لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > سلاسل روايات مصرية للجيب > روايات أونلاين و مقالات الكتاب
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات أونلاين و مقالات الكتاب روايات أونلاين و مقالات الكتاب


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-10-12, 01:13 AM   المشاركة رقم: 31
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي رد: الستار الأسود .. بقلم الد.نبيل فاروق .. " الكنز " .. متجدد

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": همس



"ماذا قلت؟!"
التفت رأفت يلقي السؤال على زميله، الذي يجلس على المكتب المجاور له تماما، فضحك زميله، وهو يلوح بيده، قائلا:
- لم أقل شيئا.. إنني أعمل في صمت كعادتي.

ارتسمت الحيرة على وجه رأفت، وهو يقول:
- خيّل لي أنك قد همست بشيء ما.
هز زميله رأسه نفيا، وهو يعود إلى عمله، مغمغما في ضجر:
- لم أفتح شفتيّ حتى.

عاد رأفت إلى عمله بدوره، وهو يشعر بحيرة كبيرة!!
لقد سمع هذا الهمس في وضوح..
ربما لم يتبين فحواه أبدا، ولكنه سمعه..

كان يعمل أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به، في مقر عمله، عندما سمع من يهمس في أذنه..
في أذنه مباشرة..
وكان الهمس شديد الوضوح، إلى درجة لا يمكن نكرانها..

طرح الأمر عن رأسه، وعاد يواصل عمله في اهتمام، وشعر بزميله ينهض، وهو يقول متثائبا:
- سأخرج لتدخين سيجارة، وسأعود على الفور.
وافقه رأفت بإيماءة من رأسه، وهو يواصل عمله..
ولم تمض دقيقة واحدة بعدها، حتى سمع هذا الهمس مرة أخرى.
سمعه أكثر وضوحا..

وعلى بعد سنتيمترات قليلة من أذنه..
وفي حركة حادة، تلفت حوله، وهو يرتجف..
زميله ترك المكتب، ولم يعد هناك سواه..
فمن يهمس في أذنه؟!
من؟!

نهض يبحث في كل مكان، داخل ذلك المكتب الصغير..
حتى سماعات جهاز الكمبيوتر، فحصها بكل دقة..
السماعات حتى لم تكن موصولة..
لم يكن هناك أي مصدر، يمكن أن يأتي منه الهمس..

كان الأمر صعبا هذه المرة، إلا أنه بذل قصارى جهده؛ ليطرح الأمر عن رأسه، وقرر أن يولي كل اهتمامه وانتباهه لعمله، لعل هذا يبعده عن هلوسة الهمس هذه..
وفي شيء من الحزم، جلس أمام شاشة الكمبيوتر، و...

وارتجف جسده في قوة..
لقد شاهد ذلك الظل يعدو..
عبر شاشة الكمبيوتر..
ظلا بلا تكوين واضح، برز من أحد جانبي الشاشة، واندفع عبرها في حركة أشبه بالعدو، ليختفي عند الجانب الآخر منها..

ووثب رأفت من مقعده، وابتعد عن مكتبه، يحدق في شاشة الكمبيوتر في ذعر..
ما هذا بالضبط؟!
أهو خلل في جهاز الكمبيوتر، أم فيروس رقمي، دسّه أحد في برنامجه؟!
ولكن كيف يمكن حتى أن يدس أحدهم فيروسا في جهازه؟!

هناك جدار ناري قوي، يحمي كل أجهزة الشركة، ومتابعة دقيقة مستمرة، تمنع اختراق برامجها، مهما كانت براعة المخترق..
"ماذا تفعل؟!".
فاجأه صوت زميله، وهو ينطق السؤال في دهشة، فالتفت إليه بحركة حادة، زادت من دهشته، ودفعته إلى أن يستطرد:
- ماذا بك يا رأفت؟! تبدو مضطربا للغاية!!

حاول رأفت أن يتمالك جأشه، وهو يعتدل واقفا، ويقول في توتر، لم يستطع أن يداريه:
- هناك خلل ما في جهاز الكمبيوتر.
اتجه زميله نحوه، وهو يقول في حيرة:
- ولماذا لم تحاول الاتصال بالقسم الفني، بدلا من كل هذا التوتر.

قالها زميله، وهو يحرّك أصابعه، على لوحة أزرار الكمبيوتر، قبل أن يعتدل، قائلا في حيرة أكبر:
- يبدو لي سليما للغاية.
ثم ربت على كتف رأفت، مستطردا في إشفاق:
- على عكسك أنت.

أمسك رأفت رأسه بيده، وهو يغمغم:
- ربما كنت مرهقا بالفعل.
قال زميله في إشفاق:
- اطلب إذنا بالانصراف المبكر إذن.. لم تتبقّ سوى ساعة واحدة أو أقل على موعد الانصراف الرسمي..

أجابه رأفت في عصبية:
- أنت تعلم أن المدير لن يوافق.
قال زميله في حسم:
- سأعمل على إقناعه.. انتظرني قليلا..

انصرف زميله، وبقي وحده مرة أخرى في المكتب، يتلفت حوله في قلق وتوتر، قبل أن يزفر مغمغما:
- إنه إرهاق.. حتما إنه إرهاق.. أحتاج بالفعل إلى بعض الراحة.. سآوي إلى فراشي، فور عودتي إلى المنزل.
تطلّع إلى شاشة الكمبيوتر في خوف مبهم، ثم هز رأسه، مغمغما بكل توتره:
- نعم.. الانصراف هو الحل.. هذا العمل يثير إرهاقي بشدة، و...
وفجأة، وقبل أن يتم عبارته، سمع ذلك الهمس..
كان هذه المرة أكثر وضوحا..
وأكثر تميزا..

ففي هذه المرة، أمكنه تمييز كلمة أو كلمتين منه..
ولكنه وثب من مكانه بكل الرعب..
وعلى الرغم منه انطلقت من حلقه صرخة..
صرخة مكتومة، بدا له وكأنها قد ترددت في كيانه كله..
في كل جزء من جسده..
وكل خلية من خلاياه..

ومع صرخته، فتح زميله باب الحجرة، وتوقف مشدوها مذهولاَ..
وبكل توتره واضطرابه، قال له رأفت، وهو يلوح بذراعه في قوة:
- لقد لدغتني نحلة.
دار زميله ببصره في الحجرة في حيرة، مغمغما:
- نحلة؟! هنا؟!
غمغم رأفت بكل انفعاله:
- ربما..

لم يزد حرفا واحدا، فاتجه زميله نحوه، وربت على كتفه متعاطفا، وغمغم محاولا تهدئته:
- نعم.. ربما..
ربت عليه مرة أخرى، وهو يحاول أن يبتسم، قائلا:
- أهنئك.. المدير لم يوافق على انصرافك الآن فحسب، ولكنني أقنعته أيضا بأن يمنحك إجازة ليوم الغد.

ثم مال نحوه، مضيفا:
- غدا الخميس، وهذا يعني أنك ستحصل على راحة لثلاثة أيام.
غمغم رأفت:
- نعم.. هذا أفضل.
لملم أشياءه، وحمل حقيبته الشخصية، وهو يقول:
- أعتقد أن هذا ما أحتاج إليه بالفعل.

ربت زميله على كتفه مرة أخرى، وابتسم ابتسامة مشفقة، وهو يقول:
- حاول أن تنام كثيرا، وتستنشق الكثير من الهواء النقي.. هذا المكتب المغلق يصيبني أنا أيضا بالاختناق.
وافقه رأفت بإيماءة متوترة، وغادر المكتب، وهو يلتقط بعض الهواء خارجه..
ولكن الهواء خارج المكتب، لم يكن يختلف عن الهواء داخل المكتب..
نفس ذلك الشعور المؤلم بالاختناق..

سار بخطوات سريعة، محاولا مغادرة مبنى الشركة كله، وعقله، على الرغم منه، يستعيد تلك الكلمات القليلة، التي ميّزها، في ذلك الهمس الأخير..
"الخامسة ودقيقتان...".
انتفض عندما سمع هذا الهمس أكثر وضوحا هذه المرة..
وكانت الكلمات مميزة للغاية..

انتفض، ولكنه لم يتلفت حوله، حفاظا على هيبته، وسمعته وسط زملاء العمل، وعمال وموظفي الشركة..
وبكل توتره، حاول عقله أن يستعيد كل معارف حياته..
مشكلة نفسية..
هذا ما جال بخاطره..

لقد قرأ يوما أن المصابين ببعض الأمراض النفسية، يسمعون همسا أحيانا..
وكذلك بعض المصابين بمشكلات في المخ..
هالته الفكرتان، وقرر أن يعرض نفسه على طبيب متخصص، فور استيقاظه من نومه..
فقط ليطمئن على نفسه..
وعلى عقله..

اتجه في خطوات سريعة نحو سيارته، وأدار محركها، دون أن يتوقف عن التساؤل..
من أين يأتي هذا الهمس؟!
وما الذي يعنيه؟!
ولماذا الخامسة ودقيقتان بالتحديد؟!
لماذا؟!

انطلق بسيارته، محاولا طرح الأمر كله عن رأسه، إلا أن عقله أصر على أن يستمر في التفكير..
ماذا بالفعل، لو أنه مرض نفسي..
هلاوس سمعية بصرية..
أو انفصام في الشخصية..
ولكن لماذا؟!
ماذا استجد، ليصاب بمرض نفسي؟!
حياته تسير على وتيرة واحدة ثابتة..

يستيقظ في الصباح، ويتناول إفطاره، ويذهب إلى عمله، ويقضي فيه يومه، ثم يعود ليشاهد التلفاز، ويستحم، ثم يأوي إلى فراشه..
لم يتزوج..
ولم يرتبط بأحد..
وليست له حتى هواية تشغل وقت فراغه..
أمن الممكن أن يكون هذا هو السبب؟!
الفراغ.. والوحدة؟!
ربما كان هذا هو السبب بالفعل..
إنه يحتاج إلى الصحبة..
إلى رفيقة حياة..
إلى هواية ما، تشغل وقت فراغه..
ولكن كيف؟!

شعر برغبة عارمة في العودة إلى منزله، فزاد من سرعة سيارته، وأشعل مشغل الموسيقى؛ لتغيير الجو المحيط به..
وكمحاولة للخروج من توتره، راح يغني بصوت مرتفع، مع تلك الأغنية القديمة، التي تنبعث من مشغل الموسيقى، و...

وفجأة، وعلى الرغم من كل الضجيج، الذي يصنعه امتزاج صوته المرتفع، بمشغل الموسيقى، سمع ذلك الهمس..
همس أشبه بالفحيح، يهمس، ليس على بعد سنتيمترات من أذنه، بل داخل أذنه.. داخل كيانه كله...
وعبر زجاج السيارة الأمامي، شاهد ذلك الظل غير المميز، يعدو من أحد جانبي الزجاج، إلى الجانب الآخر..
وانتفض جسده في قوة وعنف..
وصرخ..

وفي نفس اللحظة، ظهرت سيارة النقل الثقيلة، التي تندفع نحوه في سرعة..
واختلت عجلة القيادة في يده، مع صرخته ورعبه..
وكان الاصطدام بالغ العنف..
وبينما هو ملقى، يلفظ أنفاسه الأخيرة، وسط حطام سيارته، لمح تلك الساعة الرقمية في تابلوه السيارة، أو ما تبقى منه..

وكانت تشير إلى الخامسة ودقيقتين..
تماما.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 18-11-12, 11:41 PM   المشاركة رقم: 32
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي رد: الستار الأسود .. بقلم الد.نبيل فاروق .. " همس" .. متجدد

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": أبريل





فوجئت بقافلة من الجِمال تعبر الطريق على مسافة أمتار قليلة


**********************************************************
"لماذا طلب فوزي مقابلتي اليوم؟!".
طرحت السؤال على نفسي، وأنا أنطلق بسيارتي الصغيرة، متجها إلى تلك القرية الساحلية، التي لست أدري لماذا اختارها فوزي مكانا للقاء في منتصف الشتاء.
ولا أدري حتى لماذا هذا الأسلوب الذي لم يتبعه من قبل قط.

لقد طلب اللقاء عبر رسالة نصية استقبلها هاتفي المحمول في منتصف ليلة أمس، وهو يؤكد فيها أهمية اللقاء، وفي هذا المكان بالذات!

ولقد حاولت عبثا الاتصال به مرات ومرات، لأكثر من ساعة كاملة، لأخبره بأن الوقت متأخر للغاية، وهو يصر على أن يتم اللقاء فجر اليوم، لأهميته وخطورته..
لم أكن أسمع حتى رنينا، كلما حاولت الاتصال به..
فقط صمت..
مجرد صمت تام..

ولأنني لست من روّاد تلك القرى السياحية الساحلية، فقد افترضت أن موقعها غير مغطى بشبكات اتصال، على الرغم من أنه حتى هذا لا يفسر الصمت الذي يستقبل كل محاولاتي للاتصال..

ففي كل الأحيان، إما أن تتلقى رسالة آلية تخبرك أن الهاتف غير متاح، وإما أن الهاتف مغلق..
ولكن كل ما أتلقاه هو صمت عجيب بلا أي تفسير..

ولما كانت الرسالة تحمل دلالات خطورة وأهمية اللقاء، ولأن فوزي هو ناشر سلسلة الرعب التي أقوم بكتابتها منذ سنوات، فقمت أرتدي ملابسي بعد ساعة ونصف من بداية اليوم الجديد، واستقليت سيارتي الصغيرة وانطلقت بها، على الرغم من كراهيتي الشديدة للقيادة الليلية..

وطوال الطريق رحت أدندن بكل ما أعرفه من أغنيات، في محاولة لمنع عقلي من الاستسلام لتلك الرغبة الملحّة في النوم وأنا أقطع الطريق الصحراوي، ثم أدور عند منحنى معروف، لأنطلق في طريق العلمين الجديد، والذي يدّخر مساحة كبيرة وزمنا أكبر من الرحلة الشاقة..

ولكن حتى تلك الدندنة لم تفلح في إقناع عقلي بالاستيقاظ التام، فأدرت مذياع السيارة ورفعت صوته إلى درجة مرتفعة، لعل هذا يقاوم استسلام عقلي..

وطريق العلمين طويل ومظلم وممل، ويساعد أي عقل على التراخي والاستسلام، مما جعلني أهتف في غيظ:
- أكان من الضروري أن تنقل لي جنونك هذا يا فوزي؟!

أغمضت عيني في قوة، دون أن أخفض من سرعتي، ثم عدت أفتحهما، و..
فوجئت بقافلة من الجِمال تعبر الطريق على مسافة أمتار قليلة، دون أن تبالي بأضواء السيارة التي غمرتها، وجعلتها تبدو وسط الظلام كجبال صغيرة متحركة..

وبكل قوتي ضغطت فرامل السيارة وانحرفت بها، محاولا تفادي الاصطدام، فمالت السيارة في عنف خارج الطريق وسقطت وسط الرمال التي تحيط به من الجانبين، وشعرت بجسدي يرتطم بكل جزء منها، على الرغم من حرصي على ارتداء حزام المقعد من قبل حتى أن يصدر قانون يحتم هذا..

ويبدو أنني قد فقدت الوعي للحظة أو لحظتين، إذ انتبهت فجأة لأنني داخل السيارة المقلوبة فوق الرمال، فرحت أعمل جاهدا على حل حزام المقعد، ثم زحفت خارج السيارة ووقفت أتطلع إليها في يأس وألم..

"اللعنة يا فوزي.. ماذا سأفعل الآن؟!".
هتفت بالعبارة والسؤال في أعماقي، وزفرت في حنق، وألقيت نظرة على ساعة يدي، التي توقفت عقاربها عند الثالثة وتسع دقائق بالضبط..
ولم يكن هناك أثر لقافلة الجمال..
ولا لأي سيارات أخرى على الطريق..

وكان هذا يعني أنني سأظل هنا وحيدا، أو أقطع ما تبقى من الطريق سيرا على الأقدام!
بحثت في جيب سترتي عن هاتفي المحمول، ولكنه لم يكن يتلقى إشارات من أي نوع، فعدت أدسّه في جيبي وأتلفّت حولي..
ثم لمحت ذلك الضوء..

رباه! هناك مكان على بعد ثلاثمائة متر فحسب، تنبعث منه الأضواء..
كيف لم أنتبه إليه من قبل؟!
كيف؟!

أسرعت الخطى نحو ذلك المكان، الذي صار يمثل بالنسبة إليّ كل الأمل في الخروج من هذا الموقف العسير..
وعلى الرغم من أنه كان يبدو على بعد ثلاثمائة متر، لكنني وصلت إليه في سرعة أدهشتني شخصيا، ولمحت اللافتة المضيئة فوقه..
"المحطة"

اسم عجيب لمكان في هذا الموقع!
لعلها استراحة اختار لها أصحابها هذا المكان لينفرد بخدمة رواد الطريق، الذي لم تمتد إليه يد العمران بعد..

ومن حسن الحظ أنه لم يغلقه في فصل الشتاء..
التقطت نفسا عميقا، ودفعت باب المكان، ودلفت إلى الداخل..
وكم أدهشني أن المكان لم يكن خاليا كما توقعت..

لقد كان مزدحما بالروّاد، على الرغم من أنني لم ألمح أي سيارات خارجه..
وكان هناك رجل طويل القامة، صارم الملامح، يقف خلف ما بدا شبه بار من الخشب، ويتبادل الأحاديث مع بعض الرواد، مما أوحى إليّ بأنه المسئول عن المكان، فاتجهت إليه مباشرة أسأله: معذرة.. أيوجد هاتف هنا يمكنني استخدامه لطلب إسعاف الطريق؟

ألقى الرجل عليّ نظرة لا مبالية، قبل أن يسألني في هدوء:
- حادث سيارة آخر؟!
أومأت برأسي إيجابا:
- لقد فاجأني قطيع من الجمال يعبر الطريق.

مط شفتيه الغليظتين، وهو يغمغم:
- هذا يحدث باستمرار.
ثم أشار إلى مائدة خالية، مستطردا:
- انتظر هنا، حتى يحين دورك.

قلت في عصبية لم أتعمدها:
- أي دور؟! أسألك عن هاتف!
شد قامته، فبدا أكثر طولا وصرامة، وهو يقول:
- لا يوجد هاتف.. الهواتف لا تعمل هنا.. انتظر وسيحين دورك.

في مثل موقفي، لم يكن أمامي سوى أن أفعل ما يطلبه، فاتجهت إلى المائدة الخالية، وجلست أنتظر دون أن أدري حتى ما الذي أنتظره..
لم أدرِ حتى كم من الوقت قبل أن أشعر بيد توضع على كتفي من الخلف، وأسمع صوتا مألوفا يقول:
- إذن فقد وصلت.

التفت إلى صاحب الصوت، هاتفا:
- فوزي؟! كيف علمت أنني هنا؟!
ابتسم دون أن يجيب، وجذب مقعدا ليجلس إلى جواري، وهو يسأل:
- ما رأيك بالمكان؟!
سألته في حذر:
- أأنت مالكه؟!

ضحك، قائلا:
- بل أزوره للمرة الأولى.
عدت أسأله في إلحاح:
- ولكن كيف علمت أنني هنا؟!

مرة أخرى تجاهل إجابة السؤال، وهو يقول في حماس:
- هل تعلم؟ على الرغم من أنني ناشر كتبك، ومن كل ما تحققه من نجاح وانتشار، لكنني لم أكن أصدّق حرفا واحدا، مما تكتبه فيها.
قلت في ضيق:
- ولكنك ربحت منها عشرات الألوف.

ضحك مرة أخرى، ولوّح بيده قائلا:
- بل مئات الألوف في الواقع.
قلت في غيظ:
- لو أنك تربح مئات الألوف مما أكتبه، فلماذا رفضت إقراضي مقدم سيارة كبيرة؟!

بدا عليه الأسف لحظة، ثم عاد يبتسم وهو يميل نحوي قائلا:
- أنت تعرف قاعدة الناشرين الذهبية.
نظرت إليه في تساؤل محنق، فتراجع في مقعده مضيفا وابتسامته تتسع:
- لماذا تدفع أكثر، ما دام بمقدروك أن تدفع أقل؟!

شعرت بالغيظ، ليس لإجابته وحدها، ولكن للأسلوب المستهتر الذي نطقها به، فقلت في شيء من الحدة:
- لماذا إذن كان هذا الموعد العجيب الذي خسرت فيه سيارتي الصغيرة، وكدت أخسر فيه حياتي أيضا؟!

رمقني بنظرة طويلة قبل أن يجيب:
- هل تعرف تاريخ اليوم؟!
أجبته في حدة:
- بالطبع.. إنه الأول من إبريل، عام...

بترت عبارتي دفعة واحدة، وأنا أحدّق فيه، ذاهلا وغاضبا في الوقت ذاته!
الأول من إبريل؟!
أمن الممكن أن يكون الاستهتار قد بلغ به هذا الحد؟!
أكل هذا مجرد خدعة الأول من إبريل؟!
أقسم أن أقتله لو أن الأمر كذلك..
لا.. لن أقتله فحسب، بل سأمزقه إربا..

"هي كذبة إبريل إذن؟!".
هتفت بالعبارة بكل ما اعتمل في نفسي من غضب، وتوقعت منه ضحكة عالية، تحمل الكثير من المرح والاستهتار..
والاستفزاز أيضا..

ولكن العجيب أنه حدق في وجهي بدهشة، وهو يغمغم:
- كذبة إبريل؟! أي سخافة هذه؟!
قلت في حدة:
- لا تحاول مواصلة اللعبة معي.. منذ البداية، لم أشعر بالارتياح، عندما تلقيت رسالتك.. ووجودك هنا يؤكد أنك قد دبّرت كل شيء.

ظل صامتا لحظة، ثم مال نحوي يسألني:
- وما الذي دبرته بالضبط؟!
أجبت بنفس الحدة:
- اضطراري إلى السفر ليلا، وقطيع الجمال، وهذا المكان، و..

توقفت عن الاستطراد دفعة واحدة، وبدت الحيرة على وجهي، مما جعله يميل أكثر، متسائلا بابتسامة هادئة:
- وماذا؟!
لم أستطع إجابته هذه المرة..
فكل ما قلته كان مجرد خيال جامح..

كيف كان سيعلم موعد وصولي ليعد قطيع الجمال؟!
وكيف جعل هاتفه يجيب بهذا الصمت المريب؟!
وكيف؟!
وكيف؟!

كانت الأسئلة تنهال على رأسي، عندما تنهد هو وغمغم:
- من الواضح أنك لم تفهم بعد.
وتنهد مرة أخرى، قبل أن يضيف:
- إنه قدرنا يا صديقي.. أن يفصلنا يوم واحد.

سألته في صعوبة، وكل قصص الرعب التي كتبتها، تنهمر على رأسي كالمطر:
- ماذا تعني؟!
أجاب في هدوء:
- لقد لقيت أنا مصرعي أمس.. اقتحم كاتب مجنون مكتبي في التاسعة مساء، عندما كنت أهم بالانصراف، وأطلق النار على رأسي مباشرة.

لست أدري كيف انتبهت فجأة لتلك البقعة الحمراء فوق حاجبيه، والتي تجمع حولها دم متجلط، وشعرت برعب شديد وهو يشير إليها مستطردا:
- وكل هذا بسبب خلاف على ألف جنيه؟! هل يمكنك أن تتخيل؟! ألف جنيه فحسب، دفعته إلى قتلي!
شحب وجهي، لو أن هذا المصطلح يصلح في حالتي، وغمضت في انهيار:
- أيعني هذا أنني...

قاطعني في هدوء:
- لقيت مصرعك في حادث السيارة.. نعم.. قلمك قتلك يا صديقي.. كنت تضعه في جيب سترتك، فانغرس في قلبك مع الصدمة.

مع قوله لاحظت ذلك القلم الذي كتبت به معظم رواياتي الناجحة، وقد برزت مؤخرته من موضع قلبي مباشرة، محاطة بالكثير من الدماء، في نفس اللحظة التي ظهر فيها ذلك الطويل الصارم إلى جوارنا، وهو يقول في غلظة:
- هيا.. لقد حان دوركما.

نهضت مع فوزي في استسلام، متجهين نحو ذلك الباب، الذي يشع منه ضوء مبهر، والذي يعبره بعض رواد المكان، وفوزي يسألني في هدوء:
- ما رأيك؟! أيهما أكثر رعبا.. رواياتك، أم الحقيقة؟!

لم أجب سؤاله، وأنا أغمغم في أعماقي..
ليتها كانت كذبة إبريل!
ليتها كانت كذلك!


***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 05-12-12, 10:39 AM   المشاركة رقم: 33
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي رد: الستار الأسود .. بقلم الد.نبيل فاروق .. " همس" .. متجدد

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": الذئاب





كانت هناك أنياب حادة تنفرج عن زمجرات متصلة


"إنها الجريمة الكاملة"





هذا ما حدّث عزيز به نفسه، وهو يُخرج جثة زوجته من حقيبة تلك السيارة القديمة المسجّلة باسم زوج أمه الراحل، والتي أبلغ عن سرقتها منذ ثلاثة أشهر، وأخفاها في ذلك المنزل القديم وسط الصعيد..

لا أحد يمكنه ربطه بالمنزل أو السيارة..
وهذا جزء من خطة جريمته الكاملة..
ابتسم في زهو وحشي، وهو يجرّ جثة زوجته، عبر تلك المنطقة النائية، شبه الجبلية، في قلب الصعيد..

لقد أبلغ عن غياب زوجته بالأمس، وبكى كثيرا أمام ضابط المباحث، وهو يناشده العثور عليها، واثقا من أن الضابط المنهك بعشرات البلاغات، لن يبدأ في البحث عنها فعليا، قبل يومين على الأقل..

سيفترض كالمعتاد أن الزوجة قد فرّت من زوجها، لسبب أو آخر..
وحتى عندما يبدأ الاهتمام بالأمر، عندما يطول غياب الزوجة، ستكشف التحريات علاقتها بجارهم الشاب، والتي سيبدي هو دهشته واستنكاره لها، وسيصر على أن زوجته من أشرف نساء الأرض، ولا يمكنها أن تخونه..

ولا بأس عندها من وصلة بكاء ونحيب وانهيار..
وهو يجيد هذه اللعبة..
يجيدها جيدا..

والأهم أنه يمتلك قدرة مدهشة على ضبط النفس..
حتى عندما كشف أن زوجته تخونه منذ زمن، مع ذلك الجار المتحذلق، استطاع الحفاظ على هدوء أعصابه..
وبدأ في رسم خطته..
وبمنتهى الصبر..
والإحكام..

اختار السيارة، والمنزل الذي سيخفيها فيه..
والأهم أنه اختار البقعة التي سيترك فيها الجثة..
لن يقوم بدفنها، كما يفعل معظم القتلة..
إنه أبرع وأذكى من هذا بكثير..

لقد دسّ لها السم، وسقاها إياه بيديه، وهي تظنه شرابا طهورا أعده احتفالا بعيد زواجهما..
وكم شعر بالاستمتاع، وهو يشاهدها تتألم وتتلوى أمام عينيه، وتناشده أن يستدعي طبيبا لإسعافها..
في تلك اللحظة فقط واجهها بما عرف..
وبما رأى..

حتى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، صرخت بأنه مخطئ..
حاولت أن تقنعه بأنها لم تكن تصعد إلى ذلك الشاب، وإنما إلى المريضة العاجزة، التي تحتاج إليها كممرضة محترفة..

أخبرته بأنها أخفت الأمر عنه؛ لأنها تعلم كم يغار..
خشيت أن يسيء الفهم..
ولكنه لم يصدّق حرفا واحدا مما قالته..
ولم يمد لها يد المساعدة..
ولا حتى أنملة واحدة من أنامله..
تركها أمامه تموت، وتلفظ أنفاسها الأخيرة رويدا رويدا..

وبعدها، وفي قلب الليل، والأمطار تنهمر في الخارج، وتدفع كل الناس إلى البقاء في بيوتها، نقلها إلى حقيبة السيارة، التي قادها طوال الليل، ليخفيها في ذلك المنزل القديم، ثم عاد ليبلغ الشرطة بغيابها..

يا لها من جريمة كاملة!
كتاب القصص البوليسية، ورجال الشرطة كلهم يؤكّدون دوما أنه ما من جريمة كاملة.. وأن القاتل يلقى عقابه دوما..
ومهما طال الزمن..

ولكن كل هذا بالنسبة إليه مجرد هراء..
خيال جامح، لا يضع اعتبارا للذكاء البشري..
حتى في ارتكاب الجرائم..

والأمور في الحياة تختلف، عنها في خيال الأدباء، وآمال رجال الشرطة..
فالقاتل يقع دوما في قبضة العدالة؛ لأنه غبي..
أو لأنه لم يخطط لجريمته جيدا..
أو بدقة..

أما معه، فالأمر يختلف تماما..
لقد ظل ثلاثة شهور كاملة، يخطط لجريمته..
بكل الصبر..
وكل الدقة..

اختار الوسيلة، والمكان، والزمان..
حتى ليلة ارتكاب الجريمة، اختارها مع تنبؤات الطقس..
كان يعلم أنها ستكون ليلة ممطرة، يختفي فيها الكل في بيوتهم، وخلف أبوابهم..
قام بمعاينة كل شيء..
بل وبأداء بروفة كاملة للجريمة..

سجادة قديمة، حملها في ليلة مشابهة، ووضعها في السيارة القديمة، وسط المنطقة التي يعيش فيها، فلا أحد رأى، ولا أحد اهتم..
وقاد السيارة إلى ذلك المنزل القديم..
ولم يستوقفه أحد..

حتى نوع السم اختاره بعناية عبر شبكة الانترنت، وحرص على أن يكون سما بطيء المفعول، حتى يراها تتعذب، قبل أن تلقى جزاءها..
كل شيء خططه بمنتهى الدقة..
منتهى منتهى الدقة..
لا مجال لخطأ واحد..
على الإطلاق..

وتلك المنطقة، التي يجر فيها جثتها اختارها أيضا في عناية..
منطقة مقفرة، مهجورة، يرتفع فيها عواء الذئاب طوال الوقت..
ولهذا لن يقوم بدفن الجثة..
سيتركها لهم..
للذئاب..

جرحان أو ثلاثة، في ساقيها وعنقها، وتجذب رائحة الدماء الذئاب، فتهرع إلى المكان، وتنهش الجثة نهشا..
وهكذا يختفي دليل الجريمة الوحيد..
الجثة..
تختفي في بطون ذئاب جائعة، ويضيع معها وسط الجبال..
إنها خطته العبقرية..
وجريمته الكاملة..
الجريمة التي تصوّر الكل أنها مستحيلة!

واصل جرّ الجثة، حتى وصل إلى منطقة لا يمكن أن يراه أو يسمعه فيها أحد..
وفي هدوء، تركها مسجّاة على الأرض، ونهض يتطلع إليها في تشفّ..
لقد انقلبت سحنتها وبدت مخيفة ورهيبة، بعد مرور ساعات طويلة على مصرعها..
وهي تستحق هذا..
وبكل تأكيد..

قلب شفتيه في اشمئزاز، وأخرج سكينا حادا من طيات ملابسه، ثم أخذ يمزق قطعا من جسدها..
ولكن الدماء لم تنهمر كما تصور..
وهنا انتبه إلى فجوة في خطته الكاملة..

الدماء لم تنزف من العروق؛ لأنه لم يعد هناك قلب ينبض، ليدفعه خارجها..
أو لأنها قد تجلّطت بالفعل داخل العروق..
شعر بالغضب من نفسه؛ لأنه لم يفكر في هذا..

ولكن حتى ذلك الغضب، لم ينتقص من شعوره بخطة جريمته الكاملة..
لو أن دماءها لا تنزف، وقلبها لا ينبض، فدماؤه هو مستعدة..
جرح باطن كفه جرحا صغيرا، أخفاه بين ثنايا راحة كفه، وأسقط نقطتين من دمه، على الرمال المجاورة للجثة..

إنه ليس من الغباء، ليسقطها فوق الجثة مباشرة..
صحيح أن الذئاب ستلتهمها كلها، ولكن لماذا يترك أي احتمال للظروف؟!
الأصح أن يحافظ على دقته..
وحتى اللحظة الأخيرة..

استدار يلقي نظرة على السيارة، التي تبعد عنه مائة متر فحسب، والتقط نفسا عميقا من هواء الجبل البارد، قبل أن يرمق الجثة بنظرة أخيرة، كلها ازدراء واحتقار، ثم يوليها ظهره، ويتجه للسيارة..

ثم توقف فجأة، وهو يطرح على نفسه سؤالا أقلقه..
وماذا لو عثر أحدهم على الجثة، ولو من قبيل المصادفة، وكانت قطرتا دمه فوق الرمال، على بعد خطوة واحدة منها؟!
ألن يثبت هذا أنه كان هنا؟!
ألن يقودهم إليه؟!

عاد أدراجه في سرعة، وضمّ كفيه، يرفع حفنة الرمال، التي حوت قطرتي دمه، ثم ابتعد عن الجثة، بضعة أمتار، ونثرها في الهواء..
وبعدها شعر بالارتياح..

الآن صارت الجريمة كاملة، لا مجال للخطأ فيها..
ولا حتى بالمصادفة..
أطلق تنهيدة ارتياح واثقة، واستدار يعود إلى السيارة، و..
وسمع عواء الذئاب..

وارتجف جسده ارتجافة خفيفة، تمتزج بشيء من الارتياح؛ لأن هذا يعني أنهم قادمون..
وأن خطته قد بلغت مرحلتها الأخيرة..
أسرع الخطى، متجها نحو السيارة، قبل أن تصل الذئاب..
وفي طريق عودته، مرّ إلى جوار جثة زوجته، و..
وفجأة، علق شيء ما في طرف سرواله..
ومع السرعة التي كان يندفع بها، اختلّ توازنه..
وسقط..

لم يكن قد ترك السكين من يده بعد، عندما سقط على وجهه على الرمال، فشعر بألم شديد في فخذه، ليدرك تلك الحقيقة السخيفة..
نصل السكين انغرس في فخذه مع سقوطه..

استدار؛ ليرى ما الذي علق بطرف سرواله، وانتفض جسده في عنف..
لقد كانت يد جثة زوجته..
الأصابع أصابها ذلك التخشّب الرمّي، فعلقت في تلك الثنية الصغيرة، في نهاية سرواله، وأعاقت حركته على نحو مباغت..
ولهذا سقط..

اعتدل في حنق؛ ليخلّص طرف سرواله من بين أصابعها..
ثم ارتجف مرة أخرى..
وفي عنف أكبر..

كان عواء الذئاب يعلو ويقترب، عندما خيّل إليه أن وجه الجثة يحمل ابتسامة..
وبسرعة استنكر ما يراه..
إنها تغيرات رمّية في الجثة حتما..
الموتى لا يبتسمون..
ولا يشعرون..
والأهم، أنهم لا ينتقمون..

تجاهل هذا، وحاول تخليص طرف سرواله من الأصابع المتخشبة، قبل وصول الذئاب، إلا أن تلك الأصابع المتيبسة بدت وكأنها متشبثة بطرف السروال في إصرار..
وعواء الذئاب يقترب..
ويقترب..
ويقترب..

وفي عصبية، قرر أن يقطع تلك الأصابع، المتشبثة بطرف سرواله، فمال أكثر ليصل إليها بسكينه، و...
وفجأة، تجمّدت كل مشاعره..
فهناك، على قيد أمتار قليلة من الجثة، كانت هناك عيون صغيرة تحدق فيه في وحشية، وأنياب حادة تنفرج عن زمجرات متصلة..

ثم وبسرعة، انضمّت إليها عيون وأنياب أخرى..
وأخرى..
وأخرى..

والدماء تنزف من إصابة فخذه في شدة..
ومع الذئاب التي أحاطت به من كل جانب، راح عزيز يصرخ..
ويصرخ..

ولكنه اختار المكان بدقة شديدة في الواقع..
فهنا لا يمكن لأحد أن يراه..
أو يسمعه..

وهنا، وقبل أن تنقضّ عليه الذئاب من كل صوب بلحظة واحدة، أدرك عزيز أنه ما من جريمة كاملة..
حتى لو عجزت عنها عدالة القانون..
فهناك عدالة أخرى، لا يفلت منها مجرم بجرمه أبدا..
تلك العدالة، التي أرسلت إليه عقابها عبرهم..
عبر الذئاب.


***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 05-12-12, 10:41 AM   المشاركة رقم: 34
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي رد: الستار الأسود .. بقلم الد.نبيل فاروق .. " همس" .. متجدد

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": غبار







همّ أحد الوحشين بضرب الشاب على رأسه





انعقد حاجبا درويش بمنتهى القسوة والشراسة، وهو يجلس واضعا إحدى ساقيه فوق الأرض، متطلعا إلى ذلك الشاب، الذي لم يتجاوز العشرين من عمره بعد، والذي أمسك به اثنان من رجاله، وأجبراه بقسوة على الركوع أمامه، وهو يهتف في ذعر باكيا:
- أقسم إنني سأدفع ثمن ما أخذته.. غدا سأحضر لك المبلغ المطلوب.. إنها أزمة عابرة فحسب..

زمجر درويش في شراسة، جعلته أشبه بذئب برّي متوحش، وهو يقول:
- لقد أمهلتك أسبوعين كاملين، لتدفع ثمن البضاعة، واليوم تنتهي المهلة، وليس من عادتي مدّ المهلة، مهما كانت الأسباب.

بكى الشاب في انهيار، وهو يقول:
- ولكنني أقسم أن أدفع المبلغ غدا.. أمهلني فقط حتى ظهر الغد، وسأسدد الثمن كله، حتى ولو اضطررت لسرقة مصاغ والدتي، و...

قاطعه درويش بزمجرة أكثر شراسة:
- لا يوجد غد.. بالنسبة لك على الأقل.
انهار الشاب أكثر، وهو يقول ودموعه تغرق وجهه:
- الرحمة.. أرجوك.

صرخ فيه درويش:
- ليست مسألة رحمة.
ثم تراجع في مقعده، وأضاف في شيء من الزهو الوحشي:
- إنها مسألة مبدأ.

كاد الشاب المسكين يفقد الوعي، وهو يقول:
- ولكنني وحيد والديّ، ولن يبخلا بأي شيء في مقابل حياتي.
لوّح درويش بذراعه، في حركة مسرحية، وهو يقول:
- هراء... إنهما حتى لم يحسنا تربيتك.

لم ينبس الشاب ببنت شفة، وهو يبكي وينتحب بصوت مرتفع، فتابع درويش، وقد اكتست لهجته بلمحة من الشماتة:
- أنت شاب مرفه، من أسرة ذائعة الصيت، ووالداك من طبقة تتصور نفسها فوق كل الطبقات، وتنظر إلى أمثالنا من علٍ، نظرة احتقار وازدراء، وينفقان عليك بسخاء؛ لتصل إلى أعلى مستويات التعليم، الذي لم نحظ نحن بأدناه.

ارتفع بكاء ونحيب الشاب أكثر، مما زاده انتعاشا وزهوا وشماتة، وهو يتابع:
- والأثرياء أمثالكم يتصورون أن المال هو كل شيء.. فقط لأنهم يمتلكونه.. وينسون أن التربية هي الأساس.

بدت هذه الموعظة عجيبة تتناقض وبشدة مع هيئة درويش، وعمله في تجارة المخدرات، إلا أن الشاب المنهار لم يعلق على هذا، واكتفى ببكاء عنيف، جعل درويش يزداد شماتة، وهو يقول في ازدراء متعمد:
- انظر إلى نفسك.. شاب يتلقى التعليم في أغلى جامعات مصر، وعلى الرغم من هذا لم يمكنه مقاومة ميله الطفولي لتجربة المخدرات.

تمتم الشاب في صعوبة، من وسط بكائه:
- أقسم ألا أعود إليها مرة أخرى.
أطلق درويش ضحكة عالية ساخرة وحشية، قبل أن يقول:
- قسم ستبرّ به حتما؛ لأنك لن تكون بيننا لتعود إليها مرة أخرى.

ثم بدأت لهجته تكتسي بالشراسة، وهو يضيف:
- ولا حتى إلى والديك.
تصور أحد الوحشين اللذين يمسكان بالشاب أن هذا بمثابة إصدار الحكم، فقال في غلظة بدت وكأنها جزء من شخصيته:
- هل ننهي الأمر؟!

ارتجف الشاب في رعب، في حين التمعت عينا درويش، وهو يشير بسبابته، قائلا:
- أرأيت أيها المدلل؟ بإشارة واحدة مني أهبك الحياة أو الموت.
انتفض الشاب في عصبية مفاجئة، وصاح على الرغم من دموعه وانهياره:
- ومن أنت حتى تهب الحياة أو الموت؟!

انتفض درويش بدوره، وحدق في الشاب ذاهلا، غير مصدق أنه قد نطق تلك الكلمات...
ولكن الشاب تابع في غضب عجيب، وكأنما أدرك أنه هالك لا محالة، فلم يعد يجد داعيا للتوسل:
- الله سبحانه وتعالى وحده يحيي ويميت.. أما أنت، وكل ضباعك الشرسة، فلستم سوى مخلوقات ضعيفة، لو سلّط عز وجل عليكم كلبا من كلابه، لما بقيت فيكم خلية واحدة حية، أو عرق واحد ينبض.

تضاعف ذهول درويش وغضبه واستنكاره، واحتقن وجهه في شدة من فرط شعوره بالمهانة، في حين غمغم أحد الوحشين، في ذهول مماثل:
- لقد جُنّ.
صرخ فيه الشاب:
- بل قل: إن مواجهة الموت قد أعادت إليّ عقلي وصوابي.. إنني أتساءل: كيف سقطت في هذا المستنقع؟! وكيف أسأت إلى نفسي وعائلتي وربي سبحانه وتعالى، بالتورط مع حقراء أمثالكم.

همّ أحد الوحشين بضربه على رأسه، إلا أن درويش استوقفه بإشارة صارمة من يده، نهض بعدها من مقعده، الذي يتخذه عرشا لمملكة المخدرات التي يتزعمها، واتجه نحو الشاب، بوجهه الذي لم يفقد احتقانه بعد، ومال نحوه، قائلا في وحشية غاضبة:
- كلب من كلابه؟! هل تصوّرت أن كلبا يمكن أن يرجف شعرة واحدة في رأس درويش، ملك الكيف في مصر كلها؟

أدهشه أن الشاب قد بدا وكأنه قد اكتسب شجاعة مفاجئة، وهو يقول في تحدٍّ، على الرغم من سوء موقفه:
- وهل تصوّرت أنت أن كلاب الله سبحانه وتعالى تشبه كلابنا نحن؟!

احتقن وجه درويش أكثر، وأيقن من أن الشاب قد فقد عقله بالفعل، وإلا لما جفّت دموعه، واكتسب هذه الشجاعة المفاجئة!!
إلا أن هذا لم يصنع عنده فارقا...
لقد أهانه..
وأمام رَجُليه..
وهو ليس بالرجل الذي يغفر هذا..
أبدا..

وبكل غضبه ووحشيته، ووجهه الذي ازداد احتقانا، اعتدل درويش، وضغط أسنانه في قوة، حتى لا تخرج كلماته غاضبة عصبية..
وبعد لحظات من الصمت، قال في بطء وحشي:
- سأريك أنني أهب الحياة أو الموت بإشارة من سبابتي.
قال الشاب في تحدٍّ عجيب:
- هراء.

كظم درويش غيظه أكثر، وقال:
- سترى.. لا أريده أن يموت ميتة عادية.
ورمق الشاب بنظرة متحدية، مضيفا:
- أريده أن يذوق أبشع أنواع العذاب وأقساها وأقصاها، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.

كان يتصور أن كلماته ستثير الرجفة في أوصال الشاب، إلا أنه ارتطم بنفس النظرات المتحدية، فأكمل، غير قادر على كتمان عصبيته هذه المرة:
- وأريد تشويهه بشدة، وحرق أطرافه في بطء، حتى تصاب أمه بحالة من الهلع، لا تفارقها طيلة حياتها، عندما نلقي جثته أمام منزله.

مرة أخرى واجهه الشاب بتلك النظرة المتحدية، والتي أفقدته أعصابه هذه المرة، فصرخ بكل ثورته:
- الآن.. خذوه وافعلوا به هذا الآن.
جذب الوحشان الشاب في قوة، وكل شر ووحشية الدنيا يطلان من عيونهما، و...
وفجأة، ظهر هذا الغبار...
غبار كثيف، اندفع داخل تلك الحجرة، في قبو فيلا درويش، التي اختار لها تلك البقعة النائية، البعيدة عن العمران...

وكرد فعل طبيعي، التفت الكل إلى باب القبو، حيث ظهر الغبار..
ومع التفاتتهم، ارتفعت تلك الزمجرة المخيفة..
زمجرة قوية..
عالية..
رهيبة..

زمجرة زلزلت كيانهم، وارتجفت لها أوصالهم، وانخلعت معها قلوبهم..
ثم عبر ذلك الجسم الضخم سحابة الغبار..
وتجمّدت الدماء في عروقهم جميعا..
حتى ذلك الشاب..

فذلك الجسم، الذي عبر سحابة الغبار، ورمقهم بعينيه اللامعتين المخيفتين، كان آخر شيء يتخيلون رؤيته في قبو كهذا..
كان أسدا..
أسد قوي، رهيب، مخيف، في ضِعف حجم الأسود العادية..
على الأقل..

ولثوانٍ، أدار ذلك الأسد الهائل عينيه في وجوههم..
ثم توقف بصره عند الوحشين، اللذين يمسكان الشاب..
كان وكأنه قد انتقى فريسته الأولى، عندما توقف ببصره عندهما لحظات، حاول أحدهما خلالها أن يسحب مسدسه في حذر..

ولكن الأسد الهائل انقضّ فجأة..
وقبل حتى أن يجد أحدهما وسيلة أو مكانا للفرار، كانت مخالب الأسد تمزق عنق أحدهما، وأنيابه تنغرس في عنق الآخر..

وبكل رعبه، تراجع الشاب عدوا إلى ركن القبو، وانكمش هناك يرتجف في شدة..
وأمام عينيه، شاهد الوحشين البشريين يسقطان أرضا، والدماء تنزف من عنقيهما في غزارة مخيفة، وجسداهما يتلويان في ألم رهيب، وهما يلفظان أنفاسهما الأخيرة..

ثم رأى الأسد يلتفت إلى درويش، الذي تجمّد على عرشه الخشبي، واتسعت عيناه عن آخرهما، وارتسمت على وجهه أبشع آيات الرعب..
وفي بطء، اتجه الأسد نحوه، دون أن يرفع عينيه عن وجهه..

وعندما خمدت حركة الوحشين البشريين تماما، وتسمّرت نظراتهما، مع الرعب الذي لم يفارق ملامحهما، كان الأسد يقف أمام درويش مباشرة..
وكطفل مذعور مبلول، في طقس عاصف شديد البرودة، راح جسد درويش يرتجف، وراح يتمتم بكلمات وهمهمات، لم يتبيّنها الشاب المنكمش المذعور في البداية..

ثم، وفي حركة واحدة، انقضّ عليه الأسد..
ومع ثقل حجمه الهائل، سقط درويش مع مقعده أرضا..
وجثم الأسد الرهيب، بكل ثقله على صدره..

في تلك اللحظة، انهارت ثقة درويش، وانهارت معه غطرسته وزهوه..
لقد تحوّل إلى فأر مذعور، يصرخ بلا انقطاع، بنفس الكلمات، التي لم يتبيّنها الشاب في البداية:
- عرفتُ كيف يبدون.. عرفتُ كيف يبدون.
ومع آخر كلماته، مال الأسد برأسه نحوه في بطء، وغرس أنيابه في عنقه، ثم توقف على هذا الوضع، وكأنما يريد أن يذيقه بعض العذاب أولا..

وعندما جحظت عينا درويش عن آخرهما، من فرط الألم والرعب، أكمل الأسد عمله، وقضم قضمة كبيرة من عنقه..
ومع الدماء التي اندفعت كالشلال، رفع الأسد رأسه، ثم التفت إلى الشاب المسكين، الذي جحظت عيناه بدوره، والتصق بالجدار بشدة، في انتظار مصيره..

وفي هدوء، اتجه الأسد نحوه، وتطلع إلى عينيه مباشرة..
الطبيعي، في مثل هذا الموقف، كان أن ينهار الشاب تماما، مع قدر هائل من الرعب، يكفي مدينة كاملة..

ولكن العجيب أنه لم يشعر بهذا!!
شيء ما في عيني ذلك الأسد الهائل، الذي يفوقه حجما بأربع مرات على الأقل، جعله يشعر بشعور عجيب للغاية..
بالارتياح..

ومن خلف باب القبو المفتوح، والذي لم ينقشع عنه الغبار بعد، سمع الشاب صوت رجل يهتف:
- هنا.
وفي هدوء، التفت الأسد إلى مصدر الصوت، ثم اتجه نحو الباب، تاركا الشاب خلفه، وقد شمله هدوء نفسي عجيب وعميق..

"ولكن كيف فعلها؟!"
هتف مسئول حديقة الحيوان بالعبارة المتسائلة في دهشة بالغة، وهو يحدق في الشاب، الذي أجابه في هدوء أدهش الجميع:
- لقد رويت لكم كل ما حدث.
هزّ مسئول حديقة الحيوان رأسه في قوة، وهو يقول:
- ليس هذا ما أسألك عنه.. إننا نتساءل: كيف فرّ من قفص مُحكم، ونحن في طريقنا لنقله إلى حديقة الحيوان؟! ولماذا في هذه المنطقة بالذات؟! ثم وهو ما يحيرنا أكثر، لماذا قتل الرجال الثلاثة، ثم لم يمسَّك بخدش واحد؟!

تنهد الشاب في ارتياح، وأغلق عينيه لحظة، ثم عاد يفتحهما، وهو يجيب في خفوت:
- سل من أرسله..
ولم يفهم الرجل الجواب..

ولم يستوعب أيضا سر ابتسامة الشاب، وهو ينطق إجابته..
لم يستوعبها..
أبدا.
***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 05-12-12, 10:46 AM   المشاركة رقم: 35
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي رد: الستار الأسود .. بقلم الد.نبيل فاروق .. " همس" .. متجدد

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": الفأر





فوجئت بالفأر يقفز في وجهي عندما فتحت دولاب الخزين




"هناك فأر في العوامة"
صرخت زوجة مهدي بالعبارة في فزع كبير، وهي تهرع إليه في شرفة تلك العوامة، التي استأجرها مؤخرا على نيل القاهرة، فزفر في ضيق لأنها قطعت عليه خلوته اليومية، ومطالعته التقليدية للصحف، وسألها في لهجة، لم يحاول حتى إخفاء نبرة التبرم فيها:
- كبير أم صغير؟!

حدقت فيه مستنكرة، قبل أن تعاود الصراخ في غل:
- أهذا كل ما يشغلك؟! كبير أم صغير؟! إنه فأر.. فأر قذر صغير، فوجئت به يقفز في وجهي، عندما فتحت دولاب الخزين.

زفر في سخط، وأغلق الجريدة التي يطالعها، ووضعها في حرص على المنضدة الصغيرة أمامه، كما لو أنها مصنوعة من الزجاج، والتفت إليها وهو ينهض، مغمغما:
- ربما أفزعه مقاطعتك لخلوته.

صاحت في صوت مرتفع، هو أكثر ما يكرهه فيها:
- أقول لك فأر يا رجل، فتقلب الأمر إلى مزاح؟! ألا تدرك كم من الأمراض والمخاطر، تنقلها الفئران إلى البشر؟!
اتجه نحو المطبخ، مغمغما في ضيق:
- أتدركين أنت كم الإزعاج، الذي يسببه البشر للفئران؟!

صرخت بكلمات مختلطة، لم يتبينها جيدا، ولكنه أراح نفسه بدخوله المطبخ، وإغلاق الباب خلفه، وجال بعينيه في المكان، بحثا عن ذلك الفأر..
كان يتوقع أن يكون المطبخ خاليا، خصوصا أن زوجته قد هرعت منه فزعة، تاركة بابه خلفها مفتوحا، وسيفر منه الفأر حتما، إلى مكان أكثر أمنا..
ولكنه، ولدهشته، عثر عليه أسفل الحوض..

كان فأرا صغيرا، يختفي فزعا، وراء بعض أدوات التنظيف، ولكن ذيله الطويل كشف موضع اختبائه، وكأنه لم يلعب الغميضة يوما في حياته..
وفي حذر التقط مهدي عصا غليظة تستخدم لبلوغ سقف المطبخ وتنظيفه، وصوّبها في دقة وإحكام، ثم هوى بها على الفأر مباشرة..

ومع صرخة ألم رفيعة صغيرة، سقط الفأر جثة هامدة..
وكقائد ظافر باسل، خرج من المطبخ، وهو يحمل جثة الفأر، في منشفة ورقية، من مناشف المطبخ، قائلا في زهو حاول أن يلبسه ثوب التواضع:
- ها قد انتهت المشكلة.

حيّته زوجته بتصفيق فرحة وانتصار، هاتفة:
- لقد أصابني بالرعب.
ثم حدّقت في جثة الفأر الصغير، قبل أن تستعيد فزعها، هاتفة:
- إنه ليس الفأر، الذي هاجمني في المطبخ.

لم يفهم ما الذي تعنيه، فلوح بجثة الفأر في وجهها، قائلا في عصبية:
- لقد عثرت عليه في المطبخ.
قالت في إصرار:
- ولكنه ليس ما هاجمني.. هذا رمادي اللون، والآخر كان بنيا.

أحنقه إصرارها، وأحنقه أكثر دقة الملاحظة التي تدعيها، وقال في حدة:
- ربما لم..
قاطعته في حزم:
- إنه ليس هو.

كان هذا يعني بالنسبة إليه، أنه لن يعود لمطالعة صحفه، وأنه سيضيع ساعتين أو أكثر، في البحث عن الفأر الثاني، في كل ركن من العوامة، ولكن لم يكن لديه خيار، فزفر في توتر، وبدأ مهمة البحث..

وبعد أكثر من ساعة، كاد ظهره خلالها ينقسم، من فرط ما أزاح من قطع الأثاث، وخصوصا في حجرة النوم الوحيدة، ألقى جسده المكدود على أقرب مقعد صادفه، وهو يقول:
- ليس له من أثر.

بدت شديدة القلق تتلفت حولها، كما لو أنها في قلب غابة مطيرة تكتظ بالحيوانات المفترسة التي يمكن أن تهاجمك في أي لحظة، وهي تقول:
- ولكنه هنا حتما، في مكان ما.

زفر مرة أخرى في يأس محنق، وغمغم محاولا إنهاء الموقف:
- كل العوامات تحوى فئرانا.. هذا ما سمعته من جيراننا، في العوامات الأخرى.
هتفت في حنق:
- لماذا جعلتنا نترك شقتنا، ونستأجر هذه العوامة إذن؟!

أجابها في حنق مماثل:
- هل كانت شقتنا بمنأى عنهم؟! ألا تتذكرين ذلك الفأر الذي تسلل إلينا من منور العمارة؟! لقد كان أكبر حجما من هذا.
بدا وكأن الحنق صار جزءا من حديثهما المعتاد، وهي تهتف:
- بعض السكان كانوا يلقون قمامتهم في منور العمارة، على الرغم من وجود رجل قمامة، يمر لحملها كل يوم.

لوح بيده، هاتفا:
- وهنا أيضا.. بعض السكان يلقون قمامتهم في النيل، ناهيك بمن يلقون بعض الحيوانات النافقة فيه.
لوحت بسبابتها، هاتفة:
- تذكر أنك قد ألقيت جثة الفأر في النيل.
قلب كفيه، وهو يخفض من هتافه، قائلا:
- وأين كنت سأرميها إذن؟!

مطت شفتيها، معلنة أن الجواب ليس مناسبا لقولها، وعادت تتلفت حولها بنفس القلق، وهي تقول بصوت مرتجف:
- لا يمكنني أن أقضي ليلتي هنا، وأنا أعلم بوجود فأر في العوامة.
حاول أن يبدو مازحا، وهو يقول:
- سيكون من حسن حظنا، لو أنه فأر واحد.

نظرت إليه في فزع، هاتفة:
- ماذا تعني؟!
أشار بيده، مجيبا:
- نظرا لتقارب حجميهما، فهما شقيقان بالتأكيد، وما دامت الفأرة تلد ما بين ستة إلى ثمانية فئران، في المرة الواحدة، فهذا يعني..

قاطعته هاتفة بكل الفزع:
- لن أبيت ليلتي هنا.
لم يدر لماذا شعر بالارتياح لقولها هذا، حتى أن غمغم في تخاذل:
- أين ستذهبين؟!

هتفت:
- سأبيت مع أمي، حتى تحضر شركة من شركات التطهير، وتضمن عدم وجود فئران هنا.
صمت لحظات..
وصمتت لحظات..
وخلال صمتهما، تطلع كل منهما إلى الآخر، قبل أن يقطع هو حبل الصمت بمقص حاد:
- فليكن.
ونهض عائدا إلى شرفته، حيث ترك صحفه، متابعا:
- سأتصل بواحدة من تلك الشركات اليوم، وأحدد معها موعدا.

رمقته في غل، من موافقته السريعة هذه، وسألته في غضب وهي تتجه نحو حجرة نومهما، لتحمل ثيابها:
- ما الذي يعجبك في هذه العوامة؟!
أشار بيده مجيبا:
- يكفي تناول الإفطار على النيل كل صباح.
صاحت في حدة:
- تناوله وحدك.

ثم أضافت، وهي تغلق باب الحجرة خلفها:
- أو ادع أحد الفئران لتناوله معك.
ضحك من قلبه، وعاد إلى صحفه يطالعها في نهم، حتى أنه لم يهتم بتوديعها، وهي تخبره أنها ستأخذ سيارتهما، وسمعها تغلق باب العوامة خلفها، وسمع وقع خطواتها وهي تسرع على مرساتها، وكأنها تفر من ديناصور وحشي، ولم يشعر بالارتياح إلا عندما سمع صوت سيارتهما تبتعد، فغمغم:
- أخيرا.. ليلة من الهدوء.

ظل جالسا في شرفة العوامة، والشمس تعبر في بطء، واكتفى بتناول قليل من الجبن الأبيض، وهو يراقب مشهد غروب الشمس البديع، حتى أظلمت الدنيا من حوله، وبدأت أضواء ليل القاهرة تصنع ذلك المشهد البديع، الذي طالما عشقه..
ومع مرور الوقت، بدأ يستمتع بغياب زوجته عنه..

الهدوء يسود كل شيء من حوله..
حتى ضوضاء الشارع، لم يعد يشعر بها..
ألقى نظرة على ساعته، وأدهشه أن اقتربت عقاربها من منتصف الليل..
كيف مر كل هذا الوقت، دون أن يشعر؟!
كيف؟!

قام من مجلسه في الشرفة، ليشعل ضوء الصالة الصغيرة، إلا أنه فوجئ بانقطاع التيار الكهربي فيها، على الرغم من أن الأضواء واضحة في كل مكان حوله، حتى في العوامات المحيطة به..
وكأن هذا يعني أنه عطل خاص بعوامته..
لم يبال كثيرا، مع اعتياده مثل هذا الأمر، والتقط مصباحا يدويا، أشعله وهو يغمغم:
- يا لها من عوامة قديمة! هذا يحدث مرتين أسبوعيا على الأقل.

لم يكن ضوء المصباح قويا، مما يوحي بأنه يحتاج إلى تغيير بطارياته، إلا أنه بدا له كافيا ليصل به إلى الطابق السفلي، ويصلح فيوزات الكهرباء القديمة، فتعود الأضواء إلى السطوع..

حمل المصباح اليدوي، إلى الطابق السفلي من العوامة، والذي ينخفض عن منسوب مياه النيل، حيث وضعت الفيوزات القديمة..
ومن بين شفتيه انطلق صفير بلحن قديم، حاول أن يسلي به نفسه، وهو يهبط في درجات ذلك السلم الخشبي المتهالك إلى الطابق السفلي..

وعلى ضوء المصباح الأكثر تهالكا، رأى علبة الفيوزات مفتوحة في إهمال، وبداخلها فأر صغير صريع، تفوح منه رائحة احتراق، فابتسم مغمغما:
- أنت فعلتها بنفسك.. قرضت أسلاك الكهرباء، فصعقك التيار.

كان يهبط درجة السلم قبل الأخيرة، عندما سمع قرقعة قوية أسفله، انهارت درجة السلم بعدها تحته، فاختل توازنه، وهوى من هذه المسافة الصغيرة..
حاول أن يتشبث بأي شيء، إلا أنه لم يجد ما يتشبث به، فارتطم جسده بالأرض، وعلقت قدمه بتلك الدرجة المكسورة، ليسمع قرقعة أخرى، مصحوبة بآلام شديدة سرت في جسده كله..

استغرق منه الأمر لحظة واحدة على الرغم من آلامه، ليدرك أنه في مأزق لا يحسد عليه.. لقد كسرت ساقه، وقدمه محشورة في درجة السلم، وزوجته ليست هنا، وهاتفه المحمول تركه فوق مائدة الصالة..
يا له من موقف!

إنه سيضطر إلى الصراخ، لعل أحدهم يسمعه ويهرع لنجدته..
وعلى الفور، وضع الفكرة موضع التنفيذ، فصرخ..
وصرخ..
وصرخ..

صرخ أكثر من عشر مرات، بأعلى ما يستطيع..
ولكن أحدا لم يستجب..
كان من الواضح أن المستوى الذي سقط فيه، يحجب صراخه عن الآخرين، ويحبسه في الطابق السفلي فحسب..

وبزفرة يائسة اعتادها، ترك ظهره يسترخي على الأرض، وهو يتساءل: كيف يمكن الخروج من هذا الموقف؟!
ثم سمع تلك الحركة من حوله، فأدار ضوء المصباح المحتضر نحوها، و..
واتسعت عيناه في رعب..
رعب لم يتصور أن يشعر به، في حياته كلها!

فلقد انعكس ضوء المصباح على عشرات العيون الصغيرة، التي تتطلع إليه في ترقب، وتجذبها نحوه رائحة الدماء، التي تسيل من إصابة قدمه..
كانت عشرات الفئران، تقف في انتظار انهياره، لتنقض عليه..

أدار ضوء المصباح، وتضاعف رعبه ألف مرة..
إنها ليس عشرات الفئران..
إنها مئات..
مئات تحيط بكل ما حوله..
وكلها تنظر في تحفز..

صرخ فيها، فابتعدت قليلا، ثم عادت وقد أدركت أن كل ما يملكه هو الصراخ..
صرخ باسم زوجته..
وجيرانه..
ولم يستجب أحد..

ثم راح ضوء المصباح يتهاوى، حتى صار أشبه بضوء يأتي من مائة كيلو متر..
وفي انهيار، راح يبكي مغمغما:
- لن تكون هذه هي النهاية.. لن تكون كذلك.
ولكن مع نهاية غمغمته، انطفأ ضوء المصباح تماما..
وسمع وقع الأقدام الصغيرة تقترب..
وصرخ مهدي..

صرخ كما لم يصرخ من قبل..
صرخ..
وصرخ..
وصرخ..

وفي هذه المرة أيضا، وحتى خمدت صرخاته تماما.. لم يستجب أحد.
***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الستار الاسود, زهور الربيع, نبيل فاروق, قصة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات أونلاين و مقالات الكتاب
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:41 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية