كاتب الموضوع :
ريم . م
المنتدى :
الارشيف
..
- 25 -
دفع الباب الزجاجي وراح يبحث عنه في المقهى ، لم يراه في المكان الذي اعتاد
على الجلوس فيه ولكن عندما اقترب من المقعدين وجده يضع رأسه على الطاوله ، وقد بدا وكأنه نائم
جلس وليد على المقعد الجلد المقابل له وكانت تفصلهما عن بعض تلك الطاوله ، فهمس
وكأنه يخشى ان يوقظه : " ساجر "
رفع ساجر بصره ليراه ، ثم رفع رأسه عن الطاولة واعتدل في جلسته : " لماذا تأخرت "
كان منظرة رثا ، و كان وليد ليعتقد بأنه من تأثير الكحول لولا انه يعرف بأن ساجر لا يشرب الكحول ابدا .
: " كنت مع احد الاصدقاء .. وقد اوصلني الى هنا "
ثم تسائل بقلق : " مابك .. اين ذهبت صباح اليوم "
" ارجوك وليد لا تسألني عن اي شيء " .. ثم اردف : " اخبرني انت .. مالذي فعلته بإختبارك "
: " جيد .. كان جيد "
اشار ساجر لنادل ، ثم قال موجها الحديث لوليد : " وسلمى ؟ "
: " مابها سلمى ؟ "
اغتصب ابتسامة محاول ان يشغل تفكيره عن غنج : " كيف كان ادائها ؟ "
اجاب وليد بريبه : " ادت بشكل جيد "
لم يكن وليد مقتنعا ابدا بدعوة ساجر له ليسأله فقط عن اختباره ، لقد كان يشرد بذهنه بين فينة واخرى
ولم يكن منتبها لاغلب ما كان يقوله وليد ، حتى انه لم يشرب من قدح القهوة الذي طلبه منذ دقائق .
قال وليد بعد صمت طويل دام بينهما : " لم تشرب شيئا "
كان ساجر قد سرح بعيدا وقد القى بصره على الطريق من خلال النافذة الضخمة ، واضعا قبضة يده اسفل ذقنه
ليتكأ عليها ، كان يكثر من التحديق في الفراغ و يخفي الكثير من الاسرار خلف تلك النظرات ، بدا مثقل
بالهموم ، صامتا ، اطلق تنهيدة طويلة تعلن عن انتهاء رحلة الشرود تلك ثم نظر الى وليد :
" هل كنت تحدثني ؟ "
عقد حاجبيه متسائلا ولم يكن مهتما فعلا لما فاته من حديث وليد فقد بدا وكأنه يريد التأكد فقط .
ثم قال دون ان ينتظر اجابته : " اسف يا وليد .. كنت شاردا "
: " لا بأس .. لم اتحدث عن شيء مهم "
نظر الى وليد نظرة مطولة وكأنه ممتن له تفهمه ، فعلى الرغم من انه يعرف تماما
بأن هناك مايشغل تفكير ساجر ويقلقه ، الا انه يلوذ بالصمت دون ان يكثر من الاسئلة .
لا يدري ساجر لماذا دعاه ، فقد كان يستطيع ان يبقى هنا وحيدا يتأمل المارين والفارين من الثلوج .. !
" هل سبق وشعرت بالوحدة يا وليد "
رفع وليد رأسه عن قدح القهوة محدقا بصاحبه الذي انهكه الصمت ، فلم يعد ذلك الصدر يحتمل اكثر .
لا يدري وليد هل يفرح لانه واخيرا سيشاركه بعض مما يثقل كاهله ، او يحزن لرؤيته بهذه الحاله ، لقد كبر
صاحبه خلال الثلاث سنين الذي عرفه فيها .. وكأنها كانت اكثر من ثلاث سنين اقتطفتها الايام
من عمره ، فقد بات شاحبا اكثر من السابق ، وقد اختلطت خصلات شعره الرماديه بسوادها ، فلم
يعد يهتم بمظهره ابدا ، وكأن كل يوم يمر به ، يقضيه فقط ليمضي به الى نهايته .
" لا ادري .. احيانا ينتابني هذا الشعور "
" هل تراني سيء الى درجة ان … ان احدا لا يحتمل العيش معي ؟ "
قالها ساجر اثناء إخراجه لعلبة اقراص اسطوانية من جيب معطفه المرمي بجانبه ، وكأنه يسأل سؤالا عابر
لقد بدا مريبا جدا ، ولم يكن وليد مرتاحا لهدوئه ابدا .. كما ان السؤال الذي تلى سؤاله الاول لم يكن له علاقة به .. !
ابتلع ساجر عدة اقراص والحقها بكوب ماء بارد كان بقرب قدح القهوة الذي لم يلمسه ..
ثم قال : " لا داعي لتجاوب .. فكلكم متشابهون .. فانا المخطئ دائما "
: " ساجر منذ متى تتناول هذه الاقراص ؟ "
: " لا ادري .. لماذا تسأل "
: " لماذا تتناولها .. ؟ "
: " انها لصداع "
صمت وليد وهو يرمق صاحبه وقد هب قائلا : " سأذهب الى دورة المياة "
اومأ برأسه مجيبا : " سأحاسب النادل ريثما تعود "
راح وليد يتبعه بنظراته حتى ولج الى الداخل ، ثم تناول معطف ساجر واخرج علبة الاقراص
وهزها قليلا ورأسها الى الاسفل محدثة صوت طقطقة ليتدحرج قرصين في كفه ، ارقد القرصين في جيبه
واعاد العلبة في مكانها السابق وكأن شيء لم يكن .. !
..
|