كاتب الموضوع :
ريم . م
المنتدى :
الارشيف
,
الجـــزء الثاني عشـــر
-51-
“ ان المضاعفات التي قد يسببها مرض الاكتئاب تشمل الانتحار ! “
جملة كهذه كفيلة بأن تدب الرعب في قلبه ، لتجعله يجول ببصره في كل الاتجاهات
باحثا عن صاحبه ، هو متأكد بأن زوجته ليست على علم بمرضه ، والا كيف لها ان تتركه
يخرج طوال هذا الفترة دون ان تهاتفه ؟
اكمل سيره منكسا رأسه في مواجهة الريح التي تهب تارة وتهدأ تارة آخرى ، موقن
بأن التوقيت سيئا جدا ، و فقدان اقراصه المنومة في هذه الاجواء بالذات قد تزيد من
رغبة ساجر في الانتحار ، فالشتاء سبب في تعكر مزاجه .
راح وليد يحكم لف سترته على جسده محدقا بالطريق امامه والذي ينتهي به الى اعلى التل .
قطبا جبينه متأمل المكان والذي بدا مألوفا له ، لقد جاء الى هنا من قبل ، لكنه يعجز عن
تذكر تفاصيل ذلك اليوم ، نعم لقد جاء بصحبة ساجر الى هنا مسبقا .
“ صدقني .. احيانا افكر بإلقاء نفسي من فوق هذا التل “
تبادرت تلك الجملة الى ذهنه و التي لطالما كان يجهل صدقها من كذبها ، لم يكن في وقتها على علم بأن ساجر يعاني
من الاكتئاب ، واكتفى بالابتسامة على تعليقه في ذلك اليوم لمعرفته بأن صاحبه يملك افكارا مجنونه و لن يطبقها على
اية حال ، لكنه عجز عن الابتسامة في هذه اللحظة .
في ثانية وجد نفسه ينطلق مسرعا الى الاعلى غير مكترثا لهبوب الرياح القوية و كأنها تحاول
اعاقة وصوله الى القمة و على الرغم من انها لم تكن مرتفعة جدا ، لكنها كفيله بأن تدق عنقه
بمجرد القفز من فوقها !
شعرت وكأن المسافة التي اقطعها لا تنتهي ابدا ، و كأن ذلك الطريق يطول . حتى بدأت قواي
تعلن استسلامها ، حاولت ان احث نفسي على التقدم ، فقط بضع خطوات ، تقدم يا وليد
تقدم يا وليد ... لن تمنعني تلك الرياح عن بلوغ ذلك المكان .
لكن قدمي عجزت عن الاستمرار في العدو كالسابق تحت وطأت الثلوج التي تجذبها الى العمق
وددت في تلك اللحظة لو اصرخ بأعلى صوتي سخطا ، لمحت جسد صاحبي يقف
على حافة التل و قد تعلقت نظراته بالسماء في شرود مريب و كأنه يحدق الى آخرل لحظات
حياته .. !
صرخت عل صوتي يصل اليه عندما عجزت عن فعل ذلك بجسدي
: “ سآجر “
تردد صدى صوته في المكان ولكنه لم يلتفت ، و لم يقم بأدنى حركة تدل على انه تنبه لوجود شخص
ما بالجوار ، اكمل وليد سيره بخطى مثقلة ، تعلو وجهه علامات التعب ، بعد ان امتلأت رئتيه بالهواء البارد .
لا يدري هل فات الاوان على شعوره بالندم لإقتحام حياة ذلك الرجل ، الم يكن يتوق للحديث
معه في المرة الاولى التي وقع فيها بصره عليه ، مالذي تغير اذا .. ام ان الحقيقة كانت مؤلمة !
“ ساجر “
خرج صوته متعبا اثناء محاولاته اليائسة في التقاط انفاسه ، وقد تقلصت المسافة بينهما لتصبح
بضع خطوات فقط هي الفاصل ، كان سيتوقف قليلا ليشحذ القليل من الطاقة
لولا ان جسد صاحبه قد تقدم نصف خطوة الى الهاوية .. !
... ... ... ... ...
-52-
نظراتها التي تخترقني موجعة ،لا تنظمي يا منى الى القائمة السوداء
ارجوك لا تسأليني .
“ مالذي يريده بجاد من مهاتفتك في هذا الوقت ؟ “
لم اكن لاتوقع بأن يصدق حدسي بهذه السرعة ، لذا آثرت الصمت بعد
ان عجزت عن إيجاد جواب لسؤالها الغريب .
بل انه ليس سؤلا ابدا .. انه اتهام .. اتهام مباشر
حتى لو حاولت اخفائه .. ف ذلك يبدو جليا من طريقة القائها للسؤال ،
“ اعتقد بأنك استمعتي للمكالمة “
“ الم يجد وقتا مناسبا لمهاتفتك “
“ بجاد ليس غريبا يا منى ! “
و جدت نفسي متأهبه لدفاع عن بجاد ، امام اندهاشها لردة فعلي التي لم اكن لاتوقعها
و لكن ما اعرفه جيدا بأني سئمت من رمي التهم علي منذ ان حطت قدمي على هذه الارض
“ وهل عليه ان يكون غريبا لتضعي بعض الحواجز بينكم
انه يستغل وضعك هذا .. تحت اسم ابناء العم .. لأسباب تجهلينها “
اضافت بينما كنت اجاهد لامنع نفسي من الاستفراغ :
“ انا متأكدة بأنه يستغل العديد من المناسبات ليهاتفك فيها
حتى اصبح امر عاديا بالنسبة لك .. انظري كيف تحدقين بي
وكأن الخطأ فيما اقوله انا ؟ ! “
و ددت ان اشكرها في تلك اللحظة فقد اعطتني سببا آخر لامقت هذا المكان بمن فيه
لامزق رحلة العودة الى هذه الارض نهائيا :
“ مرتين ... مرتين فقط ... هي التي هاتفني فيها بجاد .. وانا احتفظ
برقمه من زمن طويل ... وهو كذلك .. الا تعتقدين بأن الاسباب التي نجهلها
كانت لتتواجد خلال كل تلك السنوات .. الا تعلمين بأنه يهاتف والدتي كل يوم ليرى
ان كان ينقصنا شيء او لا ... الا تعتقدين ان بإمكانه استغلال هذه الامور
التافه ليهاتفني فيها ؟ “
لا ادري كيف واتتني الجرأة في تلك اللحظة لقول كل هذا ، حيث صمتت وقد الجمها حديثي
ولم تجب واكتفت بالتحديق في لثوان قبل ان تخفض بصرها لتشغل نفسها بهاتفها .
على كل حال .. فانا لم اكن انتظر جواب منها .
لكنني رحت اتسائل في نفسي
هل حقا لم تعد بيني وبينه حواجز
حتى بت استمد قوتي منه ؟
... ... ... ... ...
- 53-
جذبت مرفقه قبل ان يهوي بجسده ليتراجع بضع خطوات الى الخلف
محدق بي ، لم يكن ساجر ابدا من ينظر الى بتلك الطريقة ،
حتى انه لم يتعرف علي !
كانت الريح تعبث بخصلات شعره لتخفي جزء من تقاسيمه خلفها ، ازاح تلك الخصلات بكفه
حتى يتمكن رؤية ذلك المتطفل و الذي انتشله من الهاوية .
“ وليد ! “
لطالما كنت اتسائل في نفسي لماذا وليد بالذات ؟ لماذا اردت ان اتحدث معه بالذات
ذلك الغبي الذي اخترق هدوء عالمي .. بعد ان تجاوز هو واصدقائه تلك الحدود
بهمهماتهم ..
اي اناس يستطعيون الضحك بهذه الطريقة ؟ .
متى كان روتين الحياة الممل مضحكا ؟
و جدت نفسي احدق بهم بعد ان كنت منشغلا ببحث ما
محدقا بوليد بالذات و الذي على ما يبدو كان محط انظار اصدقائه ، يتحدث حول امر ما و يحرك
يديه في الهواء بإنفعال .. ثم راح يعبث بملامح وجهه مقلد شخص ما ... لينفجر اصحابه بالضحك .. !
لم اتوانى في قتل تلك اللحظات لاايقاف سيل ضحكاتهم الغبية .. ثم اعود الى مقعدي
وشعور بالراحة يستقر في صدري .. اي حقد هذا ؟!
لكن لماذا وجدت نفسي في اليوم التالي ابحث عنه..؟
حتى كدت ان اقول له عندما وقع بصري عليه :
“ ارجوك قلد لي شخصا حتى اتمكن من الضحك قليلا !
كم كنت سأبدو غريبا وقتها ؟ “
قطب ساجر جبينه محدق بوليد :
“ مالذي جاء بك الى هنا ؟ “
“ انا من علي ان اسئلك هذا السؤال ... مالذي كنت
تنوي فعله ... هل جننت ؟ “
“ وما شأنك .. مالذي تريده مني “
امسك وليد بمرفق ساجر محاولا ان يهدأ من غضبه ودفع يده الاخرى
في جيب سترته ليخرج علبة الاقراص ويرفعها في وجهه :
“ لقد وجدتها “
ابتسامه بلهاء كانت سبب لتفقد ساجر صوابه .. ان هذه الحياة تسخر
منه بالتأكيد ... نعم انها تسخر منه لا محاله ... يشعر وكأنها تقول له
“ اهلا بك من جديد “
انتزعها ساجر من كفه بغضب و كاد ان يلقي بها من فوق
التل لولا ان وليد امسك بمعصمه ليمنعه بشدة :
“ مالذي تفعله ... لقد قضيت معظم وقتي وانا
ابحث عنك .. من اجل هذه الاقراص “
“ اذا تناولها انت “
قالها ساجر والشرر يتطاير من عينيه ثم دفعها في صدر وليد ليلتقطها الاخير قبل ان تسقط
على الارض ، و ليتجاوزه و يعود ادراجه الى حياته البائسة
الى ذات الوجوه .. ذات الاماكن ... الى غنج و حسناء !
اعتراه شعور بالاحباط في تلك اللحظة
لحق به وليد موجها الحديث اليه بينما لم يتوقف ساجر عن السير ولم يلتفت له :
“ ان كنت تحاول ان تفقدني صوابي
فأنت تنجح في ذلك يا ساجر “
“ لم اجبرك على ذلك ... اتركني لوحدي .. ابتعد عن حياتي
لم اعد اريد ان اراك ... الا تفهم “
“ ساجر توقف ودعنا نتحدث “
“ لا اريد التحدث معك .. دعني وشأني يا وليد
لا تمثل دور الصديق المخلص .. اعلم جيدا بأنك تخجل مني “
صمت عندما كاد ان يتعثر في طريق العوده .. ثم اضاف بعد ثوان :
“ لقد رأيت ذلك في عينيك عندما اضطررت لتعرفني على اصدقائك “
توقف وليد محدقا بذلك المجنون الذي ولى هاربا عن مواجهته كالعاده .
كيف له انه يختلق امور في ذهنه ويصدقها .. انه يبحث دائما عن سبب لأخطاءه
و بالتأكيد لن يكون هو السبب فيها .. !
... ... ... ... ...
-54-
كم بدا لبجاد ذلك المكان موحشا .. غارقا في الظلام .. ليبتلع الليل بعض من ملامح المنزلين ..
و رياح ديسمبر تتلاعب بمشاعره قبل ان تتلاعب بأوراق الاشجار المحيطة بالمنزل ..
لتتسلل عبر نوافذ عربته .. و تغرقه برائحة الشتاء الحزين .
“ اول القصص الحزينة التي قذفتها رياح ديسمبر في صدري ، هي امي ..
ابتسامتها .. حديثها .. دموعها .. حتى الاخيرة لم تعد كما كانت في السابق .
لقد ترك رحيل ( عمر ) في نفسها خوفا .. و توجسا من المستقبل .. فباتت تتمنى لو امكنها
ان تحتفظ بي .. لو ابقى بقربها طوال الوقت .. تماما كما كنت طفلا .. “
“ امي .. لقد كبر طفلك .. انظري اليه .. انظري الى تجاعيد الحزن التي شقت طريقها
على تقاسيمه ، نعم لقد كبر .. و بات رجلا يحمل على عاتقه الكثير .. الكثير “
ارخى بجاد جسده على المقعد بوهن ، غير آبه لزمجرت الرياح و كأنها تحثه على ترك عربته
لكن خوفا استقر في صدره .. يمنعه من الولوج الى المنزل .. فالتفكير بالفقد مؤلم .. لا يريد ان
يشعر بالوحدة .. لا يريد ان يدخل الى هناك .. فلا يجد احد منهم .
“ اما انت يا ابي .. فكل القصص الحزينة ... تتجلى في نظرتك ... و ابتسامة صادقة اضاعت
طريقها على محياك .. فباتت ابتسامتك حزن يفتك بي .. الى متى يا والدي ؟ ..
الى متي سأتدارك دموعي خشيت ان تنهمر بمجرد النظر اليك .. الى متى ؟ “
انطلق هزيم الرعد في تلك اللحظات .. وتوالت بعدها زخات المطر .. تدريجيا حتى اشتد هطوله
عن السابق .. اضطر بعدها ليغلق نوافذ عربته .. محدقا بالخطوط المتعرجة التي رسمتها الامطار
على زجاجها .
اضاءة شاشة هاتفه في تلك اللحظة وسط الظلام الحالك سوى من نور عربته الامامي
فتناوله على عجل بعد ان نسي تهيئة وضعه للعام .
كان يعلم جيدا بأنها والدته ، كيف غاب عن باله ان يهاتفها بعد وصوله ،
اجابها بهدوء :
“ هلا يمه “
“ الحمدلله “
استشعر صدق ماقالته بصوت خافت ، ثم عادت بنبرة
اعلى من السابق و بغضب يتخلل صوتها :
“ اين كنت .. حاولت الاتصال بك اكثر من مره ولم تجب “
“ نسيت هاتفي على الوضع الصامت “
“ نسيت ! لو كنت تفكر بوالدتك التي تنتظرك لساعات خائفة لما نسيت
لا احد منكم يفكر الا بنفسه ، انت ووالدك ستفقداني صوابي “
“ سامحيني .. لم اكن اقصد ذلك ابدا “
“ اعد الكره مرة اخرى ، اقسم يا بجاد ان حاولت التهرب
مني ، فسأغضب عليك طوال عمري “
“ لن اكررها مرة اخرى .. اعدك “
هدأ صوتها ليعود لنبرته الطبيعية ، و كأن هدوء ردوده انعكست
عليها فقالت :
“ هل وصلت للمنزل ؟ “
“ نعم “
“ جيد .. خذ لك قسطا من النوم قبل ان تذهب للعمل
وتدثر جيدا فالاجواء باردة في الخارج “
“ حاضر ، هل لديك اوامر آخرى ؟ “
“ لا .. ولكن هاتفني عندما تستيقظ “
“ حسنا ..”
تسائل قبل ان ينهي مكالمته :
“ كيف هو حال خالتي منيرة ؟ “
“ بخير .. افضل من ابنتها بكثير .. “
لراما قصة آخرى .. ترتبط بي
لا زلت اجهل الى اين ستصل بنا ؟!
... ... ... ... ...
-55-
تناول حاسوبه المرمي على المقعد و دفعه في الحقيبة الخاص به ، ثم انحنى ليلتقط
كتبه ودفاتر ملاحظاته وكل شيء يخصه قد يقع بصره عليه .
“ ساجر ... هل لي ان اعرف لماذا تقوم بكل هذا ؟ “
تجاوزه ساجر ليلج الى غرفة النوم بينما لحق به وليد :
“ لماذا لا تجيبني ... مالذي فعلته حتى تعاملني بهذه الطريقة ؟ “
وضع هاتفه في جيب بنطاله الخلفي بعد ان ترك المعطف الرمادي دون ان يلمسه ، ثم اخذ
حلقة المفاتيح متجاهل زوج الاعين التي تحدق به ، وقبل ان يعود الى غرفة المعيشة منعه وليد
عن الخروج بجسده :
“ انظر الي .. لماذا تتجاهلني ؟ “
“ اريد ان ارحل .. ابتعد عن طريقي “
“ لا لن ابتعد .. قبل ان اعرف السبب وراء تصرفاتك “
“ انا السبب .. لادخل لك في شيء “
“ اذا لماذا ترحل ؟ “
“ لانني لا اريد البقاء .. هل لك ان تبتعد عن طريقي ؟ “
ازاحه ساجر وعاد الى غرفة المعيشة حامل حقيبة حاسوبه على كتفه ، و باليد
الاخرى محتظنا كتبه .. وسار متجها الى الخارج لكنه سرعان ماعاد متمتم بغضب
بعد ان نسي شيء ما ليترك حقيبته ويعود ادراجه الى الداخل .
اقترب وليد من الحقيبة و دفع فيها علبة الاقراص ملقي نظرة بإتجاه غرفة النوم قبل
ان يخرج ساجر ويلمحه !
... ... ... ... ...
-56-
اسدلت شلال شعرها الداكن على اكتافها محدقة بإنعاكس صورتها في
المرآه للمرة العاشرة .
“ سيعجبه ... لا تقلقي “
استدارت محدقة بحسناء التي ولجت الى الداخل و تعلو وجهها ابتسامة رضا
لما وصلت اليه لمساتها ، فيما كانت غنج تدعك كفيها ببعض في توتر .
“ لست متأكدة من قدومه اليوم ،
على اية حال هو لا يحب رؤيتي بهذا الشكل
قد يبات بالخارج كالعادة .. دون ان يخبرني "
و كأنها بثرثرتها تلك قد تستبق الاعذار لنفسها في حين تخلف عن القدوم ، فقد حاولت
مرار الاتصال به ولكنه لم يجبها ولم يعاود الاتصال بها .
تخشى كثيرا ان يحدث ذلك .. لن تتمكن بعدها من النظر الى حسناء .. ستحاول قدر الامكان
ان تختبئ عن ناظريها .. ان تتحاشها .. فكم سيبدو منظرها مخجلا ان لم يأتي
.
اطبقة جفنيها بشدة وهي تدعو في نفسها ان لا يخذلها ساجر .. فقط اليوم
فقط اليوم يا ساجر .
“ توقفي عن فعل ذلك .. انك تفسدين تبرجك .. “
“ لقد نسيت “
اقتربت حسناء منها لتتوقف امامها ، وراحت تمسد بكفها خصلات شعر غنج
ثم مالت لتهمس وكأنها تخشى ان يستمع احد لحديثهم على الرغم من ان احد لم يكن
في المنزل سواهم :
“ هل تعتقدين بأن زوجك .. سيتراجع عن قرار انتقالكم الى سكن آخر
عندما يعلم بأنني لست سيئة .. اممم ... اتمنى ذلك فعلا .. صدقيني لقد اعتدت
عليك كثيرا ... انت مثل ابنتي تماما ... هو ايضا مثل ابني ولكنه بالتأكيد ابن عاقا “
كانت حسناء لتضيف شيئا آخر ، لولا سماعنا لصوت عربة ساجر المميزة ، عندها فقط
شعرت بمعنى الخوف الحقيقي ، و كأننا تزوجنا حديثا .. !
ربتت حسناء على كتفي و القت بعض الكلمات التي لم افهمهما او بالاحرى لم اتمكن من سماعها
فقد كان تركيزي منصبا على ساجر ، و بعد ان انتهت من حديثها السريع ، مضت الى
الخارج قاصدة غرفة نومها .
لقد تركتني ورحلت .. تماما كرمي طفلة وسط جمع غفير .. لا تدري الى اين تذهب
تبحث عن شخص تعرفه .. لكن عن من ابحث انا ؟ فانا لا اعرف ساجر .. لا اعرفه ابدا .
سرت رعشت في جسدي عندما باغتني دخوله دون حتى ان يلقي التحية .. لم ينظر الي
بل اكمل سيره منكسا رأسه وهوى بحقيبة يحملها على الارض بغضب .
ثم الحقها بكتب كان يتأبطها .. واكمل سيره الى الداخل اثناء تحريره ل ازرار قميصة
و من ثم تبعه صوت اغلاق باب الحمام بعنف .
رحت اجر جسدي بخيبة امل لأطفأ الانوار .. ما هذه الحفلة التي تنتهي
خلال فترة قياسيه كهذه ؟!
عدت لا اجلس على السرير محدقة بفستاني .. وبينما كنت افكر في خلع هذا الفستان قبل
ان يخرج ، انطلق صوت ارتطام قوي قادم من الداخل ، لـ اتسمر في مكاني لنصف ثانية
قبل ان اقرر
بعد الولوج اوالقوف حيث انا ، لكن صوت تحطم زجاج ما تبع ذلك الصوت ما جعلني اسير
مسرعة الى الداخل من دون تفكير .
طرقت الباب عدة طرقات ولم يصلني جواب منه .
هل قلت من قبل بأنني شعرت بمعنى الخوف الحقيقي ... اذن لم يكن ذلك يعني
شيئا مقارنة بما شعرت به في هذه اللحظة .
ادرت المقبض على الرغم من انني متأكدة بأن الباب مغلق ، الا انه فُتح بهدوء
لتنطلق صرخت رعب كبتها بكفي محدقة بساجر ، كان يجلس على الارض مسندا
جسده للجدار خلفه و ساقاها ممدودتان بإستسلام ، و يدلك جبينه بكف مجروحة .
تجاوزت غنج بقايا المرآه التي تحولت بفعل قبضته الى قطع متناثرة ، ثم انحنت
لتجلس على الارض بقربه محدقة به في خوف .
“ ساجر “
ابعدت كفه المجروحة عن جبينه والتي سقط بإستسلام على حجرها ليتلطخ فستانها
الزهري بلون الدم الداكن ، و راحت تعيد خصلات شعره المبلله محتظنة وجهه بكفيها :
“ ساجر .. ساجر ... هل تسمعني “
كان يتمتم بكلمات لم تفهمها ، مطبق جفنيه .. بينما لم تتوقف هي عن مسح قطرات الماء
بأنامل مرتعشه ... لكن لماذا لا تتوقف هذه القطرات عن شق طريقها على ملامحه المرهقه
لماذا ؟
تقلصت ملامحه بضيق ممسكا بكفها ليزيحها عن وجهه
واشاح بعيد عنها :
“ اتركيني ... ابتعدي عني .. “
“ ساجر .. ارجوك لا تفعل هذا بي انك تخيفني “ ارتعش صوتها
ادار رأسه بأتجاهها محدق بعينيها مباشرة ، لتروي لها عينيه قصص لم تروى بعد
و كأنه يستنجد بها بعد ان عجز الكلام عن ايصال الف معنى للألم ، كانت نظراته لها فقط
تطلق العنان لـ افواج من الحزن لتستقر في قلبها، ثم شعرت بقبظته المحكمة على معصمها
وكأنه يقول لها :
“ انقذيني “
تأكدت بعدها بان تلك القطرات التي تشق طريقها على وجنتيه
لم تكن سوى دموعه هو .. نعم ساجر كان يبكي !
,
|