كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رأى الدموع تتلألأ فى تنيك العينينالداكنتين الواسعتين و اللمعركة التى تخوضها ضد نفسها لتمنع فمها من الارتجاف و السيطرة العنيفة التى تفلت منها حتى وهى تكافح لتفرضها على نفسها.
عندئذٍ أدرك أنها سمعت. لقد سمعت حديثه مع والدته فقررت أن تدخل لتعلمه برأيها الصريح فيه.
ــ لم أشأ ان تحصل الأمور بتلك الطريقة.
قال لها هذا عن عمد شابكاً عيناه بعينيها ناسياً والدته كلياً ثم أردف :"لم أشأ ذلك ولو لقاء العالم بأسره"
ــ أحقاً؟
جاء سؤالها بارداً و سريع الانكسار كالثلج حتى أن رأسها ارتفع أكثر و فمها أشتد أكثر إذا ما كان بإمكان ذلك أن يحصل .
ــ إذن ما هى الخطة التى وضعتها ؟ فى حفل عائلى آخر...حدث اجتماعى آخر؟
ــ لا....
ــ أو لعلك فكرت فى ان تصل إلى أقصى حد ممكن....هل هذا ما كنت تنويه يا جايك؟هل كنت تصبو إلى أقصى أثر ممكن.....إلى الوقت الذى يمكنك أن تذلنى فيه كلياً.
تذلنى.
انفجرت الكلمة فى وجهه بقوة لغم أرضى . لم يكن يتوقع هذا. هو المسكين الأعمى الأبله الغبى , نظر إلى وجهها و ظن انه فهم التعبير الذى ارتسم عليه...لكنه لم يفهم حتى جزء منه . لم يكن يتوقع هذا حقاً.
وكان عليه أن يتوقع ذلك طبعاً فهى من أسرة ألكولا شاء ذلك أم أبى.
ــ تعتبرين طلبى الزواج منك إذلال و إهانة؟
آلمه حتى أن يطرح هذا السؤال إذ أعتصر قلبه و هدد بأن يخرجه من جسده و يمزقه إرباً.
لكن و فيما كان يتكلم سألته :"ومتى كنت تنوى أن تنبذنى تحديداً....أمام المذبح؟"
تصادمت كلماتهما و تجمدت و بدت و كأنها علقت فى الهواء فيما راحا يحدقان إلى بعضهما البعض . عينان زرقاوان تشتبكان بعينين بنيتين عميقتين , عميقتين.
سألته :"إذلال ؟"
ــ أنبذك ؟
وفجأة و ببطء و فيما عيونهما لا تزال متشابكة هز كل منهما رأسه فى إنكار للاتهام الذى حملته كلماتهما . هذه المرة كان من الصعب معرفة من تلكم منهما أو لعلهما تكلما فى آن معاً . ترددت هذه الكلمة الوحيدة بصوت ذكورى عميق أجش و بنبرتها الأخف إنما التى لا تقل عمقاً عن نبرته.
ــ جايك....
كانت والدته من تكلم هذه المرة لتذكره بأنها لا تزال فى الغرفة. فجأة خيل إليه أنه ادرك ما الخطب تحديداً.
والدته تعتبر مرسيدس العدو, و هذا الشعور يظهر جلياً و يشع منها . وبوجود اليزابيث فى الغرفة من المستحيل أن تنطق مرسيدس بالحقيقة أو أن تطلعه على شعورها الفعلى.
و بعد جهد جهيد أبعد عينيه عن وجه مرسيدس المذهول . وتجاوزها متوجهاً نحو الباب الذى فتحه على اتساعه .
ــ أمى....أخرجى.
كان أمراً قاسياً فظاً فمشاعره الحالية لا تسمح له باستخدام نبرة أنعم.
و أضاف رغماً عنه :"من الأفضل أن أبقى وحيداً مع مرسيدس"
النظرة التى رمق بها اليزابيث عنت: لا تجادلينى لا تحاربينى فى هذه المسألة أو تجعلينى أختار لأن الجواب الذى سأعطيه إذا ما طلبت منى ذلك لن يعجبك.
و تنهد تنهيدة ارتياح حين رأى تعبير وجهها المشتدود و المستعد للجدال يتلاشى و يرق و التفتت لترمى مرسيدس بنظرة بطيئة مقيمة قبل أن تفعل ما طلبه منها وتخرج من الغرفة.
حتى خيل إليه إنها همست :"حظاً سعيداً" و هى تمر به لتخرج .
أقفل جايك الباب بحزم خلفها و استند إليه للحظة مغمضاً عينيه لثوان معدودات قبل أن يستدير ليواجه مرسيدس مجدداً.
قال بقدر ما أستطاع من الحزم و الهدوء :"والآن. ما كل هذا؟"
ــ ما كل هذا؟
لم تستطيع أن تصدق أنه يطرح عليها هذا السؤال ! ألم يسمع كلمة واحدة مما قالته؟ هل يظن انها صماء بقدر ما هى حمقاء؟
ــ سمعت ما قلته
ــ أعلم ذلك.
لم تطرف عيناه الزرقاوان بل بقيت نظرته متشابكة بنظرتها بحدة جعلت من المستحيل عليها أن تشيح بعينيها . وأردف قائلاً :"لقد بينت ذلك بشكل واضح"
ــ حسناً إذن....
ـت هل الأمر سئ إلى هذا الحد؟ هل هو منفر للغاية؟
ــ وهل هليك أن تطرح هذا السؤال؟ وقفت هنا وقلت....قلت إنك مصمم على ألا ينتهى بك الأمر متزوجاً منى.....و من ثم تسألنى , تتجرأ على أن تسألنى إن كان الأمر سيئاً إلى هذا الحد؟
ــ لا....
حاول جايك أن يقاطعها و أن يعترض على كلامها لكنها كانت غارقة فى ألمها ويأسها و بؤسها بحيث لم تعد تسمع ما يقوله .
ــ أتعرف كيف شعرت حين سمعتك تقول هذا الكلام ؟ حين أدركت أن كل هذا لم يكن سوى مخطط...خطة وضعت بدقة وإحكام للانتقام؟
ــ مرسيدس ....
ــ أصبحت أدرك الآن أنك على الأرجح خططت لإيقاعى فى شركك و لو لم أهرب منك فى الوقت المناسب لنجوت بفعلتك لعلك خططت حتى لـ...لقتل عصفورين بحجر واحد. لعلك خططت لاستخدامى لتلقن كارين أيضاً درساً....لتظهر لها أنك أنتهيت منها هى أيضاً....فى الوقت نفسه تثبت لى فيه أنى لا أعنى لك شيئاً.
ــ لا....
ــ لكنى هربت منك حينذاك. لقد أفسدت خطتك وكبت حاجتك المرضية للانتقام بفرارى منك . فلحقت بى طلباً لأكثر من ذلك...وقد أتحت لك الفرصة بغبائى وسذاجتى أنا البائسة العمياء . ارتميت بين ذراعيك مباشرة وسمحت لك أن تتحكم بى وتحركنى كيفما تشاء.
ــ ليس على الفور.
نبرة جايك كانت فرحة كما أنها رأت شبه ابتسامة على وجهه الوسيم المذهل فلم تصدق عينيها . وأردف يقول:"لقد قاومتينى قليلاً فى بادئ الأمر"
ــ إنما ليس بما يكفى ! تركتك تستغلنى....تجرحنى...حتى سمحت لك بأن تنفذ انتقامك الذى خططت له ضد عائلتى......
ــ مرسيدس , لا !
بدت تعابير جايك ممزقة كلياً وارتفعت يداه فى الهواء فى حركة انكار و دفاع عن النفس
ــ لا , لا , لا , لا !
وسار قاطعاً الغرفة متوجها نحوها و أمسك بيديها الاثنتين وشد عليهما بإحكام فيما احترقت العينان الزرقاوان فى العينين البنيتين بعد أن أصضبح وجهه على بعد أنملة من وجهها.
ــ المسألة ليست على هذا النحو....ولم تكن يوماً على هذا النحو , صدقينى. لم ألحق بك أبداً من اجل الانتقام بل لأنى لم أستطيع أن أمنع نفسى ذلك . لم أستطع البقاء بعيداً عنك لم أستطع ان أخرجك من ذهنى . عليك أن تصدقينى!
ــ لــ....ماذا؟
منتديات ليلاس
أرادت أن يخرج سؤالها من بين شفتيها قوياً ومتحدياً مطالباً بجواب واضح لكن شيئاً ما فى تعابيره وفى قوة قبضته على يديها جرد صوتها من قوته وجعله يرتجف بشكل مخجل, فاضحاً التأثير الذى يتركه فيها تأثير لم تشأ أن يعرف مداه.
ــ لِمَ علىّ أن أصدقك؟
ــ إذا كان هذا شعورك فمعناه أنك لم تسمعى الحديث كله جيداً. إذا صدقت أننى قلت إنى لن أتزوجك يوماً فهذا يعنى أنك لم تسمعى بشكل صحيح....و أنك لم تسمعى كل ما قلته.
ــ كل ما قلته؟
تلعثم لسانها وهو ينطق بهذه الجملة كما تشكلت عقدة قاسية و قوية من الانفعال فى حنجرتها . إن رغبتها فى تصديقه مخزية فعلاً و محرجة. النظرة الزرقاء المركزة تلك قالت إن بإمكانها أن تثق به.
أشفق جايك عليها للمعركة التى تخوضها لكى تتمكن من الكلام و قال:"لا يمكن ان تكونى قد سمعت بشكل صحيح لأن ما قلته هو أن الزواج منك بالخطأ هو ما لن أفعله أبداً. ولابد أنك لم تسمعى الحديث كله إذ قلت حينذاك إنى حين سأطلب من المرأة التى أحب أن تتزوجنى فأنوى أن أفعل ذلك عمداً . أريد أن يعرف الكل أن ما من خطأ فى المسألة....بل أن هذا الزواج هو جل ما أرغب فيه فى هذا العالم .
"لابد أنك لم تسمعى الحديث كله...."
عادت مرسيدس بالذاكرة إلى تلك اللحظات التى أمضتها عند الباب واستعادت الكلمات التى قالها جايك.....سمعتها مججداً فى ذهنها مع تفسير مختلف جداً لها , وهو التفسير الذى أعطاه لها جايك . بعدئذٍ تعالى الطنين تلك الضجة العظيمة المشوشة فى رأسها حين شعرت للحظة أنه يكاد يغمى عليها....و.....و.....
ولم تعد قادرة بعدها على سماع أى شئ آخر !
إذا ما قال جايك.....
حين قال جايك......
وراحت تتذكر الطريقة التى قال بها جملته:"تعتبرين طلبى الزواج منك إذلالاً وإهانة؟" .لقد قال الكلمتين الأخرتين بنبرة قاسية و جلفة نبرة تسببت لها بألم قاسٍ و مرير لم تختبره قط من قبل.
ــ المرأة التى....من.....؟
أرخى جايك قبضته على يديها . لم يعد يسحقهما بقوة الحاجة إلى جعلها تصدقه بل أمسك بهما بحزم و أمان قبضته لطيفة إنما قوية و كأنه لن يطلق سراحها أبداً.
ــ من تظنين يا عزيزتى؟ المرأة التى احب هى أنت. المرأة الوحيدة فى العالم التى أرغب فى الزواج منها هى أنت . هذه هى الحقيقة الصرفة....ولطالما كانت كذلك . فى البداية كنت أعمى للغاية بحيث لم أرّ . عندما قلت أنى لم أستطع ان أطردك من ذهنى لم أدرك قط أن الحقيقة هى أنى لم أستطع أن أخرجك من قلبى . إنى أحبك يا مرسيدس فهل يمكنك أن تصدقى هذا؟
كيف يمكنها أن تصدق أى شئ آخر ؟ بدت الحقيقة جلية فى عينيه و وجهه وابتسامته اللطيفة الحنون التى بدت وكأنها تسبح فى بريق الشمس الناعم الذهبى.
ــ نعم....نعم يمكنى ذلك.
بذلت جهداً لكى تتكلم و خرج صوتها أجش و خشناً بعد أن ذابت العقدة التى كانت قد تشكلت فى حنجرتها وعاد قلبها إلى الحياة وراح يرتعش بين أضلعها هذا القلب الذى بدا و كأنه كان متجمداً خلال هذا الوقت كله
أغرقت عيناها بالدموع لكنها لم تعد دموع حزن وألم بل دموع فرح و سعادة . مسحت هذه الدموع بعصبية كى تتمكن من رؤية وجهه و التغير الذى يظهر عليه بعد ان وجدت القوة اللازمة لتتكلم مجدداً
ــ يمكنى ان اصدق ما قلته....لأن الرجل الوحيد فى العالم الذى أرغب فى الزواج منه هو أنت. أعتقد أنى وقعت فى حبك منذ رأيتك للمرة الأولى فى تلك الحفلة فى لندن....ولهذا السبب تصرفت بتلك الطريقة التى لا تشبهنى أبداً . لكنى لم اكن أعلم ذلك....لذا خفت من نفسى . الحب مخيف فعلاً أليس كذلك؟ و لاسيما حين لا تعرف ما يحصل لك و لا تفهمه . لكنى بت أعلم الآن لهذا السبب يمكنى أن أقول....أنى أحبك يا جايك , حباً أكبر مما يمكن للكلمات أن تعبر عنه.
النظرة التى أرتسمت على وجهه كانت جل ما حملت به يوماً و عندما التقت عيناها بعينيه اللامعتين ورأت ابتسامة الحب تتسع وتتعمق أدركت ان السعادة المطبوعة على ملامحه المذهلة كلها تتطابق مع تعابيرها و تنعكس فيها.
وأخيراً ترك جايك يديها و أحاطت ذراعيه بخصرها يدنيها منه و يضمها بشدة حتى أصبح من المستحيل معرفة أين تنتهى و أين يبدأ هو.
أخفض نظره إلى وجهها وتأملها بعينين داكنتين للغاية بحيث لم تعودا زوقاوين اللون بل سوداوين كالليل الفاحم ثم أبتسم من جديد
ــ إذن دعينا نحاول دون الكلام....هل يخبرك هذا عن حقيقة شعورى؟
عناقه كان كل ما حلمت به وأكثر . كان عناقاً من الحنان و الولع بحيث أن دموع السعادة التى كافحت لمنعها من الانهمار شقت طريقها و تغلبت على سيطرتها على نفسها و تدفقت من عينيها لتسيل على خديها فمسحهما جايك بحنان ونعومة .
حبيبتى أعلم أن البداية كانت خاطئة و اننا خرقنا بعض المراحل...فقد أعلنا الخطوبة حتى قبل أن أطلب يدك....لكنى أريد أن تأخذ الأمور مجرها الصحيح . أحبك أكثر من العالم كله وأريد أن أمضى بقية عمرى معك و ان أشيخ معك و ان أشاطرك حياتى . فهل تقبلين بى زوجاً لك...هل ترتضين بأن تصبحى زوجتى....و تحملى أولادى؟
خرجت موافقتها بصوت خفيض و من صميم قلبها . فعكست كل المشاعر التى يمكن ان تحملها بكلمة وحيدة.
ــ نعم , سأتزوجك و أود لو أصبح زوجتك....وأحمل أولادك....
وشقت ابتسامة جديدة و مختلفة طريقها عبر دموعها و هى ترفع وجهها لوجه الحبيب
مــنــتــديــاتــ لــيــلاســـ
|