كان الصباح رتيبا كباقي الصباحات الماضية .. وكان جسده يرقد ساكنا تحت غطا سريره الثقيل
الذي لم يستطع ان يخفف من برودة الجو ، كانت تكتكة ساعة الحائط تقتل الصمت بين فينة وأخرى ،
ولازالت الشمس تنام خلف الغيوم فلم تطرق نوافذ غرفته بعد ، ولكن طرقات توالت على باب شقته
اربكت هدوء المكان وجعلت ذلك الجسد يتحرك يمنة ويسرة بضجر ما جعل صاحبة يبعد الملاءة عنه
ليكشف عن رجل تجاوز اثنان وثلاثون ربيعا ، ليترنح مسيرا قاصدا الباب فما ان فتحة حتى عاد وكأنه يعرفه الطارق دون الحاجة لنظر إلية .
" صباح الخير .. نسيت اوراقا لي هنا "
بدا صوت صاحبه المزعج يصدر صدى في اذنة فلم يعي تماما ما يقولة حيث كان نصف واع
ولكن ذلك لم يمنعه من العودة الى سريره ليرمي بجسدة دون ان يعير ثرثرة صاحبه اهمية ..
ولكن الاخير ابعد الملاءه عن جسده وصرخ به :
" انهض يا رجل … لدي اختبار بعد ساعتان من الان "
...... ...... ...... ...... ......
" ما دامت مهمة الى هذا الحد .. لما لم تحتفظ بها ؟"
قالها ساجر حامل كوبين من القهوة اعدهما لتوة لينظم الى صاحبه الذي ضل جالسا على الارض
وحولة مجموعة من الاوراق المتناثرة يبحث قرابة العشر دقائق في صمت
لا يسمع فيه سوى صوت الاوراق .
رمقة وليد بصمت بعد ان القى ساجر جملته بشيء من السخرية ثم عاد يبحث دون ان يجيبة ،
جلس ساجر ووضع الكوبين على الطاولة التي تتوسط طقم المقاعد وقال :
" لا تتعب نفسك ان وجدتها ام لم تجدها … ساعتان لن تفيدك بشيء … "
اطلق وليد تنهيدة طويلة محدقا بالسقف ثم همس " يالله "
واستطرد محدق بساجر " اذكر بانني تركتها هنا … انا متاكد من ذلك يا رجل .. الا تذكر اخر
مرة رأيتني اقرأها فيها "
" في الحقيقة انني لما اراك تقراء منها ابدا "
بتر وليد جملته بحنق " هل تراه وقتا لمزاحك الثقيل "
ونهض تاركا ساجر خلفة الذي تناول الصحيفة بهدوء فقد اعتاد على ثورات صاحبه في لحظات الغضب
بينما سار وليد وتناول معطفة المرمي على احد المقاعد قاصد الباب ، ولكنه لمح شيء
في مكتبة التلفاز جعله يستدرك خطاه ناح المكتبه ليجد فيها ضالته .
اشرق وجهه بابتسامة واسعة ونظر الى ساجر قائلا :
" تردها لي ؟ .. سأعود لك ولكن في وقت لاحق "
ومضى خارج بعد ان اخذ الاوراق ، بينما لم يرفع ساجر عينيه عن الصحيفة ولكنه ابتسم .
...... ...... ...... ...... ......
كنت اقلب في الصحيفة حينما خرج وليد ، اخي وليد ، لا اذكر بانني قد ذكرت هذة الكلمة امامة
رغم انه يكررها على مسامعي ، فكان دائما مايقول " انت اخوي " في كل المناسابات
حتى شعرت احيانا بانها نقطة في نهاية كل جملة .
ولكنني اجد صعوبة بالغة في التعبير بهذة الكلمات رغم انها تكون واضحة احيانا من تصرفاتي معة
دون الحاجة لنطق بها، ورغم ذلك كنت احسدة لتمكنة من التعبير عن ما يريد في اي وقت
دون ان يعتريه الخجل .
فانا لا اخجل من اثارة غضبه او التقليل من احترامة او نسيانة على رصيف احدى الشوارع ينتظرني
تحت المطر ليعود مبتل ولا يحدثني ليومين ثم اسمع صوت طرقاتة على باب شقتي التي في الواقع
تكون شقته
ولا اخجل من ارغامة على النزول من عربتي في ثورات غضبي العمياء حينما لا يعجبني
حديثة وان كان على صواب ، ولكن اخجل من الاعتراف بانه كان على حق وانني دائما على خطأ
، لقد كان متنفسي الوحيد في هذة البلد الغريبة عن كلينا، فكنت دائما اصب جام غضبي
عليه وكان دائما من يبادر فينا بالسلام ، لقد كان يصغرني بالسن ورغم ذلك كنت اشعر بانه يملك
عقل وقلب كبيرين اكبر من سنه بكثير .
لقد خبأت الاوراق عمدا ، لا ادري لماذا قمت بذلك ولكنني وجدتها فكرة ظريفة وقتها
اما الان فقد شعرت بمدى سخافة تصرفي ، ولكنه ابتسم رغم ذلك ورحل بهدوء .
رحت افكر في نفسي : " يا ترى هل كنت سابتسم لو فعل ذلك بي ،
لا اعتقد باني كنت سآبتسم وقتها .
...... ...... ...... ...... ......
" كنا حينها في الشتاء … بدايات الشتاء … ولكن شدة البرودة هنا تشعرك وكأن الشتاء في اوقات ذروته .
لم اكن اخرج في هذا الوقت الا لمقابلة وليد ، في ذات المقهى الذي لا يفصله سوى شارعين عن شقتي
، كنت انوي ان اقله للمنطقة التي سيجري فيها آخر امتحان له قبل اجازة " الكريسمس " ،
وقبل ان يعود لقضاء عطلته مع عائلته ، ولكنني لم استطع النوم في الليلة التي سبقت هذا اليوم ،
لقد خيل لي في تلك الليله اصوات اشخاص لم اراهم منذ سنوات مضت ، بل احيانا كنت اسمع
لغط اشخاص قد رحلو منذ فترة طويلة ، فترة طفولتي
كان صوت جدي احدها ، يتردد دائما في اذني وكأنه يقول
" لا تلمسها … اتركها يا ساجر … "
اذكر بأني سمعت جملته تلك ، ولكني اعجز عن تذكر متى ولماذا قالها لي .
كذلك صوت شخص كنت اعرفه ، شخص رحل خلال سنوات ليست بالطويله ،
كان صوته كالفحيح كصوته قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة ، سمعته يكرر اسمي ،
فحينما كان النوم يتسلل لجفني ويبدأ شعوري بالعالم يقل تدريجيا ، يفزعني صوته وما ان استيقظ
حتى يغرق صوته في صمت المكان
، لقد قضيت تلك الليلة بين الغفوة والاستيقاظ حتى جاء وليد . "