,‘,
عندما تستند على اساس ضعيف .. وتبني حياتك عليه .. فانك دائما ترجع الى ذاك الاساس .. تحاول ان تبعده عن عقلك ولكنه يعود رغما عنك .. فلقد بنيت حياتها على اساس صنعه غيرها .. لم يكن لها يد فيه الا انها كانت الحلقة الاضعف .. فتمنت ان تعيد بنيانه من جديد .. خطوة بخطوة .. معه هو ..
نهرتها والدته حين عودتهما من تلك الزيارة الى المستشفى .. فتلك الهدية الكبيرة اثارت في نفس ام ذياب الكثير من الغضب .. حتى دفعتها بعد ان وصلتا الى المنزل .. فكانت ستقع لضعف بنيتها وقوة بنية عمتها . التي صرخت بها : الحين لشو شاله هدية هالكبر كبرها .. حق واحد بعده ما طلع من البيضة .
لفت ذراعها اليمين لتلمس كتفها .. فتلك الضربة آلمتها : لا تخافين .. شريتها من فلوسي .
رمت عباءتها .. وجلست بثقل واضح في حركتها : وبعد ترادديني .. وهالفلوس ان شاء الله من وين مب من ولدي .. والا انتي تشتغلين وانا مادري .
تمتمت وهي تنسحب من المكان .. مستغفرة ربها .. فتلك المرأة تثير عصبيتها رغما عنها .. اغلقت الباب من خلفها .. فذياب اوصلهما وغادر الى عمله .. تتمنى ان تصرخ في وجهها ولكن احترام الكبير يمنعها .. رمت بعباءتها دون اكتراث منها في تلك السلة بجانب باب دورة المياه ( اكرمكم الله ) .. ولجت برجلها اليسرى وهي تتمتم : اللهم اني اعوذ بك من الخبث والخبائث .
فهي لا تنسى تلك الادعية حتى وان كانت بسيطة .. تعودت على ذلك من امها شيخة .. نضحت الماء على وجهها .. وتسمرت في مكانها .. تشعر بان وجودها في هذا المنزل غلطة .. وهي تدفع ثمن ذنب لم تقترفه .. تركت تلك المنشفة البيضاء الناعمة ان تلامس وجهها بكل رقة .. وبعدها خرجت .. تنهدت وهي تنظر لتلك الملابس المكومة .. خطواتها تتتابع حيث تقبع تلك الطاولة ذات الارجل المطوية .. واذا بها توقفها وتشعل المكواة .. ابتسمت وهي تلتقط ثوب ذياب من السلة .. سحبته حتى احتظنه صدرها بشدة ..واذا بها تستنشقه .. فعطره المركز لا يترك اثوابه حتى وان غسلت بالماء والصابون .. مر الوقت وهي واقفة على تلك الطاولة وتلك المكواة تذهب وتجيء .. ولم تشعر بالوقت الا وذياب يدخل ملقيا عليها تحية الاسلام .. رمى " غترتة " و " عقاله " على السرير وجلس بعنف : ليش ما تعطيهن الشغالة تكويهن .
دون ان تلتفت : حراام.. واايد عليها شغل البيت .. ارحموا من فالارض ..
كانت نبرتها مختلفة.. قالتها بشيء من الحنق .. ابتسم وهو يستند على ذراعيه للخلف : ما عليج من امي .. بكلمها باكر .. خليهن عنج ..
اعتدل في جلسته : شو بلاج مادة البوز .
قلبت الثوب .. وبدأت تكوي من جديد : ما في شيء ..
قام واقفا حتى صار بجوارها : حد زعلج فالمستشفى ؟
هزت راسها دون اي اجابة منها .. فماذا عساها تقول .. هل تخبره عن اختها وعن اسلوبها معها .. ام تخبره بانها تشعر بالغيرة من اي فتاة حتى وان كانت شقيقتها .. انهت الكي وحملت الثوب الى الدولاب .. ارتفعت على اصابع قدميها لتعلقه .. فكان اسرع منها .. همت بالابتعاد واذا به يمنعها بتطويق خصرها النحيل .. فكت ذراعه : مب وقته .
واذا بها تتوارى عنه لتغير ملابسها .. زفر انفاس القلق .. فاغلق الدولاب بعد ان سحب له ثوب نوم .. لم يترك مكانه فلا يتطلب منه تغيير ملابسه الا رمي ما عليه وارتداء آخر .. تتبعها بنظراته وهو جالسا على السرير ومستندا على ظهرة .. هاهي ترطب جسدها بذاك" الوشن " مميز الرائحة .. وبعدها تضع القليل من العطر الهادئ على جانبي رقبتها .. وتربط شعرها الذي يصل الى نصف ظهرها بربطة قطنية .. لا تريد الحديث معه .. فهي ان تحدثت فستنفجر .. فالكبت لا يولد سوى انفجار قد ينهي كل شيء .. استلقت على جانبها الايمن .. وهو هناك خلفها يلفه الاستغراب من تصرفها .. انحنى قليلا واضعا يده على كتفها : سارونه .. شو بلاج اليوم .. حتى مالج خلق تطالعيني .. انا زعلتج فشيء .. غلطت فشيء ..
دون ان تلتفت وهي تشد الغطاء عليها : لا .. بس نفسيتي تعبانه .
انحنى اكثر مقبلا وجنتها : اعرف ان فيج شيء ومب طايعة تخبريني .. مب من اليوم اعرفج .
التفتت له مستلقية على ظهرها .. حتى صار وجهه اعلى وجهها : شو تعرف عني .. غير اني انفرضت عليك .. واني ..
سكتت فهناك ذاك الذي باتت تكرهه .. يرن مقاطعا لها خلوتها مع زوجها .. وهاهو يبتعد خارجا .. تسمع همساته الغاضبة ولكنها لا تعي شيء .. فذاك الباب لا يدع لها مجال لتفهم .. ولكنها عرفت ان الاتصال من تلك التي تسمى شقيقتها .. عادت لتنام على شقها الايمن .. ولكن هذه المرة دموعها كانت ترافقها .. لا تجد حلا لتلك المجنونة التي فقدت عقلها .. هل ترى ذياب الان بشكل مختلف ؟ اصبح اجمل في نظرها ويستحق ان تحبه ؟ ام ماذا بها ؟
تسمعه يعنفها دون اي تردد .. ويذكرها برفضها له .. فما كان منها الا ان تنطق : انا احبك .
ليصفعها بكلمات التعنيف القاسية . فتلك التي تنام في أحضانه شقيقتها .. اغلق الهاتف وعاد ادراجه .. يشعر بان سارة تعلم بمحاولات اختها .. ولكنه لا يحبذ سؤالها .. يريدها هي ان تتكلم .. وتخبره بما فيها ..
اما الاخرى .. فشخص نظرها بعد ان اغلق الهاتف في وجهها مهددا اياها بتغيير الرقم .. ضغطت على الهاتف في يدها حتى كاد ان يصرخ .. ونظراتها ترنو حتى كادت ان تخترق جدار غرفتها .. لا تزال تذكر تلك الليلة .. تلك الليلة التي غيرتها لانسانة كارهة للجميع .. حتى ذاك المغترب ... صدمها برسالته لها ..
"ساترك الكتابة حتى ابتعد عن المجانين امثالك " .. كان ردا عليها حين باحت له بحبها للمرة المليون عبر بريده الالكتروني .. فهو قد مل من نصحها .. وهي متمسكة برأي واحد لا يعيه عقل .. انها تعشقه وتخلت عن ابن عمها لاجله .. في تلك الليلة السوداء التي احالت قلبها الى كتلة من البغض لاختها .. لتلك الاخت التي طالما كانت بجانبها وترشدها .. لكنها الآن لا ترى الا صورة واحدة .. وهي تود تحطيمها .. فهناك في عقلها لا يوجد سوى تلك النظرات من اختها وذاك الكلام من والدها ..
تكومت على نفسها في تلك الليلة بجانب الجدار .. الرعب يتملكها من رأسها حتى أخمص قدميها .. لا تزال اصوات الموسيقى والغناء تصل اليها .. فادركت ان تلك الحفلة قائمة .. تذكرت محاولات الجميع في اخراجها .. وكلام هاجر لها .. تلح عليها لتفتح الباب .. رفعت رأٍسها بهلع واضح .. لعلهم سيزوجونها دون علم منها .. قد يوقع والدها بالنيابة عنها .. فلماذا الحفلة لم تتوقف .. قامت تجر جسدها حتى اقتربت من الباب .. لن تفتحه فهي جبانة جدا .. بل جلست لتستمع عن قرب لما يحدث .. هناك وشوشات قريبة .. صوت والدتها وصوت آخر تعرفه جيدا .. ام ذياب تتحوقل .. لعلها علمت بما حدث .. واسمها هي يظهر بين الكلمات ويختفي .. اختفت الاصوات بعد نداء لام ذياب .. ولا تزال تتحوقل حتى وصوتها يبتعد .. انكمشت اكثر .. تريد ان تعرف مالذي حدث .. غفت وهي على جلستها تلك بجانب الباب .. ومر الوقت دون ان تشعر .. بدأ الهدوء يسيطر على الارجاء .. الساعة تقارب منتصف الليل .. بيد مرتجفة قامت لتفتح الباب .. تريد ان تعرف ماذا حدث .. وما ان اطلت برأسها حتى فاجأها ذاك المتربص بها وعصاه بيده .. سحبها من شعرها .. وضربها بتلك العصا مرة واثنتان وثلاث دون هوادة .. وهي تصرخ الم رأسها والم جسدها .. وقفت سارة بكامل زينتها هناك بجوار الدرجات في الاعلى .. هالها ما يحدث .. لم تشعر الا باندفاع شيخة التي دفعتها حتى تمر .. حاولت ان تفك ابنتها من قبضة عبيد : خلها بتقتلها ..
وضربة خاطئة اصابة شيخة وهو يصرخ : عساها الموت ..
تنادي ناصر بصوتها العالي .. لكن لن يأتي فهو غادر المنزل .. فعمله يطلبه .. دفعت ابنتها خلفها لتحتمي بها .. فسقطت على الارض جراء تلك الضربات التي اهلكت ساقيها وجسدها .. كان بكاءها مؤلما بحق .. وقفت امامه بجسدها .. ليردد : خليني اعلمها كيف تنزل روسنا مرة ثانية .. خوزي عني
يدفع زوجته ولكنها بدت قوية امامه لا يستطيع زحزحتها : خلها يا عبيد .. بسها اللي ياها ..
صرخ لتلك الواقفة ودموعها تنسكب على وجنتيها لتشوه وجهها بذاك الطلاء الاسود .. اقتربت منه .. ليلفها بذراعه ناظرا لتلك المرتجفة والباكية خلف امها على الارض : هذي بنتي اللي رفعت راسي .. ياليتني ما يبتج ولا يبت اخوج اللي وطيتوا راسي قدام الناس .. ياليتكم مثلها ..
كان يشدها اليه وهي تنظر لتلك الناظرة اليها .. نظراتها نظرات عتب لروضة .. التي ظنت بانها شماتة بها .. لتحرق سارة بنظراتها .. فلقد استصغرت بسببها .. انسحبت بتعب لغرفتها .. لتغلق الباب من جديد .. وتبكي بمرارة .. وصوت والدها الغاضب لا يزال يتهادى اليها .. يكسر قلبها .. ويبني بناء الكره لسارة فيه ..
ضغطت على هاتفها اكثر وهي تتذكر كل ذلك .. وتمتمت بغيض : بعلمكم من هي سارة ومن هو ذياب .. اللي رافعين روسكم فيهم ..
اعتقت الهاتف من يدها .. وانسحبت لتتغطى بلحافها .. ولا تزال تلك الافكار السوداوية تجتاحها .. حتى باتت هاجس يؤرق نومها .. تقلبت في فراشها كثيرا .. حتى باغتها النوم أخيرا ..
,‘,
بعكس تلك النحيلة .. التي لم تنم حتى الساعة .. لم تكن هي من تتقلب في ذاك المكان .. بل أشيائها .. كانت تبحث بجد بين ملابسها .. فهي تذكر انها وضعته هنا .. في جيب ذاك القميص القطني .. فهي لن ترتديه في هذه الايام .. بحثت وبحثت .. ذاكرتها لا تخونها ابدا .. جلست على الارض وامامها قد تكومت ملابسها .. تحاول ان تسترجع كل شيء .. تذكر انه اخبرها بان تحتفظ بكل شيء .. وبعدها وضعته هنا .. فيه جميع المعلومات عن تلك الشركة .. وشركة اخرى .. تذكرت امر تلك الورقة التي اخذتها يوم وفاة والدها .. اخذتها خلسة من مكتبه .. لا احد يعلم عنها شيئا .. بها الكثير ولكنها لم تستفد منها في شيء .. قامت واقفة .. يبدو ان ذاكرتها لا تعمل جيدا ..
هاهي تعاود البحث من جديد ولكن ليس عن ذاك " الفلاش " الرصاصي .. بل عن تلك الورقة .. وقفت وهي تنظر لتلك الفوضى التي احدثتها .. وتمتمت بتفكر : ماذا حدث لك يا جود ؟ هل بدأ عقلك بالنسيان .
انتفضت حين فتح الباب .. ليبان الاستغراب على وجهه : شو فيج ؟ - بعثر نظراته على تلك الفوضى – شو كل هذا .
ازدردت ريقها : لا شيء .. كنت ارتب غرفتي .
اجابها بنفس لغتها الانجليزية : في هذه الساعة ؟
ابتسمت حتى بان ذاك السلك المعدني : ما قدرت ارقد .. قلت اسلي نفسي .
مع ان ذاك العذر لم يدخل عقله .. الا انه لم يكثر عليها بالاستجواب .. جلس على السرير ناظرا اليها حيث كانت واقفة : كبرتي – مد كفيه لها – تعالي .
ابتسمت وهي تمسك كفيه .. ظلت واقفة .. تنظر الى ذاك الشبيه بحبيبها .. كم تمنت ان تكون مثلهم .. ووجهها الشاحب كان اقل شحوبا .. وفمها الواسع اقل اتساعا .. وعيناها ذات اللون الرمادي تكونان باللون الاسود .. اختلاف ملحوظ .. وطفرة لا تعرف ان كانت حقيقة .. لكن كل ما تعرفه ان والدها لم يكذب عليها يوما .. عادت الى واقعها على اهتزاز يدها بسبب فيصل الذي نبهها .. فهو لم يجد ردا منها على سؤاله : وين وصلتي ؟
ابتسمت وجلست بجانبه : لا مكان .
دار بجسده نحوها .. واخذ ينظر لعينيها : بس انتي ما رديتي ع سؤالي .
لم تجب الا بالـ هاا .. ليدرك هو ان هناك شيء ما يجعلها بعيدة عن الواقع ..امسكها من كتفها .. وباهتمام بالغ : جود .. شو صاير وياج .. الحين تاكدت من كلام امي .. انتي متغيرة .. ذيج الليلة كنتي سهرانه لوقت متاخر .. مع انج سحبتي كل المعلومات اللي بغيتهن .. شو كنتي تسوين ع الجهاز ؟
هزت رأسها : ولا شيء .. انا دووم ايلس عليه بالساعات .
- بس كنتي طبيعية .. الا من بعد ذيج الليلة وانتي صايرة واايد تسرحين .. خبريني شو صار وياج ..
- عيون فيصل .. آمري شو تبين ..
داست على شفتها السفلى باسنانها وسرعان ما تكلمت : تحبني ؟
احتظن كفيها بكفيه .. يحدق في عينيها .. فهناك نظرة غريبة تخفيها تلك العيون : ما يباله اجابه هالسؤال .. انتي تدرين كثر شو احبج .
تهللت اساريرها : يعني اقدر اطـ......
لم تكمل لان الهاتف يرن .. ولا بد لفيصل ان يجيب عليه .. فاكملت في سرها : يعني اقدر اطلب انك ما تخليني ابد .
كانت تلك المكالمة قد اثارت في نفسه بعض التوتر .. اتمها بشكل متقطع على مسامع جود .. فهي علمت من خلال ذاك الحديث ان مصيبة في الطريق .. قد تكون هي طرفا فيها .. قام واقفا تحت انظارها .. بخطوات سريعة اعلن الانسحاب من تلك الغرفة .. وبكلمات يشوبها القلق غادر المكان .. ليقابل والدته في الاسفل .. ليرد على سؤالها الذي قد اكتساه الخوف لمنظر فيصل : ما في شيء .. بس بروح الشركة في ناس يبوني ..
وهرول مسرعا .. كان يود التاخر لساعة العاشرة .. لكن الظروف اعلنت لرحيلة عند الثامنة والنصف ... عادت تبعثر اشياءها .. تبحث باصرار عن ذاك الذي يختزن الكثير من الاشياء .. فتلك الورقة قد وجدتها مطوية في احد كتبها .. اما هو فلا اثر له .. جاءها صوتها : جود .
كان فيه شيئا مختلفا .. فالتفت وبيدها محفظة اقلام قديمة .. لعلها تركته فيها ونست .. نظرت لتلك المر تعبة التي اغلقت الباب واستندت عليه .. احنت رأسها قليلا وكأنها تستفسر ما بها : شو فيج ؟
مدت يدها .. واذا بذاك الذي تبحث عنه قابعا في كفها .. وتلك السلسة الطويلة تذيله مع قطة " لولو كاتي " .. اغترفته من يدها .. واطالت النظر لها .. تريدها ان تتكلم .. ان ترمي ما بجوفها .. فاطالت الاخرى السكوت .. حتى اصبح لا بد لها ان تسأل بنفسها : شو سويتي ؟
ازدردت ريقها بخوف واضح : لا تخبرين فيصل .. شفته طالع معصب .. يمكن عرف باللي سويته .. ما كان قصدي شيء .. الله يخليج يا جود .. لا تخبرين علي .. فيصل ما يحبني كثر ما يحبج .. الله يخليج .
وبعدها انصرفت .. لعلها خطة منها كما دار في عقل جود وهي تنظر للـ" فلاش " في كفها .. شدت عليه .. وعقلها يضرب أخماسا في أسداس .. منت نفسها بان لا يكون ما حدث شيء كبير .. هرعت الى جهازها لتتأكد إن كل شيء لا يزال فيه .. ابتسمت على مضض .. كل شيء هناك .. ولكن قلبها منذ الفجر يقرع اجراس الخوف القادم ..
,‘,
Continue