,‘,
جاءها الاتصال فارتدت عباءتها .. وتجهزت لتنزل لملاقاة اخيها خارج المنزل .. واذا به يستوقفها .. فهو قد سجنها في المنزل .. وحرم عليها الخروج الا مع زوجها المنتظر .. وهي اطاعته لم تخرج .. ولم تكسر كلمته منذ ذاك اليوم .. ولكن اليوم هناك شخصا بحاجتها وعليها ان تخرج .. بل يجب ان تخرج ..تسمرت وهو وقف خلفها : فاطمة ردي داخل ..
لم تلتفت .. وحاولت ان تسيطر على اعصابها .. فهي بحاجة للهدوء .. بلعت ريقها والتفت له : ابويه لازم اروح .. مايد محتايني ..
-قلت ما في طلعة .. ومايد باللي ما يحفظه مسود الويه .. يستاهل اللي اييه وزود .
من خلفه وبصوت باكي : خاف ربك يا راشد .. هذا ولدك .. خلها تروح تييبه ..
-طلعة ما بتطلع – اشار برأسه لاعلى – دخلي داخل .
"ما بتدخل ".. قالها وهو يلج الى المنزل ويمسك بيد فاطمة .. ليردف : خلينا نروح .
صرخ باسمه ليستوقفه : هذي تربيتي .. حتى احترام لابوك ما شيء .
التفت وابتسامة قد ارتسمت على شفاهه : اذا انت واثق من تربيتك .. ما كنت ظلمتني يابو سعيد .
صدمته تلك الجملة .. فوقف دون ان يطنق ببنت شفة ..الجمته عن الكلام .. يراهما يخرجان من المنزل .. مبتعدان عن المكان .. التفت لزوجته التي اخذت تتمتم : الله يحفظكم .. الله يحفظكم .
,‘,
عائلة سطرتها هي في سطور كثيرة .. حتى استلذ ذاك الفهد بقراءتها مرارا .. هذه المرة الثانية التي يقرأ في ذاك الكتاب .. تشده تلك الكلمات .. فلو كتب هو لكانت حروفه شبيهة بتلك الحروف .. وجمله لن تكون بعيدة عن تلك الجمل ..قلب تلك الصفحة ليقرأ :
" عندما تعيش في غابة صغيرة .. يسودها القوي .. ولا يوجد بها حيوانان من نفس الفصيلة .. تكون وحيدا .. وذاك الاسد يتملك كل شيء .. هنا في هذه الغابة اشياء مختلفة .. واحداث اغرب .. فنحن جميعا ندرك بأن البوة هي زوجة الاسد .. وهي لها من السيطرة نصيبا .. ولكن في غابتي الصغيرة .. زوجة الاسد ما هي الا هرة ضعيفة .. لا تستطيع حتى ان تكشر عن انيابها .. ففضلت الظل تحت جناح الاسد المسيطر .. المستبد .. فهو حاكم على حيوانات ضعيفة .. وانا من هذه الحيوانات .. في هذه المستوطنة المليئة بالبغض .. اكره الاستبداد وارضخ له رغما عني .. ورغما عن الجميع .. فهو الاب .. وانا من ابناءه الضعفاء .. بل اشدهم ضعفا ......."
ابتسم وهو يغلق الكتاب ويضعه على" الكوميدينة" بجانبه .. سحب الغطاء على جسده .. وسرعان ما انتشل هاتفه ليتصل على صديقه .. فهو يرغب بمحادثته .. رن مطولا .. واخيرا جاءه الرد : هلا والله ..
سحب جذعه ليستند على ظهر سريره : هلا فيك .. هااا ما صرنا نشوفك .. منو اللي شغلك عنا .
ضحك وهو يربع ساقيه معتدلا في جلسته في تلك الصالة : ما حد شغلني .. بس ظروف تحكم الواحد – سحب جهاز التحكم عن بعد ليخفض على صوت التلفاز – شو اخبارك .
-تمام ولله الحمد .. انت علومك .. وشو اخبار محمد ان شاء الله زين .
استمر الحديث بينهما بضحكات تتخلله بين الفينة والفينة .. حتى جاء الحديث عن ذاك الكتاب : تدري يا سعود ان هذي ثاني مرة اقراه .. احس ان هالانسان يعاني بقوة .. واحس الصدق فكل كلمة كتبها .
قهقه وهو يجيب صاحبه : يعني بعكسك .
-افاا والله .. يعني الحين انا كذاب .. الله يسامحك .
-زعلت .. ترا ما اقصد شيء .. بس انت اغلب اللي تكتبه على لسانك ما يكون كلامك اصلا ولا حياتك .. تاخذ من حياة الغير وتكتب ..
-خلنا من هالكلام .. خبرني شو صار ع زواجك .
لوح برأسه وقام واقفا تاركا المنزل ليمشي في ساحته الخارجية .. وكأنه لا يريد لاحد ان يستمع لما يقول : خواتي يقولن ان البنت اياها ردت فكلامها .. بس وانا اخوك اذا كانت اولها جذي ما ينظمن تاليها .. هي قوية .. وانا ما في ع حنة الراس .. وتبي الصدج مليت من هالموضوع .. ما في بنت ترضا بواحد مطلق وشيبه ولا بعد عنده ولد معاق ..
ابتسم على مضض : وانت الصادق .. البنات هالحين ما يدورن الا الكامل والكمال لله .. ومع هذا يا سعود انت ما يعيبك شيء- ضحك واردف – ما خبرتك ان حرمة اخوي مستويتلي خطابة ..
جلس على عتبة باب مجلس الرجال والهواء يداعب وجهه البشوش : احلف .. وها لقتلك حد والا بعد .. ترا اذا لقت بخليها تدورلي وياك
ضحك الاخر بقوة .. حتى فر الدمع من جانب عينيه : الله يقطع بليسك يابو محمد .. ترا هي ما تدورلي حبا في .. الا شكلها ناويه تطردني من البيت .. مثل ما انت عارف الملحق لو تقسم وتأجر بييب لهم همكة فلوس ..
-والله انت اللي يايبه لعمرك .. عندك فله شحلاتها ومخلينها وراضي تعيش مع اخوك اللي مب سائل عنك ..
-وييا منو اعيش ففله هالكبر كبرها خبرني .. لو ان عندي حرمة كنت عيشتها فيها .. وحرمة اخوي هذا مقصدها .. لانها عارفة باسباب يلستي عندهم ..
رغم الحزن الذي يكتنف حياتهما الا انهما يضحكان ويبحثان عن امل جديد يعيشان لاجله .. استمرا بالتسامر حتى وقت متأخر من الليل لا يعكر صوف حديثهما شيء .. حتى صرخت والدة سعود منادية له .. اغلق الخط على عجالة .. فصوت والدته اثار الرعب في قلبه .. حث الخطى الى الداخل ليسألها ما بها .. لترد عليه بخوف .. وصوتها مرتجف .. طلب منها ارتداء عباءتها حتى يرتدي هو ثوبه .. فلا بد من الذهاب الى المستشفى .. دخل الغرفة . فامه العجوز لن تقوى على حمل تلك المريضة .. فاذا به يحملها وهي شبه ميتة بين يديه .. مهرولا بها الى سيارته .. خائفا عليها .. متذكرا خوفه على ابنه في ذاك اليوم المشؤوم وكأن الاحداث تعيد نفسها معه .. ولكن مع شخص آخر بين ذراعيه .
,‘,
صبح يوم جديد يبزغ .. قد يكون محملا بالحزن .. او بالفرح .. كفرح جاسم جراء ذاك الاتصال الذي وصله من احد عيونه .. حرك سبابته على ذقنه ذهابا وايابا .. وابتسامة تداعب شفاهه .. فذاك الجون بدأ يسقط .. كما يخطط هو لاسقاط شخصا آخر .. شخص اثار فيه الكثير من الجروح .. فاحاله الى شخص مختلف .. لا يرى من حياته الا جانبا مظلما .. فتلك الليلة المشؤومة كسرت روحه الطيبة .. فتوارت خلف استار القسوة والقوة .. تلك الليلة وصم هو بالعار لاقتران اسمه بأسم ذاك الخائن .. الذي خان توأمه .. لا تزال تلك الكلمات والضحكات ترن في اذنيه .. فكلما اراد النسيان تعود من جديد ..
كان خارجا من غرفته يتملكه الغضب بعد ابتعاد توأمه واتهامه له بالخيانة .. وبأنه دبر كل شيء مع والده .. رغم نفيه لكل تلك الاتهامات الا ان قاسم ابعده .. صارخا بوجهه : من اليوم اعتبرني ميت ..
ميت .. كم ترددت تلك الكلمة في عقله ... قتل نفسه حتى لا يرتبط به .. توقف هناك يستمع لذاك الحديث بين والديه دون ان يلحظانه .. جالسه وساقها تعانق الاخرى : يعني انت ما صدقت خبر .. نفذت كل شيء
اراح جسده على الاريكة الصوفية وهو يضحك : اشم ريحة غيره
-وع .. اغار عليك انت .. لو اغار ما انفصلت عنك برضاي وغصب عنك .
-انتي قلتي ابعده عنها حتى لو تتزوجها انت . . والصراحة البنت حلوة وابوها انسان طماع .. ولو ما سويت اللي سويته كان قاسم بييلس يحن عليج يبيها .. وانا قطعت كل خيط يمكن يربطه فيها
هنا اقتحم المكان عليهما .. صارخا : انتوا شو من البشر .. انتوا تسمون اعماركم اهل .. تاخذه وياك ع اساس تطلبها له .. وانت تاخذها لعمرك .. تفو عليك من ابو ..
لم يشعر الا بكف والدته على وجهه :احترمنا يا جاسم .
هز رأسه بغيض : ذبحتوه .. الله لا يسامحكم .. ذبحتوه وذبحتوني ..
قطع تلك الذكرى دخول سلطان الذي جلس قبالته : بتقابل الموظف اليديد اليوم ؟
قام واقفا .. يسحب الهواء الى رئتيه بهدوء .. وكأن تلك الحادثة افسدت الاكسجين فيهما .. وقف ناظرا عبر نافذته الى البحر الذي التصق مع السماء رغم البعد بينهما : المحاسب ؟
وضع يده على كتف صاحبه : فيك شيء ؟
التفت له وهو يبتسم : ما في الا العافية .. اوك مب مشكله بقابله .. ولا تنسى المقابلة الثانية ..
ابتسم : لا تخاف بكون فمدرستها اليوم .. وان شاء الله ترضا اتيي وياي ..
بثقه قال : بتيي .. واثق انها بتيي .. بس انت خبرها اني انا اريدها .
,‘,
اتمنى ان تكون التتمة قد نالت على اعجابكم .. انتظروني يوم الاربعاء مع الجزء 25 بأذن الله
^^