,‘,
تكثر الأسئلة على الألسنة .. وقد تجد الطريق نحو جواب شافي وقد لا تجد .. فتبقى حائرة تبحث عن اجابة .. تترد مع صدى الايام والشهور وقد تصل لسنين طوال .. وقد يغيب الجواب تحت اقنعة الخوف فيبقى دفين قلوب لم تمتلك الشجاعة يوما .. كسؤالها الذي لم تجد له اجابة شافية .. واذا وجدت فسرعان ما يغيب خلف التصرفات الرعناء : انتوا ليش مب مقتنعين اني اختكم ؟
سؤال تمرد على شفاهها بعد ان صرخت في وجهه مبتعدة .. ووجهها للارض .. وخصلات من شعرها " البوي " قد ابتلت بقطرات العرق .. وقطرات اخرى تسقط متحطمة على البلاط الاملس .. لتتناثر مخلفة بقع صغيرة على جانب قدمها الحافية . وهم ينظرون اليها خوفا من ثورة مفاجأة منها .. رفعت عيناها تنظر لهم واحد تلو الاخر لتستقر على وجهه الناظر اليها .. حاولت ان ترسم ابتسامة فلم تستطع : لو مت مكان ابوي كنتوا ارتحتوا وريحتوني ..
صرخت بها : سكتي .. ما اريد اسمع هالكلام .
اجبرت شفاهها على ابتسامة تائهة : مامي .. هذه هي الحقيقة التي يتمنونها ..
وبعدها تحركت من مكانها صاعدة بهرولة تبعثر قطرات الدموع وقطرات الدم في ارجاء روحها الضعيفة .. لتكمل الاخرى : حرام عليك يا فيصل .. كل يوم اقول بيتعدل .. كل يوم اقول بيحن ع اخته .. بس للاسف .. للاسف
من بين دموعها وبشفاه ترتجف نطقت بعد الصمت : حراام عليكم .. والله اللي تسونه فيها حراام .. انتي بس ساكته تترينه يتعدل .. وهو عمره ما حس فينا .. قبل كنا ما نشوفه بالاسابيع .. والحين اذا شفناه نشوفه يضربها او يصارخ عليها
رمقها بنظرات غاضبة : سكتي يا جواهر .. مب ناقصنج .
هزت رأسها : مب ساكتة .. جود احسن عنك وعن رنيم .. رنيم اللي تغار منها .. قبل عشان ابوي والحين عشانك .. وحدة مريضة ما تفكر الا بنفسها
تخصرت : لا والله .. الحين يايه تعقين الحق علي – تنظر لفيصل – اذا هو ما يعرف يتعامل معانا .. لا اتين تلوميني انا .
زمجرت في وجههم : بس .. حشا اللي يشوفكم يقول اعداء .. انا ما ربيتكم ع هالشيء ..
تكلمت بغيض مدفون في جوفها : وانتي متى ربيتينا .. عاقتنا سبع سنين عند يدتي .. وكل همج بنتج الغبية اللي مادري من وين يايبتنها .
ارتفع كفها ليعانق خد رنيم بعنف : اذا ما ربيتكم وانتوا صغار بربيكم الحين .. اسمع يا فيصل .. والله ان ما تعدلت وصرت ريال وعرفت كيف تفكر بدون ما تتسرع وتضرب اختك .. فلس من الفلوس اللي عطيتك اياهن ما بتشوفه .
بهُت من كلامها .. ليغدقها بنظرات غريبة .. ويسمعها تردف : كنت احن عليك ترافق ابوك وتتعلم من خصاله .. بس ما صار هالشيء .. والحين اقولها لك .. يا تعقل يا انا اللي بعقلك .
صرخ في اختيه : ليش اطالعني .
ابتسمت جواهر وهي تمسح دموعها .. لعل هذا الوقت هو انسب وقت لرمي الاوراق والمصارحة : فيصل .. جود مالها شغل باللي صار - توجهت بنظارتها لرنيم – انا سمعت كل شيء بينها وبين جود .. هي اللي خذت الفلاش واتصلت ع الشركات .. هي اللي شوهت سمعتك بين اصحاب الشركات .
ارتعبت .. وتسارعت انفاسها : كذابه ..
نظر اليها وقد وصل به بركان نفسه للثوران صارخا باسمها .. لتجري منه تختبيء خلف باب غرفتها .. وصراخه وطرقاته تصل اليها مع طرقات والدتها الخفيفة على الباب .. وصوتها : جود حبيبتي فتحي الباب .. ايدج تنزف لازم نعالجها .
نظرت لقبضتها التي فار الدم منها وتخلل اصابعها المتراصة .. هدأ المكان .. هو خرج تاركا تلك العاصفة خلفه .. والاخرى مختبأة ترتجف بين زوايا غرفتها .. اما جواهر فجلست في الصالة تشعر بالراحة لانها اخرجت ما قبع في صدرها لايام .. ومنيرة ملت من طرق باب تلك المختلفة .. ويأست تاركة مكانها .. وتلك خلف ذاك الباب الموصد تعبت انفاسها .. ووهن جسمها .. فما يتدفق منه لا يرغب بالتوقف .. سحبت آخر تلك المناديل الورقية في تلك الاسطوانة لتضعهن في يدها بعد ان غسلتها بالماء .. وبعدها خرجت من دورة المياه ( اكرمكم الله ) تترنح الخطى .. سحبت هاتفها لتجلس على كرسي مكتبها الخشبي .. وتضغط على ازراره وبصوت متعب تطلب من مركز الاستعلامات رقما .. انتظرت دقيقة او لعلها دقيقتان لتاتيها رسالة نصية منبأة بوصل الرقم المطلوب .. هناك غشاوة ضبابية تختفي وتعود على عينيها .. اتصلت به .. وانتظرت ليرد عليها بعد ان رد عليها ذاك السكرتير ..
,‘,
رفع سماعة الهاتف .. وبين كفيه اوراق عمل متأخر .. اذا به يسمع صوتها ويسكتها .. يخبرها ان تتصل به بعد عشر دقائق .. ملقيا عليها رقم هاتفا نقالا .. وبعدها فتح احد الادراج بعد ان كان مقفلا ساحبا بعض الاوراق .. و خرج مسرع الخطى .. الى مكتب نائبة ومستشاره القانوني سلطان .. فتح الباب عليه : سلطان قوم وياي وهات موبايلك .
تعجب الاخر من كلام جاسم الغريب .. اراد ان يسأل .. فسارع ذاك بالقول : بتعرف بعدين .. تعال وياي ..
وقف عند المصعد ليرى الاخر يتوجه لسلم : جاسم وين رايح ؟
التفت له : بنزل .. لا تركب الاصنصير .
- عيل تباني انزل ست طوابق .. حشا ما نزلت ..
ضحك الاخر : خل هالكرشه تخف .. ياللا اترياك تحت .
ونزل يهرول بخفة .. ليزفر الاخر وهو ينتظر افتتاح الباب : يتحسبني مثله رياضي .
وصل اخر الدرجات بانفاس متعبه .. انحنى على ركبتيه يلتقط راحته .. وذاك السلطان لم يظهر بعد .. اخيرا فُتح باب المصعد ليرتفع بجذعه : شو كنت تسوي .. ياللا بسرعة
مشى ومشى هو من خلفه ناطقا : اريد افهم شو السالفة ..
توقفت قدماه عند باب سيارة سلطان " الرنج روفر " سوداء اللون : افتح
طوح برأسه يجاري ذاك الجاسم بما يطلبه منه .. وقبل ان يركب رن هاتفه .. اخرجه من جيب ثوبه قبل ان يصعد ويغلق باب السيارة من خلفة .. وهو ينظر لشاشة : رقم غريب
لم يشعر الا بالذي سحب الهاتف من يده : اكييد جود
تجهم وجه سلطان ناطقا : من وين يابت ر..
وقبل ان يكمل قاطعة جاسم بوضع : اصصص
واذا بهما يستمعان بامعان لما تقول : استاذ جاسم
-هلا جود .. ليش صوتج تعبان
-ما عليك مني .. انت ليش خبرت فيصل باللي صار بينا .
نظر لسلطان وعلامات الاستغراب ارتسمت على وجهه : ما خبرته .. واصلا لو اريد اخبره رحتله بريولي وطلبت اقابلج .. ما ايبج من مدرستج .
ابتسمت بتعب : عيل انتبه .. في جواسيس عندك
قهقه : من زمان في جواسيس مب شيء يديد
بدأ صوتها يتقطع : في اجهزة تنصت فمكتبك .. فيصل .. فوسط كلامه .. قال عن اللي صار بينا .
-ومب بعيدة يكون في كاميرات بعد .
رفع الهاتف لاذنه بعد ان اغلق السماعة الخارجية : جود شو فيج ؟
بدأت الغشاوة تجتاح عيونها وهي تردد : ايدي تنزف .. ومب طايع يوقـ..
انهارت ليسقط الهاتف من يدها .. وينحنى جذعها لليمين .. رويدا رويدا حتى وقع كامل جسمها على الارض .. تفقد مع ذاك السقوط كل احساس بمن حولها .. ويردد هو عبر الاثير اسمها مرار قبل ان يغلق الاتصال .. وينفجر بعدها صارخا في وجه سلطان : كله مني ..
ليفزع الاخر سائلا عما حدث .. ويبحث بعدها في هاتفه عن رقم فيصل بطلب من جاسم .. يرن ويرن .. والشرر يقدح من عينيه وهو ينتظر الرد .. اخيرا جاءه صوته الممتعض : خير استاذ سلطان .
انحنى بجذعه قليلا وقبضة يده تكاد ان تكسر عظام اصابعه وهو يضعها على فخذه : معاك جاسم .
قام واقفا .. لينهي اجتماعه المصغر برؤساء الاقسام .. قال بشيء من الامتعاض : لحظة
ليترقب ذاك الوقت خلف سماعة الهاتف ويترقب الاخر خروج آخر شخص من مكتبه ليصرخ : اسمع يا جاسم .. ابعد عني وعن اختي احسنلك .. والشراكة اللي من بينا بنفضها
-اسمعني انت يا فيصل .. الشراكة بتبقى ومحد بيجبرني ابيع نصيبي .. والشغل اللي بيني وبين اختك بيبقى .. وروح قول للي قالك عن اجتماعنا انه مب فاهم شيء ولا عمره بيفهم – اراد ان يقاطعه – لا تقاطعني .. كنت اظنك مثل ابوك ما ترضا بالغلط .. ووقفت وياك بحسب اتفاقي مع اختك اللي الله يعلم ان كانت عايشه للحين .
انتفض الاخر : انت شو تقول .. شو سويت بجود .. والله يا جاسم ان صارلها شيء ما تلوم الا نفسك
تشدق : بدال ما يالس تلومني .. قوم الحق عليها .. لانها كانت تكلمني وانقطع الاتصـ ..
ابعد الهاتف عن اذنه .. بعد ان اُغلق الخط من قبل فيصل .. ضرب قبضة يده على فخذه : ما اريد حد يتأذى بسببي .
نطقها وهو يحرك سيارته مبتعدا عن مبنى الشركة .. الصمت كان رفيقهما .. اوقف السيارة قبالة امواج البحر .. لينزل ويضرب الباب بعنف بعد ان سحب تلك الاورق معه .. ربع يديه واغمض عينيه .. وكأنه يناجي تلك الامواج ويخاطبها بصمت .. لعلها تغسل ما اجتاحه جراء ذاك الاتصال .. او لعلها تخفف وطئ الخطر الذي يتربص به .. ترجل سلطان ليقف خلفه : شو السالفة .. يارني وياك مثل الاطرش فالزفه . ممكن تخبرني شو مستوي .
تنهد وهو يلتفت له ويمد له بتلك الاوراق .. ويعود ينظر للبحر .. قلب تلك الاوراق بين كفيه .. وكلما قرأ كلما عقد حاجبيه اكثر .. ليتقدم خطوات ويقف امامه .. مادا بتلك الاوراق في وجهه : شو هذا .. ومن متى ؟
تنفس بعمق .. وكأن رئتيه لا تسحبان ما يكفيه من الهواء .. انسلت يده ساحبة " العقال " و " الغترة " لترمي بهما على الرمال .. ويداعب الهواء شعره الطويل : من اربع شهور ..
-وليش ساكت .. هذا تهديد .. ومب اي تهديد – سكت قليلا ينتظر جوابا ثم اردف- عشان هالشيء خليت حرمتك فبيت اهلها .. عشان يظنون الناس انك مطلقنها .. شو هالحياة اللي تعيشها يا جاسم .
عاد يسحب من هواء البحر : انا انسان لازم ما يكون علاقات يا سلطان .. حتى انت صرت اخاف عليك لانك اقرب شخص لي .. من يوم ما راح قاسم وكل حياتي انقلبت .. مثل اللعبة اللي كنا نلعبها يوم كنا صغار .. بدون جسمه ع طرف وجسمي ع الطرف الثاني مستحيل تنلعب – ضحك بسخرية – كان يصيح يوم ما اطيع العب وياه .. يقولي عيل كيف برتفع ولحد يالس ... والحين حاس اني محتاي له عشان ارتفع وانزل – التفت لسلطان – كنت حاس انهم وصلوا لابعد من الجواسيس العاديين .
توارت يداها في جيبي ثوبه .. وخطى بخطوات بطيئة موازيا لامواج البحر وزبده والاخر يمشي بمعيته : اللي قالته جود صح .. كنت شاك بهالشيء وعطيتها رقمك .. لان ارقامي مب مضمونة .. ما ركبت الاصنصير لاني خفت يكون فيه شيء بعد – وقف وعاد ينظر للبحر – ما تصورت يوصلون لجود ..
-بس ما صار بينكم كلام يقدرون يفهمون ع شو ناوي .. كلها ورقة
-الورقة بتنقرا اذا في كاميرات ..
سكن المكان الا من صوت الريح تعصف بالبحر .. تلعب مع امواجه لعبت المطاردة .. فتوصلهن للشاطيء وتبتعد ليعودن .. وتعود من جديد .. صمت سكن معه جسديهما الا من قطع الملابس المتحركة .. وكأنها تشجع تلك المطاردة .. التفت لصاحبه : ليشه الكره فحياتك يا جاسم .. من هم هالاعداء اللي يلاحقونك .. لو مب ماسك كل الامور القانونية كنت بقول انك تلعب بذيلك وهم يتربصون فيك .. بس انا اعرفك من زمان – ابتسم – مب عارف كيف اساعدك .. دووم كنت تمد ايدك لي . ويوم يا اليوم ما قدرت امد ايدي .
ربت بيده على كتفه : ايدك دووم ممدودة لي .. ما يكفي انك وياي وما تخليت عني .. سلطان شكل القدر حاكم علي اعيش وحيد – رص على اسنانه – بس اعرف منو ورى اللي صار .. وكيف دخلوا مكتبي .
جاء دوره ليتنفس ويحشو رئتيه بالهواء ناظرا لشمس التي تمشي الهوينة لتودع هذا اليوم بحلوه ومره : يمكن ما وصلوا لجود .. ولا صار فيها شيء
-قالت ان ايدها تنزف .. كيف بتنزف اذا محد تعرضلها .. يا سلطان ممكن اكره .. و ابغض ناس مثل ابوي .. بس ما توصل في اني اقتل حد وانهي حياته . او حتى اتسبب بهالشيء
-ان شاء الله ما فيها شيء .. وباكر بيوصلك الخبر اليقين – ابتسم وهو يقف امام جاسم ويده على كتفه – خلنا نروح ونعرف منو اللي وصل لمكتبك فغيابك ..
,‘,
يــتــبــع~