كاتب الموضوع :
futurelight
المنتدى :
الارشيف
رد: رماد ملون
في مكان آخر كانت الفتاة التي تشغل فكره تجلس القرفصاء بين العديد من الأوراق..
انحنى جسدها الضئيل المختبئ تحت كنزة بمقاس أكبر من حجم جسدها لتتبع بعينيها عددا من الأسطر قبل أن تهم بإدخالها مترجمة في الكمبيوتر الذي يستقر في حضنها بكفين لا يظهر منهما إلا اناملها من تحت كما الطويل..
عادت تنظر الى الأوراق لتميل برأسها الى الأمام ليميل معها شعرها المعقوص فوق رأسها لتنتشر خصلاته في كل مكان كالأطفال.. اعتادت على فعل ذلك منذ زمن عندما تحتاج التركيز على شيء ما ..
كانت تميل الى عقص مقدمة شعرها والجزء العلوي منه مع بعضها كي تبقيه بعيدا عن عينيها خلال عملها..
تحركت شفتاها المتوردتين وهي تقرأ ما أمامها..
وعلى الرغم من انها تعاني من تزاحم شئون الحياة لكنها اكتشفت بانها تحتاج الى مصدر دخل اضافي بالعمل على ترجمة بعض المعلومات لطلاب الجامعات..
بعد تفكير عميق بمشكلة أحمد أخيها والتي بعد التحاور معه لم تعرف لها سبباً حتى الآن توصلت الى اتفاق معه..
أن كل فرد من هذه العائلة سيبذل جهده بطريقته كي تمضي أيامهم باستقرار وسعادة حتى اليوم الذي تعود فيه والدتهم..
رن هاتفها الجوال قاطعا عليها أفكارها..
مدت كفها بذهن شارد كي تتناول الهاتف..
قبل أن ينتهي الاتصال رفعت عينيها لتحدق في أسم المتصل..
"الشيطان"
اتسعت عيناها بارتباك.. خفق قلبها بقوه خلف أضلعها لتهتز خصلات شعرها القافزة فوق رأسها وينزلق الكمبيوتر المحمول من حضنها..
ما هذا؟!
ما الذي يريده منه؟!
الا يكفي ما فعله بقلبي ذلك اليوم؟!
خاتمه الملون سبب لي الكثير من المشاكل..
إن وضعته في حقيبتي خشيت أن أفقده في مكان..
إن وضعته في جيبي سبب لي حرارة حوله وخفقان قلب في أوقات غير مناسبه..
إن وقع بصري عليه تذكرت كلمات ضياء التي قالها لي والتي كان ذلك الخاتم لها شاهداً
" لا يمكنك الهرب مني أبداً"
كلام امها.. كلماته.. ذلك الخاتم اللعين تكاتفوا مع بعضهم ليعسكروا عند جفنيها فيسلبا النوم من عينيها!!
توقف الهاتف عن الرنين لكنه سرعان ما عاد يتراقص بين اناملها يستحثها على الإجابة..
رفعت الهاتف على مضض بقلب يرقص طرباً في محاولة لإظهار مشاعر تنكرت هي لوجودها.. وصلها صوته خافتا عميقاً:
"مرحبا"
ردت التحية وهي تضع كفها على قلبها وتطالبه بالهدوء لتقول بعدها بحده:
"ماذا تريد؟!"
لحظات صمت إذ بدا أنه صدم بحدة صوتها التي سرعان ما ندمت عليها.. قال بهدوء:
"هل من الممكن أن أكلم أحمد؟!"
توقف قلبها عن النبض.. اختلجت أنفاسها ليخرج من بين شفتيها صوت باستفهام:
"هاه؟!"
عاد ليقول برسميه:
"أريد أن أكلم احمد.. إذا أمكن؟!"
خرج صوته بهمس بدا كأنه لا ينتمي اليها:
"لحظه من فضلك"
وقفت لتسير غاضبة وهي تدهس الأرض بقدميها.. سلمت احمد الهاتف لتقول بغضب:
"مكالمة لك"
أخذ منها الهتف باستغراب فهذه هي المرة الأولى التي يتسلم فيها مكالمة عبر هاتف أخته..
رمت نظرة حانقه على الهاتف قبل أن تعود الى غرفتها وتغلق الباب بقوه..
وقفت تنفث الدخان في منتصف الغرفة..
ماذا؟
بعد أن قال ذلك الوغد كل ذلك الكلام يتصرف وكأنه لم يفعل شيء؟!
بعد أن اعطاني ذلك الخاتم اللعين يتصرف وكأن شيئا لم يحدث؟!
يا له من وغد حقير..
هل يتلاعب بي؟!
تقدمت بغضب لتخرج الخاتم من تحت وسادتها.. رفعت ذراعها بالخاتم عالياً باتجاه الجدار أمامها ..
يستحق الرمي..
ستثبت لذلك الخاتم انه لا يعني شيئا..
هذا ما قصدت فعله الا أن الخاتم بقي معلقا بين اناملها في الهواء لفترة من الزمن قبل أن تسقط ذراعها الى جانبها..
لا يحق لها أن تلوم الخاتم أو ضياء..
هي الحمقاء التي أعطت كل تلك الأشياء حيزا في حياتها أكبر مما تستحق!!
طرقات سريعة على الباب تبعها دخول مفاجئ لأحمد قبل أن يقول بأنفاس متقطعة:
"خطيبك.. انه في المستشفى!!"
خيم الصمت على المكان الا من صوت تنفس أحمد.. تعلقت عيناه يبحث عن ردة فعل لكلامه.. فهي يفترض بها أن تفزع..
اما هي فتعلق الهدوء بأذيالها لتجد نفسها واقفة في انتظار المزيد من الكلمات.. عندما لم تسمع منه شيئا فتحت فمها لتتحدث..
لكن..
وقبل أن تفعل ذلك وجدت أنها تسحب كمية من الهواء بشهقة طويله وكأن رئتيها تحتجّان على نقص الهواء..
ماذا؟!..
هل هي.. نسيت أن تتنفس؟!
سألت بهمس:
"لماذا؟"
دعك احمد فروة رأسه قائلا:
"تجنب الإجابة عندما سألته عن ذلك"
حسنا..
فكري قمر.. ما هي الأسباب التي قد تضع شخصا مثله في المستشفى؟
ربما كان يعمل فقط.. فذلك هو مكان عمله..
ربما يعاني احد امراض البرد لكنه من النوع القلق لذا لن يرتاح الا إذا قضى وقتاً في المستشفى ؟
لقد قضيت الكثير من الوقت مع والدتي في المستشفى لأرى الكثير من الأشخاص بأمراض بسيطة لكنها تحتاج الى مراقبه.. ربما يكون كذلك؟!
ربما هو كاذب يريد إخافتي فقط؟!
تجاذبتها هذه الأفكار كثيرا لكنها توقفت عندما توقفت قدماها في ممر المستشفى وامام باب غرفته..
شدت بكفها على باقة صغيرة من أزهار الفل البيضاء ..
وقفت خلف أخويها بمعطفها الأزرق وحجابها الأسود.. رفعت كفها الأخرى لتضعها على وشاحها السكري اللون الذي يحيط بعنقها .. أمسكت بجزء منه لتعيد ترتيبه بحيث يكون مرتفعا قليلا لتدفن شفتيها وأنفها في ذلك النسيج..
هنا وبشكلها هذا..
الا تشبه النعامة التي تدس رأسها في التراب..
لكن .. تفعل النعامة قصيرة النظر ذلك كي تتنصت عبر الذبذبات التي ينتشر صداها في الأرض من مسافات بعيده للخطوات التي قد تكون مصدر خطر عليها فتعرف بها أيضا اتجاه الخطر وتهرب بالاتجاه المعاكس..
هي تفعل ذلك تحت غريزتها للبقاء ولتحمي نفسها ليس جبنا بالتأكيد..
لكن.. ماذا عني أنا؟
هل أفعل انا هذا جبنا من المواجهة مرة أخرى بعد كل ما حدث بيننا ام انني أفعل ذلك كي أحمي نفسي؟!
كي أكون على استعداد بالهرب متى ما أحسست بالخطر؟!
ما العمل إن كنت أشعر بان الخطر يدك تجاويف قلبي الأربع منذ الآن؟!!
فتح اخويها الباب ليدلفا على عجل فيطمئنا على صديقهما الجديد والعظيم والذي غدا لهم مثلا يحتذى به بعد الوقت الذي قضوه معه..
اما هي فأغمضت عينيها تعد الى العشرة قبل أن تتبعهما..
توقفت قدماها اللتان يكسوهما حذاء "كحلي" بجوار بعضهما دون أن تجرؤ على التقدم خطوة الى الامام بينما وقع بصرها على أحمد الذي يحتل المقعد المجاور للسرير وصادق الذي جلس على السرير بعد أن امسك بكف الشخص الذي باتت لديه حظوة كبيره عند عائلتها وعند قلبها الغادر..
اما صاحب الكف فكان وجهه شاحباً جداً..
انفرجت شفتاها المتوردتان بصدمه.. هو مريض بالفعل!
لا يمكن أن يكون شيئا بسيطا ما تركه بهذا الشحوب..
رفع عينيه الباسمتين من خلف العدسات الطبية بينما قال بابتسامه:
"ها انت اخيراً"
روى ظمأ عينيه المشتاقتين وهما تتنقلان في ملامحها المرتبكة..
لهذا لم يهاتفها هي..
أراد أن يجذب اهتمامها أكثر اليه كما أنه متأكد من أن اخويها سيرغمانها على الحضور..
متأكد أنها لن تتوقف عن سؤاله لسبب تواجده في هذا المكان حتى تحصل على اجابتها وهو لا يريدها أن تعرف ذلك عبر موجات الهاتف الكهرومغناطيسية..
تقدمت بخطوات مترددة فيما لم تفارق عينيها عينيه لتقف بالقرب من مؤخرة السرير.. عبرت عينيها الكثير من الأسئلة التي لم تستطع نطقها..
لماذا انت هنا؟
كيف استطعت أن تترك نفسك تمرض بهذا الشكل؟
انت دكتور.. ألا يجدر بك أن تعتني بصحتك أكثر من ذلك؟..
لم يعبر أي من ذلك شفتيها .. ألقت التحية بهدوء قبل أن تستدير وهي ترفع كفها لتمسك وشاحها وتدس وجهها في طياته من جديد .. استندت الى جدار قريب دون أن ترفع عينيها اليه مرة أخرى وقد غاب عن ذهنها تماماً أن الازهار التي في يدها يجب أن تقدم الى المريض ..
لحظات مرت قبل أن يطرق مسامعها صوت احاديثهم وهي تحدق بما يقع خارج النافذة لذا لم تر الاشارة التي وجهها ضياء بعد فترة الى الصغيرين..
لقد اتفق معهم عبر الهاتف أن هناك لحظة سيطلب منهم فيها المغادرة لان لديه بعضا من الأحاديث مع اختهم والتي تحتاج الى بعض من الخصوصية أما هما فوافقا فوراً على مساعدته ..
أي شيء قد يعُجّل انضمام هذا الشخص العظيم الى عائلتهم!
رفعت عينيها مع صوت انغلاق الباب لتجد نفسها وحيدة مع ضياء في هذا المكان.. سألت من خلف الوشاح:
"أين ذهبا؟"
"ليحضرا لي بعض الماء"
عندما شاهد صمتها رفع كفه ليشر بها اليها وهو يقول:
"اقتربي"
تقدمت عدة خطوات ليشير بيده الى الكرسي وكأنه يطلب منها الجلوس..
سحبته الى الخلف قليلا مبتعدة عنه قبل أن تجلس عليه وتضع كفيها بباقة الأزهار في حضنها..
عندما شاهد صمتها سألها:
"ألا ترغبين بمعرفة سبب تواجدي بالمستشفى؟"
أجابته بحده واقتضاب:
" لا.. تبدو بخير الآن"
يا لها من كاذبه ..
لكن..
إن عرفت السبب ستهتم به أكثر وستتألم أكثر.. هي لا ترغب لقلبها بذلك النوع من الألم..
رفع سبابته ليدفع بنظارته الى الخلف مستوثقاً أنها في المكان المناسب.. لا يمكنه أن يفوت حتى ثانية من رد فعلها..
فهو لهذا السبب قام بإخبارهم عن تواجده هنا.. سيساعده رد فعلها على اصابته على معرفة مشاعرها نحوه.. ولهذا لا يمكن أن يغفل عن أي شيء فكبرياء هذه الفتاة بالكاد يكشف عن شيء من مشاعرها..
"بخير!.. كيف يكون ذلك وأنا كدت أخسر حياتي قبل يومين"
رفعت رأسها بسرعه لتتعانق عيناهما.. رفعت حاجبها باستنكار لتقول:
"كاذب"
انعقد حاجباه فوق عينيه ليقول بجدية كبيرة:
"لن أكذب بالتأكيد بشأن الاصابة برصاصه.. لا يوجد شيء يمنعك من التأكد من صحة كلامي"
تجمدت ملامحها ..
هوى قلبها ليتردد صوت ارتطامه في الأرض بين جنبات روحها..
اتكأ الهواء على كتفيها لينحنيا بصدمه.. انزلقت الحقيبة التي كانت تتكا على كتفها لترتطم بالأرض بعد تعلق سير الحقيبة بمرفقها المنحني..
ما العمل؟!
هي لا تعرف كيف تنعش روحاً توقفت عن الحياة فجأة؟!
مهما حاولت تلفيق قلبها ووضعها في مكانه ينزلق بين كفيها مرة أخرى ليهوي وكأن لا نية له على العودة الى مكانه..
كيف تتنفس؟..
مهما حاولت جذب نفس يبدو أنها تفشل في ذلك؟!
لماذا يهدد المحيطون بها وجودها؟
بداية فقدت والدها فخسرت جزءا من روحها لم يتعافى بعد..
دخلت والدتها المستشفى فتتيه عليها هوية اتخذتها لتتخبط خطواتها في هذه الحياة ..
للتو كادت تستعيد بعض توازنها ليصفع ضياء قلبها بخبر مثل هذا؟
موجة رعب احتضنت جسدها لتلطم قلبها وتبدا الدموع بالتجمع في عينيها..
يبدو أن ذلك القلب الغبي اختار أن يتحرر من سيطرة عقلها ويعشق ضياء.. أرأيت؟!
لم يكن من المفترض بك أن تعشق شخصا فتتركني اعيش مع تهديد بفقدان عزيز آخر..
لأنني لا أعلم كيف سأعيش بعد ذلك؟!
انزلقت دمعة من احدى عينيها لتنحدر فوق وجنتها وينقبض قلب ضياء وهو يشاهد بملامح ذاهلة معالم دمعتها تختفي في وشاحها..
قمر.. تحبه!!
قمر فتاته ذات الكبرياء العظيم والتي تحاول دوما الحفاظ على واجهة شخصيتها تبكيه!!
لا يمكن أن تكون لها ردة فعل كهذه الا أن كانت تحبه!!
يا له من وغد..
كل ما توقعه هو بعض من الاهتمام والقلق.. أن يشغل تفكيرها أكثر.. ففي النهاية ها هو يجلس أمامها معافى!!
لم يتوقع أبدا أن تبلغ ردة فعلها حد البكاء!!..
شدت كفه على اغطيته السرير وهو يشاهدها تنهض بقوة ولتدير ظهرها له وتسير باتجاه النافذة..
لقد كادت تخسره..
وقفت تحدق الى الخارج فيما كانت كفها تتحرك على عجل لتمسح أي دمعة تخرج من عينيها..
لقد كادت تفقد ضياء الذي تعشق..
وصلها صوته من الخلف:
"اعتذر .. لم اكن اعرف.."
توقف عن الحديث بعد أن ضاعت عليه الكلمات.. يعلم انه يحتاج الى تصحيح الوضع لكنه يجهل السبيل الى ذلك..
"انا بخير الآن..
مجرد رصاصة طائشة لن تتكرر مرة أخرى بإذن الله.."
توقف بانتظار أي رد فعل منها لكن كفها لم تتوقف عن عملها بتلقف دموعها..
"في الحقيقة لم يكن الوضع سيئا الى هذه الدرجة..
يبدو أنني بالغت كثيرا في كلامي عن الموضوع.."
التفتت باتجاهه لتكشف عن عينين محمرتين.. تقدمت لتتوقف عن المنضدة المجاورة للسرير وتأخذ لها منديلا وهي تمتم بصوت مخنوق:
"ليس لدي منديل في حقيبتي"
هامت عيناه في ملامحها.. لا يكاد يصدق أنه حصل على اعتراف بمشاعرها بهذا الحجم.. ففي عينيه كانت كمن صرخ بحبه عالياً في شارع مكتظ بالناس..
يا له من وغد محظوظ!!
بعد أن انهت دموعها عملها وتوقفت جموعها عن الانهمار سألت بصوت مبحوح:
"أين وكيف هي إصابتك الآن؟"
كم يتمنى لو يتوقف الزمن للحظه فيحتفظ بملامح الاهتمام التي تغطي وجهها المحمر.. أجابها:
"في خاصرتي كما انني بخير الآن.."
انعقدت ملامحها وهي تسأل:
"لا تخفِ عني شيئا.. هل انت متأكد من انك بخير؟"
حرك كفه باتجاه مكان اصبته ليقول ممازحا بابتسامة فيما التمع الرضا في عينيه:
"هل ترغبين بأن أريك إياه كي تطمئني؟"
تراجعت خطوة الى الوراء فيما اتسعت ابتسامة ضياء..
تبعتها أخرى لتقودها قدماها بخطوات سريعة الى الباب فتغادر الغرفة بينما علا صوت ضحكات ضياء لوهلة قبل أن يعود وينخفض فجأة قبل أن يتأوه متألماً بعد أن وضع كفه على مكان اصابته..
لحظات وفتح الباب لتدلف الى الغرفة متحاشية النظر اليه.. ارتسمت الابتسامة على وجهه ليقول مرحبا:
"اهلا بعودتك خطيبتي "
رفعت الكف التي تحوي باقة الفل قبل أن تضعها بقوة على المنضدة فتنتشر رائحة الفل في الهواء..
رفعت رأسها باتجاهه لتقول بنظرات حادة تعلو وجنتين متوردتين:
"فلتمت!!"
رمتها وغادرت على صدى ضحكاته التي رسمت على شفتيها ابتسامة خرجت من اعماق روحها..
وقف في بداية الطريق مبتسما..
يعلم أن في مواجهته الكثير..
لكن..
لا يهم ماذا سيواجه..
فهو سيتعلم كيف ينتصر في كل مره..
*******************************
|