كاتب الموضوع :
futurelight
المنتدى :
الارشيف
أغلق باب الخزانة المعدني ليدور المفتاح في قفله..
غادر الغرفة التي تحتوي العديد من الخزائن مصطفة بجوار بعضها البعض.. عبر ممرا يغلب عليه اللون الاخضر الفاتح بخطوات اكتست بحذاء رياضي أبيض اللون علته نقوش سوداء .. بخطوات تحمل من العزم وقوة الاراده والغضب الكثير والكثير..
شدد على قارورة الماء التي يحملها بيمنه وهو يبعد محتويات الاسبوع عن ذهنه..
انتهى الممر ليفتح على صالة تغرق في الضوء وتمتلأ بالاجهزة الرياضيه .. تحركت القدمان نحو وجهة محدده وهما تحملان معهما جسدا اكتسى بلباس رياضي يغلب عليه اللون الاسود ومنشفة بيضاء صغيرة تتكئ على عنقه..
وقف غسان على جهاز السير واضعا قارورته أمامه بينما تعالى من حوله صوت الأجهزه الآخرى..
احذية رياضية تحتك بما تحتها..
أحاديث وضحكات هنا وهناك..
ضبط الجهاز على سرعة قليله للاحماء ثم زاد منها تدريجيا ليبدا مع ذلك مشوار يحرق فيه سعرات حرارية ويهيء فيه عضلاته لتمارين الصقل القادمه ..
على الرغم من ارتياده المتكرر للنادي لذا يجدر به أن يكون في كامل لياقته ،لكنه يطمع بما هو أكثر..
لهذا كثف الأوقات التي يرتاد فيها النادي ..
فكما العادة وبعد ان ينتهي من الجري سينحت عضلاته ويشكلها في رياضة رفع الأثقال ..
اما في الغد فسيقضي بعض الوقت لممارسة فنون الدفاع عن النفس مع صديقه..
لا يمكن ان يتهاون.. فليس بيده الآن إلا أن يبذل جهده فيما يملك قبل ان يستجد أي شيء..
لم يمض الكثير من الوقت حتى ظهر فارس على الساحة تغطي رأسه القبعة المتصله بسترته الزرقاء ليحتل الجهاز المجاور له..
مارسا رياضتهما في صمت بعينين تعلقتا في الشاشة التي امامهما والتي تعرض نشرة إخباريه..
اضمحل كل صوت من حوله حتى اختفى.. لم يتردد في أنيه الا صوت انفاسه التي تسارعت ..
وكأن رئتيه قررتا اختزال ما تحصلان عليه من اوكسجين لذا استحال تنفسه الى شهقات سرعان ما تبتر..
تسارعت في محاولة منها للحاق بأفكار لا تفتأ الا و أن تدور وتدور في عقله..
لقد بات يشك في كل من حوله..
ان كانت مزحة.. فمن هو السقيم الذي يتلاعب به؟
ان كانت حقيقة.. فمن هو الخائن من بينهم؟
ان كانت حقيقة.. من هو الشخص الذي قرر إطلاعه بالموضوع؟
هل هو صديق سأله المساعده؟
أم عدو يبحث عن شريك؟
في كل مرة يغادر فيها منزله يدور فيها بسيارته مرتين حول الحي ليستوثق من عدم وجود ما يريب..
يتاكد من خلو المكان من متلصص يترقب لحظة خروجه ليقتحم منزله..
ربما يجدر به تركيب كاميرات مراقبه حول منزله..
رفع طرف المنشفه ليمسح العرق من على وجهه في حنق..
تباً لهم جميعا أياً كانوا!!
فهاهو يكاد يتحول الى مهووس بسببهم..
اختلست نظرة الى فارس لكنني لم أفلح في رؤية ما يرتسم في وجهه بسبب تلك القبعة الحمقاء التي يضعها..
كم اتمنى لو أفصح عن كل أفكاري امامه..لكن..
أنا مجبر على التأكد قبل أن اخبره.. إن عرف هو بذلك فسيأخذ الموضوع حيزاً أكبر بحكم عمله..
عاد ببصره الى الأمام.. فليس امامه سبيل الا انتظار ما ستحمله الأيام في طياتها..
لم يمضي الكثير من الوقت حتى جذب انتباهه فارس وهو يرفع كفه ليسحب طرف قبعته من الأمام مخفياً عينيه اكثر..
بينما يده الاخرى شددت قبضتها على أحد اعمده الآله الممتده بجواره..
اكمل غسان ما يفعله متجاهلا ما يفعله رفيقه.. فهو يعلم تماماً ان عقل فارس تملأه الكثير من الأفكار..
منهاما هو مفيد.. والكثير منها ترهات ووجهات نظر غريبة ليس لها أصل..
ارتفع صوتٌ منادياً:
"غسان"
حول بصره باتجاهه ليجد رجلا يقترب من بعيد وابتسامة تعلو محياه..
ارتسمت الابتسامة على شفتي غسان وهو يوقف الجهاز تم يترجل منه وهو يمد يده مصافحا..
أبو مختار.. احد معارف عمي والد جود والذي قابلته يوم زواجي..
قال لي بضحكه:
"بقيت احدق فيك لفتره حتى تأكدت من كونك الشخص الذي أعرف"
توسعت ابتسامتي أكثر فاكثر.. لهذا تصرف فارس بذلك الشكل.. فهو قد اخفض قبعته كي يراقب الرجل الذي يحدق فيّ من بعيد دون ان يلحظه احد..
ذلك الصديق..
مهما حدث لي سأبقى مطمئنا لوجود شخص مثله.. فحتى وإن ابتعلتني جحيم ما متأكد من أنني ساجده بجواري هناك..
قلت بصدق:
"سعيد برؤيتك "
بعد التحايا والسؤال عن الاحوال توجه الي الرجل بسؤال:
"كيف هو حال والديّ زوجتك؟"
لماذا يسأل عن والدة زوجته المتوفاه؟!.. يسأل عنها بطريقة توحي بأنها على قيد الحياة..
ربما لم يحصل على نوم جيد مؤخراً؟!
كدت أعقد حاجبي استغرابا لولا أنني استعدت توازني بسرعه لأقول:
"تقصد والد زوجتي.. في تمام الصحة والعافيه"
أما الرجل الذي أمامه فقد بان الارتباك على ملامحه ..
هل فاته شيء ما هنا؟!
هل هناك سبب لإرتباك الرجل؟.. شيء ما لا يعرفه؟!..
انهي الرجل تحيته بكلمات مقتضبه ليغادر تاركا غسان واقفا بحاجبين معقودين وهو يفتح عينيه ويغلقهما بسرعه لتكشف تلك الرموش الكثيفة عن الاستنكار والاستغراب خلفهما..
وقف بجواره فارس مربتاً على كتفه ليجيبه :
"صديق والد زوجتي"
بعد قطع من الزمن ومن مكانه عند إحدى أدوات رفع الاثقال سأله فارس الذي استلقى على اخرى وهو وهو يرفع بكفيه أوزاناً:
"هل يشغلك شيء ما؟"
توقفت عن تحريك تلك الكومه من المعدن لألتفت باتجاهه..
هل يقصد بسؤاله الشعور الغريب الذي تركه أبو مختار في نفسي ام ما شغلني طوال الأسبوع الماضي..
سرعان ما استبعدت ذلك الشعور الذي ليس له أصل.. فهو لا شيء مقارنة بما يسلبني النوم ويطرق عقلي في كل جزء من يومي..
طفت احداث الصباح على ذاكرته ليستعيدها بضيق..
ففي اجتماع حوى جميع اعضاء المجلس وبقيادة المدير العام غرق في أفكاره بينما تنقلت عيناه بشك في كل من اتخذ لنفسه مقعدا حول تلك الطاوله..
لم ينتبه لمناداة المدير العام له الا بعد فتره..
هذا ما حدث له وهو الشخص الذي عرف دوما بتركيزه...
فأفكاره ومخاوفه التي تعشش في عقله تتآكله شيئا فشيئا.. تسرق منه ذاته.. وكأنه يغرق في فضاء مجهول.. يمسك بذاته في كفه..
تلك الذات التي بدات تنسل شيئا فشيئا بعيداً عنه..
استند الى العمود المعدني الذي يقع خلفه وهو يتنهد.. قال وهو يحدق بالسقف الذي يمتلأ بالكثير من الانارات:
"أجل.. لكن..
الآن ليس هو الوقت المناسب للإفصاح عنها.."
خلى ملامح صديقه من أي تعبير.. فلا يمكن لوجه شخص أن يعبرعن الأفكار التي عبرت عقله..
لو يعرف الشخص الذي جعل مشاعر غسان تسلك منعطفاً حاداً لانقض عليه دون تردد..
لكن..
احتفظ بفكرته لنفسه ورسم لصديقه ابتسامه كشفت الستار عن أسنان بيضاء.. قال بعدها:
"غسان..
بعد ان ننتهي من هنا سنغادر هذا من المكان من دون أحذيه"
ارتفع حاجبا غسان استغرابا بينما ارتفع احد طرفي فمه في نصف ابتسامه.. هز فارس رأسه باستحسان وهو يعود ليستلقي ويكمل ما كان يفعله:
"أنا لا أسألك.. اكتفي باخبارك فقط.. أنت تعلم ان احد قوانيني في هذه الحياة هو:
شيء جديد كل يوم..
واليوم سنتخلى عن ارتداء الأحذية"
على صوت غسان بضحكه رنانه.. يعلم أن صديقه يفعل ذلك من أجله.. من أجل أن يبعده من ذلك الجو الذي يحيط به..
حتى وان كان سيقوم بتغطية وجهه كي لا يتعرف عليه أحد..
يبقى شعورٌ جميلٌ في نفسه.. هو مرحب بهكذا تغيير..
بينما وفي مكان آخر فتحت كف مغطاة بشعر كثيف هاتفاً جوالا..
تحركت بسرعة بين الأزرار ليظهر أسم "غسان محمد "على الشاشه.. توقفت أصابعه عن التحرك لفتره قبل ان تغلق الهاتف وترميه بحنق على المكتب الخشبي..
قد ينقذ نفسه ان قام بذلك..
رحلوا ..
لم يتركوا خلفهم الا غباراً تطل منه ذكراهم..
يحمل في جنباته شتى انواع الحكايات
ونوبة سعال مفاجئه..
*******************************
|