواء بارد .. احتظن نفسه بذراعيه .. وبعدها جلس ليخرج هاتفه الـ" ايفون " ويدخل ذاك المكان ليبعثر بعض الجمل القصيرة :
حين تشعر بالاختناق الى حدود عمق الذات .. فانك لا تجد سبيلا من الدعاء .
ابتسم على تلك الجمل التي ارسلها .. متابعوه يزيدون لكن ليس كمتابعيها هي .. بعد ان عرف انها فتاة وليست بشاب .. ذهب الى صفحتها فهو لا يزال من متابعيها .. ليجد اخر ما كتبت منذ يومان :
ابعثر اشواقي من هنا .. وبي لهفة للقاء احبابي .
,‘،
قلم الكحل الاسود يخط بثبات على حدود جفنها السفلي : لتدخل تلك تشدها : هيا سنتأخر .
صرخت فلقد اوجعها سن القلم : ما بكِ .. وعلى ماذا سنتأخر .
تكتفت : لورا تنتظرنا .. اتصلت بي وتريد منا ان نلاقيها .. هيا
سحبتها من جديد .. لتسحب تلك ذراعها : وهل تريدين مني الذهاب بهذا الشكل .
شتتت نظراتها عليها .. برمودا الى حدود الركبة .. وبلوزة دون اكمام .. وشعر متناثر .. لتتشدق : لا اعلم ما بكم .. تتغطون عن الغير .. اتعتقدون ان اجسادكم مختلفة عن اجسادنا ..
دفعتها للخارج لتغلق الباب : سارتدي ملابسي واخرج ..
لتنطق تلك وهي تستند على الجدار بجانب الباب من الخارج : مجانين انتم . تخفون جمالكم .. وتقولون بانكم امة متحضرة .. وايضا منكم من يغطي وجهه وكانه ارهابي ..
طوحت برأسها وهي تستمع لحديث تلك الـ " ليزا " خرجت بعد ان تحجبت وارتدت ملابس ساترة .. فهي تعرف عقلية تلك : هل حقا انتي قريبة للورا .
حركة يدها دون مباللاة لتمشي من امامها : اعلم ان عقليتها متخلفة .. تقول بانها تحترمكم .. ولكن انا مختلفة .. ارى فيكم تخلفا غريبا .
وقفت بجانبها لتسحب " البلاطو " الابيض الطويل وترتديه : ليزا نحن لسنا متخلفين .. ديانتنا تطلب منا ذلك .. ربنا طلب منا ان نستتر .. وهذا ليس تخلفا ..بل حماية لنا
قاطعتها متهكمة وهي تفتح الباب : حسنا حسنا .. لا يهمني ما تعتقدون .. فلي فكري .. وانا اراكم متخلفون .
زفرت تلك انفاسها بغيض .. فهي لا تطيق ليزا .. منذ ان سكنت بمعية لورا حتى جاءت تلك لتسكن معهما بسبب التحاقها بالجامعة .. صغيرة ومتمردة .. وصلتا الى حيث تجلس لورا في ذاك المطعم .. لتربض بغيض : قريبتك هذه ستصيبني بالجنون .
قالتها هامسة لتضحك تلك .. وتنظر الاخرى اليهما باستغراب : تتحدثان عني .. اليس كذلك ؟
وقفت لتأشر بيدها .. وتلتفت ليزا مع هاجر الى حيث تنظر .. عقدت حاجبيها وسرعان ما ابتسمت .. لترد السلام عليهما .. لتزفر تلك : لا تتكلموا بلغتكم .. اعلم بانكم تقولون كلام لا يليق علينا .
قامت لورا لتسحبها معها عن المكان .. فدائما ما تضعها في مواقف حرجة .. جلسا على الطاولة مقابلين لها .. تشعر بالتوتر وتنظر حيث لورا تقف .. السكوت فقط ما يسيطر عليهم .. لينطق نادر : لورا ما في زيها .. اصرت انها تودع مصبح بطريقتها .
رفعت رأسها لتنظر له .. ينظر لظهر الطاولة : بتسافر ؟.
نظره يرتفع لها وسرعان ما يبعده : هيه .. باكر ان شاء الله برد البلاد . ما قدرت ارفض عزومتها .. وخاصة اني اعرفها من اربع سنين .. هالبنت واايد طيبة .. بس قريبتها ملسونه ..
ضحكوا على ذاك الحديث .. لا تعلم لماذا شعرت بالخوف من فكرة ذهابه .. هي ايضا ستعود ولكن بعد شهران تقريبا .. فقط ستأخذ " الماجستير " اما الدكتوراة فستأخذها من بلادها .. تنهدت .. وهي تعود لتنظر لهاتفها .. تبتسم لتلك " التغريدة " التي مضت عليها ساعات .. لتبتسم وتخاطب نفسها : والنعم بالله .. مالنا الا هو .
يراقبها وهي بعيدة عنهم .. وكأنها في عالم آخر لا تشاركهم الحديث .. فقط تبتسم بين الفينة والاخرى .. يشعر بانه مسؤول عنها .. وابتعاده ليس في صالحها .. تنهد وهو يقف شاكرا لورا على دعوتها تلك .. ويغادر مع صاحبه .. الذي ضربه على كتفه حين مشى بمعيته : تحبها ؟
ليدس كفيه عن برودة شتاء كندا في جيبي " جاكيته " الجلدي .. ليبتسم ذاك : لا .. بس هي تذكرني بناس غاليين لا غير .. اذا بحبها يا نادر المفروض ما احبها عشان انها تشبه حد .. بيكون اكبر ظلم لها اذا صار هالشيء .. ومصبح عاقل ما عمره بيظلم حد معه .
,‘،
وللاحداث بقية غدا في الجزء 36
ان شاء الله