لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-12-12, 06:22 PM   المشاركة رقم: 76
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2012
العضوية: 241477
المشاركات: 84
الجنس أنثى
معدل التقييم: futurelight عضو له عدد لاباس به من النقاطfuturelight عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 146

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
futurelight غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : futurelight المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: رماد ملون

 





اللون الثاني عشر





تقدمت السيارة البيضاء بفخر بين صفوف من مثيلاتها لتتخذ لنفسها موقفاً بينها.. فُتح باب السياره ليترجل منها تسبقه رائحه عطره ..
وعلى الرغم من ان الهواء ارتدى ثياب البروده بقرب الشتاء الا ان الشمس لا زالت تعلن عن هيمنتها بانعكاسها على عدستي نظارته الشمسيه..
ابتسامة تكشف عن صف من الاسنان البيضاء ..


غادر المستشفى بسرعه ولم يضيع وقتا حتى في تغيير ملابس العمل لذا يفترض به ان يشعر بالبرد مع ملابسه الخفيفه.. الا انه لم يكن كذلك..
فالشوق والفضول اللذان يسكنان خلاياه يعملان وبخارج دوام كمواقد تدفئه تجعل الحراره تسري في جسده..
قمر طلبت مساعدته بسرعه.. ما الذي دفعها الى اتخاذ خطوة كهذه؟!
وماهو الأمر الذي قد تحار فيه الى درجة تدفعها الى طلب المساعده؟!
كان ولازال يعتقد انه من المسحتيل ان تتنازل عن ما تتشبث به بهذه السرعه ودون مجهود يذكر منه!


ضغط على زر اغلاق السياره وهو يسير مبتعده ليرسم زيه الأزرق ملامح جسد بالكاد أحتوت روحه المحلقه..
ما إن تطلب مساعدته لمرة واحده حتى يغدو الامر أسهل في المرات القادمه كي تتقبل وجودي بجوارها؟!..


خطوات واسعة اتخذها لتقربه من تلك الواقفه امام باب المدرسة الابتدائية بترقب.. ما سر هذا العشق الذي يكنه لها ؟
ما الذي تملكه قمر ويجعله سعيدا هكذا ؟

يقال أن الانسان ينجذب دوما الى ما ينقصه..
الى الشخص المكمل له.. هل هذا يعني أن هذه الفتاة مكملة لوجودي ؟!
أحببتها في ذلك الوقت الذي أبعدني فيه والدي الى جدي..
كانت هي الخيال والسلوى الوحيده التي أأنس بذكراها.. الشخص المقرب الوحيد الذي لا أحمل تجاهه ذنباً .. لا أُدان أمامه بالكذب..
أو ربما لأن علاقتها مع أبيها تحمل الكثير من الاعجاب والقدسيه أما انا فكأنها مرآة تملأها الشروخ !!


اقترب اكثر .. عدة امتار هي كل ما يفصل بينهما .. خفف سرعة مشيه بينما التفتت هي باتجاهه..

متران ليصغر اتساع خطواته وكثير من الأفكار تحوم في الجو..
لا يهم حقيقة السبب .. فلم تمتلك يوما المشاعر أسبابا لهويتها التي تتخذها..
أقل من متر لتتوقف الخطوات عندها ويقف هو ليحمل قلباً يضخ أحساسا مخدرا يسكبه مع السيالات العصبيه ..
تنقلت عيناه في وجهها بدءاً بحاجبيها المعقودين بقلق .. ملامحها الناعمه .. الخمار الداكن الذي يحيط بوجهها ..


المهم ..
هو أنني أعشق هذه الفتاه..
ارتسمت ابتسامة على شفتيه هو يقول بهدوء:
"ماذا هناك؟"
مدت ذراعها باتجاه المدرسه لتقول بقلق:
"أحمد.. تورط في مشكلة ما .. طلبوا حضور وليّ أمره و عمي لم يعد بعد "
ارتمت ذراعها الى جانب جسدها بفقدان حيله:
"أنا لست رجلاً.. لا أستطيع أن ألج الى مدرسته كي اتناقش مع عدد منهم"


انعقد حاجباه..
هكذا اذن.. هذا هو السبب الذي ارغمها على الاتصال بي..
كنت أعلم انها لن تطلب مساعدة الا على شيء عويص بالنسبة لها .. لكن.. لم اتوقع من كبرياء هذه الفتاه أن ينحني بسرعة هكذا.. بالكاد مرت أربعة وعشرون ساعة منذ حديثنا بالأمس وها انا اجدها أمامي تطلب مني مساعدة !!
ربما ..
ما مرت به في ليلة حفل الخطوبه كان له أثر اكبر عليها مما أبدت؟!!
كانت عيناها تلمعان وهما تتنقلان بين وجهه و بوابة المدرسه .. وجنتان متوردان بفعل وقوفها تحت الشمس وملامح حائره..



سألها:
"منذ متى وأنتِ هنا؟"
رفعت يسارها كي تعرف الوقت لكن يدها ارتدت خائبة بجوارها.. فهي لم ترتدي ساعه!!
أخفضت رأسها بحيرة لتعترف:
"لا أعلم .. نسيتها في مقر عملي "
هي اتت هنا على عجل أما هو فكأي رجل شرقي برزت على الواجهه غريزة الحماية التي لديه.. مساعدة من يقف في زاوية منهكه..
قال بثقه:
"سأدخل لأفهم ما يحدث اما انتي فابتعدي عن هذا المكان.."
توقف قليلا عن الحديث ليتأمل شكلها قبل أن يقول بضيق:
" لقد وقفتِ تحت الشمس لوقتٍ طويل!!"


قالها واستدار مبتعداً باتجاه المدرسه.. وصله صوتها من بعيد.. كان صوتا إخترق ذاكرته ليعبر السنوات ويتمثل أمامه في طفله طفلة صغيرة ذات شعر قصير كانت ترى في شخصه عالماً لها..
"ضياء"
لكن هذه المره اختفت من الصوت بحة الطفوله ليحمل لمحة أنوثه وحزنا أكسب إسمه بعدا آخر..


واخيرا بعد كل هذا الوقت عبر اسمه شفتيها... لم تنطقها مرة منذ أن تلاقيا وكأنها ترفض تواجده .. ترفض عودته الى عالمها..
ربما كانت حزينة ترثي ضعفا اجبرها على الاعتراف بتواجده في حياتها.. لكن..
التفت باتجاهها دون ان أن ينطق بشيء ليراها منكسة الرأس.. رفعت رأسها تدريجيا لتلتقي عينيها بعينيه..
أمال رأسه جانبا في انتظار ما ستحمله من كلمات.. اما هي فحكت عيناها الكثير من الرسائل، أغمضتهما بسرعه قبل ان يكتشف ما يختبأ فيهما..


رفعت ذقنها لتفتح عينيها وتقول بقوه تخفي فيها ارتباكا وقلقا.. ضعفا وحاجة الى كتف تستند عليه..
"شكرا لك"
اكتفى بإيماءة من رأسه قبل ان يعود لإكمال طريقه .. الكثير من الكلمات من طرفه لن تسبب الا احراجا لها..
لذا سيلتزم الهدوء .. ويترك الكرة في ملعبها ترميها أينما تشاء.. ستتنقل بها في كل مكان الا ان مصيرها الى مرماه حيث تهز شباكه ..
لن يقبل بأقل من ذلك!


داخل أسوار المدرسه وتحديدا في غرفة الأخصائي الاجتماعي ..
أشار له الرجل الأربعيني بالجلوس أمامه ليفصل بينهما مكتب داكن اللون.. قال دون مقدمات:
"ما قرابتك يا سيد للطالب أحمد يوسف؟"
اجاب ضياء :
"من العائله.. "
توقف للحظه قبل ان يكمل باتسامة وثقة اكبر:
"زوج اخته"
هز الأخصائي رأسه متفهما ومتقبلا هوية الشخص الذي سيناقش موضوعه معه:
"أحمد يا سيد ضياء تغير كثيرا على العام.. في السابق كان مختلفا..
ربما لم تكن علاماته الأفضل لكنه كان متميزا بكل تأكيد وليس طفلا يبحث عن مشاكل"


عقد ضياء حاجبيه في محاولة منه لتذكر شكل هذا الأحمد - الذي يجدر به ان رآه من قبل - لكنه لم يفلح.. اكمل الاخصائي:
"منذ وفاة والده وهو في تغير.. بدا يميل الى التمرد.. أحيانا يكون عدوانيا بشكل غير مبرر..
أما هذه المره فهو لجا الى العنف"
رفع ضياء حاجبيه وهو يسمع قصة الأخصائي عن سبب الشجار الذي حدث بين احمد وزميل له في الصف بعد أن سخر منه كونه لم يوفر بعضا مما طلبه المدرس..
ثم أسهب في الحديث عن كونه يحتاج الى اهتمام وعناية اكثر.. فبعد ان فقد دعامة في حياته يحتاج ان يعيد بناءها مرة أخرى من دون تلك الدعامه ..
إن بقي يتشب بها دون اعادة بناء سوف ينهار يوما ما..


دخل بعد قليل أحمد الغرفه مع احد المدرسين ..
رص عينيه بعد ان وقع بصره على ضياء.. كان يمتلك عيني قمر !
لِم لم يلاحظ ذلك من قبل!.. تلك العينان اللتان تلمعان بتمرد تحت غطاء شعر كثيف..
ألقى ضياء التحية قبل أن يغادر ثم وضع كفه على رأس أحمد مربتاً ليغادرا معاً..
لم يتجوازا عدة خطوات بعيدا عن الغرفة الا وتوقف احمد عن المسير ليتقدمه ضياء بخطوه وتبقى كف الأخير معلقة في الهواء..


كانت أشعة الشمس المتسلله من النوافذ التي تنتشر على طول الممر ترسم ظلاً طويلاً له.. نكس رأسه لتنعكس الأشعة عليه بينما نطق بخفوت:
"لا تخبر قمر عن سبب المشكله"
هز ضياء رأسه مؤكدا:
"لن أفعل"

لا يمكن ان يسبب لها الاسى بمعرفة تفاصيل كهذه.. ارتفع صوت أحمد هذه المره بنبرة حاده:
"لقد نعتني بالفقير"
سأل ضياء بهدوء:
"ولماذا فعل ذلك؟"
شد احمد قبضتيه ويقول بصوت مخنوق:
"لأنني لم احضر ما طلبه المدرس.."

رفع رأسه وهو يقول وكأنه يريد تلاحق الكلمات التي نطق بها .. مسح العار الذي تسبب به:
"لكنني لست فقيرا!..
أنا فقط لم أرغب بأن أكون عِبئاً على أختي.. تعمل كثيرا من أجلنا ثم نطلب منها الكثير "
تقدم ضياء منه ليحني ركبته فتلتقي عيناه به وفي نفس المستوى:
"لو سمعت اختك كلماتك هذه لغضبت كثيراً"

خالط الخوف ملامحه ليكمل ضياء:
"دعني أخبرك شيئا مهما..
لن تكون بالتأكيد عبئا على قمر .. أنتم عائله..
لا يمكن ان يكون شخصٌ فيها عبئٌ على الآخر..
تتعاونون كي تمضي حياتكم .. هذا ما يحدث"
رفع أحمد حاجبيه باتسغراب:
"نتعاون؟!"
أومأ ضياء مضيفاً:
"تتعاون .. كما هي تقدم لك.. قدم لها انت الآخر.. أعنها فيما تستطيع فعله ..
هكذا لن تكون يوما عبئا كما تعتقد"


مرت لحظات أستغرق فيها احمد بالتفكير.. ثم فجأه ارتسمت البسمة على ملامحه قائلا:
"هذا صحيح"
استقام ضياء قائلا:
"دعني أخبرك شيء آخر..
الفقر امتياز قبل ان بكون سببا للسخريه.."
توقف للحظات ليتذكر والده ووضع عائلته:
"أن تكون فقيرا يعني أنك عشت حياة أصعب من غيرك.. الظروف الصعبة هي التي تصنع منك رجلاً يعتمد عليه.."


أومأ أحمد برأسه مفكراً ثم أكملا مسيرتهما لمغادرة المكان.. يسران بخطوات واسعه.. ساقان طويلتان تتبعهما اخريتان قصيرتان..
كل منهم يحملان في نهاية جذعيهما رأساً تموج فيه الأفكار..
وضع نظاراته الشمسيه على عينيه بابتسامة هادئه.. على الرغم من غضبه من قمر التي بعنادها تسببت بمشاعر كهذه في طفل صغير.. اعتمادها على نفسها جعل مِن مَن حولها يعتقدون بانهم عبء عليها..


لكنه سعيد بنفس الوقت فهاهو ينغمس في امورها العائلية اكثر.. يجدر به أن يكون كالشجرة التي تضرب لها جذوراً عميقه ومتشعبه..
التي حتى وان حاولوا اقتلاعها لا يمكنهم فعل ذلك تماما الا بعد أن تقتلع الجذور الأرض معها ..


توقف احمد عن المسير ليقول :
"أنا أعرفك.."
التفت ضياء باتجاهه لتتسع ابتسامته:
"اخبرني من انا ان كنت تعرفني؟"
عقد أحمد ذراعيه امامه في دفاع عن ذاته وهو يجيب:
"أنت من ستتزوج قمر.. لقد رأيتك من قبل"
اتسعت ابتسامة ضياء ليقول بمرح:
"بالضبط.. انا من سيتزوجها"


كانت اشعة الشمس المرتحلة عبر الزجاج تنعكس على شعرهما في مساواة تامه..
عقد احمد حاجبيه باستفسار:
"هل أنت شخص سيء أم جيد؟"
توقف عن الحديث ليرفع كفه ويقول باتسامه:
"أعرف.. انت شخص جيد"
هذا الطفل.. يغرس فيه شعوراً بالذنب!!
سأل بارتياب:
"لماذا؟!"
اجاب واثقا:
"لأنك تقول كلاما جيداً.. كما ان لباسك يعني بأنك دكتور.. "
توقف ليومأ بسعادة كمن حصل على كنز:
"للدكتور راتب جيد!.. يجدر بك أن تكون شخصاً جيداً"


ارتفعت ضحكة ضياء.. ليت قمر مثلك فقط لكان مشواره في الوصول اليها أقصر بكثير..
غادرا المدرسه بعد ان وعد ضياء بأخذه الى مدينة الملاهي بذلك المرتب الجيد!!
وليسقى هو شجرته بكثير من الماء فتطول جذورها اكثر فأكثر..






****************************

 
 

 

عرض البوم صور futurelight  
قديم 08-12-12, 06:31 PM   المشاركة رقم: 77
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2012
العضوية: 241477
المشاركات: 84
الجنس أنثى
معدل التقييم: futurelight عضو له عدد لاباس به من النقاطfuturelight عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 146

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
futurelight غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : futurelight المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: رماد ملون

 







جلست على احدى المقاعد الخشبيه ..
تعلو رأسها مظلة حملت الوان قوس قزح.. ألوان تتناسب تماما مع الأرض التي يلامسها طرفي حذائها..
مدينة الملاهي ..
اليست هي المكان الزاهي والذي ينسى فيه الجميع همومهم ولو مؤقتاً.. اذا لماذا تعلو وجهها تقطبية ؟
لماذا شفتاها الرقيقتان مزمومتان لترسما خطا يكتب عدم الراحه؟
هي لم تكن ترغب بالتواجد هنا..


رفعت عينيها بحنق بإتجاه ذلك الرجل الذي يقف بجوار اخويها السعيدين في صف انتظار لشراء الطعام..
ذلك الطويل هو السبب!!
فعلى غفلة منها اخبر احمد انه سياخذه الى مدينة الملاهي.. مكالمة هاتفية الى عمله طلب فيها من شخص آخر تغطية مكانه.. ثم وفجاة وجدت نفسها أمام بوابة مدينة الملاهي بعد ان أحضروا اخيها الصغير من بيت عمها!!
كل شيء خارج عن سيطرتها..
فجاة أصبحت حياتها تدور حولها كما تفعل حلقات كوكب زحل.. لكن..
هل هي غاضبه؟!


اختفت تلك العقده التي بين حاجبيها.. استرخت نظرتها..
بالتأكيد.. ليست كذلك.. وربما يكون للقاءها مع والدتها بالامس الدور الاكبر في ذلك..
أغمضت عينيها فيما رفعت رأسها لتسبح ملامح وجهها المحاطه بحجاب داكن في دفء أشعة الشمس التي تمر من بين المظلات..
على الرغم من بين الحواجز التي تفصلها عن سطح الأرض الا ان أشعتها لا زالت تمطر بالدفء.. أليس هذا مشابهٌ لكلماتك امي بأن الحياة ستستمر ؟!


عاد الى ذاكرتها ما حدث بالأمس عندما ذهبت لزيارة والدتها..
تلك الزيارة حملت الكثير من المعاني لقمر..
رغبة عظيمة بالافصاح عما يختلج في نفسها .. حكمة كبير مر بالكثير في هذه الحياة .. حنان أم ينتشلها مما تغرق فيه .. تبحث عن اجوبة لكل ذلك ..


بعدما حدث في حفلة الخطوبه تاكدت أنها عند مطب في حياتها لا تعلم كيف يمكنها تجاوزه..
ردة فعلها على كل ما حدث اخبرتها انها تفقد شيئا من ذاتها في هذه الأيام دون أن يمكنها السيطره على ذلك..
فهي مجرد شخص ضعيف لا حول له ولا قوه.. فبسببها يعاني أخويها الكثير من المشاكل..
قلبها الذي يخونها كثيراً مؤخراً.. يهزم فِكرَها شر هزيمة فيتركها طريحة الفراش تبكي..
ترثي سنداً مفقوداً...
قوة مسلوبة ..
إرادة دكتها الزلال..
هوية فقدتها لا تعلم متى وأين؟!


هي فقط لم تعد تلك القمر التي تعرفها .. الفتاة القوية .. المندفعه.. المتفائله.. هل وفاة والدها هي السبب في تغيرها..
أم ضياء واصراره على المضي قدما في خطبة مزيفه..
ام ان مشاعرها شيء طبيعي وحيرة من الممكن ان يقع فيها أي شخص..


لذا وما إن جلست بجوار سرير والدتها وإطمانت على حالها حتى احتضنت كفاها يد والدتها الشاحبه.. وضعت رأسها على طرف السرير لتهمس:
"أماه.. من أنا ؟"
رفعت والدتها كفها الأخرى لتضعها على رأس قمر لتقول بصوت خافت:
"انتي قمر .. ابنتي وابنة والدك"
توسدت قمر الجانب الآخر بعد ان كانت تنظر لوالداتها.. فرت دمعة من عينيها لا يمكن ان تسمح لوالدتها برؤيتها.. عندما شهادت والدتها صمت صغيرتها اكملت:
"قمر .. فتاتي التي تعرف كيف تعيش بقوه .. تمتلك القدره على هزيمة الحياة ان وقفت امامها"
اختنق صوت قمر بضحكة خافته قبل ان تقول:
"إذا لماذا أشعر بأنني مزعجة؟"


سألت والدتها بهدوء بعدما ارتسم القلق على ملامحها:
"هل هذا يتعلق بموضوع خطبتك بضياء؟"
رفعت قمر رأسها بسرعه كمن لسعها كهرباء.. نسيت ان تمسح الدموع المتعلقه برمش عينيها:
"كيف؟"
اختفى القلق لتحل محله ابتسامة على وجه الام:
"بالطبع سأعرف .. أنت إبنتي ..
يكفي أنك اخفيتي المضوع عني لأيام انك لا ترغبين بخطبة كهذه.. عمك حدثني بالموضوع قبل ان يفاتحك به"


آه.. إذا لم يكن هناك مجال للفرار منذ البدايه..
انا لا يمكن أن أسبب الأذى لوالدتي وانسحابي من الخطبه قد يترك ذلك النوع من الأثر لديها ..
ابتسامة غبية حاولت كبحها الا انها أبت إلا وان ترتسم على شفتيها..
قالت والدتها:
"هل انت ترغبين بايقاف كل شيء؟.. مستعدة انا لذلك"


اختفت الابستامة ليحل محلها الجمود بينما أتسعت عيناها..
لماذا؟!
كيف لها أن تشعر بأنها طفل صغير وضعت قطعة حلوى في يده ثم سلبت منه فجأه؟!
غريب..
لماذا الاحباط؟!!
يجدر بها ان تكون سعيده لأنه هناك مخرج..


مرت لحظات احترمت فيها الوالده صمت قمر وابحارها في افكارها.. سألت قمر بعدها:
"أماه.. ما رأيك انتي؟"
ارتسمت ابتاسمة على شفتي الام:
"ضياء شخص جيد.. والدك كان معجباً به وسعيداً كثيرا عندما تقدم لخطبك في المرة الاولى "
سحبت نفسا قبل أن تردف:
"في الحقيقه.. هو قال ذلك مباشرة لضياء.. انه يتمنى مصاهرته.. ولن يعدم الامل بذلك"


توقف النبض..
تلك السيالات العصبيه التي تعبر من والى الدماغ توقفت للحظات قبل ان تعود لتكمل طريقها بسرعه..
هذا يعني ..
أن والدي هو من طلب منه ان يعود!!
ليس مباشرة لكنه فتح أمامه أبواب العودة بالتأكيد.. هل لهذه الدرجة أحب والدي ضياء؟
ارتفع صوت والدتها:
"قمر.. لماذا يربكك الموضوع الى هذه الدرجه؟"
رفعت قمر كفيها في الهواء لتهزهما وهي تجيب بهمس:
"يشعرني بالضعف.. انني لا املك السيطرة على حياتي .. فقدان الحيله.."


كثيرة هي المشاعر التي تخالج نفسها .. صحيح أن هناك الكثير من الاسباب التي تمنعها من الزواج حاليا لكن في الحقيقه لا يوجد هناك مانع من المضي في هذه الخطوبة والزواج متى ماتحسنت الظروف وكان الوقت مناسباً..
لكنها تكره تلك المشاعر التي بدأت تعتمل في ذاتها مؤخراً.. مشاعر سلبية لا يندرج الاعجاب الذي تحمله لضياء تحتها..
تلك المشاعر التي تتركها تسير خبط عشواء في هذه الحياه..


رفعت والدتها لتعيد كفها على رأس قمر وهي تسأل:
"قمر.. أتعلمين متى يكون الانسان ضعيفاً؟"
هزّت قمر رأسها بالنفي لتردف الأم:
"عندما تتوقف لديه الرغبة في الحياه .. هنا في المستشفى قابلت الكثير من الناس.. لكنني لم أرى أضعف مِن مَن فقد الرغبة في التقدم بحياته"
رصت بكفها على كف قمر:
" لكن..
مهما كانت الظروف يجدر بك المضي قدما.. قد يتوقف الشخص لأخذ راحة ويشحن ذاته .. إلا انه يجب أن يستمر بعدها الى الأمام..
إستفيدي من كل ما تعرضه الأيام عليك .. استخدميه كي تستمري في هذه الحياه..
عزيزتي هذا المشاعر التي لديك شيء طبيعي"


رفعت قمر حاجبيها باستنكار لتضحك والدتها:
"كثير غيرك يمرون بشيء كهذا.. ذلك الذي يمكن ان يطلق عليه استراحة محارب..
ثم يعودون لخوض غمار الحياة مرة أخرى..
لذا وعلى الرغم من أن ضياء يعجبني وارغب به صهرا لكن..
انت من ستقرر ان كان الزواج منه سيساعدك على الاستمرار في حياتك ام لا؟"


هذه كانت كلمات والدتها..
لذا وعلى الرغم من انها انتظرت أمام مدرسة احمد ساعات قبل أن تقرر مهاتفة ضياء وطلب مساعدته.. لا زالت غير واثقة ان كانت ستستمر في الخطبه واكمال مسيرة حياتها مع ضياء..
معه او لا؟ .. ما هو القرار الذي سيكون الأفضل لحياتها..
بعد تلك الفكره غرقت ذاتها في السكون ليتردد في داخلها صدى ضحكات الناس التي تتنقل جولها .. صرخاتهم من فوق بعض الألعاب..
احاديث واحاديث دون نهايه..


فتحت عينيها ليقع بصرها على الصغير صادق وهو يتعلق بذراع ضياء ضاحكا بينما رفع ضياء يده الى الاعلى كي يرفع صادق عن الأرض وترتسم عضلات ذراعه.. اما أحمد فكان يتحدث بحماس واعجاب حول شيء ما..
تشعر وكأن البساط سحب من تحت قدميها اليوم..
فمن لعبة الى اخرى... ضحكات اخويها كانت تعانق الهواء ..
الراحة التامه في اعتمادهما على ضياء تركتها في مواجهة مع أسئلة كثيرة هذا اليوم..


ترى..
هل كانا يخافان أن يعتمدا علي؟!.. هل يريان وجودهما ثقلا وعائقا في حياتي؟!..
هل أنا كنت أشعرهما بذلك؟!
لا يعقل!! فقد بذلت جهدي من اجلهما..
تركا ضياء ليتقدما باتجاهها راكضين .. توقفا عندها ليمد احدهم يده بمغلف برجر أما الآخر فمد لها العصير ..
لم تكن تشعر برغبة في الاكل لكنها وتحت الحاحهما تناولت القليل..


بعد تلك الوجبة صعدا الصغيران على لعبة أخرى فيما وقف هي مستندة الى سور قريب تراقبهما.. اقترب ضياء ليقف بجوارها ..
على الرغم من ان المسافة التي تفصل بينهما قصيرة الا انهما بديا كمن يغرقان في عالمين مختلفين تماما.. حاجز صمت ثقيل يلف المكان..
كسر ضياء قاعدة الصمت بقول:
"كيف حالك؟"
كان السؤال مباغتاً.. خاصة بعد عدد الساعات التي قضوها مع بعضهم.. لذا اجابت بحده:
"لماذا تسأل؟"
التفت ينظر اليها بابتسامة تنعكس في مقلتيه اللتان تعلقتا بوجهها:
"أطمئن على حالك.. لا اكثر"
التفتت لتتعلق عيناها بيعينه .. زفرت نفسا حارا قبل تجيب:
"بخير.. هل تكفيك هذه الاجابه؟!"
اتسعت ابتسامته .. وضع كفيه في جيبي معطفه الشتوي الأبيض:
"تكفي.. لقد خرجت بقرار اليوم.."
انتظر حتى شعر ان انتباهها كان منصباً عليه بالكامل ليقول:
"لا يمكن ان أسمح لكِ بالابتعاد.."
ارتفع حاجباها باستنكار واستفهام..


أخرج كفه من جيب المعطف .. كانت قبضته متكورة لتطوي شيئا ما خلفها .. مد ذراعه اليها لتتعلق عيناها بقبضته..
عندما كسب فضولها فتح كفه ليخرج خاتم ملون..
كان خاتما طفولي زهيد الثمن .. خاتم يبدو انه خرج كهدية مع أحد علب الحلوى..
قال بثقه:
"هذا لك"
عندما رفعت بصرها له أردف:
"بخس الثمن كي ترميه متى ما شئت.. كي لا تشعري بأنني ضغط عليك بالموافقه..
متى ما شعرت بأنك مستعدة لبدء حياتك معي أعيديه الي وسأقوم باستبداله بآخر"


اختفت ابتسامته وهو ينتظر رد فعلها على الثقة التي تظاهر بها .. تسارعت دقات قلبه في ترقب لرد فعلها.. تنقل بصره في ملامحها لرصد أي رد فعل قد تحاول إخفاءه عنه..


أما هي ..
فزلال بقوة 9 درجات على مقياس ريختر ضرب قلبها لينتفض وينتشر عبر الدم في بقية خلايا جسدها.. سرت رجفة في كل انحاء جسدها..


رصت قبضتيها كي تخفي تلك الارتاجفه.. ازدردت ريقها كي يبدو صوتها طبييعيا عندما تتحدث..
لكن ما العمل ان كانت حبالها الصوتيه أحد المتضررين في ذلك الزلزال.. خرج صوتها بهمس مهتز:
"سيُرمى في النهايه.. لماذا تعطيني اياه؟"

ارتفع طرف شفته في ابتسامة ملتويه .. ابتسامة من يعلم أن أحرز نقطة .. قال بصوت خافت وواثق:
"كي تعلمي انه لا يمكنك الهرب مني أبداً "



ماما..
اعتقد ان استراحة المحارب التي ذكرتها ستسمر معي أكثر من ذلك..
فضياء يعرف كيف يتلاعب بمشاعري!!



كزهرة صغيرة انهكتها العواصف..
إما ان تنتعش وتكبر..
او تغرق..
فتموت..



**************************

 
 

 

عرض البوم صور futurelight  
قديم 08-12-12, 06:41 PM   المشاركة رقم: 78
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2012
العضوية: 241477
المشاركات: 84
الجنس أنثى
معدل التقييم: futurelight عضو له عدد لاباس به من النقاطfuturelight عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 146

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
futurelight غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : futurelight المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: رماد ملون

 




سار وهو يعرج ليغلق مكتبه بغضب..
اخفض بصره لتميل خصيلات شعره معه وهو يحدق في ذلك المغطى بكثير من الضمادات..
لك أن تتخيل خمسة اخوه يسكنون بيتاً واحداً.. أربع منهم يعيشون بسعاده اما أكبرهم وهو المعيل لهم متضرر نفسياً قبل ان يكون جسدياً وتغطيه الضمادات..


هذا هو حال إبهام قدم فارس ..
هذا ان كان من الممكن اعتباره المعيل الرسمي لبقية أصابع قدمه!!

حرك أصابع قدمه اليمنى .. ليتحرك الأصبع بالمتضخم بتثاقل..
انطلقت شتيمة من بين صفي أسنان بيضاء..
بسبب هذه الضمادات كان مجبرا على ارتداء حذاء مفتوحة مقدمته.. ولهذا أصبح أصبعه مكشوفاً للعلن ..

قبل قليل وهو يعبر الممر الموصل الى مكتبه كانت أعين الجميع تتنقل بين وجهه وأصبعه!!
تباً لمن كانت السبب في ذلك.. تبا لمن كادت ان تسبب في شرخ في عظام إصبعه!!
شدد قبضته وهو يعرج مكملاً طريقه الى مكتبه..


رفع الهاتف الموجود على مكتبه الداكن اللون ليقول:
"يعقوب مراد.. محمد جواد.. الى مكتبي في الحال"
لحظات وطرقات تعالت على الباب اتبعها دخول هاذين الشخصين..
بعد التحية العسكريه سلم فارس كل واحد منهما ورقة فيها بعض المعلومات ليقول بحده:
"يعقوب .. دكتور الأطفال أريد ان اعرف كل معلوماته حتى أسم الدكتور الذي قام بتوليده!!"
التفت نحو الآخر ليقول:
"محمد.. أخصائي العلاج التنفسي.. أرد ان اعرف حتى عدد انفاسه التي يتنفسها في الدقيقه..
لديكم أربعة وعشرون ساعه قبل ان اجد كفة المعلومات هنا على مكتبي"

حاضر سيدي هي ما خرجت منهما قبل ان يغادرا..
لكن احدهما وهو يغلق الباب أخفض بصره وكأنه يريد أن يلقي نظرة على ذلك الأصبع الذي تدور حوله كثير من الإشاعات!!


تلك الفتاة الوقحة سرقت هيبتي أمام من أنا لهم رئيس!!

سحقاً لها..

إن أعطيت الفرصه أو قابلتها مرة أخرى سأنتقم منها بكل تأكيد.. أليس كذلك يا أصبعي؟!!
رمى بظهره على المقعد الجلدي وهو يرفع يمناه ليتحسس زنده الأيسر ويتأكد من وجود ذلك الشريط الذي يربطه حول زنده وتحت كم قميصه.. وضع يده عليه وهو يتنهد براحه..
هذا الشريط.. وغسان..

هما الشيئان الوحيدان اللذان يبعثان الراحة .. هذا الاثنان لا يمكن ان يعيش ان فقد احدهما..
كم تمنى ان يخبر غسان بالتطورات التي حدثت لديه..

لكن..
وحتى معلومات الغد سيلتزم الصمت..



في نفس الوقت في مكان آخر دلف غسان الى منزله وهو يحمل مظاريف مختلفة الاحجام تحت ذراعه..
وكعادته يستلم بريده على عنوان عمله ليحضره مع الى المنزل فيأخذ وقته في الاطلاع عليه..
خلع حذائه ليرتدي خفي المنزل ويكمل طريقه وهو يبحث عن جود ..


جود وبطريقة ما أصبحت فتاة تختلف تماما عما قبل..
توقف عندما وقع بصره عليها وهي تقف في المطبخ تسكب أكواب العصير.. ينساب فوق جسدها فستان زهري طويل.. شعر مرفوع لأعلى بطريقة أبرزت عنقها..
تعرف كيف تنتقي ما يناسبها كما في السابق الا انها وفي نفس الوقت مختلفة تماما..


هي لم تعد تلك الأنثى التي يعرف.. الآن هي فتاة كل يوم تفقد بعضا من ملامح جود التي اعتاد وجودها في حياته..
مجرد فتاة اختارت ان تعزل نفسها عن العالم .. وكأنها تعيش في صومعتها معلنة حالة حدادٍ على فقيد ليس له وجود..
شيء جوهري فقده وجودها .. كأن بريقاً سرق منها..


أكمل طريقه وهو يرص على تلك المظاريف بيد بينما رفع الآخرى ليمررها في شعره.. هو من قام بسرقة بريقها منها ..
فبعد انهيارها وخروجها من المستشفى أصبحت تعيش حالة هدوء.. تبعده عنها تدريجيا .. تخفي الكثير في نفسها ..
تحبس نفسها بين أغطية السرير على الرغم من انها لا تنام كثيراً..
كل ما سألها عن شيء ما أجابت بهدوء وبانصياع تام لرغباته..


أنا..
لا أرغب برؤيتها هكذا .. تعيش في انصياع تام لرغباتي .. تلغي وجودها وروحها من كل شيء.. وكأنني أنا فقط الشخصية الرئيسية في هذا المنزل .. اما هي فتنزوي جانباً كإحدى قطع الأثاثا الباليه..

رمى المظاريف على مكتبه بحنق ليكمل طريقه باتجاه غرفة النوم وهو يفتح أزرار قميصه..
تعجبه وهي ند له .. شريك معه في هذه الحياه.. لا مجرد أنثى تعيش تحت مظلته..
توجه نحو دولاب الملابس ليفتحه ويمد يده ليستخرج منه لباساً رياضيا.. أطلت بخفه من عند الباب لتقول بابتسامة باهته:
"عدت عزيزي.. هل ترغب في وضع طعام العشاء الآن؟"
هز رأسه وهو يتمتم:
"أجل"


لم تلامس عيناه وجودها .. فقط تعلقت عيناه بقطعة الملابس الرمادية .. ما إن غادرت حتى ظهر الألم جلياً على وجهه..
التمعت عيناه وعض على شفته السفلى بينما انفاسه كانت تختزل بشكل رهيب لتدفن نفسها في جوفه دون أن تحمل أي أثر حقيقي ..
لا يستطيع مواجهتها.. رؤيته تسبب له الألم .. بمجرد رؤيتها يبدا ضميره في الصياح به:
"انت السبب.. أنت مجرم اغتال روحا بريئه"


هو من كان السبب لوجودها في هذه الحاله.. لذا وجد نفسه ودون شعور منه يتجنب النظر اليها ..
كلما نظر اليها يختطفه شعور بالخزي ليتآكله العار.. ويترك روحة عارية الا من الغضب..
غضب على نفسه لأنه لم يتكمن من حمايتها كما يجب..
بعد ذلك بفتره وأمام اطباق الطعام انعقد حاجبا غسان ليتناول كأس الماء على عجل ويشرب منه..
كان الطعم سيئا!!


مالحا بدرجة لا يمكن احتمالها.. التصقت شفتا جود ببعضهما وهي تنظر له بعينين مستفسرتين لغسان الذي نكس رأسه ليرفع قبضة ليضعها أمام شفتيه ويسعل فيها.. قال بعد قليل:
"الطعام مالح"

تجمدت اطرافها وتعلقت عياناها بملامحة التي رسمت لها شموعُ الطاولةِ كثيرا من الظلال.. لتتركه رجلاً في بعدٍ آخر..
حركت كفها المزينة بالحلي بسرعة لتتناول القليل.. توقف الطعام في فمها .. التمعت الدموع في عينيها..


لماذا؟!..
كيف يمكن ان لا تشعر بملوحته؟!.. كيف يمكن أن لا يكون لطعامها نكهة واضحه؟!
غسان كاد يختنق في لقمته أما هي فلاشيء..
هل وصل التبلد الحسي لديها الى هذه الدرجه؟!.. هل هي ميتة الآن؟!
روح ميتة بجسد مجوف؟!

رفعت عينيها تدريجيا باتجاهه.. ترقبا لردة فعله ..
لقد باتت ترهب وجوده بجوارها بعد أن كان مصدر أطمئنان لها.. وجوده بجورها يعني أنه قد يبتعد بعد أن يعرف ما فقدت القدرة على إخفاءه هذه الأيام .. أما كونه بعيداً فيعني أنه ربما يأتي اليوم الذي يقترب فيه مرة آخرى..


ازدردت ريقها وهي تراه يعاود تناول الطعام من جديد.. مدت يدها في رعب لتصدر الحلي صوتها وهي تقول بصوت مرتجف:
"توقف .. لا تجبر نفسك.. سوف أعد شيئا آخر"

ابتسم بهدوء بينما ألم داخلي يكاد يمزق حشاه.. هو ليس غبياً.. يعلم تماما أنها تخشى شيئا ما ..
لكن هل تخشاه هو؟ .. ام حياتهما التي بدات تأخذ منعطفات جديدة تماما عنهما!!
قال بصوت حاول ما امكنه السيطرة عليه:
"لا تقلقي.. سوف أتناوله.. بما أنك انت من صنعته سأتلذذ بطعمه بكل تأكيد"
وضعت كفها على الطاوله وارتجافة ترغب في السيطرة على اطرافها .. همست:
"توقف"

تناول لقمة أخرى وهو يبتسم ليرتشف بعدها بعض الماء.. اما هي فهمست :
"توقف"

سحبت نفساً لتقول بغضب وألم:
"توقف عن معاملتي هكذا.."


لاول مره التقت عيناه بعينيها.. عيناها بان فيهما رعب لا نهاية له.. ألم وخوف .. وخواء كبير!!
أما عيناه فكانتا تشتعلان عاكستين الكثير .. لم تفته ارتجافتها.. لم يغفل عن خوفها.. لم ينسى جرمه في حقها..
وضع ملعقته على مفرش الطاولة الأبيض.. ازدرد ريقه فتحركت تفاحة آدم التي تتعلق بعنقه .. وكانها تطبطب على قلبه كي يهدا..

مواجهة بينه وبينها .. غير محسوبه..
يخشى أن يؤذيها أكثر.. يحطمها فلا يبقى منها الا رماد تذروه الرياح!!
"أي معامله؟"
شدت على اسنانها لتقول من بينها:
"توقف عن معاملتي وكأنني سأموت!!"


قالتها ثم نكست رأسها لتدفنه بين كفيها .. أغمض عينيه وهو يرفع رأسه باتجاه السقف..
إذا توقفي عن التصرف وكأنك ستنتحرين !!
ضحكة ارتفعت من بين أصابعها.. ضحكة خالطتها الدموع.. رفعت رأسها لتنعكس أنوار الشموع على الدموع التي تبلل وجنتيها:
"لا بد انك تكرهني.. فأنا لا احتمل هذه الأيام"


نهض من مكانه ليجلس على ركبته بجوار كرسيها .. مد ذراعيه ليدفنها في صدره مربتا على شعرها في محلوة لتهدئتها وايقاف دموعها..
يبتعدان عن بعضهما .. مسافات شاسعة تفصل بينهما..
دون أن يملكا خريطة تخبرهما كيف يلتقيان..

أطبق جفنيه وهو يكتم زفرة حارة حاولت أن تفلت من براثن قفصه الصدري..



 
 

 

عرض البوم صور futurelight  
قديم 08-12-12, 06:52 PM   المشاركة رقم: 79
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2012
العضوية: 241477
المشاركات: 84
الجنس أنثى
معدل التقييم: futurelight عضو له عدد لاباس به من النقاطfuturelight عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 146

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
futurelight غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : futurelight المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: رماد ملون

 



في المساء ذاته..
في مكانين مختلفين وقبل الساعة الثانية عشر ..
تمزق قلبان!!

.
.

بدأ غسان في تفقد محتويات بريده قبل ذهابه الى النوم ..
بشعر مبلل بعد ان انهى استحمامه ومنشفته معلقة بعنقه امتدت كفاه لفتح أسمك مظروف والأكبر حجماً..
أخرج رزم أوراق منه..
صفحات بيضاء امتلئت بمعلومات تمنى لو لم يعرفها يوماً..


حقائق وذكريات كان يفترض بالزمن ان يطويها خلفه .. أن تمحى من الوجود بحسب رغبة أحدهم لكن هاهي الكلمات تطفو أمام عينيه..
اتسعت عيناه.. انخطف لون وجهه..


خارت قواه ليرمي بثقله على ذراعه التي مدها ليمسك طرف مكتبه.. محاولة بائسة للسيطرة على الرجفة التي بدأت تجتاح خلاياه..
قلبها بسرعه.. رصت كفه على رزم الأوراق بينما أنحنى رأسه ليدفنه فيها..
أصاب تلك الكلمات البلل من شعره.. ربما أراد غرس تلك الكلمات في عقله غرسا إذ يبدو انه

لم يعد يفهم العربيه!!
خرج من بين شفتيه صوت ألم وكأنه تواً تلقى طعنة مدميه..




في نفس الوقت وعلى بعد قرابة السبعة العشرون كيلو متراً..
خرج ضياء من المستشفى بعد انهى ساعات عمله تعويضا عن الساعات التي قضاها في مدينة الملاهي اليوم ..
نفس المعطف الشتوي الأبيض الذي شهد الكثير من أحداث حياة هذا اليوم الطويل..


بدايةً اعلنت قمر أنها ستقبل مساعدته ثم طلبتها فعليا!!
قابل زوجة والده اليوم !!
أحكم من لف الوشاح الأسود حول عنقه.. ابتسامة ارتسمت تحت زوج من العدسات الطبيه.. تلك الأحداث تركته بشعور جيد..
لكن.. لم يعلم ان ذلك المعطف لن ينتهي اليوم وهو يحمل نفس اللون ..
لون أحمر سيلطخه..
دمه هو!!


سار بخطوات سريعه نحو سيارته ..
في لحظة توقفت خطواته عندما لمح سيارة تتقدم من بعيد.. تمكن من تمييز صاحبها مباشرة.. لذا اضمحلت ابتسامته وذبلت كنبتة لم تسقى جيداً..
توقفت تلك السيارة السوداء ليفتح سائقها الباب المجاور للسائق وكانه يطلب من ضياء الصعود..


اطل والده بوجهه ليقول بوجوم:
"اركب"
على الرغم من الفضول الذي استعر في نفسه للسبب الذي يدفع والده للتواصل معه وهو الذي كان يتجنب التواصل معه سابقاً لكنه كان سيرفض..

لكن ماذا يفعل رجل المثل العليا أمام طلب من والده..
حتى لو كان غاضبا عليه لا يمكن يسمح لنفسه ان يوسم بالعقوق!!
فرصة أخيرة سيعطيها لوالده حتى بعد كل هذه السنوات..
فرصة أخيرة لم يعلم انها ستقوده الى حتفه!!




دقت الساعه الثانيه عشره معلنة نهاية يوم وبداية يوم جديد..
صفحات حياة تقلبت لتأتي بعدها صفحات أيام ممزقهٍ ملطخه..
قلوب تتمزق وبداية رحلة سوداء..






******************

 
 

 

عرض البوم صور futurelight  
قديم 13-12-12, 12:27 PM   المشاركة رقم: 80
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2011
العضوية: 225481
المشاركات: 466
الجنس أنثى
معدل التقييم: سميتكم غلآي عضو على طريق الابداعسميتكم غلآي عضو على طريق الابداعسميتكم غلآي عضو على طريق الابداعسميتكم غلآي عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 371

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سميتكم غلآي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : futurelight المنتدى : الارشيف
افتراضي رد: رماد ملون

 


ملكة الحرف

كم أحب حرفك ... أستمري يا صديقتي بنقش ألوان رمادك هنا .. أستمري بزف شهقات ألوانك برماد ملون

اروينا ... واجعلينا كالفرشات نرتوي من بئرك البذخ ... المليء بجماله العذب

جميلة بمشاعر قمر وضياء

مؤلمه بإكتشاف غسان لماضي جود

صديقتي أنتظرك

 
 

 

عرض البوم صور سميتكم غلآي  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لأنو, للكاتبة futurelight, ليلاس, مستقبل, لغه فصحى, منتدى قصص من وحي قلم الأعضاء, رماد, رواية رماد ملون, روايه مشوقه, ضياء, ضياء و قمر, قمر, قصص و روايات
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:19 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية