لعن برايس نفسه مرات لا تحصى ذلك الأسبوع وندم على طريقة تصرفه مع سابينا الثلاثاء الماضى
لقد سبق ورأى الخوف والأرتباك فى عينيها فى لقائهما الأول وأدرك أنها من الداخل غزال صغير مذعور مستعد للهرب . مع ذلك فشيطان ما دفعه لمحاولة الحصول على رد فعل منها...ليمازحها ويسخر منها فى جهد للوصول إلى ما وراء الواجهة الباردة التى تحب أن تقدمها للعالم.
لكن كل ما نجح به كان أن يزيد من نفورها
أوهـ...لم ينتج عن هذا أن رفضت زهرة منسية الرد على مكالماته هذه المرة بل ردت الأربع منها...وأختلقت عذراً مقبولاً لكل أقتراح تقدم به لجلسة ثانية !
وماذا تركت له ؟ إنها قادرة على توفير ساعة هذا الصباح لكن يجب أن تكون ساعة فى منزلها وعلى الأرجح تحت مراقبة ريتشارد الهادئة!
وأضطر إلى الاعتراف بعد بضع دقائق بعد أن أُدخل إلى غرفة الجلوس حيث تنتظر سابينا لوحدها مسترخية أكثر بكثير فى محيطها منتديات ليلاس .
وأبتسمت له بأدب وهى تقدم له الشاى أو القهوة ورفض كليهما
بدت رائعة فى ذلك اليوم أيضاً وهى ترتدى بلوزة حريرية عاجية و تنورة سوداء ضيقة تنتهى فوق الركبة تماماً شعرها مجموع فى شينيون مرتب فى موخرة رأسها...ولم تبدو بوجه عام تلك المرأة التى يريد برايس أن يلتقط ملامحها على القماش !
تشدق يسأل ساخراً :"تتدربين على الأعمال البيتية؟"
كان مصمماً على أن يكون مهنياً بالكامل اليوم وأن يريح سابينا ولكنه بطريقة ما لم يستطيع منع نفسه.فـ سابينا الجديدة التى تلعب دوراً....لم يشك برايس أبداً أنها تتصرف هكذا بسسبه وتبين له أنه قد أصاب وتراً حساساً بتصرفه فى الأسبوع الفائت!
ابتسمت له ببرود :"كنت على حق الأسبوع الماضى برايس...يبدو أن سوء الخلق يأتى طبيعياً منك"
كان هذا إشارة له كى يعتذر لكنه لم يستطيع.شئ ما فى هذه المرأة يجعله يريد أن يمسك بكتفيها ويهزها ,أن يرأها تضحك أو تبكى أو أن تُظهر إحساساً مندفعاً تكون نتيجته طرده خارجاً!
هز كتفيه :"كنت أراقب فقط.أنا آسف لكن عليك أن تُسوى شعرك على الأقل"
وجلس يستقر فى مقعد مع دفتر الرسم والقلم
هزت رأسها:"أخشى أن أكون خارجة للغداء بعد هذا فوراً ولن يكون لدى وقت لإعادة ترتيب شعرى"
كتم برايس توتره....ستعطيه ساعة واحدة فقط من وقتها!
قال بصوت مهين:"تبدين وكأنك على وشك مقابلة مدير مصرفك"
ولم تطرف نظرتها للحظة رغم أنه رأى فى عمق عينيها الزرقاوين فورة غضب قصير
ردت ببطء بارد:"إنها أمى فى الواقع"
رفع حاجبين أسودين:"ابنتها أشهر عارضة أزياء فى العالم...وتحب أن تراك هكذا؟"
لم يستطيع إخفاء عجبه
تصلبت سابينا ساخطة :"ومما يشكو مظهرى؟"
كان من السهل أن يقول ما هو الجيد فى مظهرها , لا شئ ! لكن تسريحة الشعر هذه والملابس تأخذ منها كل شخصيتها
"لقد عاشت أمى فى أسكتلندة منذ وفاة والدى لذا فأنا لا أراها سوى مرتين فى السنة...إنها....ملتزمة فى نظرتها
ضاقت نظراته:"بأية طريقة؟"
هزت سابينا كتفيها:"كانت وأبى ملتزمين فى عملهما.كلاهما يدرس التاريخ فى الجامعة.ولا أظنهما كانا ينويان أبداً إنجاب أى أولاد...لكن المفاجأت تحدث"
وكشرت سابينا:"كانا أكبر سناً من معظم الآباء حين ولدت أمى فى الواحدة والربعين وأبى فى السادسة والأربعين ولو أننى اعتقد أن أبى قام بدور الأبوة أفضل من أمى"
شعر برايس إنها متوترة جداً فى هذه الجلسة الثانية أكثر منه.وقال بخشونة:"لابد أن كنت صدمة بالنسبة لهما"
وبأكثر من طريقة فلابد أن الحمل كان صدمة تكفى . لكن كيف استطاع والداها المسنان التعامل مع جمال سابينا وهى فتاة صغيرة؟
أعترفت بأسى :"أجل...كانت طفولة غريبة"
وعلى الأرجح أنها كانت طفولة وحيدة وأدرك برايس هذا مقطباً .وهو أمر وجد من الصعب التفكير فيه . فهو تربى وسط أسرة شابة محبة للمرح.وحين لم يكن مع والديه كان فى اسكتلندا مع جده وأبنى خالتيه لوغان وفيرغوس . طفولته كانت مكتملة
سأل باهتمام وحذر كى لا يفسد المزاج:"أى من أبويك تشبهين؟"
أحس أن سابينا نادراً ما تتكلم عن أبويها وطفولتها .وأن لفت انتباهها لهذا الأمر الآن فقد ينتج عنه أن تمتنع عن الكلام مرة أخرى
أعطت سابينا شبح ابتسامة :"إنه أبى"
وتلاشت تلك الأبتسامة كما ظهرت وأضافت بهدوء :"لقد مات منذ خمس سنوات"
ووالدتها تعيش فى اسكتلندا منذ هذا الوقت
"أنا آسف"
كان آسفاً حقاً . حتى مع القليل الذى قالته بدا من الواضح أن سابينا كانت أقرب على والدها من والدتها
وربما كان فى ذلك القرب من والدها وموته منذ خمس سنوات تفسير لخطوبتها برجل أكبر منها سناً؟
هزت سابينا كتفيها :"كان مريضاً بالسرطان لبعض الوقت....وكان الموت راحة مرحباً بها له"
كانت تتكلم دون عاطفة :"لكننى أسفت دائماً لأنه لم يكن موجوداً لرؤيتى وأنا أحصل على شهادتى الجامعية فى التاريخ....أجل بايس..."
وأبتسمت لدهشته الواضحة :"...لقد ذهبت إلى الجامعة .لم أكن دوماً عارضة أزياء"
كان يستحق سخريتها وأعترف بهذا فى نفسه
وتلاشى مرح سابينا وأصبح تعبير وجهها محايداً مرة أخرى :"والدتى كما هو واضح مؤمنة جداً بتعليم المرأة وتؤمن أنه يجب أن يكون للنساء خيارات متعددة فى الحياة على قدر ما يمكن ان يحققن.
والتوى فمها بخشونة :"لا أعتقد أنها متأثرة جداً لأننى أخترت فى الوقت الحاضر عرض الأزياء"
هز برايس كتفيه وعبس فجأة :"لكن من الواضح أن هذا خيارك....وإذا كانت والدتك تقليدية إلى هذا الحد فى نظرتها فلماذا تقول فى عيشك هنا مع ريتشاردعلناً؟"
لم يكن أنهى كلامه حتى عرف أنه أرتكب غلطة فادحة
وقفت سابينا بغتة ما أن سأل السؤال...والعينان الزرقاوان مشتعلتان بغضب عارم:"أنت تتطرق لأمر شخصى سيد ماكليستر!"
وأرتفعت بقعتان حمراوان إلى خديها.
وأدرك برايس أن غضبها لم يكن كله موجها ضده .فقد أنجرت فى حديث شبه صريح عن والديها وكشفت عن نفسها أمام برايس .وواضح أنها غاضبة من نفسها الآن لهذا السبب
بقى برايس جالساً وسأل بلطف :"على ذكر ريتشارد....أين خطيبك اليوم؟"
كان حقاً يتوقع أن يكون ريتشارد هنا اليوم كى يراقب على الأقل أحدى ممتلكاته التى لا تقدر بثمن!
ردت بإختصار :"أنه مسافر إلى نيويورك وسيعود غداً"
"فى هذه الحالة...هل تتناولين العشاء معى هذا المساء؟"
ثم وبخ نفسه . ماذا يفعل بحق السماء؟سابينا امراة مخطوبة وهى لم تعط أى دليل إطلاقاً على إنها مهتمة أبداً بقضاء الوقت برفقته.فى الواقع يبدو العكس هو الصحيح!
بدت سابينا مصدومة بهذه الدعوة تماماً كما كان برايس مصدوماً لأنه دعاها.
تلاشى لون الغضب من خديها ليتركها شاحبة كالمرمر وعيناها قاتمتان لا قرار لهما وهى تحدق إليه دون أن تفهم
لمع الخاتم اللماسى فى يد سابينا تحت ضوء الشمس المشرقة عبر النوافذ كأنه يحاول تعذيب برايس بسبب جراته . كان هذا الخاتم هدية الخطوبة من ريتشارد لاتم
رفع برايس يديه معتذراً :"كانت مجرد فكرة...سيئة...لكنها كانت دعوة عشاء فقط سابينا"
تابع بغضب وهى تقف دون حراك :"ولم يكن إقتراحاً هاماً"
ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تأخذ نفساً خشناً :"لم أكن اعتقد..."
وصمت مع سماع دقة خفيفة على الباب ودعت بصوت أجش:"أدخل" منتديات ليلاس
وأرتاحت بوضوح لمقاطعة مدبرة المنزل .كما أرتاح برايس من جهته فقد أخرته مدبة المنزل لتوها عن تلقى صفعة كلامية فى وجهه!
"لقد طلبتى منى إدخال البريد فوراً حين يصل"
ومدت السيدة كلارك صنية فضية عليها على الأقل نصف درزينة من الرسائل
"شكراً لك"
ابتسمت سابينا مجدداً وهى تأخذ الرسائل بدت متوترة فى حين كان برايس يراقبها عبر الغرفة
ما الذى دفعه بحق السماء ليقوم بمثل هذه الدعوة؟لقد فعلت سابينا المستحيل لتُظهر له إنها لا ترغب بأن تكون بصحبته مهما كان السبب
فلماذا إذن وضع نفسه فى هذا الموقف السخيف؟ربما على الأرجح بسبب ذلك النفور التام الذى لم تجهد نفسها فى إخفاءه وقد تقبله بخشونة
لم يكن يتوقع أن ترتمى كل امراة أمام قدميه كما تظن سايبنا بل العكس . لكنه لا يواجه تأثير الكراهية من أول نظرة بهذه الطريقة عادة!
كانت له حصته فى العلاقات عبر السنين لكنه لم يكن قادراً على أن يتذكر امرأة كرهته فوراً كـ سابينا
على العكس لقد نجح هذا الشعور فى جعله أكثر اهتماماً بـ سابينا!
غادرت مدبرة المنزل الغرفة ووقف برايس فجأة وقال بصوت أجش:"اعتقد أنه من الأفضل إنهاء جلسة اليوم فواضح أنك..."
وتوقف عن الكلام عندما استدارت سابينا بحدة نحوه موقعة الرسائل من يديها على السجادة نتيجة لهذا
سأل بحدة مع وقوف سابينا ببطء دون أن تلتقط الرسائل ووجهها ليس أبيض تماماً بل رمادياً كالشبح
"ما الأمر ؟سابينا؟
وفجأة تحرك إلى جانبها يمسك أعلى ذراعيها ونظرته تبحث فى جمال وجهها المعذب.بدات وكأنها على وشك أن يغمى عليها!
"تعالى....أجلسى"
ووضعها على أحد المقاعد قبل أن يعود إلى الصينية على طاولة جانبية ويصب الشاى فى فنجان كبير
رفضت سابينا بخشونة:"لا....شكراً.لا أعتقد أن أمى ستتأثر كثيراً لو ذهبت إلى الغداء ومعدتى ملآنة!"
عرف برايس إنها تحاول صرف نظره كيلا يدرك أنها تبدو فى حالة مريعة إلا أن محاولاتها باءت بالفشل
قطب وهو ينظر إليها وهو يشعر أنها بحاجة إلى الشراب الساخن الذى فى يده
"هل فكرة العشاء معى كريهة حقاً بالنسبة لك...."
ولم يستطيع أن يصدق أن لدعوته هذا القدر من التأثير عليها
رفعت سابينا نظرها إليه مقطبة :"آسفة؟"
وهذا ما قاد برايس إلى أن يتساءل عما إذا كانت دعوته هى التى سببت هذا التحول فيها.لكن إذا لم تكن الدعوة هى السبب فما سبب توعكها المفاجئ....ماذا....؟نظر إلى الرسائل التى التقطتها لتوها معظمها فى يدها اليمنى بينما اليد اليسرى مطبقة بإحكام على مغلف مسحوق بين أصابعها بشدة إلى أن أبيضت عقد الأصابع....!
نظر برايس إليها متفرساً....لم يكن لديها وقت لتفتح أية رسالة . مع ذلك مجرد رؤية المغلف كان يكفى ليخفى اللون من وجهها!
"سابينا"
وقفت بسرعة وقالت له بخفة مفتعلة :"بالطبع فكرة العشاء معك ليست كريهة...."
وتجنبت نظرته تماماً وقالت:"فى الواقع تبدو فكرة رائعة"
لم يكن هذا هو الأنطباع الذى أعطته قبل وصول مدبرة المنزل بالبريد....فى الواقع كان برايس متأكداً أن سابينا عازمة على رفض الدعوة .لكن لسبب ما تعرفت إلى ذلك المغلف الأخضر وعرفت ممن هو دون أن تفتحه . لقد أزعجها بما يكفى بحيث فبلت دعوة برايس للعشاء .قال قبل أن تتاح لها فرصة تغيير رأيها :"عظيم سأزورك حوالى السابعة ونصف إذا كان لا بأس فى هذا؟"
وافقت بسرعة وقد بدأ واضحاً أنها تتلهف لمغادرته:"رائع..."
ربما لتتمكن من قراءة الرسالة الموضوعة فى ذلك المغلف الأخضر...؟"
التوى فمه بخشونة :"هل أحجز طاولة لثلاثة....أم ستعطين كليف فرصة هذا المساء؟"
بالتأكيد لم تكن تعجبه فكرة الجلوس للعشاء مع سابينا تحت نظرات كليف المراقبة . سواء أكان جالساً فى خارج المطعم أم لا؟!
نظرت إليه سابينا مؤنبة :"أنا آسفة لأننا لم نحقق الكثير هذا الصباح برايس .وأخشى أننى مضطرة للذهاب الآن"
أشتدت حاجتها الملحة ليغادر الآن :"وألا فسأتأخر عن موعد الغداء "
"وهذا سوف يربك أمك.ولا نريد حتماً حصول هذا....أليس كذلك؟"
لكن فى الواقع يجب ألا يتذمر ووبخ نفسه وهو يلتقط أغراضه ويتحضر للمغادرة .لقد حقق هذا الصباح أكثر بكثير مما كان يتوقع .
لقد أخبرته سابينا المزيد عن عائلتها أكثر مما ظن أنها ستفعل .عن والديها المسنين وأمها المتزمتة التى تعيش الآن فى اسكتلندا...فى أى جزء منها؟لمك يستطيع سوى أن يتساءل عن علاقة عائلتها باسكتلندا....قربها من والدها وموته منذ خمس سنوات.
أجل....لقد عرف هذا عنها اليوم وكان أكثر بكثير مما توقع . لكن ما يريد حقاً معرفته هو لما كدرتها هذه الرسالة هكذا وما هو محتواها؟لأنه أصبح مقتنعاً أكثر فأكثر أن الرسالة وليس هو سبب توعك سابينا...اللعنة لقد كانت متلهفة جداً للتخلص منه بعد تلقيها الرسالة بحيث أنها قبلت دعوته على العشاء!
ربما يستطيع عند العشاء هذا المساء....وبغياب المراقب كليف...أن يسألها عن الرسالة فى المغلف الأخضر الشاحب....؟
قالت السيدة كلارك فيما بعد ذلك اليوم حين التقطت السماعة فى غرفة نومها:"أتصال لك آنسة سابينا ....أنه السيد لاتم ,ريتشارد"
"شكراً لك سيدة كلارك"
وتسلمت المخابرة متلهفة .كانت تتشوق إلى سماع صوته المألوف
وحيته بحرارة:"ريتشارد...كيف حالك؟هل كل شئ على ما يرام؟هل هناك تأخير فى عودتك إلى هنا غداً؟"
ومازحها صوت ريتشارد المألوف المطمئن بتسامح:"أنا بخير.وكل شئ على ما يرام من أجل عودتى غداً لدى إجتماع عمل قريباً لكننى فكرت لتوى أن أتصل بك أولاً لأعرف كيف كان أسبوعك"
حتى وقت مبكر اليوم كان رائعاً كانت مشغولة جداً بحيث لم يكن لديها وقت للتفكير بأن ريتشارد فى نيويورك لأربعة أيام .لكن كل هذا تغير هذا الصباح وهى الآن لا تريد سوى أن يعود!
ردت دونما اكتراث :"رائع...أسبوع عمل جاهد طبعاً"
منتديات ليلاس
سألها ريتشارد باهتمام :"وماذا ستفعلين هذا المساء؟"
حسناً جداً...حتى الآن استحمت وغسلت شعرها قبل أن تجففه ووضعت زينتها وارتدت فستاناً أسود ضيقاً وهى الآن جالسة هنا فى غرفة نومها تنتظر برايس ماكليستر ليصل ليأخذها إلى العشاء
لكنها عرفت إنها لن تستطيع أن تقول لــ ريتشارد بكل جرأة إنها ستخرج على العشاء مع برايس
كانت عازمة على رفض دعوة برايس ماكليستر للعشاء .لكن السيدة كلارك أدخلت لها البريد ورمت سابينا فى تشوش كامل....بحيث إنها وفى لهفتها لجعل برايس يخرج قبلت دعوته!
لكن كيف ستقول هذا لـ ريتشارد....إنها لا تدرى....
كشرت مجفلة وقالت على مضض :"فى الواقع سأقابل برايس ماكليستر هذا المساء"
قال ريتشارد برضى :"هذا جيد.كيف تسير الجلسات ؟هل نزل الرجل الكبير من برجه العاجى الآن وأدرك أنك أعظم إنسانة وأن عليه أن يرسمك؟"
ردت بجفاء:"ليس تماماً"
وعرفت فى الوقت ذاته أن ريتشارد أساء فهم سبب رؤيتها لـ برايس هذا المساء وأنه يعتقد إنها ترأه من أجل جلسة أخرى.
أخذت نفساً عميقاً:"فى الواقع ريتشارد...."
قاطعها بإعتذار :"مهلك لحظة سابينا....لدى مكالمة أخرى على الخط الآخر"
أنتظرت سابينا بصبر بينما أخذ هو المكالمة الأخرى .لكن كلما طال انتظارها كلما خانتها شجاعتها . لم تكن تشك فى أن ريتشارد لا يعارض لقاءها برايس ماكليستر من اجل جلسة الرسم لكن تناول العشاء مع برايس...من دون دفتر رسم أو قلم...أمر مختلف تماماً
لم تكن سعيدة جداً بهذا الترتيب لكنها قبلت دعوة العشاء ولم تشعر بإنها قادرة على الأتصال بـ برايس ماكليستر لإلغاء الدعوة.
عاد ريتشارد إلى الخط مرة آخرى :"آسف سابينا...لقد وصل موعد العمل للتو...ويجب أن أذهب سأتصل بك فيما بعد هذا المساء لو أتيحت لى الفرصة.أتفقنا؟"
لا. ماذا لو أتصل وهى لا تزال فى الخارج وقالت له السيدة كلارك إنها خرجت لتناول العشاء مع رجل آخر ؟ ومع ذلك فى الوقت عينه عرفت أن هذا ليس الوقت المناسب للكلام مع ريتشارد عن المسالة...
عوضاً عن ذلك قالت له:"كنت أفكر فى أن أنام باكراً...وسألقاك غداً فى المطار "
سوء ستشرح له قطعاً سبب رؤيتها برايس هذا المساء
أكد لها ريتشارد بخفة :"لا داعى لأن تأتى كل تلك المسافة إلى هيثرو أرسلى كليف مع السيارة فقط"
بالنسبة لـ سابينا هناك داعى أضف إلى هذا الخلوة فى مؤخرة السيارة ستعطيها الفرصة للحديث مع خلال الرحلة إلى المنزل
قالت تؤكد له:"لست منشغلى غداً وسأحب الرحلة"
رد ريتشارد شارداً :"حسناً...عظيم....سأراك هناك إذن "
رائع ! إنها لن تتناول العشاء مع رجل تفضل ألا تقضى وقتاً معه لوحدها فحسب بل كذبت لتوها على خطيبها!
لَمِ يجعلها برايس ماكليستر متوترة هكذا ومضطرة لفعل ما لا تريد؟
تنظر تلك العينان الخضراوان مباشرة إلى روحها .هذا هو الجواب عن هذا السؤال
فى اللواقع لا يفوت تلك العينان الخادعتان الناعستان الخضراوان شيئاً كانت متأكدة تماماً من هذا . هو يعرف جيداً مدى كرهها للجلوس كى يرسمها.فقد نتج عن توترها فى جلسة هذا الصباح أنها تكلمت كثيراً جداً . لا تزال غير قادرة على أن تصدق أنها تكلمت معه عن عائلتها بالطريقة التى تكلمت فيها هذا الصباح
كانت كذلك واثقة من أن برايس قد لاحظ تماماً هذا الصباح ردة فعلها لدى وصول البريد الذى يحتوى على المغلف الأخضر
لقد مرت ثلاثة أسابيع منذ تلقت أخر رسالة وهى أطول مدة مما أعطاها إحساساً زائفاً بالأمان كما أدركت الآن .كانت ردة فعلها على تلك الرسالة هذا الصباح أقوى بكثير بسبب طول المدة
نتيجة لهذا اضطربت سابينا كثيراً حين قابلت أمها للغداء بحيث كادت لا تنتبه إلى ما هو مختلف فى هذه الزيارة لأمها إلى لندن
سألت أمها بخفة وهما تأكلان السلطة وتشربان شراب غازياً :"ألم تحددى موعد زفافك مع ريتشارد بعد؟"
ردت دون التزام:"ليس بعد"
تجهل أمها أيضاً ترتيب الخطوبة العملى....وأضافت كى تُبعد الحدة عن كلماتها:"لسنا مستعجلين"
راقبت أمها بحذر وهى تعيد كأس شرابها الغازى إلى الطاولة بعد أن أرتشفت منه رشفة صغيرة.
كان كل شئ فى أمها منظماً وحريصاً من شعرها الأشقر حتى حذائها الأسود العصرى العالى الكعبين الذى يكمل البذلة السوداء و البلوزة العاجية التى ترتديها
تحب سابينا أمها كثيراً ولطالما أعجبت بها .لكنها لم تتمكن أبداً من التكلم معها !وهذا أحد الأسباب لكون تلك الغداءات محنة عليها بل عليهما وكانت سابينا متأكدة من هذا
تابعت الأم بهدوء :"لقد سألت فقط لأننى أفكر بأخذ أجازة قصيرة فى الخريف . ولا أحب أن يصادف ذلك موعد زواجك"
هزت سابينا رأسها موافقة :"سيكون هذا تغير محبب منتديات ليلاس"
وبدا لها أن أمها تعيش حياة خالية من الأحداث فى منزلها الريفى فى اسكتلندا . وأضافت باهتمام:"هل ستذهبين إلى مكان رائع؟"
"لم أقرر بعد"
و ابتسمت باختصار:"أنا مسافرة مع صديق"
وبدا عليها الأرتباك ولم تعد نظرتها تقابل نظرة سابينا
"فكرنا أن زيارة باريس لبضعة أيام ستكون مسلية"
قطبت سابينا وهى تنظر لأمها...تسلية؟ لا تربط هذه الكلمة عادة بأمها الوقورة هناك شئ ما يجرى
سألت بخفة:"وهل أعرف هذا الصديق؟"
وعرفت فجأة من الأحمرار الذى بدا يتسلل ببطء إلى خدى أمها أنها لا تعرف من هو
لأن الصديق هو (رجــــــل)!
لِمَ تشعر سابينا بمثل هذه الصدمة لمعرفتها هذه الأخبار ؟لقد مات والدها منذ خمس سنوات وأمها فى أواسط الستينات ولا تزال امرأة جذابة جداً...جسم صغير نحيل شعر أشقر بطول الكتفين مسرح بأسلوب مميز دائماً ووجها بالكاد تظهر فيه التجاعيد لكن فكرة سفر أمها فى إجازة قصيرة إلى باريس الرومانسية مع رجل غير والدها شوشتها .
على أى حال قررت الآن وهى تتفحص لآخر مرة مظهرها فى المرآة قبل النزول إلى الطابق السفلى لأنتظار برايس ماكليستر أن هذا اليوم لك يكن يوماً جيداً وكانت تشك كثيراً فى أن يحسن العشاء مع برايس الأمور.