,‘,
الحياة رحى تدور وتدور .. وتطحننا بأحداثها .. البعض يواجهها ويتغلب عليها .. والبعض الآخر يتوه في دهاليزها .. فلا يجد المخرج .. وقد يصل إليه ولكنه لا يستطيع الخروج . وقد يصل إلى طريق مسدود .. فيبقى في مكانه .. وقد يعود أدراجه ويتوه من جديد .. كما تاه مايد في حياته التي لم تتجاوز عتبة العشرين بعد .. فأنهكه الذنب .. وتوغل من نفسه حتى بات سهير الليل .. لا يغادر غرفته .. حتى الطعام يصل اليه .. يأخذ منه لقيمات يسدن جوعه .. فنفسه طابت بعد ما عاناه نتيجة تهوره .. يلف ذراعيه على ساقيه وقد تشابكت اصابعه .. وظهره لتاج السرير الخشبي .. وشعر وجهه قد تناثر على بشرته البيضاء .. فتلك البشرة توارثها من أمه .. تنظر عيناه لوسط السرير .. لذاك الحاف الرمادي .. وعقله توقف عن التفكير .. طرق الباب ودخل .. وتركه مواربا .. ليقف ناظرا الى ذاك المايد النحيل .. تقدم خطوات حتى لم يعد يفصله عن السرير الا خطوة واحدة : مايد الين متى بتبقى ع ذا الحال .. اللي صار صار .. وابويه بيسامحك ..
دون ان يتحرك : بس انا ما بسامح نفسي .. بدر انا غلطت بسببهم .. والله العظيم ما كنت ادري وين رايح وشو اسوي ..
تحرك على عجل تاركا ذاك السرير .. يحث الخطى لاحد الادراج في ذاك الدولاب .. وبدر ينظر اليه .. حتى اذا ما وصل اليه ومد له يده وبها كيس صغير .. سأله : شو هذا ؟
اخذها وابتسم وهو يضع يده على كتف اخيه : ما كانت لي .. ولا انكر اني غلطت يوم خذتها .. ويوم تفرجت ع افلام خليعة بهالشكل .. كان الشيطان يوسوسلي دايم اني اكمل متابعة .. ويوم خذتها يا مايد فكيتني من وسوسته .. انت سويت خير في .
التفت على يساره .. برهة واذا به يجلس : بس ما سويت خير فنفسي .
طأطأ رأسه .. فما كان من بدر الا ان جلس بجانبه .. وبابتسامة قال : قوم .. خلنا نطلع ..
هز رأسه بلا : خلني بروحي ..
قاطعه : خلني بروحي .. ما ابي اطلع ..
ابتسم من جديد وهو ينظر الى الباب الذي فُتح ووقفت فاطمة على عتبته .. وبيدها حقيبتها . ولا تزال عباءتها عليها .. ابتسمت هي الاخرى رغم تعب يومها مع طالباتها .. تقدمت الى الداخل حين ناداها بدر : تعالي .. شوفيلج صرفة وييا دلوع العايلة ..
ابتسم على مضض .. وكأن تلك الكلمة اشعرته بسخرية ما .. ليرفع نظره لها حين تكلمت : مييود .. اللي تسويه فعمرك ما منه فايدة .. اسبوع وانت ع ذا الحال ..
قام الاخر واقفا حين وصلته رسالة قصيرة : انا بروح .. حاولي تقنعينه ..
سألت مستنكرة : من منوا لمسج .
وهو يترك المكان : واحد من الربع ..
خرج واغلق الباب خلفه .. لترمي هي حقيبتها على السرير .. وتفك قيود شعرها .. لتتدلى " شيلتها " على اكتافها . وتجلس .. لا تعرف ماذا تقول .. او من اين تبدأ .. فهي لم تفتح يوما حديثا مع اخوتها الذكور .. حتى ان قربها منهم لم يكن كقربها الآن من مايد .. فماذا عساها تقول .. مدت يدها بتردد .. واذا بها تصافح كتفه براحتها : مايد ..
لم يتحرك .. وسكتت هي .. ابتسمت تحاول ان تجمع شتات كلماتها .. ليعتق صمتها وتوترها كلامه : شو تبين مني .. عمري ما عاملتج زين ..
ابعدت يدها لتفركها بيدها الاخرى : بس انت اخوي – ابتسمت فاردفت – اذكر يوم كنت صغير كنت اسبحك .. اول مرة كنت خايفة .. كان عمري يومها 16 سنة .. تعرف اني طيحتك وانت عمرك سنة من المريحانه ( الأرجوحة ) – ضحكت وكأنها تريد منه ان يبادلها الحديث – بس ما خبرت حد .. كنت اخاف من امي .. ومن ابوي .. بعدين انت اعتمدت ع عمرك .. وانا ابتعدت .. الين صرت احس اني ما اعرفك ولا اعرف اخواني ..
وضعت يدها على فخذه .. وهذه المرة دون تردد : مايد .. كلنا نغلط .. الحياة بدون غلط مب حياة .. انفوسنا ضعيفة .. تجبرنا نسوي اشياء مب راضيين عنها بس عشان نستانس .. نظن ان الوناسه بالغلط .. انت غلطت .. وانا غلطت .. حتى ابوي غلط .. وامي وكل اخواني .. الكل يغلط يا مايد .. لا تحمل نفسك فوق طاقتها .. يمكن غلطك كان لاسباب واايد .. منها اهلي .. وانا .
رفع رأسه ناظرا لوجهها : انتي ؟
هزت رأسها بنعم واردفت : هيه انا .. لاني ما كنت الاخت الزينه لك – سحبت يدها لتتلمس جانب وجهه برجفة خفيفة في اطرافها – الواحد لازم يحمد ربه اذا عرف غلطه فالوقت المناسب .. حلو ان يكون في حد يمك .. يمسك ايدك يقولك وين الصح .. ويمشي وياك فيه .. ويقولك وين الغلط ويبعدك عنه – انزلت يدها وشتتت نظراتها حتى لا تنظر لعينيه المتسمرتان على وجهها – لما الواحد يغلط يمكن يضيع اذا ما كان في حد يمه .
سحبت حقيبتها وهو ينظر اليها .. واذا بها تفتحها وتخرج مفتاح سيارتها .. وتمسك كفه وتضعه فيها .. لم يتكلم .. وفضل الصمت وهي تعود لتضع يدها في حقيبتها من جديد .. وتخرج بعض النقود من فئة الالاف .. وتمدهن اليه : خذ .. قوم روح الحلاق وعدل ويهك ..
اخذ النقود وابتسم : احلق بالفين ..
قامت واقفه : لا . احلق وخذ الباقي لك .. بس امانه ما تضيعهن هني وهناك .. وانت تعرف شو اقصد .
وقف واذا به فجأة يحتظنها .. لتتسمر في مكانها وذراعاها بجانبيها .. تفاجأت من فعله .. فهي لم تحظى يوما بحضن .. حتى انها لا تعرف كيف تحتضن احد : مشكورة .. ريحتيني بكلامج واايد ..
ابتسمت وهي ترفع كفيها على مضض .. لتربتان على ظهره .. ابتعد واذا بها تعقد حاجبيها .. فمايد يبكي .. لتعود هي تحتضنه من جديد : خل الدموع للحريم ..
ليضحك وهو يحرر نفسه منها .. ويطبع قبلة على وجنتها : الله يخليج لي ..
لتذوب في خجلها من فعله .. وتلملم اشيائها على عجل .. وتخرج من غرفته لتصل الى غرفتها .. هي الاخرى تشعر بالذنب .. فهي فتحت قلبها لشخص غريب .. احبته .. او لعلها اعجبت به .. شعور جديد يخفق له قلبها المسجون بين اضلاعها .. اخذت حماما باردا بعد عناء ذاك اليوم .. وارتدت ثوب منزل مريح وواسع .. واخذت تنظر لوجهها عبر تلك المرآة وهي تسرح شعرها المطلي باللون البني المحمر .. اضحت تهتم بنفسها .. بشعرها وبشرتها .. هي جميلة .. وتلك الشامة على جانب عينها اليمنى .. في صدعها تميزها .. كانت تكرهها في الماضي .. لكنها تراها الان بنظرة مختلفة .. ربطت شعرها بربطة قطنية حمراء .. وتأملت وجهها وهي تمرر اطراف يدها عليه .. ابتسمت فهي رغم سنها تبدو صغيرة في العشرينات ربما .. خطت خطواتها نحو سريرها لتلقف هاتفها .. جلست مربعة ساقيها وهو في يدها .. وإذا بها تناظر اسمه .. سعود .. ابتسمت .. فهي تشعر نحوه بشعور مختلف .. أيعقل ان يكون حب من اول نظرة .. ام انها الحاجة العاطفية التي تغلفها .. واذا بحديث ريم يعود اليها .. يطن في اذنها .. وعلى مضض مسحته .. انهت وجوده من سجل الاسماء .. فجأة واذا به يرن في يدها .. وضعته على اذنها .. وبعد السلام والسؤال عن الحال .. اذا بها تعقد حاجبيها .. فهناك حديث ازعجها .. كان من الطرف الاخر .. من صديقتها وزميلتها في المدرسة : سامحيني فطوم .. والله زل لساني عند اخوي .. وانتي تعرفين عقليته .. والله ما هدني الين قلت له ان الكتاب لج ..
انزلت ساقيها وبفزع قالت : انتي شو تقولين .
-كنت اقرا فيه .. وشافه فايدي وزل لساني باسمج .. خذه مني وقال بيعلم ابوج بكل شيء .. والمصيبة كنت فاتحتنه ع الكلام اللي كتبتيه عن الابوة .. فطووم اسفه بس ما ..
قاطعتها : زين .. خلاص لا تصيحين .. امر مقدر انه يصير ..
واذا بصوته يزمجر في ارجاء المنزل .. ينادي بأسمها .. اغلقت الهاتف بسرعة .. ووضعت اطراف اصابعها على فيها .. واذا بها تتمتم : يا رب .. يا رب ..
خرجت بسرعة .. لتقف في منتصف الدرجات ..تستمع له صارخا : تعالي ليش وقفتي .
تعترضه زوجته حين حث الخطى نحو السلم : اهدى يا راشد .. هذي بنت ما بتتحمل ضربك ..
-البنت ما توطي راس اهلها للارض – ينفض الكتاب امامها – شو هذا .. رايحه تقابلين ريايل غرب من ورانا .. لا وبعد تقول اني انسان متسلط ... انا متسلط ياللي ما تستحين ..
-انا ما سويت شيء غلط .. مجرد كتاب كتبته ونشرته .. وكل اللي فيه احاسيسي وبس
-احاسيسج هاا – امسك الكتاب يقطع اوراقه امامها – هذي احاسيسج يا فطووم ..
نزلت دمووعها وهي تشاهد ما يفعله والدها .. وخوف امها عليها وهي تتصدى له حتى لا يصعد لها .. رمى الكتاب بعد ان قطع اكثر من نصف اوراقه ... واذا بعيونه المحمرة غيضا تنظر اليها : سمعي يا فطوم .. طلعه من هالبيت ما في .. وانتي – يوجه كلامه لزوجته – قول لناس اللي تقدمولها انها موافقة .. ولا نبي اي عرس .. ياخذها بعباتها ..
ام سعيد : بس ..
- لا بس ولا شيء .. اللي قلته يصير .. تتصلين فيهم وتبلغيهم ان نحن موافقين ع ولدهم ..
انتفضت في مكانها وتقدمت خطوة : شو .. اي ناس .. انا ما افكر فالعرس الحين .
الجمها بنظراته : بتعرسين غصب عنج .. يتوالج ريلج وافتك منج .
صرخت : وانت من متى مهتم في والا تسأل عني .. انت كل وقتك لاهي وييا اخواني .. وياليتك بعد تعدل بينهم .. انت انسان ما تفكر الا بعمرك ..متسلط ..
دخل سعيد على صراخها صارخا وهو يهرول نحوها : ياللي ما تستحين .. تعلين صوتج ع ابوج ..
جرت وهي تردد : عمري ما بسامحك يابويه .. عمري ما بسامحك ..
دخلت واغلقت الباب قبل ان يصل لها سعيد .. الذي اخذ يضرب الباب بقبضته : فتحي يا فطيم ..
صرخت وهي تجلس على السرير : مب فاتحة ..
نزلت دموعها تشق طريقها على وجنتيها : ليش هالعذاب .. حتى يوم بغيت اكون نفسي .. اسوي اللي احبه تعدمني يا ابويه .. مثل ما عدمتني من سنين – زادت شهقاتها – ياليتك مثل عمي عبدالرحمن .. ياليتني بنته مب بنتك .. كنت الحين معرسة وعندي عيال يزقروني امي – انكبت على السرير - يا رب .
,‘,
تؤد الاحلام قبل ان تعرف الميلاد .. تجهض في رحم الحياة والفكر .. فتدفن قبل ان ترى النور .. تدفنها ايدي اناس يقبعون خلف الافكار القديمة والمتزمتة .. ودفنت هي الاخرى تحت اسم العادات .. تحت كلمة قيلت منذ الطفولة .. لتزف وهي في المهد .. لطفل مثلها لا يعي من الحياة الا كرة يدحرجها مع اقرانه .. وأدت احلامها الكبيرة وهي حية .. وعادت لنهوض من جديد بسبب ذاك الطفل الذي ارتبطت به بكلمة من خالتها وامها .. لتبقى الصلة .. ويكبر الحب في احشاء الصدور .. حتى بات يتمتم بكلمات جديدة .. ويقتل حين نضج .. ولم تقطف ثماره بعد .. قتله بكلمات على ورقة بيضاء في ليلة حالكة السواد .. ومع هذا فهي تتنفس .. تشق طريقها رغم الخوف من المجهول .. تتسارع خطاها على رصيف الغربة .. لتلج من باب ذاك المطعم .. لتراه هناك جالسا .. يحرك الملعقة في كوب القهوة التي يبدو انها انطفأت مع برودة الجو .. نقرت الطاولة بخفة باظافرها الطويلة .. ليرفع نظره .. وتتكلم بصوت خافت : اقدر ايلس .
هو مبتعد .. لا يريد ان يرى عيونها .. وهاهي الصدفة تجمعه مع العيون السوداء من جديد .. الصمت اخذ حيز كافيا من الزمن .. برد المكان بالسكوت المتبادل .. شرخت الهدوء ببعض كلمات : ليش ما صرت اتيي الجامعه ؟
سؤال اجبره بان يرفع نظره لبرهة .. ويعود ليغضه بسرعة : ما عندي محاضرات .. وتراني اروح بس يمكن وقت محاضراتج غير عن وقت محاضراتي .
ابتسمت : انا مسنتره فالجامعة ..
ابتسم : الجامعه مب بيت شعبي .. تقدرين تشوفين الكل فيه .. الجامعة مدينة بروحها .. يمكن ما نتصادف ..
حدث نفسه : على منو تكذب يا مصبح .. خبرها انك تشرد عنها .. خبرها انك كل ما شفتها فطريق خذت طريق غير .. خبرها ان عيونها مقبره لك .. ليش ساكت .. ليش مب قادر تتكلم .. وليش احس ان كل الكلام يغيب فحضورها ..
تلفتت وقالت بمرح : شكلك بخيل .. حتى ما عزمتني على شيء
افاق من سرحانه : افاا والله .. مصبح بخيل .. الحين بطلبلج احلى غدا
ضحكت : اي غدا الله يهداك .. احنا بالليل ..
تلفت يناظر المكان الخارجي عبر زجاج المطعم : اووه معقوله كل هالوقت وانا هني – نظر الى قهوته – والقهوة بردت – ضحك – الحين بيقولون عني مينون .
اردف وهو يتابع حركة اصابعها على جهاز هاتفها : بطلبلج عشا .. بس انتي ليش طالعه فهالوقت بروحج .
هزت رأسها : مب بروحي .. كنت مع لورا .. وبعدين راحت لمشوار وقالتلي اترياها هني .
دون ان ترفع نظرها : يالسه اعابل( احاول ) فتويتر .. احاول اغير النك نيم مب طايع ..
اخذه من يدها واذا به يرفع حاجبا : المهاجر .
ضحكت بلطف : لا مب المهاجر .. ما تشوف في فراغ بين الميم والهاء .. يعني الم – وهي تسكن الميم – هاجر .
وبعدها سكتت ليبان حزن خفيف على ملامحها .. ليطيل هو النظر اليها .. يغتنم فرصة نزول نظرها على ظهر الطاولة .. صمت المكان من جديد .. صمتت تلك المساحة الصغيرة التي ضمتهما .. ابتسم : وليش ان شاء الله الألم ..
شعرت بأن هناك حملا كبيرا يقبع في داخلها .. دون شعور منها : لاني انسانه تطلقت قبل عرسها بكم اسبوع .. انهرت وصار الالم رفيقي ..
اراد ان يغير لمحة الحزن : ومنو بعد هذا المسافر ..
ابتسمت على لهجته المستنكرة : هذا واحد راح ورد .
-ما فهمت .. وكلامه غريب .. كل تغريداته فلسفة ..
-هاجر بدون الم .. اسميهم بينصدمون – ضحكت – لانهم يظنون اني ولد مب بنت .
ضحك : الحين بيهلون عليج المتابعين مثل اليراد .
اعاد لها هاتفها : عدلته لج .. هيه لانج بنت .. الشباب صايرين مثل الذباب اللي يطيح ع الاكل المكشوف .. ويحومون على الاكل المغطاي اللي فايحة ريحته .
ابتسمت وهي تضع هاتفها جانبا : انت بروحك تتفلسف .
اشر بيده للنادل طالبا قهوة وسائلا هاجر .. لترد بانها ترغب بعصير برتقال .. غادرهما .. ليكمل مصبح حديثه : هاجر لا ترابعين ديما .. ولا تتركين السكن .
عقدت حاجبيها مستنكرة : منو اللي خبرك .
-مب مهم منو .. بس لا ترافقينها .. حمدان من الشباب اللي طريتهم( ذكرتهم ) لج من شوي .. يركض ورى البنات
-وانا شو لي بحمدان .. انا ما حبيت السكن .. ويتني فرصة وقلت اغتنمها .. ما احب الزحمه .. متعودة ع الهدوء .
صمتا وهما ينظران ليد النادل وهو يضع طلبهما امامهما .. تنهد وهو يرشف من قهوته : هاجر .. حمدان يعني ديما .. وديما حمدان .
انزلت كوب العصير بعد ان رشفت منه : لا تتكلم بالالغاز .. انا بسكن مع بنية .. مب مع حمدان
كانت نبرتها غاضبة .. فاردف : لا تزاعقين ( تصرخين ) .. ولا تعصبين .. انا اريد مصلحتج .
قامت واقفة .. ساحبة هاتفها لترمي به في حقيبتها : مالك كلمة علي .. ولا تظن لاني ييت هني ورمست وياك يعني صار بينا شيء .. انت انسان غريب .. وخلك بعيد عني ..
تركت المكان .. مبتعدة .. رمى بالنقود على الطاولة وهرول لاحقا بها .. التفتت بغضب : ليش لاحقني ؟
وهو لا يزال يمشي خلفها : وقفي .. سمعيني يا هاجر .
التفتت وهي تقف : شو اسمع .. انا حرة بحياتي .. تدري شو يعني حرة .
مشت ومشى بمعيتها : بوصلج .
وقفت بغضب : البلاد امان .
-بلادنا واللي هي بلادنا مب امان فالليل .. تبين بلاد الغرب تكون امان .
وقفت من جديد : انت ليش جذي ؟
رفع حاجبه : كيف يعني جذي .
التفتت متابعة طريقها : لصقة .
ضحك فزاد غضبها : بلصقلج الين اطمن انج وصلتي بالسلامة – خبأ يديه في جيبي بنطاله وبهدوء اكمل – اعرف حمدان وربعه من اكثر من سنه ونص .. ما اريد اتكلم عنه بالشينه .. بس هو انسان ما منه امان .. انسان واصل .. واللي يريده بياخذه .. وانتي يالسه تفتحين له الباب بدون ما تحسين .
سرت رعشة خفيفة في اوصالها : اقدر احمي نفسي .. وانا بسكن فشقة مع ديما .. مب مع حمدان .
تابعا المسير بصمت .. الا من صوت حديث نفسها : تكابرين يا هاجر .. بعدج تكابرين .. تدعين القوة .. ومن داخلج انسانه هشه كلمة ممكن ادمرها وترجعها للورى - التفتت له- ومصبح انسان غامض .. فعيونه كلام مدفون .. وورى كلامه كلام .. يمكن لو جمعناه بيكون بكبر المعلقات اللي بالكتب ..
ارتبكت ونظرت للامام : لا ..
الهواء البارد يسيطر على المكان .. وبرود المشاعر ايضا يأخذ نصيبا من ذاك المكان .. اوصلها .. فتركته بدون اي كلمه .. فهي لا تريد له ان يتدخل بحياتها اكثر .. عاد ادراجه .. يطوي الرصيف الجامد بقدميه .. وفي نفسه مشاعر تقتله .. تحيله الى انسان يتمنى الرجوع لوطنه .. ويكره الرجوع والعيش هناك بدونها .. تناقض يزعزع كيانه .. وارسى قواعده في نفسه من جديد بعد لقاء عينيها .. تنفس بتعب .. وهو يركل علبة المشروب الغازي التي صادفته بقدمه .. وتابع المسير .. وحيدا .. متمنيا ان يكون كلامه معها له اثر في نفسها .
,‘,
Continue