لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-12-12, 05:45 PM   المشاركة رقم: 91
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2012
العضوية: 241477
المشاركات: 84
الجنس أنثى
معدل التقييم: futurelight عضو له عدد لاباس به من النقاطfuturelight عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 146

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
futurelight غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : futurelight المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: رماد ملون

 





اسند ظهره الى طرف الطاولة ليرفع كوب القهوة فتعانقه شفتاه مرتشفاً منه..
شد من قبضته في محاولة منه للسيطرة على الادرينالين الذي يسير بجوار كريات دمه..
كان يتخبط خبط عشواء لوقت طويل.. لا يكاد يصدق أنه وبعد كل هذا الوقت بات هناك ما يبحث عنه ويسير على إثره..


اتكأ فارس بمرفقه الى طاولة محطة الممرضات التي تقع خلفه بينما رفع عينيه ليحدق برجلي الأمن الذين يقفان بجوار أحد الأبواب ..
ذلك الباب الذي يتواجد خلفه احد أطباء المستشفى المركزي بعدما تعرض لطلق ناري..
اطلاق النار ليست حالة تتطلب منه أي تدخل بصفته أحد الوكلاء الممثلين لرئيس هيئة الاستخبارات..
كونه تعرض للهجوم مرة أخرى في مكان كهذا يظهر وجود مترصد يريد به الأذى.. حتى هذه اللحظة كلما أغمض عينيه تراءت له صورة حلقة الدم التي طبعت على جبين الدكتور ضياء..
حتى مع هذا كان سيكون أحد تابعيه الكفؤين قادراً على التعامل مع حالة كهذه ..


لكن..
تفصيل صغير جعله يهرع الى هنا..
فبين جدران حجرة المراقبة الضيقة شاهد بأم عينيه رجله الأعمى يلج الى هذه الغرفة ليغادرها بعد ذلك بزمن..
ارتفع طرف شفتيه بابتسامة جانبيه بينما التمعت عيناه الزرقاوان لتعكس حقيقة لا يمكن انكارها.. لقد امسك بطرف خيط ولا يمكن أن يسمح بإفلاته..
حتى تحقيقاته المكثفة التي امر بإجرائها عن أطباء هذا المستشفى الذي حوتهم قائمة غسان لم تسفر عن الكثير..


حاتم فادي دكتور الأطفال فقد ولد بمخاض مبكر ليرمي جسده كأحد النفايات الحيوية بعدما أعلنت حالته كطفل ولد ميتاً.. لولا وجود من لاحظ صوت أنفاسه الخافتة لمات بين اكوام النفايات..
ولهذا درس طب الأطفال لينال الزمالة الكندية في طب الأطفال الخدج..
شخص يعد كمكسب للمجتمع و يستحق الاحترام بحق..


فيصل مراد أخصائي العلاج التنفسي يتنفس 12- 20 نفس في الدقيقة كما أنه يعمل متطوعا في عدد من الجمعيات الخيرية كما انه لا يمتلك حتى مخالفة مروريه في سجله..
شخصان مذهلان ونهاية مسدوده..


عض على طرف الكوب بين أسنانه ليبقى الكوب معلقا عند شفتيه فيما حرر كفيه ليخرج ورقة تحوي بخطه المخربش ما استطاع جمعه من معلومات حتى الآن..
تنقلت عيناه بسرعه كضوء أزرق بين محتويات الورقة..

- 3:00 صباحا شاهد العديد من الأشخاص الدكتور ضياء وهو يقف في منصف الشارع ليفقد وعيه هناك..

- 3:45 وصل الى غرفة الطوارئ

- 6:30 تم نقله الى غرفة بعد أن قضى ساعة في غرفة الإفاقة بعد العملية

- 7:12 دخل الرجل الاعمى الى غرفة الدكتور

- 7:48 غادرها

-7:56 تم اكتشاف الحادثة..


أما هو فوصل ورجاله الى هنا بعد ها بقرابة النصف ساعه.. طوى الورقة ليدسها في جيبة مرة اخرى فيما احتضنت كفه الكوب ليعاود الارتشاف منه..
انهى محتويات الكوب ليضغط على الكوب بكفه فيهشمه بينما مرر كفه في خصلات شعره الداكن الذي يميل الى الطول والذي يحكي مع ملامحه حكاية عن دمه ذي الأصول المختلطة..
يصعب عليه التعامل مع كل ذلك الادرينالين الذي يجري في جسده.. متى سيستفيق الدكتور ليحصل منه على ما يعرفه؟


أغمض عينيه..
هل سيستطيع عندها مساعدة غسان ؟!


في الجانب الآخر من ذات المبنى رفع احدهم سماعة الهاتف ليتسلل الى أذنيه صوت حاد:
"فيصل..
استمر بمراقبتك للدكتور ضياء .. كن يقظاً جداً في ذلك"
توقف قليلا قبل أن يكمل وهو يصرف بأسنانه:
"هو الآن على علم بأمرنا"
ابتسم فيصل ليقول ببرود:
"عُلِم"

أغلق هاتفه الجوال ليدسه في جيبه..
التفت الى الدكتور الذي يقف بجواره ليبتسم في اعتذار قبل أن يكملا نقاشهما حول وضع استراتيجية علاج لأحد مرضى العناية المركزة من أجل ضمان استقرار غازات الدم..


بعد ذلك بوقت وبينما كان فارس يقطع الممر جيئة وذهابا مهملا نظرات الطاقم الطبي التي ترمقه بانزعاج وقع بصره على أحد الممرضات التي تحركت بسرعه باتجاه غرفة ضياء..
أوقفها رجل الأمن ليتركها تدخل بعد أن صاحت فيه بانزعاج:
"لقد استفاق!"


تعلقت أحد قدمي فارس الملتحفة بحذاء رياضي أزرق في الهواء لتتجمد حركته وتتسع عيناه.. تحركت قدماه لتقوده بحماس وتتوقف عند الباب المفتوح.. تعلقت عيناه المرسومتين أسفل حاجبين معقودين بذلك الذي يتلوى ألما ..
وقفت الممرضة بجواره لتحنقه عبر السائل الوريدي بجرعة مورفين لتعمل على تسكين الألم.. دفعه احدهم عن طريقه ليلج دكتور ويبدأ في تهدئته بصوت خافت فيما أجرى فحصا له بينما تولت الممرضة مهمة قراءة المؤشرات الحيوية..


لم يطل الوقت حتى هدأت حركته ليسترخي جسده فوق أغطية السرير ..
أغمض عينيه بإنهاك شديد ليعود الى النوم في غفوة لم تطل.. فبعد قرابة النصف ساعة فتح عينيه ليقع بصره على شاب منكس الرأس لتنزلق بعض خصلات شعره فتخفي عينيه اللتان تعلقتا بورقه تناولتها أنامله..

رفع بصره عنه الى السقف مستعيداً ما مر به من أحداث منذ اليوم الماضي وحتى هذه اللحظة..
حتى الوقت الذي تعرضت فيه عائلته الى التهديد..


تحرك الكرسي المعدني على الأرض ليصدر صوتاً أجبر ضياء على أن يحرف بصره ويحدق بالرجل الواقف بجوار السرير..
سأل الرجل ذو العينين المضيئتين بصوت عميق:
"كيف حالك الآن؟"
أجلى ضياء حنجرته قبل أن يقول بصوت مبحوح:
"من انت؟"
دس فارس كفه في جيبه ليستخرج بطاقة عمله ويرفعها امام عيني ضياء .. هز ضياء رأسه بخفه قبل أن يقول:
"نظاراتي"


تناولها فارس من فوق المنضدة ليسلمها الى الكف المرتجفة التي مدها ضياء.. وضعها بصعوبة على عينيه قبل أن يلقي نظرة على البطاقة .. هز رأسه في اعتراف بهوية فارس قبل أن يسأل:
"ما الذي تريده مني؟"

عقد فارس حاجبيه.. أليس ذلك واضحا؟!..
هو مصاب بطلق ناري وأنا محقق؟!! .. من المفترض أن يبدأ في الحديث بعد أن عرف بهويتي ..
ما هدفه من الدوران حول الموضوع هكذا..
ابتسم فارس قائلا:
"أليس سبب تواجدي واضح كفاية لك أيها المصاب بطلق ناري؟!"
سأل مرة أخرى لكن بصوت أقوى:
"وما الذي تريده مني سيد محقق؟!"
تنهد فارس قائلاً:
"بالطبع أريد أن اعرف ما تتذكره عمن تسبب لك بهذا؟"


كثيرة هي الأفكار التي عبرت رأس ضياء خلف عينيه المغمضتين في تلك اللحظة... هو مستعد للمخاطرة بنفسه إن كان ذلك سيعني مكسباً لأحد ما..
سرت قشعريرة باردة في جسده عندما استعاد تلك اللحظات التي بدت له كجحيم لا ينتهي ..
لا يمكنه أن يسمح لأي فرد من عائلته أن يمر ولو بجزء مما مر هو به..

لن يكون واحدأ منهم ..

لا يمكنه أن ينحدر بنفسه الى ذلك المستوى .. لكنه سيكسب لنفسه بعض الوقت حتى يعرف ما هي الخطوة القادمة..
يجب أن يعرف كيف يخرج منتصراً من هذه المعمعة!!


هز ضياء رأسه وهو يقول:
"لا أتذكره"
تنقلت عينا فارس لتدرسا ملامح ضياء وإيماءات جسده في محاولة لاستكشاف الكامن خلف واجهته..
عندما لم يحصل على شيء قال في محاولة منه لكشب ثقة ضياء:
"تستطيع أن تثق فيّ.. ما ستقوله هنا سيبقى بيننا فقط .. لدي بعض من الأفكار لكنني أحتاج الى دليل يساعدني على التقدم في أفكاري "


تعلقت عينان داكنتان بعينين بلون البحر للحظات .. كل منهما يدرس الآخر..
فتح ضياء فمه الا أن شيئا لم يخرج.. فضوضاء ارتفعت عند الباب كانت كفيلة بإخماد أي رغبة في الكلام..
فتح الباب بقوة لتطل ملامحها المحاطة بحجاب زهري بكبرياء ..


تقدمت حلا تطرق الأرض بكعبها العالي فيما ظهر من خلفها أحد رجلي الأمن ليرمق فارس بنظرة ألم واعتذار تحت حاجبين معقودين فيما انحنى جسده ليدعك بكفه ساقه معلنا أن ضربة قاسية وجهت اليها من قدم الفتاه..


زفر ضياء بفقدان للحيلة اما فارس..
فتراجع الى الخلف بخطوة متعثرة بعدما عاد إصبع قدمه الكبير ينبض بألم وكأنه يطالبه بثأر قديم .. وبدم يجب سفكه!!

التفتت ترمقه باستعلاء..
التقت عيناها بعينيه اللتان تحملان البحر في طياتهما..
عندما لمحت تلك العينين تحول الاستعلاء الى شيء آخر فيما تاهت احدى خفقات قلبها في ذلك البحر..


هاتان العينان رأيتهما من قبل لكنني بالتأكيد لم أقابل هذا الشخص مسبقاً؟!.. كانت تلك الفكرة تصول وتجول في رأسها..

أما هو فازدرد ريقه بينما انتقل بصره بين وبين ضياء قبل أن ينكس رأسه لتسقط بعض خصلات شعره مخفية جزءا من ملامحه ..


لكن..
وعلى الرغم من مشاعره الحانقة ضدها تبقى هذه الفتاة التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها قد تكشف مخططاته و تفسد الخيط الوحيد الذي بالكاد وصل اليه..


استدار متجها نحو الباب ليغادر المكان وهو يقر لنفسه باعتراف..
هو شخص عُرف عنه بأنه لا يهاب أحدا منذ طفولته وحتى الآن..
إلا أنه واخيرا قابل من يمكن أن يكون له نداً!!



حلم وردي بدأ ينسج خيوطه..
وينشرها في الانحاء..
كل ما عليك هو أن تتبعها فقط
لتأخذك الى المحطة المقبلة في حياتك!!





****************************


 
 

 

عرض البوم صور futurelight  
قديم 22-12-12, 05:55 PM   المشاركة رقم: 92
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2012
العضوية: 241477
المشاركات: 84
الجنس أنثى
معدل التقييم: futurelight عضو له عدد لاباس به من النقاطfuturelight عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 146

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
futurelight غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : futurelight المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: رماد ملون

 




اخترقت الطائرة سماءً برتقالية اللون..
تحركت كف سمراء لترفع الستار عن النافذة الصغيرة المجاورة له..
أغمض عينيه ليلفح وجهه هواء بارد اندفع من فتحة التبريد بكل جرأة في محاولة لمواجهة لهيب جسده..
لكنه لم يفلح.. فها هو جسده ينبض بحرارة تكاد تحرق من حوله... عقد ذراعيه امام صدرة ليحتوي مكنونات صدره التي تكاد تنفجر..


انحرفت الطائرة عن مسارها ليغرق جسده تدريجيا في الضوء الدافئ المتسلل عبر النافذة من قرص الغروب الأحمر لتعوم أمام عينيه صور مختلفة ومقتطفات لهذا اليوم الحافل..
استعاد صورة قدميه اللتان تعبران رصيفا امتلأ بأوراق الأشجار المتساقطة والمختلفة الألوان ..

التحف جسده بالأسود من رأسه الى أخمص قدميه.. اختار ذلك اللون في محاولة لمطابقة لمزاجه العَكِر ليبدو شكله مناقضا للصورة التي احتوته وللشارع الذي حمل نكهة الخريف في أوراق أشجاره بألوانها الصفراء والحمراء والبرتقالي..


كان بإمكانه ركوب سيارة أجره لتقله عبر هذا الطريق الذي يتجه صعوداً الى أعلى قاصدا مستشفى الصحة النفسية الذي يقع في نهايته لكنه فضل السير على الأقدام فهو لم يجهز ذاته بعد لما قد يواجهه هناك..


وقف أمام أبواب المبنى للحظات يسحب نفسا فيزفره وكأنه يحمل نفسه عتاد الحرب الذي سيمكنه من مواجهة كل ما سيعرفه خلف تلك الأبواب .. امتدت ذراعه ليشتد حولها كم معطفه بينما ضغطت راحته على احد الأبواب لتفتحه..
توقفت قدماه في البهو الواسع ليبدو وجوده باللون الأسود الذي يرتديه مناقضا للون الأبيض الذي يغلب على المكان ..
تقدم الى الامام في خطوات تتعثر بذاتها لتبدو بطيئة فوق الواقع.. استقبله موظف الاستقبال مبتسماً بترحيب..


سأل دون تردد:
"حسناء عبد الخالق.. هل هي أحد النزلاء هنا؟"
لحظات صمت مريب ليسأل الموظف بعدها بأسلوب رسمي:
"هل من الممكن أن اعرف من أنت؟"
أخرج غسان من محفظته بطاقات تثبت هويته ليقدمها الى الموظف قائلا:
"أنا زوج ابنتها"
بعد بحث قصير أجراه الموظف في حاسوبه رفع رأسه بابتسامه ليقول:
"أهلا بك سيد غسان.. لكنها المرة الأولى يأتي فيها شخص لزيارتها عدا السيد وليد"
أغمض عينيه بينما سالت قطرات عرق بارده فوق ظهره وكأنها تربت عليه في مواساة للحقيقة التي اكتشفها تواً..


إذا كانت لعمي والد جود زيارات متعددة الى هذا المكان بينما كنت انا مجرد زوج ابنته المغفل!!
نكس رأسه ليرص عينيه بينما اعتصر قلبه خلف أضلعه.. لقد تواطأت عائلتهم لتنسج كذبة ارتديتها أنا!!
عشت بسعادة كل هذا الوقت قبل أن تظهر لي الهوية المهترئة لتلك الملابس ولتتمزق حياتي أمام عيني ..

كيف استطاعت جود بكل تلك البراءة أن تخدعني!!..
ربما كان الأمر مجرد تشابه أسماء لا اكثر..
ربما تشابه أسماء كان القصد منه إفساد حياته بطريقة أقل عنفا من غيره لكن أشد تأثيرا ..


عقد حاجبيه وهو يصل الى قرار.. سوف يقابل تلك المدعوة بحسناء ويسألها.. لا يمكن أن يرتطم بالجدار الآن..
لا يمكن أن يسمح بحياته بالتوقف..
لا يمكن أن يخسر نفسه.. لا يمكن أن يتوقف قلبه عن النبض!!


فتح غسان عينيه المنهكتين ليطلب تصريحا لزيارتها.. ارتدى تصريحا بالزيارة بعد أن عبأ أوراق تصرح بذلك ..
عبر باباً خلف الآخر برفقه أحد الممرضات يسحب قدميه خلفه بينما تعلقت ظلاله بأرض المكان وكأنها تمنعه من التقدم في طريقه في محاولة لثنيه عن هدم حياته بيديه ..
قادته كل تلك الأبواب التي حملت الكثير من الأقفال الى ممر طويل حوى جانبه الأيسر على العديد من الأبواب أما جانبه الأيمن فقد كان زجاجيا يكشف عن حديقة داخليه..
وقفت أمام أحد الأبواب لتفتحها وتطلب منه الدخول ..


نسمة هواء بارد لفحت وجهه منذ وطأ أرض الغرفة بينما تراقصت ستائر بيضاء في غرفة تغرق في النور لتجعل من الانتعاش حكاية بينما انتشت ذرات الهواء برائحة الورود..
سرعان ما اجتذب كيان ما بصره لتتسع عيناه..


ارتفع صدره بينما اقتحمت دفعة كبيرة من الهواء رئتيه محملة بصدمة لتتجول بين شعبياته الهوائية قبل أن يمتص الدم اكسجين الصدمة لينقله على ظهر كريات الدم الحمراء الى جميع خلايا جسده ناشراً شعورا بالتخدر في كل ما يمر عليه.. ..
لوهلة فصل جسده عن الواقع ..


انهار واقفاً!!
هوى صدره ليلفظ ما في جعبته من أنفاس ..ارتمت ذراعاه الى جانبيّ جسده .. ارتخى منكباه.. مال برأسه جانباً.. عضلة قلبه توقفت عن الانقباض والانبساط..
كان كدمية للتو فصلت عنها الخيوط التي يتم تحريكها بها.. فقد القدرة على الحكم بكل ما يمت للواقع بصله.. شلت جميع حواسه عدا واحده..


تشرب عقله صوره المرأة التي تجلس الى مقعد بجوار النافذة المفتوحة..
تراقصت الستائر حول جسدها الذي ارتدى لباسا أبيض بينما انسابت جديلة سوداء طويله فوق أحد كتفيها ..
كانت تحدق بابتسامه في قطعة الصوف الزهرية التي تحيكها بأناملها..
تحركت شفتاه بصوت لم يخرج.. تحركت ليهمس من دون صوت:
"جود"


من تجلس أمامه كانت زوجته جود بعد عدد من السنوات!!
انتبهت الى وجوده لترفع رأسها .. ما أن وقع بصرها عليه حتى رسمت ابتسامة بريئة قائله:
"عزيزي.. لقد أتيت!"
رفعت كفها بما تحيك لتقول بفخر:
"انظر.. لقد صنعت هذه بنفسي.. سوف ترتديها جود كي تحميها من برد الصباح أثناء ذهابها الى المدرسة"


توقف قلبه عن النبض لوهلة قبل أن يبدأ في التراقص بسرعه..
اجتذب نفساً قصيراً ينعش به نفسه بينما تراجع خطوة الى الوراء..

تحولت ابتسامتها الى استغراب بريء أما هو فتراجع خطوة أخرى قبل أن يغمض عينيه ويدير ظهره لها مخاطباً الممرضة بصوت مبحوح:
"أخرجيني من هنا الآن"

لم تستوعب الممرضة طلبه في حين أنه لم يصل الا تواً.. زالت ابتسامتها تماما حين صاح فيها بصوت حاد:
"الآن"


.
.


قضى طريق العودة كله في محاولة استيعاب ما حدث.. لكنه لم يفلح في الوصول الى عمق الموضوع..
فكلما حلل ما يجري حوله وجد أنه في تخبط أكثر..


لماذا؟!
ما الهدف من الكذب؟!
كيف استطاعت خداعة طول هذا الوقت؟!
هل هو مغفل عاش متجاهلا لكل ما حوله؟!..
أم انها كاذبة محترفة الى درجة مخيفه؟!
منذ البداية وعند سؤالهم عن منزلهم صدق كلمات أقاربهم الذين يعيشون في العاصمة.. هل هؤلاء الأقارب متواطئون معهم أم هم مجرد مجموعة من المغفلين؟!
أوقف عدة مرات سيل الأفكار رافعا كفيه ليضغط على جانبي رأسه بقوه في محاولة لتخفيف الصداع الذي يفلق رأسه.. لكن كل ذلك كان دون نتيجة..


فها هو يقف امام باب منزله دون أن تهدأ عواصف عقله بصداع متزايد وبقلب يكاد ينفجر!

دخل غسان المنزل ..
خلع حذاءه بهدوء قبل أن يقطع الممر الرخامي ويلج غرفة الجلوس.. وقع بصره عليها وهي تحتل المقعد المجاور للنافذة لترسم صورة مشابهة للمرأة التي رآها صباحاً!
استقامت واقفة بفستان أبيض قصير عاري الكتفين بعد أن رسمت على شفتيها ابتسامة لم تجد لها صدىً في ملامحه..


تكسرت أنفاسه خلف واجهة معطفه السوداء لمرآها..

تلاعبت بي..
دمرتني..
حطمت الحياة السعيدة التي اعتقدت أنني امتلكها..
توقفت خطواته أمامها لتتنقل عيناه بتجهم فوق ملامحها التي اضمحلت ابتسامتها..
لقد قتلتني هذه الفتاة بكمال ارادتها.. اغتالت روحي عندما سرقت مني معشوقتي..


قتلت زوجتي!!

تحركت شفتاه ليخرج صوته كفحيح غاضب:
"من أنتِ؟!"

بدا صوته غريبا حتى على أذنيه.. غدا شخصاً مختلفاً بعدما فقد حياته على يديها..
اختلجت عيناها.. هوى رأسها جانبا بثقل بينما رسمت ابتسامة مغتصبة على شفتيها لتسأل:
"ماذا تعني عزيزي؟"


تدعي البراءة!!
كان يحاول السيطرة على غضبه منذ البداية وحتى الآن .. كان يحاول احتواء ردة فعله كي لا تخرج عن حدها ..
كم ستستلذ روحه الثأر عندما يحرر غضبه الكامل فيحطمها تماماً!!
كم تاقت نفسه الانتقام لرجولة جريحه!!

لكنه لن يفعل..


ليس من مبادئه إيذاء النساء حتى وإن كانت الفتاة التي أمامه تستحق القتل!!
أغمض عينيه في محاولة لتهدئة ذلك الغضب الهائج والذي سرى في جسده لينشر رجفة في أوصاله..


فتح عينيه الداكنتين ليمد كفه السمراء المرتجفة بسرعه ويغطي براحته شفتيها بينما استقرت أصابعه على وجنتيها لتضغط فوقهما بقوه..

التمعت عيناها ببحيرة من الارتباك.. بدت بشرتها الشاحبة باهتة جداً مقارنة بكفه السمراء..
مهما حاول احتواء غضبه لا يمكنه السيطرة على ردة فعله بالكامل أمام قاتلته..


دفعها الى الخلف بقوة لتتعثر متراجعة حتى أوقفها جدار ارتطم رأسها فيه بقوه..
أفلتت منها صرخة ألم لتغرق في خطوط راحته.. اقترب منها أكثر .. كان جسده يحتضن جسدها الا أن ذراعيه لم تحيطا بها .. فواحدة منهما استقرت فوق شفتيها اما الأخرى فكورها بجانبه ليسيطر بها على غضبه..


أبيض وأسود.. لونان متناقضان..

وقفا جنباً الى جنب في صراع متوقعة نهايته فمن الطبيعي أن يكتسح الأسود بقوة حضوره هشاشة الأبيض..

لكن ماذا عن اللون الرمادي الذي سينتج عن ذلك؟!


التفت غسان باتجاهها لتهمس شفتاه في أذنها بصوت بدا كالسم في كيانها:
"كاذبه"


انزلقت دمعة على وجنتها قبل أن ترتطم بكف غسان..
انزلقت ليتبعها الكثير فيما بدت أنفاسه الحارة باردة جدا على وجنتها المبللة..
تحركت شفتاه لتحكي الكثير من الكلمات التي ترددت في جوفها كمجسم فارغ:
"هل كان ذلك ممتعاً؟!
كذبتِ علي طوال عامٍ كامل.."

صدرت عنه ضحكة قصيره لا تمت للضحك بصله:
"مجرد أحمقٍ يقبل بأي فتات ترمينه في وجهه"


تعلم انها تستحق كل ذلك .. كم تمنت أن تهرب من غضبه لكنها لم تتحرك قيد أنمله..
رصت عينيها بقوة فقط في محاولة لإيقاف سيل الكلمات الغاضبة التي تنساب بين شفتيه بسلاسة من العبور الى عقلها:
"كاذبة حقيرة.."

ضغط رأسها في الجدار أكثر وأكثر:
"ابنة قاتلة "


رفع كفه عنها لينهار جسدها وكأنها بقوة تلك الكف تمكنت من الوقوف كل تلك المدة..
تزحلق جسدها على الجدار فيما تشبثت به خصلات شعرها وكأنها تحاول منعها من السقوط..

اتكأت بكفيها على الأرض فيما اهتز جسدها لتخرج منها شهقة قصيرة تبعها الكثير.. تعلقت عيناها بالفراغ الذي يلف جسدها لكن ذلك لم يمنعها من سماع الكلمات الملوثة التي لفظتها شفتاه من علو:
"لا بد انك مجنونه حتى يكون باستطاعتك الكذب لمدة عام .."

استدار كي يمنعها من رؤية نظرة الألم التي بدت أسيرة عينيه فيما اكمل:
"رائع.. لقد تزوجت مجنونه"
التفتت ليريها جانب وجهه ويرمقها بنظرة احتقار فيما قال وهو ينفث حممه في كيانها:
"مجنونة أبنة مجنونه"

تحركت قدماه باتجاه غرفة النوم ليفتح بابها بعنف.. توقفت خطواته هناك ليرمي برصاصته الأخيرة تجاهها:
"أختفِ من أمام عيني ..
لا أرغب برؤيتك مرة أخرى ما حييت"




صاحت روحه فلم تجد لها صدى ..
تلفتت ذاته فلم تجد لها انعكاساً..
متى فقد حياته؟!

لا يعلم لذلك السؤال جواباً ..





*******************************



 
 

 

عرض البوم صور futurelight  
قديم 29-12-12, 08:17 PM   المشاركة رقم: 93
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2012
العضوية: 241477
المشاركات: 84
الجنس أنثى
معدل التقييم: futurelight عضو له عدد لاباس به من النقاطfuturelight عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 146

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
futurelight غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : futurelight المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: رماد ملون

 



لوحة ترسمها الحياة بألوان أيام عشناها..

نعتقد أننا نعرفها تمام المعرفة

هي حياتنا!!

لكن..
وبكل جلسة تأمل أمام تلك اللوحة

تكتشف لوناً جديدا لم تكن تعلم أنك تملكه!!



 
 

 

عرض البوم صور futurelight  
قديم 29-12-12, 08:19 PM   المشاركة رقم: 94
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2012
العضوية: 241477
المشاركات: 84
الجنس أنثى
معدل التقييم: futurelight عضو له عدد لاباس به من النقاطfuturelight عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 146

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
futurelight غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : futurelight المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: رماد ملون

 





اللون الخامس عشر..



أبيض وأسود.. لونان متناقضان..


كان جسده بلباسه الأسود يحتضن جسدها بفستانها الأبيض الا أن ذراعيه لم تحيطا بها ..
فواحدة منهما استقرت فوق شفتيها لتكتم أنفاسها اما الأخرى فكورها بجانبه ليسيطر بها على غضبه قبل أن يحطمها!!
وقفا جنباً الى جنب في صراع متوقعة نهايته فمن الطبيعي أن يكتسح الأسود بقوة حضوره هشاشة الأبيض..


لكن ماذا عن اللون الرمادي الذي سينتج عن ذلك؟!

عبرت الكلمات الغاضبة شفتيه بسلاسة:
"كاذبة حقيرة.."
ضغط رأسها في الجدار أكثر وأكثر:
"ابنة قاتلة "


رفع كفه عنها لينهار جسدها وكأنها بقوة تلك الكف تمكنت من الوقوف كل تلك المدة..
تزحلق جسدها على الجدار فيما تشبثت به خصلات شعرها وكأنها تحاول منعها من السقوط..
اتكأت بكفيها على الأرض فيما اهتز جسدها لتخرج منها شهقة قصيرة تبعها الكثير.. تعلقت عيناها بالفراغ الذي يلف جسدها لكن ذلك لم يمنعها من سماع الكلمات الملوثة التي لفظتها شفتاه من علو:
"لا بد انك مجنونه حتى يكون باستطاعتك الكذب لمدة عام .."
استدار كي يمنعها من رؤية نظرة الألم التي بدت أسيرة عينيه بينما انعقد حاجباه بانكسار فيما اكمل:
"رائع.. لقد تزوجت مجنونه"
التفتت ليريها جانب وجهه ويرمقها بنظرة احتقار فيما قال وهو ينفث حممه في كيانها:
"مجنونة أبنة مجنونه"
تحركت قدماه باتجاه غرفة النوم ليفتح بابها بعنف.. توقفت خطواته هناك ليرمي برصاصته الأخيرة تجاهها:
"أختفِ من أمام عيني ..
لا أرغب برؤيتك مرة أخرى ما حييت"



دلف الى الغرفة ليغلق الباب مخلفاً وراءه حطام حياه..
رمى بثقله الى الباب لتدور عيناه في غرفة كانت له مسكناً أكثر من 394 يوما .. ألم يمض على زواجه عام وشهر!!..

أشاح ببصره قبل أن يدفن وجهه بين كفيه..
لم يحتمل مشاهدة هذا المكان الذي حوى أشلاءً لحياة كاذبه اعتقد انه امتلكها..
عاش حياته معتقداً انه امتلك الحياة بين كفيه بعدما غدت جود شريكة حياته.. تلك التي كذبت عليه منذ البداية يعني أنها كذبت عنه في الكثير..
تلك الفتاة التي كل ما عرف عنها أكثر هام في عشقها أكثر!!


يعلم انه كان مغفلا حد النخاع حتى تم خداعه بهذا الشكل لكن..
رفع كفيه ليكشف عن حدقتين تسبحان في بركة حمراء..


لكن..
تقدم عدة خطوات ليفتح خزانة الملابس.. ظهرت له العديد من قطع الملابس النسائية بمختلف الألوان..
ازدرد ريقه عدة مرات لتنهار في كل مرة تفاحة آدم .. فعل ذلك في محاولة للتحكم بمشاعره التي تحاول تسلق حنجرته..
فرت تلك المشاعر منه لتختلج ملامحه بألم وازهاق روح..


لكن..
هو الآن شخص فقد للتو حب حياته أم عينيه!!
مد يدا مرتجفة لتتعلق بفستان زهري بينما فرت دمعة غادره من عينه اليسرى..
سحب قطعة الملابس ليدفن فيها وجهه فيما تحررت شهقة من بين شفتيه..


تلك الدموع..
أقام بها مأتماً لزوجة اختفى وجودها من حياته..

مجلس عزاء لم يحضره شخص غيره.. ولا يوجد من يبكي فراقها غيره..

ارخى ركبتيه ليجلس على الأرض ويحني ظهره بانكسار..


اليوم فقد جزءا منه..
نصفه الثاني في الحياة الذي لن يجد له مثيلاً..

اليوم انشطر قلبه بفراق معشوقته..
دفن وجهه أكثر واكثر في فستانها يرثي زوجة لم يعد لها وجود!!





 
 

 

عرض البوم صور futurelight  
قديم 29-12-12, 08:21 PM   المشاركة رقم: 95
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2012
العضوية: 241477
المشاركات: 84
الجنس أنثى
معدل التقييم: futurelight عضو له عدد لاباس به من النقاطfuturelight عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 146

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
futurelight غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : futurelight المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: رماد ملون

 





أما تلك الزوجة..
فقد انحنت كتفاها بانكسار فيما رفعت كفيها لتحيط نفسها بذراعيها .. تلملم شتات وجود تبعثر في المكان..
شدت نفسها أكثر ليبرز عظمي ترقوتها أسفل عنقها كشهود أبرزوا تواجدهم لمواساتها في محنتها!!


شهقة تلو الآخر..
في كل شهقة تستنشق عبق المسك الذي تبثه معطرة الجو باجتهاد وكأنها اخذت على عاتقها مسئولية انجاح حياتهما !!
في كل شهقة كان كيانها يهتز لتهتز معها خصلات شعرها.. التصقت تلك الشعيرات بوجنتيها المبللتين وكأنها تربت عليهما بعد الألم الذي مر بهما..


احنت ظهرها لتوسد جبينها الأرض..
للتو انتهت حياتها..
انبأها حدسها منذ البداية أن هذا اليوم يحمل في أذياله نهاية كهذه..
لكنها كانت تأمل أن يكون كل ذلك مجرد خيال..
أن تمتلك فرصة أخرى تصحح فيها الكثير..

هي عندما قررت الكذب من اجل بدء حياتها لم تكن تنوي الاستمرار بذلك..
كانت ستكشف حقيقة كل شيء عندما تستوثق من انها امتلكت قلبه.. لكن.. بدا أن الفرصة المناسبة لم تأتي مطلقاً..
كانت قد قررت كشف كل شيء إذا انتهى هذا اليوم على خير..
لكنه حمل هذه النهاية السوداء ليقتلها!!
كم أتمنى لو أستطيع البكاء بصوت عالي..


لكن ..
تتساقط الدموع وتستمر الشهقات.. أما الانفجار بالبكاء فهو شيء لم أفعله مطلقا ولا أعرف السبيل له الآن..
أغمضت عينيها فيما شعور ساحق يعتصر خلاياها..
كم أتمنى لو تتوقف حياتي الآن في هذا المكان وعلى هذه الأرض التي حوت سعادتي يوماً..
لو انني فقط أغمض عيني كي لا أفتحهما مطلقاً..


ما الفائدة من البقاء حيه؟!
ما الذي سأجنيه من المضي في وجود لن يتقبله أحد يوماً؟!!
أنا لا أرغب في رؤية غد تغرق ظلماته روحي..

ألا يمكن لكلماته التي قالها والتي لا زالت حتى هذه اللحظة تتردد في جوفها أن تبتلع روحها.. ألا يمكن لتلك الكلمات أن تسحق خلاياها؟!
أليس بإمكان كلماته أن تصهر جسدها فتعود الى أرض ستدفن تحتها يوماً ما؟!
ألا يمكن لقلبها أن يتوقف عن النبض ولو للحظات؟!



اعتصرت روحها لتتسلق محتويات معدتها المريء.. انفرج جفناها ليكشفا عن عينين مظلمتين لا قعر لهما فيما نهضت بخطوات تتعثر فيها بقدمين حافيتين نحو دورة المياه..
انحنت على الحوض لتستفرغ ما في جوفها مع أنها لم تتناول شيئا ذلك اليوم..
ارتجفت ركبتاها وكأنهما تنبأنها بانها ستنهار مرة أخرى في هذا المكان..
شدت راحتيها على طرف الحوض قبل أن تغسل وجهها وتستقيم واقفه.. غادرت المكان لتتناول هاتفها الجوال وتتصل بوالدها..
يجدر بها أن تغادر قبل أن يراها غسان..


هو قال أنه لا يرغب برؤيتها لأن رؤيتها ستسبب له الألم..
لقد أخطأت في حقه كثيرا لذا لا يمكن أن تؤذيه أكثر مما فعلت!!
خرج صوتها مختنقا وهي تخبر والدها أن يأتي ليقلّها.. رفضت أن تقول أكثر من ذلك مهما استفسر وتوسل ..
انهت الاتصال بعدما وعدها انه سيصل اليها بعد عشر دقائق..
آخر عشر دقائق في حياتها تقضيها بين هذه الجدران..



تنقلت عيناها في انحاء المنزل قبل أن تتوقف على باب غرفة النوم.. تحتاج أن تأخذ عباءتها من هناك..
تقدمت بخطوات مرتجفة فيما قبضت كفاها على أطراف فستانها بارتباك.. توقفت امام الباب ووقتها الذي تقضيه بين هذه الجدران في تناقص..


تسع..
ثمان دقائق..


ازدردت ريقها عدة مرات لتمد كفاً حملت في نهايتها أنامل مرتجفة.. توقفت كفها على بعد عدة انشات من الباب لتشد قبضتها وكأنها ستطرقه.. رفعت كفها الأخرى لتفردها على نحرها وكأنها تطلب من أنفاسها أن لا تتوقف هناك.. أن تكمل طريقها الى رئتيها..


سبع..
ست ..
خمس دقائق..


نكست رأسها لتنزلق خصلات شعرها فتخفي ملامح وجهها.. سقطت دمعة مثقلة بالمشاعر لترتطم بالأرض .. رفعت كفها من نحرها لتضعها على شفتيها فتخفي صوت بكاءً قد يفضح لحظات القرب الأخيرة التي تمتلكها بجواره..
فردت كفها الأخرى على الباب..


معك فقط عادت روحي الى الحياة بعد موت دام لسنوات..
معك فقط خرجت من مهد الحياة لأسير خطواتي الأولى ..
أسفة حقا أنني لم أتقن المسير..
آسفه لأنني تعثرت كثيرا لتسقط انت قبلي على الأرض في كل مره..
لم أعرف معنى الحياة الا معك لذا لا أعتقد انني أستطيع العيش من دونك..
ما اقترفته في حقك كان خطأً لا يغتفر..


أرجوك..
ضغطت بكفها على شفتيها بشكل أقوى فمشاعرها ستفضحها..
ربتي على كتفيه يا جزيئات الهواء..
قولي له أن الآمر لا يستحق الحزن..
أنني أنا أستحق الكره فقط..
أنا من سأفكر به فقط فلا حياة لي من دونه.. اما هو فليمضي قدماً بسعادة في حياته.. أخبريه أنني مجرد عثرة في حياة ..
انه سينساني ويستمر على الرغم من كل شيء..


لم يمض الكثير من الوقت حتى سمعت صوت جرس الباب..
دلفت غرفة الغسيل لتخرج عباءتها الأخرى التي وضعتها في سلة الغسيل وترتديها..
متسخة لم تغسل.. تملأها الكسور .. وتحمل رائحة غريبه..

ألا تشبه هذه العباءة القذرة وجودها في الحياه؟!


فتحت الباب الخارجي لتجد والدها أمامها.. تنقلت عيناه في وجهها ليقرأ في شحوبها وعينيها المتورمتين الكثير..
تغضنت ملامحه بمشاعر غضب لا يمكن وصفها..
لم ينطق بحرف لكنه تقدم الى الأمام ليجد الشخص الذي تسبب في هذا الأذى لابنته..

لقطعة من قلبه المكسور!

ألا يكفيها ما مرت فيه حياتها سابقاً.. لماذا لا يستوعب أحدٌ كم هي رقيقة وسهلة العطب صغيرته؟!

لم يكد يتقدم خطوتين الا تشبثت جود في ذراعه تتوسله بصوت مخنوق:
"أبي أرجوك.. توقف..
لقد اكتشف كل شيء .. أنا من أخطأت عندما قررت الكذب..
أنا أستحق تلك النهاية لأنني أنا من صنعتها.."
رفع كفه ليضغط بها على كتفها قائلا بألم والد لا يمكنه أن يرى طفله جريحاً:
"لكن.."
قاطعته وهي تهز رأسها قائلة بحزم:
"أنت قلت سابقا أن الكذب خطأ.. لذا أرجوك فلنغادر بهدوء.. لا يمكن أن أدعه يتحمل مسئولية أفعالي "

حاولت ان تكون حازمة لكنها فشلت في ذلك بعد ان خرج صوتها مبحوحاً.. فشلت وهي تشهق بين الجملة والأخرى..
فشلت بجدارة ولكنها نجحت في إخبار والدها كيف كان ينكمش قلب صغيرته..

لذا لم يكن امامه الا لملمة شتاتها ويلف ف ذراعيه حول كتفيها ويجتذبها محتضناً اياها..
تكسرت عبراتها لتخرج مكتومة في حضنه بينما شدد هو من احتضانه لطفلته..
ربت على ظهرها.. يفعل ذلك مواساة لألمها ومحاولة للملمة شتات طفلة كانت تركض ببراءة ذات يوم..
غادرا معا..

اليوم عادت اليه طفلته المحطمة التي احتواها بين ذراعيه قبل سنوات لكنه عجز عن إصلاح شروخ روحها مهما بذل من جهد..


أما هي ..
فألقت على المكان نظرة أخيره..

ترى ..
لو حانت لحظة موتي و طلبت عندها أن أدفن في هذا المكان..

هل سيكون هذا ممكناً؟!



في ذلك المساء..
أسدل الستار على حياة جمعتهما..
لكن ..
ومن حيث لا يعلم احد فتحت صفحة جديده

تحمل في نهايتها توقيعا لحياة جديده..


******************************



 
 

 

عرض البوم صور futurelight  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لأنو, للكاتبة futurelight, ليلاس, مستقبل, لغه فصحى, منتدى قصص من وحي قلم الأعضاء, رماد, رواية رماد ملون, روايه مشوقه, ضياء, ضياء و قمر, قمر, قصص و روايات
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:01 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية