,‘,
كفكفة الدموع اسلوب يمتهنه ضعاف القلوب .. يمتهنه من كسروا من الاقربون .. اسلوب يزاوله الكثير خلف الجدران الصماء .. وبين جنبات الظلام الدامس .. وهي تقف تنظر لوجهها الابيض الملطخ باللالوان الدخانية حول العينين .. اللتان يأبيان ذرف الدمع .. لعل نهرهما جف في الليلة الماضية .. اغلقتهما حتى لا ترى شبح روحها المتجسد في زينة الفرح المكتوم .. خلف رقصات فتيات وزغاريد نسوة .. وموسيقى تبعثر سكون المنزل الكأيب ..
وقفت بفستانها السكري الناعم .. الذي تهادى على جسدها المرتوي بعض الشيء .. كم تبدو جميلة بشعرها القصير المرفوع بخصلات ناعمة من الامام .. واخرى تتدلى على رقبتها بعد ان التفت على بعضها .. فتحت عينيها لتتنفس بعمق .. خائفة لحد النخاع .. تشعر بتراقص ساقيها .. وارتجاف اناملها التي غطتها نقشات الحناء الجميلة .. الممتدة حتى تلثم كتفها بنعومة حمراء .. طرقات الباب زادت من نبضات قلبها .. وكأنها في سباق مع الوقت .. ليطل من خلف الباب من يريح صدرها المرتعب .. قبل جبينها بحب اخوي : مبروك يا فطوم .. وعسى ربي يهنيج ..
تمتمت : الله يبارك فيك .. خايفة انزل تحت .. احس بيغمى علي ..
ضحك ليزيد من توترها وهو ينطق : الشيخ يريد يسمع موافقتج .. لبسي عباتج وتعالي وياي .
" والناس " قالتها بجزع .. ليبتسم من جديد وهو يحتظن وجهها الملتهب بحرارة الخوف : بنطلع من الباب اللي صوب الميلس ..
تحث الخطوات برغم الرعب الذي يجتاحها .. فهي لا تعلم عنه اي شيء .. حتى اسمه فهي لا ترغب ان تصدق بانها سعيدة بهذا الزواج .. رغم زينتها التي لم تضعها الا باصرار من والدتها .. وبخوف من ردة فعل والدها الذي اضحى كبريت باي فعل بسيط يشعل نارا لا تهدأ .. تسمع " الشيخ " يسألها عن رأيها .. لترد بحروف تختنق وتخرج رغما عنها بانها موافقة .. موافقة على السعي في قرار وضع وصدق رغم انفها .. اهتز القلم بين اناملها الممتلئة بعض الشيء .. وهي تسأل عبدالله بهمس متوتر : وين اوقع ؟
امسك كفها الممسكة بذاك الذي سينزف حبره ويعلنها زوجة : اهدي يا فاطمة .. وقعي هني
يشير باصبعه حيث المكان المراد .. لتخط خطا متعرجا يتقاذفه توترها الملحوظ .. وبعدها يُسحب القلم والدفتر .. وتنسحب هي الى غرفتها .. لتقابل والدتها التي ترغم نفسها على ابتسامة لعلها تبث الفرح في قلب ابنتها الوحيدة .. تشعر بان هناك ما يخفوه عنها .. ولكنها ترهب السؤال .. استنكرت الموسيقى والاغنيات التي صدحت في اركان المنزل لتجيبها والدتها بعد ان قرأت عليها : اهله يبون يفرحون .. ومن حقهم .. حرمناهم من العرس والحفلة الكبيرة خليهم يستانسون ..
زفرت انفاسها : محد ييا من قوم عمي ..
طوحت برأسها .. فكيف سيأتون بعد ما حدث من سعيد .. انقطعت اواصر الاخوة بفعله .. تمنت لو تكون ريم معها .. كم تشتاق لوجودها .. دخلت سناء لتخبرهما ان عليها النزول .. لتبقى بعض الوقت في صالة النساء .. وبعدها تخرج بمعية عريسها المجهول ..
نزلت على صوت الموسيقى الهادئة التي لا تعكس ثوران روحها المختنقة مما يحدث .. فتيات اقبلن يقبلن وجنتيها .. ويتهامسن فيما بينهن .. صوت الغناء لا يدع مجالا لتفهم شيئا من تلك التمتمات .. امها تقف بجوارها بعد عدة صور التقطت على عجل .. وكأن الجميع يتوقون الى مصيرها الذي يرعبها .. تحدثها وتعرفها بالنساء .. فتلك زوجة اخيه .. والاخرى ابنتها .. وتلك اخته .. وتلك خالته .. وغيرهن كثير .. لم ترهن يوما .. كل شيء حدث في الخفاء .. حتى انها لا تذكر متى تمت خطبتها ..
اما هناك حيث الرجال جلس مرغما .. بعد الحاح مستميت من عبدالله .. على احد الكراسي وفي عالم غير العالم .. فما زالت نفسه تتوشح وشاح اللوم المتأصل في اعماق نفسه .. وقف اخويه بدر وعبدالله بجانب " المعرس " الذي لم تفارقه الابتسامة هذا اليوم .. شعور بحياة جديدة تنتظره لا يعلم كيف ستكون .. حتى هي لم يرى لها الا صورة بدت فيها رائعة .. ولكن الواقع غالبا ما يكون مغايرا ..
ضحك لكلمات عبدالله وبدر المازحة له .. فيجب ان تلقى التوصيات فتلك اختهم الكبرى .. وعليهم الاطمئنان على حياتها الجديدة .. التفت ليرى القابع يخيم عليه السكون وملامح الحزن : شو بلاه اخوكم ؟
التفت عبدالله حيث ذاك الساكن : تعبان شوي .. لولا انها حفلة اخته كان ما ييا ..
ينظر الى ساعته بتوتر .. ليهمس الواقف بجانبه ولم يتركه للحظة واحدة : مستعيل ؟
قهقه بتوتر واضح لصاحبه : والله اني متوتر .. حاس اني مب قد هالحياة اليديدة .. انا مب قد مسؤولية وبيت يا سعود .
-انت قدها وقدود .
ليتجهم وجهه وهو يرى ذاك المقبل نحو الرجال .. هو ذاك الحقير الذي اهانه منذ ايام بسبب ما فعله من تنديس شرف ابنة عمه .. ايقن بانه اخا للـ" عروس " .. توجس خوفا .. فماذا لو كانت اخته مثله بالخصال .. ؟ وسرعان ما ابعد تلك الفكرة .. فهو عرف عبدالله وبدر .. وهما مغايران لذاك المتعنت النرجسي ..
مر الوقت لتخلوا ساحة المنزل الا من المقربين .. وحانة ساعة الرحيل لها .. لتقف بخوف ودمعة تمردت لتخط طريقا عبر مساحيق التجميل .. ترتب لها ذيل فستانها المتسلل من خلف عباءتها وتمشي بمعيتها .. ولا يستر عري جسدها الا عباءة خفيفة و" شيلة " تفضح اكثر مما تستر .. ووجهها عاري رغم الغطاء الذي اسدلته عليه .. والاخرى تعرق كفيها .. حتى باتت لا تشعر باي شيء .. سوى بانفاسها المتضاربة .. وطبول قلبها المتوجسة .. صعدت الى السيارة .. بحذر على فستانها .. لتقبلها سناء وتبتعد ..
كم هم غريبون البشر .. كافاعي يغيرون جلدهم كيف يشاءون .. فاليوم هي مختلفة وكأن فاطمة اختا لها .. مرت من جانب سعيد الذي اغتاض لمنظرها السافر امام الرجال .. شد على قبضته ولحق بها .. اما الاخرى فلا يزال الغطاء على وجهها .. واناملها ابيضت من قوة شدها عليهم .. رفعت رأسها لتراه .. هو سعود الذي كان حلم جميل في يوم ما .. يضحك ويحدث شخصا ما .. وها هو يقترب من الباب الاخر .. هل يعقل ان يكون هو الزوج المنتظر .. ارتسمت ابتسامة لحلم تتمنى ان يكون .. وسرعان ما تبددت كسحابة صيف بعثرتها النسمات .. يسند كفيه على الكرسي ليحمل جسده لداخل .. ويجلس وهو يعدل ساقيه الميتين .. ارتجفت شفتيها .. فهو معاق .. زوجها ميت الجزء السفلي من جسده .. لا تعي ما يقوله مع ذاك المدعو سعود .. سحبت ذرات الاكسجين بشغف .. فهي تشعر بالاختناق .. الآن فقط ادركت ما يقصده عبدالله من جملته تلك .. " ما يهمج المظهر .. ياما ناس بمظاهرها زينه وبجوهرها شينه " .. نزلت دموعها .. حتى اتضحت شهقتها المخنوقة له .. ليلتفت لها دون ان ينطق .. ويبتسم وهو يلف وجهه لذاك القابع خلف المقود : ما اعرف كيف اظهر من يزاك يا بو محمد .
-افا يا فهد .. نسيت اني اخوك العود .. واذا ما زفيتك فسيارتي بزف منو بالله .
كم هي قاسية تلك الحياة .. ليكون من حلمت به يوما صديقا لزوجها .. الذي صدمت بحالته تلك .. تشعر بالغرق .. كشخص رمي في وسط البحر وهو لا يجيد السباحة .. يتقاذفه الموج .. ويحاربه بحثا عن هواء يلج الى رئتيه .. نزلت دموعها معلنة العصيان .. دون ان تشعر بان ذاك الجالس بجانبها ادرك انفاسها الباكية .. ورجفة جسدها المتواري خلف السواد .. يبتسم مجاملة لصاحبه .. الذي ظن ان سكوتهما بداعي الحرج منه لا غير ..
,‘,
الحياء الذي ينتابها في هذه اللحظات لا يعادله حياء في الكون .. فهو وهي خططا .. حبة منوم .. وكوب عصير .. وكاميرا فيديو .. كل شيء جاهز مسبقا . كانت تتعذر عن حضور تلك الحفلات .. بصداع .. او بمراجعة يجب انهائها .. او باي شيء يخطر على بالها .. حتى مل هو من حضورها .. ورسم منحى اخر للفوز بلعبته القذرة .. لم تشعر بادنى شعور بان هناك لعبة ما .. مهدت تلك الديما لتصرفاتها بايام وايام .. تحضر لها كوب العصير .. او فنجان شاي بالنعناع .. او قدح نسكافية .. ليعينها على الدرس حتى اعتادت الامر .. ولم يدخل في نفسها ادنى شك بان هناك مكيدة تحاك لها .. حتى تغير ديما وسلوكها ظنته خيرا .. فبقاء الحال من المحال .. تعذرت هذه المرة بتلك الاخبار التي اوجعتها .. فاخيرا قررت والدتها البوح بما يحدث معهم .. ابتداء بموت علياء وانتهاء بزواج فاطمة وقطيعة الرحم بين عبد الرحمن وراشد .. تسحب الشال القطني الذي لفت جزء منه على رأسها .. تسحبه لتداري ذراعيها العاريين .. وما حدث منذ ساعة يعود اليها ..
وضعت تلك الصديقة المزيفة كوب العصير .. وطبعت قبلة على وجنة هاجر : بدي اروح هلأ .. ديري بالك ع عمرك حبيبتي ..
ابتسمت لها : وانتي ديري بالج ع عمرج ..
خرجت وظلت تلك مع افكارها التي تشدها الى الوطن .. الى امها واختها .. الى والدها الذي كسر بجبروت ابن اخ فاسق .. تنهدت .. ثم ابتسمت وهي ترى كوب عصير الليمون .. وتتذكر كلمات ديما الخائفة عليها ..
نفضت رأسها وهي تتذكره في الشقة .. يراها حاسرة الرأس عارية الذراعين .. انهالت دموعها بخوف .. ونسمات الهواء الباردة تبرز مسامات جلدها .. ترتجف بردا وخوفا وحياء على ذاك الكرسي في تلك الحديقة الخضراء .. واصوات خافتة لحشرات الليل تتهادى اليها من العشب المشذب القريب منها .. سحبت هاتفها .. تحرك اصبعها باحثة عن من ينقذها .. لورا .. كم هي تشتاق لها .. ضغطت الاخضر ومسحت دموعها .. ورسالة صوتية تصل اليها .. لتبكي اكثر .. وتشهق مرارا .. تحاول ان تكفكف دموعها .. وهي تأبى ان تسكت في المحاجر .. حركت اصبعها من جديد .. لتقف وهي تتأمل " الزير مصبح " .. كم هي خجلة من نفسها .. ظنت بان مصبح يطارد الفتيات .. فلقبته بذاك اللقب .. هي بحاجة لشخص مثله الآن .. سحبت نفسا يتلوه اخر .. وارتجفت كفها الممسكة هاتفها بقرب اذنها .. يرن .. وصوته يصلها ..
كان في شقته يحتفل .. على انغام اغنية لاحدى الفرق الحربية .. وهو يرقص الـ " يوله " الاماراتية باتقان .. يحرك كفه الممدودة امامه .. وانحناء ظهره وحركة رأسه المتناغمة مع ذاك اللحن .. ليدخل عليه صاحبه ويحاول تقليده .. واذا به يقلب تلك الرقصة الاماراتية الى أخرى سعودية .. فيقهقه لفعله : غربلات بليسك ضيعت اليولة ..
اغلق الاغنية ليرتمي بتعب على الاريكة .. ويرتمي الاخر بجانبه لاهثا : وش المناسبة .
بفرح اجاب : ما راحت للحفلة اليوم .. وشكلها ما بتروح – ضحك – باين انها مب سهلة مثل ما تصورت ..
يسحب جهاز التحكم بالتلفاز ليفتحه : حلو .
واذا برنين هاتفه يقاطع حديثهما .. أشر لنادر ان يخفض الصوت .. ليجيب .. لكن لا يصله شيء .. نظر الى الشاشة وكأنه يتأكد من وجود مكالمة
-وش فيك ؟
-محد يرد .. والرقم غريب .
اغلقه .. وما هي الا لحظات حتى عاد لرنين .. عقد حاجبيه وهو يسمع شهقاتها .. ليردد اسمها بخوف .. وتنطق هي من بين شهقاتها الموجعة : مصبح الحق علي .
يسألها بخوف عن مكانها وهو يسحب " جاكيته " ودون ان يعطي اي انتباه لذاك الذي يكرر : من المتصل . وش صاير يا مصبح .؟
خرج مسرعا يسابق الدرجات للاسفل .. يهرول بل يجري مسرعا الى حيث هي ... يشعر بالقهر .. وغضبا لو وقف به امام حمدان لاعدمه واباده من الحياة .. تلفت في ارجاء تلك الحديقة .. يجري ويقف ليبعثر نظراته .. واخيرا يراها هناك . منكسة الرأس .. مرتجفة الجسد .. يتكسر بخار انفاسه الحارة تباعا .. ليقف امامها وقد تسلله الرعب .. خوفا مما قد كان .. نطق باسمها .. لتشد على عضديها وتطأطأ رأسها أكثر .. وكأن بها تريد ان تستر عري جسدها .. انتزع قميصه الجلدي ليرقده على اكتافها : لفي شعرج بالشال .
ارتدته بارتعاش اطرافها .. وشهقاتها لا تهدأ .. لفت الشال القطني على رأسها .. تبعد الخصلات المتمردة على جبهتها .. فتدفنها تحته .. جلس على مقربة منها .. وبهدوء لا يعكس ما يعتلج في داخله : شو صار ؟ اهدي وفهميني شو صار ؟ سوالج شيء .
ما ان تهادى لها سؤاله الاخير حتى انخرطت في بكاء مر .. لتتمتم بعدها : اريد ارد البيت .
,‘,
خرج من منزله قاصدا تلك العيادة التي اجرى فيها التحاليل .. لم يكن ليفعل الا بسببها هي .. بالامس احتدم النقاش بينهما بسبب لبسها العاري .. صرخ بها وهو يرفع عباءتها التي لا تزال على السرير : تسمين هذي عباة ياللي ما تستحين .. وطالعة قدام الريايل فيها ..
تنزع دبابيس شعرها وتتأفف .. لتقف وهي تلتفت له : فالليل ومحد شاف شيء .. لا تسويها سالفة الحين .. تونا مخلصين من العرس ومستانسين لا تقلبها نكد ..
امسكها بذراعها حتى صرخت الما : وانا كيف شفت .. هااا .. والله يا سناء ان ما تسنعتي لعلمج السنع ..
تملصت من قبضته صارخة : هد ايدي .. والا راحت ريم وبتستقوي علي .. ترا ساكتلك بكيفي .. مب كافي امك كل يوم تلمحلي عن العيال .. يايني انت تريد تعلمني السنع بعد ..
يزفر غضبه وصدرة يرتفع ويهبط .. يرص على اسنانه : لو دريت انج تاخذين حبوب ما تلومين الا نفسج سامعه .
خطت بخطوات واثقة لتفتح احد الادراج .. وتنتزع ورقة من مغلف بني اللون .. وتمدها اليه بابتسامة : اقرا .. والا ما في داعي انا بقولك شو مكتوب فيها
انتزع الورقة من كفها يحاول ان يفهم ما بها : شو هذا
جلست على كرسي " تسريحتها " ودون اكتراث به وهي تنزع ما تبقى من الدبابيس : هذي يا طويل العمر ورقة تحليل .. يقولون اني مب عاقر .. واقدر اييب بدال الياهل عشرة .. الدور والباقي على اللي مسوي فيها ريال .
لم تشعر الا بكفه يشد على عضدها ويرفعها حتى وقع الكرسي : يعني تاكلين حبوب ..
-انت ما تفهم .. منو قالك اني اخذ حبوب .. لو اخذ ما بخاف منك – ابعدت قبضته وابتعدت قليلا – شكل اللي سويته فبنت عمك مسويلك قلق .. روح اكشف وشوف من منو العيب .. ولا تيلس تتمريل علي .
لم تشعر بعدها الا وهي ساقطة على الارض .. من يومها والافكار لم تعتقه .. حتى قرر اخيرا اجراء تلك التحاليل .. واليوم هو موعد النتيجة .. مشى بخطوات يشوبها التوتر .. ليجلس مقابل ذاك الطبيب .. وملامح وجهه لا تبشر بخير .. كلمات كثيرة اغدق بها مسامع سعيد ليثبته . دون ان يدرك المحرقة المشتعلة في صدره .. لينطق بغضب : شو النتيجة .. ولا تيلس تلف وادور ..
" عقيم " كم هي موجعة تلك الكلمة .. تنقص من رجولته المزيفة .. تحيله الى جسد رجل ناقص .. لا علاج له .. فهو عقيما بكل ما تحمله تلك الكلمة من معنى .. اسودت الدنيا في نظره .. هل يعاقبه الله لافعاله بالريم .. هو حرمها حتى اصبحت عاقرا .. والآن هو لن يرى ابنا له يوما .. هز رأسه نافيا كلام ذاك الطبيب .. ناعتا له بالكاذب .. ويخرج بعدها لا يرى امامه .. ولا يسمع الا تلك الكلمة .. وكلمات زوجته السالبة لذكورته ..
لن يخبر احد بما علمه .. لعل ذاك الطبيب كاذب .. او التحليل فيه خطأ ما .. كانت تلك الافكار تدور في رأسه وهو خلف مقود سيارته .. لماذا انقلبت حياته بهذا الشكل .. بالامس ليس البعيد .. اهانه والده .. وانهال عليه بوابل من الكلمات السيئة .. فقط لانه لم يقسم على كتاب الله .. وليكشف لراشد خداعه من بعدها .. حرك اطراف اصابعه على خده الايسر .. ولا تزل تلك الصورة تظهر امامه
يومها صرخ في وجه والده : والله انا حر باللي اسويه .. ما اتي وحده خايسه مثل ريم .. وتنقص من قدري بقضية خلع .. لو انت قدر اخوك يغيرك علي فانا مب ضعيف مثلك .
التصق كف راشد على وجنته .. ويقبضها بعدها بغيض : ياليتني ما يبتك .. ما تصورت فيوم اني بربي وحش ما عنده ذرة اخلاق ..
-هذا انت يوم ما تقدر تسوي شيء عليت صوتك ومديت ايدك .. وانا ما طلعت ع حد غريب . طلعت لابوي ..
ابتسم على تلك الذكرى .. وتمتم : لازم اتاكد .. مب معقولة ما اييب عيال ..
تجهم وجهه من جديد .. فان كان صحيحا فهي ستتشمت به .. الجميع سيتشمتون .. ضرب بقبضته على المقود : الله لا يوفقج يا ريم وين ما كنتي ..
,‘,
انتهى من تجهيز الغرفة لاستقبال حبيته التي احتلت قلبه منذ شهور خلت .. ابتسم وهو يرى التغيير في اثاثها .. ليبتسم ويتنفس بعمق .. فاليوم سيذهب ليعود بها .. لتنير منزله من جديد .. ليتصبح بوجهها وابتسامتها .. وينام في احضانها .. اغلق الباب نازلا الدرجات .. ليبتسم بسخاء لذاك الاتصال : حيالله سلطان .. كفو يالسبع .. والله انك راعيها قدرت تقلب الموضوع على جون وابوي ..
وقهقه وسرعان ما تغيرت ملامحه وهو يستمع لطرف الاخر : ابوك كان ورى مشاكل ثانية لاخو حرمتك ..
وتوالى الحديث والفرح يتحول رويدا لعبوس .. حتى نطق : باعت مجوهراتها .
-اسمعني يا جاسم ادري انك وقفت المراقبة .. بس انا ما قدرت اوقفها .. تابعت كل شيء بس متاخر .. ابوك خطط ومادري ليش كل هذا . هل كان ناوي يسجن عيسى والا ناوي على شيء ثاني ..
في الخارج ترجل من سيارته وبيده ذاك الحديدي .. ليغرسه بين ظهره وحزامه الجلدي .. ويدلي بقميصه عليه .. عيونه تقدح شررا قد يحرق كل ما هو اخضر ويابس يصادفه .. مشى بخطوات واثقة .. ليلج المنزل بعد ان اذن له احد الخدم بالدخول .. ليقف جاسم ولا يزال الهاتف على اذنه : تصرف .. خلك ع الخط
همس بتلك الجملة ليضع الهاتف جانبا : اهلا جون .. وجودك هنا شيء غريب بالفعل .. لم اتصور ان اراك يوما في منزلي بعد ما حدث بيننا .
تقدم بخطوات واسعة ليقف ناطقا : لماذا تفعل كل هذا ؟ الا يكفيك ما تملك .. ام انك لا تحب ان ترى غيرك ينجح .
ابتسم : اهدأ .. فانا ليس لي اية علاقة بخسارتك الفادحة ..
" لا تكذب " صرخ بها ليردف : انت من سعى لدماري .. حتى اعلنت افلاسي .. وتراكمت علي الديون ..
اختفى كفه خلف ظهره بحركة سريعة .. ليوجه ذاك المسدس لوجه جاسم الذي تراجع للخلف : مالذي تفعله ؟
ابتسامة خبيثة شقت طريقها على وجهه النحيل : ساخلص العالم من شرك .. سانتقم لنفسي منك .. لقد دمرت كل شيء بثقتك وغرورك ..
رفع كفيه امامه يحاول ان يمتص غضبه الذي سيطر عليه : اقسم لك بان لا علاقة لي بما حدث معك ..
" كاذب " صرخ بها ليستغل الاخر الفرصة .. يمسك رسغه بقوة .. ويحاول في معركة غير متكافأة ان ينتزع ذاك السلاح من يده .. ليختلط الحابل بالنابل .. ويدوي صوت رصاصة في ارجاء المكان .. وعيون جحظت الما .. ودماء سالت بعد سقوط السلاح على الارض .. وجسد يجثو على الركبتين .. ليخر بعد لحظات على الارض هامدا .
,‘,
اتمنى انه يكون بقدر انتظاركم وحماسكم