لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > سلاسل روايات مصرية للجيب > روايات أونلاين و مقالات الكتاب
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات أونلاين و مقالات الكتاب روايات أونلاين و مقالات الكتاب


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-08-12, 03:57 PM   المشاركة رقم: 26
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": القمر



بتر أشرف عبارته بغتة وهو يحدّق في القمر
ارتفعت أبواق سيارات الشرطة والإسعاف وهي تشق طريقها عبر شارع الهرم، أشهر شوارع محافظة الجيزة، في اتجاه منطقة الأهرامات..

وهناك عند منطقة أهرامات الجيزة كان أي شخص يمكنه أن يدرك أن هناك حدثا غير طبيعي دفع الشرطة إلى منع الجميع من دخول المنطقة، حتى السائحين الذين جاءوا من أقاصي الأرض لرؤية ذلك الأثر الفرعوني القديم..

ومع عبور سيارات الشرطة والإسعاف إلى تلك المنطقة استقبلها أحد رجال شرطة السياحة وهو يقول في انفعال:
- هناك.. لقد ظهر هناك.. نحن أحطنا منطقة ظهور، ومنعنا الاقتراب منها لحين وصولكم.
أجابه عميد الشرطة الذي صحب السيارات محاولا تهدئته:
- تمالك نفسك يا هذا، وقصَّ عليَّ ما حدث بالتفصيل.

بدأ الاثنان يتحركَّان بالفعل، وضابط شرطة يقول في انفعال:
- كل شيء كان يسير على ما يرام منذ الصباح، وكان هناك وفد سياحي يلتقط بعض الصور لمنطقة الأهرامات عندما سمعنا دويا مكتوما، ونشأ وسطهم ما يشبه إعصارا صغيرا فتفرَّقوا فزعين، وعندما هرعت إليهم لتفقد الأمر رأيته يظهر في الهواء فجأة كما لو أنه قد نشأ من العدم، على ارتفاع ستة أمتار من الرمال.

ارتفع حاجبا العميد، وهو يسأله في توتر:
- هل رأيت هذا بنفسك؟
كان ضابط شرطة السياحة يلهث من فرط الانفعال وهو يجيب:
- لو لم أرَه بنفسي لما صدَّقته يا سيادة العميد.

هزَّ العميد رأسه، في دهشة كبيرة، وهما يقتربان من منطقة الحدث، وسأله في توتر:
- وماذا حدث بعد ظهوره؟!
أجابه في سرعة:
- سقط على الرمال.
التفت إليه العميد في صرامة، فاستدرك على الفور:
- وفقد الوعي.

بدا فريق من رجال الشرطة من بعيد يصنعون ما يشبه الدائرة، ويصوبوَّن أسلحتهم نحو جسم ما في مركزها، فتساءل العميد وهو يحث الخطى:
- وكيف يبدو؟!
لوَّح ضابط شرطة السياحة بيديه وهو يجيب:
- مثلنا تماما.. رجل عادي في ثياب عادية.. لا يميزَّه سوى سقوطه من الهواء بلا مقدمات.

كانا قد بلغا منطقة الحدث بالفعل، فحَّدق العميد في رجل عادي يرتدي قميصا وسروالا بسيطين، سقط فاقدا للوعي على الرمال وعلى مقربة منه منظار طبي بسيط، من الواضح أنه سقط على وجهه مع ارتطامه بالأرض، واعتدل العميد وهو يلتقط نفسا عميقا قبل أن يقول:
- فلينقلوه إلى سيارة إسعاف فورا.

سأله الضابط بكل دهشته:
- بهذه البساطة؟!
أجابه بكل صرامة:
- نعم.. بهذه البساطة.

ولكن الأمر لم يكن بسيطا في الواقع، فهناك في إحدى قاعات مستشفى كبير يطل على نيل القاهرة، التفت فريق من العلماء والأطباء ورجال الأمن حول ذلك الشخص، يفحصونه بكل دقة واهتمام، قبل أن يقول كبير الأطباء:
- إنها غيبوبة عادية.. الرمال خففَّت كثيرا من صدمة السقوط، فلم يصب بأي كسور أو مضاعفات.

تساءل العميد في خشونة لم يتعمَّدها:
- وماذا عن ظهوره المفاجئ في الهواء؟
هزَّ كبير الأطباء كتفيه وأشار بيده إلى رئيس فريق العلماء، الذي غمغم في خفوت متوتر:
- ما أن يستعيد وعيه، حتى نسمع القصة من بين شفتيه..

ولم يستغرق هذا وقتا طويلا..
فلم تمضِ نصف الساعة حتى كان ذلك الرجل يستعيد وعيه ويحدَّق في المحيطين به، متسائلا في اضطراب:
- أين أنا؟!

أجابه عميد الشرطة في خشونة تعمَّدها هذه المرة:
- في مستشفى قصر العيني.
اعتدل الرجل جالسا على فراشه، وتساءل بكل الاهتمام:
- في أي عام؟!

انعقد حاجبا رئيس فريق العلماء، في حين قال العميد في حدة:
- أهذا وقت للمزاح يا هذا؟!
حمل صوت الرجل ضراعته، وهو يقول:
- أرجوك أخبرني.. في أي عام نحن؟!

تبادل الرجال نظرة دهشة، في حين اندفع رئيس فريق العلماء يجيب:
- عام ألفان وثلاثة عشر يا رجل.
تهلَّلت أسارير الرجل فجأة، وهو يهتف:
- عام ألفان وثلاثة عشر؟! حقا؟!

ثم انفجر ضاحكا في سعادة غامرة قبل أن يضيف:
- إذن فقد فعلتها.. لقد فعلتها.
تبادل العلماء والأطباء نظرة حائرة متوترة، في حين بدا صوت العميد أكثر خشونة وهو يقول في حدة:
- فعلت ماذا يا رجل؟!

هتف الرجل بكل سعادته:
- أثبت نظرية أينشتين.. سافرت عبر الزمن.
تفجَّرت الدهشة في وجوه الجميع، فيما عدا رئيس فريق العلماء الذي ازداد انعقاد حاجبيه في شدة، والعميد الذي قال في غضب عصبي:
- أي سخافة هذه؟!

كان الرجل شديد الانفعال والسعادة معا، وهو يقول:
- سخافة؟! هل تصف أعظم إنجاز في التاريخ بأنه سخافة.. لقد نجحت فيما أكَّد الجميع أنه مستحيل! قهرت حاجز الزمن وعبرته.. وإلى الاتجاه الذي رفض الكل الإيمان به.
همّ العميد بقول آخر غاضب، لولا أن اندفع رئيس فريق العلماء يسأل الرجل في انفعال:
- من أي عام أتيت يا هذا؟!

بدا السؤال سخيفا لمعظم الموجودين، إلا أن الرجل أجاب في سرعة:
- من عام ألفين وتسعة وعشرين..
مرة أخرى تفجَّرت الدهشة في وجوه الجميع على نحو أكثر عنفا، وتراجع عميد الشرطة في حركة حادة، في حين واصل الرجل بكل انفعاله وحماسه:
- لقد ابتكرت أوَّل آلة زمن حقيقية تستطيع نقل البشر إلى الماضي، وليس إلى المستقبل وحده مثل الآلة القديمة.

غمغم رئيس فريق العلماء مبهورا:
- أهنالك آلة قديمة؟!
هتف الرجل في حماس:
- بالتأكيد.

ثم استدرك في سرعة:
- بالنسبة إلى زمني بالطبع.
هتف عميد الشرطة في حدة:
- هل تصدَّق هذه السخافة؟!

التفت إليه رئيس فريق العلماء قائلا في صرامة:
- ألديك تفسير آخر لظهوره على ارتفاع عشرة أمتار في الهواء يا سيادة العميد.
انعقد حاجبا العميد وهو يقول في عصبية:
- هذا لا يعني أن أصدَّق روايته.

رمقه رئيس فريق العلماء بنظرة قاسية، ثم التفت إلى الموجودين قائلا في حزم:
- أقترح أن يتم إخلاء الحجرة مؤقتا أيها السادة، إلا مني ومن سيادة العميد؛ فبعض ما يدور هنا قد يندرج تحت بند الأمن القومي.
لم يكن أحدهم يرغب في قطع القصة عند هذه النقطة بالغة التشويق، إلا أن عميد الشرطة لم يعترض، فخرجوا يجرّون أقدامهم جرا، وأغلق رئيس فريق العلماء الباب خلفهم قبل أن يلتفت إلى الرجل، قائلا:
- ما موقعك في زمنك بالضبط يا هذا؟!

أشار بيده، مجيبا في حماس:
- أنا الدكتور أشرف عوض، أستاذ الفيزياء التجريبية في جامعة القاهرة، والحاصل على أرفع وسام علمي في مصر عن أبحاثي في مجال الطاقة الموَّحدة.
بقي عميد الشرطة صامتا معقود الحاجبين في شدة، في حين جذب رئيس فريق العلماء مقعدا، وجلس على مقربة من الدكتور أشرف وهو يسأله في اهتمام:
- هل تطوَّرت العلوم في مصر إلى هذا الحد في زمنك؟!

أجابه في حماس:
- مصر كلها تطوَّرت بعد الثورة، والعلم صارت له قيمة كبيرة فيها، وساعد على تطوير اقتصادها وإنشاء صناعات جديدة.. لدينا ثلاثة علماء فازوا بجائزة نوبل..
وابتسم ابتسامة عريضة وهو يجيب:
- وأظنني سأصبح رابعهم.

مال رئيس فريق العلماء عليه يسأله:
- أتعني أنه لديك وسيلة للعودة إلى زمنك؟
امتقع وجه الدكتور أشرف وهو يتراجع مغمغما في اضطراب:
- وسيلة للعودة؟!

بدا مذعورا للحظات، ثم لم يلبث أن قال في حزم:
- ولكنني أستطيع صنعها بالتأكيد.
ثم أمسك ذراع رئيس فريق العلماء مستطردا في انفعال:
- أنت عالم مثلي وتستطيع معاونتي على هذا.

هزَّ رئيس فريق العلماء كتفيه مجيبا في خفوت:
- لو أنه لدينا في عصرنا هذا التكنولوجيا التي تسمح بذلك.
عاد وجه الدكتور أشرف يمتقع وغمغم في مرارة:
- لا.. أمامكم سنوات قبل بلوغها.

ثم استعاد تماسكه وهو يضيف في توتر:
- ولكن هذا لا يهم.. زمنكم سيسَّجل وصولي، وهذا سيثبت في زمني أنني قد نجحت.
انعقد حاجبا رئيس فريق العلماء لحظات قبل أن يقول في بطء:
- ولكن هذا يتعارض تماما مع فلسفة السفر عبر الزمن.

تراجع الدكتور أشرف ووجهه يمتقع ثانية، في حين تابع رئيس فريق العلماء بنفس البطء والاهتمام:
- فلو سجَّل زمننا وصولك ستعلم به الأجيال القادمة قبل حتى أن تبدأ تجاربك، وسيعني هذا أنك لن تقوم برحلتك إلى الماضي ولن تعود إلى زمننا، وستدور دائرة من المستحيلات، هي التي جعلت العلماء يوقنون من أن السفر عبر الزمن إلى الماضي مستحيل.

شحب وجه الدكتور أشرف وهو يغمغم:
- ولكنني فعلتها.
عاد رئيس فريق العلماء يهزَّ كتفيه قائلا:
- وهذا ما يدهشني حقا!

تحَّرك عميد الشرطة حتى صار أمام النافذة وهو يقول في صرامة:
- معذرة أيها السيدان، ولكنني لا أفهم ولا أصدق حرفا واحدا مما تقولاه!
التفت إليه الدكتور أشرف، وهو يقول في ضيق عصبي:
- هذا لأنك رجل شرطة، ومن الطبيعي ألاَّ...

بتر عبارته بغتة وهو يحدّق في شيء ما خلف العميد، فاستدار هذا الأخير مع رئيس فريق العلماء يبحثان عما يحدّق فيه، ولكنهما لم يريا سوى القمر الذي بدا بدرا من خلف زجاج النافذة، فعادا يلتفتان إلى الدكتور أشرف الذي سأله رئيس فريق العلماء في حيرة:
- ماذا هناك؟!
أشار الدكتور أشرف إلى القمر بيد مرتجفة، وهو يغمغم في صوت مختنق:
- القمر.

سأله العميد في عصبية:
- ماذا عنه؟!
لم يجِب الدكتور أشرف سؤاله، وإنما استدار إلى رئيس فريق العلماء قائلا في شحوب ينافس شحوب وجهه:
- النظرية سليمة تماما.. السفر إلى الماضي مستحيل!

ارتفع حاجبا الرجلان في دهشة، وهتف رئيس فريق العلماء مستنكرا:
- ولكنك أكَّدت أن..
قاطعه في عصبية:
- كنت مخطئا.

ثم بدا أقرب أن هذا غير صحيح.. ولن يعلم زمني الحقيقي أي شيء مما فعلته.
لم ينبس أحد الرجلين ببنت شفة، فتابع في يأس:
- فآلتي لم تنقلني إلى زمن آخر.. بل إلى عالم آخر.. عالم موازٍ.
قبل أن ينطق أحدهما بكلمة انهار مكملا:
- ففي عالمي لدينا دوما قمران توأمان وليس قمرا واحدا.

وانحدرت من عينيه دمعة ساخنة..
دمعة يائسة بائسة..
للغاية.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 01-08-12, 04:10 PM   المشاركة رقم: 27
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": جميل جمال



في ضوء القمر بدت ملامحه أكثر بشاعة من حقيقتها
لا أحد يمكنه أبدا أن يدرك أو يفهم لماذا أطلقت أم جميل على ابنها هذا الاسم.
التفسير الوحيد الذي توصلت إليه بعد جهد جهيد هو أنها اختارت اسمه قبل أن تراه وانتقته له وهو لا يزال جنينا في رحمها.

هذا لأن جميل ابن الحاج جمال عمدة قريتنا قد عانى من تشوه جنيني في رحم أمه بسبب بعض الأدوية الخاطئة التي تناولتها في أشهر حملها الأولى، على الرغم من تحذير طبيب الوحدة الصحية لها بالابتعاد عن هذا، فولد جميل بملامح مشوهة إلى حد مخيف. وجه متغضن أشبه بوجه عجوز في الثمانين، وأنف أفطس يكاد لا يبرز من وجهه، وشفة أرنبية مشقوقة، وعينان ليستا على محور واحد، فاليمنى أعلى من اليسرى بثلاث سنتيمترات على الأقل، وبروز زائد عند كتفه اليسرى، بالإضافة إلى ستة أصابع في كل يد..

ومنذ طفولته نفر منه كل سكان قريتنا وصاروا يخشون رؤيته ويتحاشون النظر إليه، وأطفالهم يتعاملون معه بعدائية واضحة، فيهتف بعضهم في وجهه بأنه عفريت جاء من تحت الأرض، في حين يتمادى آخرون فيلقونه بالحجارة عندما تقع أعينهم عليه..

ولأن هذا أصابه ببعض الجروح، أكبرها كان في مشاعره البريئة عندما لم يكن قد تجاوز الثالثة من عمره بعد، فقد رأت أم جميل أن تعفي ابنها من عذابه، فلم تعد تسمح له بالخروج من المنزل أو حتى الوقوف أو الجلوس أمامه، وحشدت له كل وسائل التسلية المتاحة في فناء المنزل الكبير حتى لا يضطر إلى الخروج.

وكبر جميل وهو سجين في منزله، وكثيرا ما كنت ألمحه يختلس النظر من خلف النافذة في حسرة إلى الأطفال الذين يمرحون ويلعبون في الطرقات، وما أن ينتبه إليَّ حتى يختفي في سرعة وكأنما يخشى أن أراه أو يخشى أن تزعجني رؤيته فيظهر الامتعاض على وجهي أو أؤذي مشاعره دون أن أدري.

ولأن جميل لم يكن يستطيع الخروج من منزله فلم يذهب إلى المدرسة أو يتعلم حرفا واحدا طيلة سنوات عمره، التي تجاوزت العشرين ببضعة أشهر، وإن كنت قد لمحته ذات مرة يمسك كتابا، أظنه كان يحاول فهم ما به أو يطالع صوره على الأرجح.

ولأنني أقيم على مقربة من منزل جميل فقد اعتدت رؤيته واعتاد رؤيتي، ولم يعد يسارع بالاختباء كلما وقع بصري عليه أو وقع بصره عليّ.

وذات يوم وعندما كان في التاسعة من عمره لمحته يتطلع إليّ في اهتمام، فابتسمت ولوحت له بيدي.

في البداية لمحت ذعرا يطل من عينيه وكأنما لم يستطع تفسير حركة يدي، ثم لم يلبث أن لوح بيده في تردد، فابتسمت شفقا ولوحت له بيدي مرة أخرى ثم واصلت طريقي ونسيت الأمر كله.

ولكن من الواضح أن جميل لم ينسه...
ففي كل مرة كنت أمر فيها أمام منزله كان يلوح لي بيده ويمنحني بفمه المشوه ابتسامة كانت –مع الأسف- تزيد ملامحه بشاعة، ولكنني كنت أجيبه كل مرة بابتسامة، مع تلويحة يد.

خيّل إليّ بعدها أن جميل صار ينتظر قدومي كل يوم حتى يحظى مني بتلويحة اليد مع تلك الابتسامة المشفقة.
ثم سافرت بعدها للعمل في واحدة من بلاد النفط، عندما كان جميل في الخامسة عشرة من عمره، وقضيت هناك خمس سنوات لأعود إلى القرية وهو في العشرين، ما زال حبيس حوش منزله يكتفي بالتطلع عبر النافذة عندما لا يكون هناك أحد.

وعندما لمحني جميل عند عودتي تهللت أساريره كلها وراح يلوح بيديه في لهفة جعلتني أرد تحيته وأنا أسأله لأول مرة عن أحواله.
ورأيت الدهشة تملأ ملامحه، ودون أن يجيب منحني ابتسامة كبيرة جعلت ملامحه تبدو أشبه بملامح الوحوش في أفلام الرعب الأجنبية.

كنت قد تزوجت قبيل سفري للعمل من فتاة من خارج القرية وأنجبت منها ابنة جميلة، كنت أفخر بالسير في طرقات القرية وأنا أمسك يدها الصغيرة، وأعرّفها بمسقط رأس والدها.

وكان جميل أحد أهم وأكبر مشكلاتي مع زوجتي الشابة عندما عدت إلى القرية.
ففي أول مرة لمحته أطلقت صرخة ذعر وعادت مبتعدة وهي ترتجف وتبكي، وبذلت يومها جهدا كبيرا لإقناعها بأن هذا الوحش -كما وصفته- لا يغادر منزله أبدا، وأنه ليس هناك داعٍ على الإطلاق للخوف منه، لكنها على الرغم من هذا لم ترتَح لسكننا إلى جوار الوحش ورجتني أن نجد طريقا آخر خلال غدونا ورواحنا نتجنب المرور بمنزله.

وكان من الطبيعي أن أنفذ مطلبها وأن أحرص على ألا نمر بمنزل جميل أبدا مهما كانت الأسباب..
تصورت أيامها أنها ستكون آخر مرة أرى فيها جميل..
لكنني كنت مخطئا..

فذات مساء كنت أتنزه مع ابنتي هدى في طرقات القرية كالمعتاد، عندما خطر ببالي أن أريها تلك الساقية القديمة التي اعتدت الاستذكار عندها في طفولتي وأيام شبابي الأولى، فسرت ممسكا يدها الصغيرة وهي تتقافز خلفي في خفة كعادتها حتى بلغنا الساقية، و...

وهناك، كانت المفاجأة...
ففي ظل الساقية القديمة الذي صنعه بدرا فضيا مكتمل الاستدارة في السماء شاهدت جميل..
كنت أتصور أنه لا يغادر منزله قط، ولكنه كان هناك يجلس في صمت وسكون ويتأمل البدر في شرود وكأنما يبهره ضوؤه الفضي الجميل الناعم..
وعندما شعر جميل بقدومنا، استدار إلينا..
وارتجف جسدي كله، على الرغم مني..

فتحت ضوء القمر بدت ملامحه أكثر بشاعة من حقيقتها، حتى لقد بدا بالفعل مثل وحش أسطوري ينتظر ضحيته القادمة في ظل الساقية القديمة..
ولوهلة، استعاد ذهني كل ما قرأته من قصص الوحوش وكل ما شاهدته من أفلام الرعب الأجنبية قديمها وحديثها..

استعاد ذهني ذلك الرابط العجيب، الذي اشتركت فيه كل قصص الرعب تقريبا، بين الوحوش بكل أنواعها واكتمال استدارة القمر في السماء..
استعاد ذهني كل هذا في لحظة واحدة وأنا أحاول إبعاد نظر هدى الصغيرة عن ملامح الوحش..
وبكل فرحته لرؤيتنا فوجئت بابنتي الصغيرة هدى تلوح له بيدها وتمنحه ابتسامة بريئة جميلة..
كانت ملامحه شديدة الوضوح لها، وعلى الرغم من هذا فهي لم تخَف ولم تشعر حتى بذرة واحدة من التوتر..

ألقيت عليه تحية سريعة وأنا لا أستطيع كبح ذلك التوتر الذي سرى في جسدي كله، وجذبت ابنتي هدى في عصبية وأنا أسير معها بخطى سريعة، والمسكينة تتقافز خلفي محاولة اللحاق بخطواتي الواسعة مع ساقيها الصغيرتين الرقيقتين..

وعندما اقتربنا من المنزل خففت من سرعتي قليلا، وعندئذ سمعت هدى تقول في براءة مدهشة:
- جميل هو عمو هذا يا أبي.
فجرت عبارتها كل الدهشة في أعماقي، إلى حد مذهل..
جميل هو! كيف رأت تلك الخلقة البشعة جميلة؟!
كيف؟!
ألا يعرف الصغار الفارق بين القبح والجمال؟!
ألم تنضج معرفتهم بهذا بعد؟!

كان السؤال يواصل طرح نفسه في أعماقي عندما كانت زوجتي تعد طعام العشاء، وعلى الرغم من أنني حاولت عدم ذكر الأمر أو الإشارة إليه فإن هدى راحت ترويه في حماس جعل عيني زوجتي تتسعان عن آخرهما بكل رعب الدنيا، ثم هاجت وماجت وصرخت في وجهي وأقسمت ألا تترك هدى وحدها معي مرة أخرى..

وحتى يمر الأمر في سلام التزمت الصمت تماما، مزمعا ألا أناقشه معها قبل أن تهدأ أعصابها ويزول توترها في غضون يوم أو يومين..

وفي اليوم التالي تشبثت هدى بأمها حال استعدادها للخروج إلى السوق، فلم تجد زوجتي مفرا من أن تصحبها معها، خاصة أنه كان يوم عطلة بالنسبة إليّ وكنت أميل فيه إلى النوم حتى وقت متأخر..

ولكن فجأة شعرت بزوجتي توقظني وهي ترتجف من قمة رأسها وحتى أخمص قدميها، وعندما فتحت عيني هالني وجهها الشاحب وهالتني عيناها الزائغتان، فقفزت من الفراش أسألها:
- ماذا حدث؟
كان صوتها أكثر ارتجافا من جسدها، وهي تقول:
- كنا في طريقنا إلى السوق عندما هاجمنا ثلاثة من الملثمين، أمسك أحدهم هدى ووضع سكينا كبيرة على عنقها وهو يطلب مني أن أعطيه كل ما معي وإلا ذبحها أمام عيني.

اتسعت عيناي في رعب وأنا أصرخ:
- أين هدى؟ أين ابنتي؟
برزت هدى من خلفها، وهي تقول في براءة طفولية:
- أنا هنا يا أبي.
احتضنتها بكل لهفتي وأنا أهتف مرتجفا:
- حمدا لله على سلامتك.. حمدا لله على سلامتك.

ثم أدرت عيني إلى زوجتي مستطردا في انفعال:
- ليس من المهم أن يأخذوا أي شيء.. المهم أن ابنتنا سالمة.
بدت أكثر ارتجافا، وهي تقول:
- ولكنهم لم يأخذوا شيئا.
امتزجت ارتجافتي بدهشتي، وأنا أسألها:
- وكيف هذا؟
مالت نحوي، وهي تجيب بنفس الانفعال:
- لأنه جاء.
سألتها بكل توتري:
- من؟

بدت هدى الصغيرة شديدة الحماس وهي تجيب بدلا من أمها:
- عمو الجميل..
حدقت فيها بكل دهشتي، ثم رفعت عينيّ إلى زوجتي التي قالت والانفعال لم يفارقها بعد:
لست أدري من أين جاء، ولكنه كان شديد الغضب، ولقد أمسك معصم صاحب السكين وكسره بحركة واحدة، ثم التقط هدى قبل أن تسقط أرضا، وصرخ في وجوه الملثمين فانطلقوا يعدون مبتعدين في رعب وهم يطلقون صرخات رهيبة، حتى ذلك الذي تحطم معصمه كان يجري وكأن أشباح الدنيا كلها تطارده..

حدقت ذاهلا في وجه زوجتي وهي تضيف ودموعها تنساب على خديها الجميلين:
- وبعدها أعطاني هدى في منتهى الرفق والدعة وسمعت هدى تشكره في سعادة، ولدهشتي البالغة طبعت قبلة بريئة رقيقة على وجهه المشوه البشع.. لحظتها تراجع في دهشة ووضع يده على موضع قبلتها ثم انطلق يبتعد وسط الحقول..
ثم ألقت جسدها على الفراش وهي تقول باكية:
- إنني لم أشعر بمثل هذا الرعب في حياتي كلها.

قضيت ذلك اليوم كله أحاول التسرية عن زوجتي وابنتي آملا أن أنسيهما تلك التجربة البشعة، حتى كانت الحادية عشرة مساء عندما سمعت طرقات مترددة على باب المنزل، وعندما فتحت الباب كانت دهشتي بالغة..

لقد كان جميل يقف صامتا يتطلع إليّ في قلق، لم أتمالك نفسي معه وأنا أقول في خشونة لم أتعمدها:
- ماذا تريد؟

برزت زوجتي خلفي وتطلعت إليه في صمت مضطرب دون أن تنبس ببنت شفة، في حين جاءت هدى تعدو ثم هتفت في سعادة عندما رأته:
- عمو الجميل..
أدهشني أن ألمح في عينيه لمحة حانية وهو يجذب يده من خلف ظهره ويمدها بشيء فيها نحو زوجتي في تردد شديد..

في تلك اللحظة جمعت الدهشة البالغة بيني وبين زوجتي الشابة..
فذلك الشيء الذي قدمه لها جميل، كان زهرة..
زهرة واحدة بسيطة يمد يده بها نحوها في تردد وهو يتحاشى النظر إلينا جميعا..
ولثوانٍ تجمد بنا المشهد كله، ثم لم تلبث زوجتي أن مدت يدها تلتقط الزهرة وهي تغمغم:
- شكرا.
استدار يبتعد عن الباب في سرعة، وكأنما أنهى مهمة تردد طويلا في القيام بها..

أستعيد تلك الذكريات كلها بعد أن مر شهر واحد على هذا الحدث الأخير، وبعد أن عدت إلى المنزل وسألت زوجتي وهي تنتهي من إعداد طعام الغداء:
- أين هدى؟
فأجابتني في بساطة عجيبة:
- تلعب في الخارج .. اطمئن؛ جميل معها.
لحظتها اتسعت عيناي في دهشة..
وابتسمت..

ولحظتها فقط فهمت لماذا رأت هدى الجمال في ملامحه المشوهة..
رأته لأنها أطهر وأنقى منا جميعا..
رأته لأنها لم تنظر إلى وجهه..
بل إلى قلبه..

لم تر الجمال في ملامحه المشوهة، ولكنها رأت الجمال في نفسه الطيبة ومشاعره الرقيقة، وحبه للبراءة..
رأت كل هذا مما لم نره نحن الكبار الذين أعمتنا الدنيا بتعقيداتها..
رأته ببراءتها في جميل..
جميل جمال.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 01-08-12, 04:11 PM   المشاركة رقم: 28
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": أنت عمري



التفتت الممرضة إلى المريضة التي بدأت تستفيق من غيبوبتها العميقة
تلفّت الدكتور وجدي حوله في حذر؛ ليطمئن إلى خلوّ قسم الحالات الحرجة، في المستشفى الخاص الذي يعمل فيه، من أي شخص، يمكن أن ينتبه إليه، في هذه الساعة المتأخرة من الليل، وربّت على جيب معطفه الطبي؛ ليتأكد من وجود اختراعه الصغير فيه، قبل أن يدفع باب حجرة تلك المريضة، الغارقة في غيبوبة عميقة، منذ أكثر من ستة أشهر، ويدلف إلى المكان في سرعة، ثم يغلقه خلفه في إحكام، وهو يلقي نظرة متوترة على ساعة يده، التي أشارت عقاربها إلى الثالثة والنصف صباحا تقريبا...

كان يعلم جيّدا أن موعد مرور طاقم التمريض؛ لمتابعة المريضة، سيأتي في الخامسة صباحا، مما يعني أنه أمامه ساعة ونصف الساعة؛ ليثبت نجاح اختراعه...

وفي توتر أخرج جهازه الصغير من جيب معطفه، وحمله في حرص، كما لو أنه وليد غير مكتمل النمو، ووضعه على المنضدة الصغيرة، إلى جوار المريضة مباشرة، ثم اعتدل يلهث، كما لو أنه قد بذل جهدا خرافيا، وغمغم في عصبية:
- حتى مساء اليوم كنت مريضتي، أما الآن فأنت عمري كله.

تطلع إلى مريضته بضع لحظات، وهو يبذل كل جهده؛ للسيطرة على انفعاله، ثم التقط نفسا عميقا، وقال وكأنه يتحدث إليها:
- الحادث الذي أصابك أسقطك في واحدة من أنواع الغيبوبة غير ذات التفسير الواضح؛ فكل أجهزتك تعمل على نحو طبيعي، وعلى الرغم من هذا، فأنت غارقة في غيبوبتك.

كشف ذراع المريضة، ودفع في عروقها إبرة رفيعة، تتصل عبر أنبوب طويل بذلك الجهاز الصغير، وهو يواصل:
- ولقد بذلنا كل المحاولات الممكنة، ليس لعلاجك، ومحاولة إخراجك من غيبوبتك العميقة فحسب، ولكن لفهم وتفسير سببها أيضا.

كشف ذراعه، ودفع في أوردته إبرة مماثلة، تتصل عبر أنبوب شبيه بذلك الجهاز الصغير، متابعاً:
- وفي النهاية، أقرّ الكل بعجزه، وبأنه لا سبيل إلى تفسير حالتك، أو علاجها في الوقت الحالي، وكل ما يمكننا هو الإبقاء عليك آمنة، وفي حالة طبية ممتازة، حتى نتوصّل إلى التفسير أو العلاج.

نقل بصره بينها وبين جهازه الصغير، الذي يحوي مفتاحاً واحداً، مع مصباحين صغيرين على جانبيه، أحدهما له لون أحمر، والثاني أخضر اللون، مع مؤشر رقمي مستطيل أعلاهما...

كان يشعر بتوتر شديد، قبل أن يختبر جهازه للمرة الأولى، فقال وكأنه يفرغ توتره، في حديثه مع امرأة لا تسمعه:
- نظريتي تقول: إن ما تعانين منه أشبه بجهاز حيوي، نضبت بطاريته الأساسية، فبدا من الخارج سليما كما كان، ولكنه في حاجة إلى الطاقة المحركة الرئيسية.

ومال نحوها، مضيفاً فيما يشبه الهمس:
- الطاقة الحيوية.
قالها، وتراجع في توتر، وعاد ينقل بصره بينها وبين جهازه الصغير، والتقط نفسا عميقا آخر، في محاولة للسيطرة على أعصابه الثائرة، قبل أن يتابع:
- ولست أعني بالطاقة الحيوية هنا تلك الطاقة الطبيعية للجسم البشري، والتي يمكن قياسها بشتى الوسائل الحديثة، وإنما أعني نوعا آخر من الطاقة... تلك الطاقة التي تكمن في الدم، وتنشأ عن سريانه في العروق... الطاقة التي تمنحنا الحياة، والتي تصنع منا بشراً، يفكّر، ويشعر، ويكره ويحب.

التقط نفساً عميقاً آخر، وتمتم:
- طاقة الدم الحيوية.
صمت لحظات، وكأنه ينتظر منها تعليقاً، ثم هزّ رأسه، مغمغماً:
- المسبار الذي غرسته في عروقك وعروقي، لا يشبه إبرة محقن عادي، فهو ليس مجوّفاً مثله، بل هو مسبار خاص؛ لقياس طاقة الدم الحيوية، ونقل ذبذباتها المنمنمة، إلى جهازي الصغير، الذي يقوم بفحصها، وتحليلها، وقياس قوتها، ثم يقارنها بذبذبات الطاقة الدموية الحيوية الصادرة من عروقي، ويعمل على معادلة الطاقتين...

هزّ رأسه، وكأنما يقنع نفسه بالفكرة، قبل أن يستطرد:
- هذا أشبه بمحاولة إيقاظ بطارية سيارة فارغة... إننا نوصّلها ببطارية سيارة أخرى، فتدور، وتعود السيارة ذات البطارية الفارغة للعمل.
ألقى نظرة على ساعة يده، فوجد أن عقاربها تقترب من الرابعة صباحاً، وأدهشه أن مرّ كل هذا الوقت دون أن ينتبه، فغمغم في توتر:
- أظن أنه من الأفضل أن نبدأ التجربة.

تأكد مرة أخرى من كل التوصيلات، قبل أن تتجه سبابته في تردد وتوتر، إلى الزر الوحيد في الجهاز الصغير...
وبمنتهى العصبية، ضغط الزر...
في البداية، أضاء المصباح الأحمر، وبدأ الجهاز عمله...
ولكنه لم يشعر بشيء...
أي شيء...

لخمس دقائق كاملة، بدت له أشبه بدهر كامل، راح يحدق في الجهاز، وفي المصباح الأحمر، والمؤشر الرقمي المستطيل، بالقرب من قمة الجهاز، والذي ظل يشير إلى الصفر، وكأنما لم يستقبل شيئاً....
لا نبضات عادية، أو فوق عادية...
ولا ذبذبات ولا أي دليل على وجود تلك الطاقة الدموية الحيوية...

وفي توتر شديد، عقد الدكتور وجدي حاجبيه، وهو يغمغم:
- مستحيل! كل حساباتي تؤكد أن...
وقبل أن يتم عبارته، بدأ كل شيء فجأة....
بلا مقدمات، بدأت الأرقام تتحرك في سرعة، على تلك الشاشة المستطيلة...

وشعر الدكتور وجدي بصدمة مباغتة...
لم تكن صدمة نفسية أو عصبية، وإنما صدمة حقيقية...
صدمة، شعر معها وكأن لكمة قوية قد أصابت رأسه، دون سابق إنذار...
وأمام عينيه، اللتين اتسعتا عن آخرهما، اختفت معالم الحجرة، وظهرت بدلاً منها معالم منزل قديم...
كان من الواضح أن ذكريات هذه المريضة، الغارقة في غيبوبة عميقة، قد انتقلت إليه، بوسيلة ما...

كان المنزل قديماً، يشبه بيوت القرن التاسع عشر، وهناك موقد كبير على الأرض، يمتلئ بفحم مشتعل، وتفوح منه رائحة بخور قوية...
وكانت هناك أصوات عجيبة تتردد...
أصوات بلغة ليست عربية حتما...
ولا هي حتى واحدة من اللغات الخمس، التي يجيدها...
كانت لغة غريبة...
عجيبة..
ومخيفة...

وكانت هناك يدان، تتحركان حركات عجيبة...
وبين الحين والآخر، تلقيان بعض البخور في الموقد...
وعلى الرغم من حالة الجمود، التي أصابته عقب الصدمة، استطاع أن يستوعب الأمر في سرعة...
إنه الآن داخل عقل المرأة...
يشعر بما شعرت به...
ويرى ما رأته...

ذلك الصوت الذي يسمعه، بتلك اللغة العجيبة، هو صوتها...
واليدان هما يداها...
إنه، وعبر وسيلة لم يقرأ حتى عنها من قبل، يرى عبر عينيها....
ويحيا ذاكرتها...

كان يريد أن يقاوم هذا الشعور المخيف، إلا أنه عجز عن هذا تماما...
حاول حتى أن يمد يده؛ ليطفئ جهازه الصغير...
ولكن هيهات ...
لقد تجمّد كل جسده، وصار أشبه بمريض مصاب بشلل كامل، فيما عدا عقله، الذي ظل يعمل...
ويرى..
ويشعر...

كانت نيران الموقد تتأجج أكثر وأكثر، مع ترديد تلك الكلمات العجيبة...
ثم فجأة، راحت تلك الصورة تتكون داخلها...

وعلى الرغم من حالة الجمود، التي سقط جسده فيها، شعر الدكتور وجدي برجفة عنيفة، تسري في أوصاله، وهو يرى ما رأته المرأة داخل النيران...
كائن بشع رهيب، تكوّن وسط النيران، وبدا كجزء من الجحيم، بقرنيه الصغيرين، وملامحه السوداء البشعة، وزوج الأعين اللتين غابت منهما القزحية تماما، ويدين أشبه بقطعتين من الحجر الملتهب...

وراح الصوت يعلو، ويكتسب رنة رعب، ثم بدأت الكلمات تعود إلى العربية، مع صرخة المرأة:
- انصرف... انصرف.
ولكن ذلك الكائن البشع واصل التكوّن، حتى صار هو والنار كيانا واحدا...
وفي مشهد رهيب، خرج من موقد النيران، واتجه نحوها...
وصرخت المرأة...
وصرخت...
وصرخت...
وصرخت...

وسمع الدكتور وجدي صدى صراخها في رأسه...
وعبر ذاكرة عينيها، رأى ذلك الكائن يملأ بصرها كله...
وعبر أذنيها، سمعه يقول:
- أنت أردت هذا.

صرخت المرأة، بكل رعب الدنيا:
- انصرف... لن أفعل هذا مرة أخرى... انصرف... انصرف.
قال ذلك المخلوق البشع، وهو يمدّ نحوها يدين صغيرتين، في كل منهما ثلاثة أصابع، تنتهي بمخالب حادة طويلة:
- لست تملكين الطاقة اللازمة لصرفي.

صرخت بكل رعب وفزع الدنيا، واقترب ذلك الشيء البشع منها أكثر وأكثر، وبدا ذيله الشبيه بذيل جدْي يتلاعب خلفه، و...
وفجأة، توقّف...

وخفق قلب الدكتور وجدي، في رعب هائل، عندما ابتسم ذلك البشع ابتسامة شيطانية، برزت إثرها أنيابه الحادة الرفيعة الطويلة، وهو يقول:
- آه... هناك آخر.

ثم بدأت الصورة تتسع، ليملأ وجهه البشع بصر الدكتور وجدي كله، ويرنّ صوته المخيف في أذنيه، وهو يتابع:
- أنت جلبت هذا لنفسك.
وحاول الدكتور وجدي أن يصرخ...
حاول أن يستنجد...
أن يفعل أي شيء...
ولكنه لم يستطع ...

أما ذلك الكائن البشع، فقد غاص في أعماقه، وراح يسيطر على كيانه، و...
"إنها معجزة"...
هتفت بها ممرضة الخامسة صباحاً، وهي تستدعي الطبيب المناوب، عبر الهاتف الداخلي للمستشفى، قبل أن تلتفت إلى المريضة، التي أفاقت من غيبوبتها العميقة، متابعة في انفعال:
- لقد استعادت مريضة الحجرة 13 وعيها... لست أدري كيف... لقد حضرت في موعدي؛ لقياس وظائفها الحيوية، فوجدتها واعية، تشعر بالدهشة، وتتساءل أين هي... الدكتور وجدي؟! هذا هو أغرب ما في الأمر.

وألقت نظرة على الدكتور وجدي، الذي بدا ذاهلاً، جامداً، يحدّق أمامه في لا شيء، قبل أن تتابع في انفعال بلغ ذروته:
- كل وظائفه الحيوية تعمل جيدا، ولكنه واقع في غيبوبة عجيبة... غيبوبة ليس لها تفسير.... أي تفسير.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 05-10-12, 09:30 AM   المشاركة رقم: 29
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي رد: الستار الأسود .. بقلم الد.نبيل فاروق .. " أنت عمري" .. متجدد

 
دعوه لزيارة موضوعي

د.نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود" : الذئب



لم تكن عقارب الساعة قد أشارت إلى السادسة صباحا بعد، وعندما هبّ الدكتور نبيه طبيب تلك الوحدة الصحية النائية الغائبة وسط جبال صعيد مصر مستيقظا على طرقات على باب سكنه الصغير الذي بعد الوحدة الصحية..

لم يكن قد اعتاد أبدا مثل تلك الطرقات القوية التي تشف عن لهفة صاحبها وتوتره بعد قضاء ما يقرب من عامين في تلك المنطقة النائية..

فسكان تلك المنطقة من أهل الصعيد القدامى الذين يتشبثون بعادات وتقاليد صارمة لا يتنازلون عنها أبدا مهما كانت الظروف أو الخطوب.

فحتى عندما كان أحدهم يصاب بطلق ناري من جراء مشاجرة كانوا يحملونه إلى الوحدة الصحية وينتظرون أمامها ويرسلون علي ممرض الوحدة لطرق بابه، لو أن هذا قد حدث بعد ساعات العمل الرسمية..
والممرض دوما ما يطرق الباب في هدوء ورصانة..
مهما كانت شدة أو خطورة الإصابة..
هذا لأنه ومع طول عمله بالوحدة الصحية لم يعد يتأثر كثيرا بما يراه..

ولكن في هذه المرة كانت الطرقات قوية..
وهلعة..
وبثياب النوم اندفع الدكتور نبيه يفتح الباب وهو يتوقع رؤية أب مكلوم أو أم ترتجف من أجل إسعاف ولدها..

ولهذا فقد اتسعت عيناه في دهشة بالغة عندما وجد الممرض أمامه يرتجف وقد اتسعت عيناه في هلع لم يعهده فيه من قبل..

- ماذا هناك يا علي؟
ألقى السؤال في توتر شديد فلوّح الممرض بيديه لحظات وهو عاجز عن الإجابة قبل أن يندفع في انفعال شديد:
- حالة طارئة يا دكتور.. أرجوك أسرع.

اختطف الدكتور نبيه معطفه الطبي وراح يرتديه وهو يهبط درجات السلم متسائلا:
- أهو أحد أقاربك؟
هزّ رأسه نافيا في قوة وهو يقفز نزولا في لهفة هاتفا:
- لا.. إنه عبيد بك.

وارتفع حاجبا الدكتور نبيه في دهشة أكبر..
عبيد.. الابن الأكبر لعمدة القرية والمرشح المنتظر لمنصب العمدة بعد رحيل والده، والذي يحمل شهادة بكالوريوس التجارة ويتمتع بجسد قوي وبنيان متين وقوة شخصية واضحة تجعله يفوق العمدة نفسه مهابة في القرية كلها.
وهذا يثير علامة استفهام ودهشة أكبر..

ففي مثل هذه الحالات وعندما يتعلق الأمر بإصابة لكبير القرية أو أي من شيوخها تزدحم ساحة الوحدة الطبية في المعتاد بأهل القرية الذين يحتشدون، إما للاطمئنان على المصاب أو لإثبات ولائهم له..

أما في تلك اللحظة فقد كانت الساحة خالية.. تماما.
وبكل دهشته وانفعاله اندفع الدكتور نبيه إلى حجرة الكشف و... وتوقف مبهوتا.

فالعمدة القادم المنتظر عبيد لم يكن يرقد على مائدة الكشف الطبي، وإنما كان يجلس عليها ويتطلع إليه بنظرة انكسار عجيبة لم يعهدها في عينه قط..
والأهم أن جلبابه كان ممزقا تماما بقطعات طويلة شبه منتظمة، وتبدو كأنها ناشئة من مخالب حادة لحيوان ضخم الجثة..

وكانت هناك بعض الدماء على أطراف القطعات ولكن نسبتها القليلة لم تكن تتناسب مع عددها الكبير..
وبكل دهشة سأل عبيد:
- ماذا حدث؟

ظل عبيد صامتا لحظات ثم خفض عينه أرضا وهو يجيب في اقتضاب:
- الذئب..
سأله في دهشة:
- أي ذئب؟

عاد عبيد إلى صمته بضع لحظات أخرى قبل أن يجيب:
- إنه يهاجم ماشيتنا منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

حاول أن يستنتج باقي الموقف وهو يدفع عبيد في رفق ليعاونه على التمدد فوق مائدة الكشف، ولكن هذا الأخير قاومه في عصبية وهو يكمل:
- كان لا بد من القضاء عليه.
كرر محاولته وهو يسأله:
- هل هاجمك؟

في هذه المرة استجاب عبيد له ورقد على مائدة الكشف وهو يجيب في لهجة حملت كثير من المرارة:
- لقد كشفت أمره.

كان الدكتور نبيه يهم بفحص جراحه، وعندما بدأ أمسك عبيد معصمه في قوة ورفع نصف جسده عن مائدة الكشف مكملا في عصبية شديدة:
- سيقضي على الماشية، ثم يلتفت إلى سكان القرية.
حاول الدكتور نبيه تهدئته وهو يسأله:
- ألهذا خرجت لمطاردته؟

اتسعت عينا عبيد كما لو أن السؤال قد أصاب أمرا يفزعه وتراجع بنصفه العلوي ليرقد مرة أخرى على مائدة الكشف مغمغما في مرارة:
- لا بد أن أحمي أهل القرية.. هذا واجبي.

بدا الدكتور نبيه يفحص جراحه في هدوء وهو يزيد تمزق جلبابه حتى يمكنه أن يلقي نظرة فاحصة عليها وهو يقول للممرض:
- جهّز صبغة اليود وبعض الخيوط الجراحية، و...

بتر عبارته دفعة واحدة في دهشة وهو يُلقي نظرة على جسد عبيد قبل أن يهتف:
- ولكن جسدك خالٍ من الإصابات.
أشاح عبيد بوجهه دون أي تعليق، في حين غمغم الممرض يسأله:
- هل أحضر لك جلبابا آخر يا عبيد بك؟
أجاب عبيد دون أن يلتفت إليه:
- أخبرهم أن جلبابي ممزق ببعض الأشواك.

أومأ علي الممرض واندفع لإحضار الجلباب المطلوب دون أن يحاول حتى استئذان الدكتور نبيه الذي عقد حاجبيه في ضيق وهو يقول:
- من العجيب أن تمزق مخالبه جلبابك على هذا النحو دون أن يصيبك ولو خدش واحد.

بقي عبيد صامتا بلا إجابة، فعاد الدكتور نبيه يتساءل:
- ولكن من أين أتت الدماء؟
أجابه في خفوت:
- منه.

لم يفهم الدكتور نبيه ما يعنيه هذا، ولكنه وضع يده أسفل ظهر عبيد وكأنما يدعوه إلى النهوض وهو يغمغم:
- في المرة القادمة لا تذهب وحدك.
اعتدل عبيد جالسا وهو يقول في صرامة:
- في المرة القادمة سأقتله.

لم يحاول مناقشته مع انفعاله الواضح، وجلس خلف مكتبه وهو يسأله:
- أما يثير الأمر دهشة أهل بيتك عندما يذهب علي لطلب جلباب جديد؟
صمت لحظة ثم أجاب في اقتضاب شديد:
- كلا.

ألقى الدكتور نبيه نظرة على ساعته وهو يقول:
- ولكن الوقت ما زال مبكرا و...
قاطعه عبيد في شيء من الحدة:
علي ابن عمومتنا، ونحن هنا نستيقظ مع مطلع الفجر.

شعر الدكتور نبيه كأنه يطلب منه عدم الخوض في هذا الحديث، فأطبق شفتيه وتظاهر بفحص أشياء وهمية على مكتبه حتى سأله عبيد فجأة:
- أهناك أي حالات طبية تتحدث عن أولئك المذءوبين الذين نراهم في أفلام السينما؟

كان السؤال مباغتا ومقلقا، حتى أن الدكتور نبيه حدّق فيه في دهشة وهو يقول:
- مُطلقا.. إنها ليست حالات طبية.. إنها خرافة شعبية نشأت في الريف الإنجليزي ونشرتها الروايات وأفلام السينما على العامة.

تطلّع عبيد إليه مباشرة وهو يسأله:
- أأنت واثق من هذا؟
قبل أن يجيبه الدكتور نبيه وصل علي لاهثا يحمل الجلباب الجديد وهو يقول:
- يريدون الجلباب الآخر لتنظيفه.
أجابه عبيد في خشونة:
- دعك منهم.. سنحرقه.

لاحظ الدكتور نبيه أنهما قد تبادلا نظرة عجيبة وعبيد يتناول الجلباب الجديد من يد علي، على نحو يوحي بأنهما يتشاركان سرا لا يرغبان في البوح به لأحد، ولكنه لم يحاول إلقاء أي أسئلة، وغادر حجرة الكشف أو وقف خارجها حتى خرج عبيد منها مرتديا جلبابه الجديد، في حين راح علي يصنع حفرة في ساحة الوحدة الصحية ليقوم بحرق الجلباب الممزق فيها..

وكأنما استعاد مهابته وثقته وقوته مع جلبابه الجديد، صافح عبيد الدكتور نبيه في قوة وقال في صرامة:
- لا أريد أن يعلم أحد بما حدث.
ثم همّ بالانصراف قبل أن يتوقف لحظة ثم يلتفت إلى الدكتور نبيه مستطردا بنفس الصرامة:
- خرافة أو غير خرافة.. أغلق بابك عليك جيدا يا دكتور..
ثم مال على أذنه هامسا في حزم:
- وبالذات في تلك الليالي التي يكتمل فيها القمر بدرا.

ترك الدكتور نبيه جلباب عبيد القديم يحترق وصعد إلى سكنه يفكر فيما سمعه منه..
وفي عقله المتوتر راحت الأسئلة تعربد..
ما الذي يعنيه عبيد بالضبط؟!
هل يشير إلى أن هناك مذءوبا في القرية؟!
أهو ذلك الذي هاجمه ومزّق جلبابه على هذا النحو؟!

ولكن هذا مستحيل..
المذءوبون مجرد خرافة.. لا وجود لهم في عالم الواقع!
ولكن ماذا عن تحذيره؟!
ولماذا الليالي التي يكتمل فيها القمر بالذات؟!
لماذا؟!

أسطورة المذءوبين تقول إنهم مجرد بشر أصابتهم عدوى خرافية من أحد الذئاب بحيث يتحولون إلى ذئاب بشرية في الليالي التي يكتمل فيها القمر بدرا.
ولكنها أسطورة..
مُجرد أسطورة..
شغل الأمر الدكتور نبيه عدة أيام، ثم سرعان ما طرحه عن ذهنه مع استغراقه في العمل وتفكيره في إجازته التي يحصل عليها لمدة ستة أيام كل أسبوعين، والتي اقترب موعدها.

وفي تلك الليلة كان يستعد للسفر لقضاء إجازته، وكان الجو صحوا، والنسيم عليل، على عكس ليالي الصعيد الحارة..

وكان القمر بدرا يضيء ساحة الوحدة الصحية ويمنحها مظهرا جميلا أغراه بأن يهبط إلى حجرة الكشف ويخرج منها مقعدا، وضعه في منتصف ساحة الوحدة الصحية وآخر فرد ساقيه عليه، واسترخى في هدوء وهو يغلق عينه مستمتعا بنسمات الهواء التي تداعب وجهه وجسده.

ومع مرور الوقت بدأ النعاس يداعبه، واسترخى جسده أكثر وأكثر و...
فجأة ارتجفت أذناه بتلك الزمجرة الوحشية التي انبعثت على بعد أمتار قليلة منه..
وعندما فتح عينه في سرعة ارتجف جسده كله..
بل انتفض بمنتهى العنف، وهو يحدّق في ذلك الشيء الرهيب الذي يقترب منه في تحفز..
وبرعب لا حدود له، صرخ:
- مستحيل!

فما يقترب منه في تحفز يوحي بالاستعداد للانقضاض كان شيئا وسطا بين الإنسان والذئب..

شيء له قامة إنسان ويرتدي جلبابا عاديا، ولكن وجهه وجه ذئب مفترس بأنيابه الحادة وعينيه الوحشيتين، وذلك الزبد الذي يسيل من شدقيه..
أما يداه فكانتا يديّ ذئب مفترس بمخالبه الطويلة الحادة..
وزمجرته هي زمجرة ذئب..
ذئب يستعد للانقضاض على فريسته..
وبكل رعب صرخ الدكتور نبيه:
- لا.. لا يا عبيد.. لا تفعلها.

مع صرخته تحرك جسده حركة عنيفة أسقطه من مقعده أرضا، فتراجع ذلك الذئب البشري خطوة ثم وثب نحوه وهو يطلق زمجرة وحشية رهيبة..
وصرخ الدكتور نبيه..
وصرخ..
وصرخ..
ثم دوت تلك الرصاصة..

وشهق الدكتور نبيه في قوة مع سقوط ذلك الذئب البشري فوقه، وتوقع أن تنغرس مخالبه الحادة في جسده أو تنقض أنيابه على عنقه أو..

فجأة وعلى الرغم من رعبه الذي بلا حدود أدرك أن شيئا من هذا لم يحدث..
وأن ذلك الذئب البشري قد همدت حركاته تماما..
ثم فجأة أيضا رفعت يد قوية جسد ذلك الذئب البشري من فوقه وسمع صوتا مألوفا يسأله:
- أأنت بخير يا دكتور؟!

حدّق ذاهلا في وجه صاحب الصوت وانعقد لسانه لحظات قبل أن يهتف بصوت مختنق:
- عبيد؟! ولكن..

لم يُتم تساؤله وهو يحدّق في عبيد الذي يمسك بندقيته في قوة، والدخان ما زال يتصاعد من فوهتها.. فتنهد عبيد وهو يغمغم:
- إنه علي.. ابن عمومتي.. صدقني.. إنه لا يدرك حتى ما يفعله.

استدار في دهشة بلا حدود، يحدّق في ذلك الوجه الذي راح يفقد ملامح الذئب تدريجيا، ويستعيد ملامح علي ممرض الوحدة في حين تابع عبيد في مرارة:
- لن يصدق أحد قصتي، ولا حتى بشهادتك.. الأمر سيفوق إدراكهم.. كل ما سيرونه هو أنني قد قتلت ابن عمومتي... وأشقاؤه سيسعون للثأر مني.

هتف الدكتور نبيه وهو يحاول النهوض:
- سأقسم لهم أن...
قاطعه في حزم، مكررا:
- لن يصدّقك أحد.

ثم حاول أن يبتسم في مرارة وهو يُضيف:
- ولكن لم يكن أمامي سوى هذا.. كان لا بد أن أحمي أهل بلدتي.

وانتفض الدكتور نبيه مرة أخرى، عندما رأى دمعة تنحدر من عين عبيد وهو يكمل:
- إنه واجبي.

ومن بعيد لاح أهل القرية وهم يهرعون نحو مصدر الرصاصة، ولكن عبيد والدكتور نبيه ظلا صامتين، وخلف كل منهما ظل طويل يلقيه ضوء قمر مكتمل..
في ليلة هادئة.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 05-10-12, 09:31 AM   المشاركة رقم: 30
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي رد: الستار الأسود .. بقلم الد.نبيل فاروق .. " أنت عمري" .. متجدد

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": الكنز






"منزلك يكمن تحته كنز"..
اتسعت عينا محفوظ في دهشة عارمة، عندما همس له جاره شلبي بالعبارة، وهما يجلسان في ذلك المقهى البسيط الذي اعتادا قضاء لياليهما فيه..

وبكل دهشته هذه سأله:
- أي كنز؟؟ وكيف علمت بهذا؟
مال عليه شلبي مرة أخرى هامسا:
- الشيخ مهيوب.

بالنسبة لأي شخص عادي لم يكن الاسم يعني شيئا أو يصلح لإجابة سؤالي محفوظ بأي حال من الأحوال..
ولكن بالنسبة لكل من يقيم في تلك البلدة الصغيرة على حدود محافظة الجيزة كان مجرد ذكر الاسم يعني الكثير والكثير جدا.

فالشيخ مهيوب هذا ليس من سكان البلدة، ولكنه نزح إليها من مكان لم يذكر أبدا، واستقر فيها أكثر من عام..
وعلى الرغم من قصر تلك الفترة نسبيا فقد حاز الشيخ مهيوب شهرة كبيرة واحتراما ومهابة أكبر.

هذا لأنه وبمفهوم تلك البلدة كان رجل له كرامات..
رجل ينتقل من بلدة إلى أخرى فقط ليوزع كراماته على الجميع..
ولقد نال شهرته من سعي الناس إليه من بلدان شتى..

تلك المرأة التي أتت إليه من الصعيد تبحث عنه في إصرار، وأخبرت كل من التقت به عن كراماته وهي تستند إلى ذراع زوجها وتسير في صعوبة..
كانت تعاني من مرض عجيب أصاب ساقيها بوهن حار فيه الأطباء، وعجزوا عن علاجه، وهمس لها البعض بأنها لن تجد الشفاء إلا على يد الشيخ مهيوب.

ولقد ساعدها أهل البلدة الطيبون حتى وصلت إلى الشيخ الذي اتخذ خيمة بسيطة في منطقة مهجورة سكنا له..
وبكل بشاشة وترحاب استقبلها الشيخ مهيوب وزوجها في حضور جمع كبير من أهل البلدة، واستمع إلى شكواها في حنان، ثم اصطحبها وزوجها إلى خيمته..

ولدقائق عشر ظل الناس يستمعون إلى أصوات عجيبة تنبعث من خيمة الشيخ ممتزجة بصرخات قصيرة للمرأة وشهقات من زوجها..
وانخلعت قلوب الناس مع ما يسمعونه..
ولكنهم ظلوا منتظرين..
ومترقبين..

ثم فجأة انبعثت من داخل خيمة الشيخ مهيوب زغرودة طويلة خرجت بعدها المرأة فرحة بشوشة تمشي على قدميها في اعتدال، وزوجها خلفها يحاول عبثا تقبيل يد الشيخ مهيوب الذي أبى في شدة وحزم..

وعندما حاول الزوج منحه رزمة من النقود رفض الشيخ في غضب، وأخبره بأنه إنما يفعل هذا في سبيل الخير وحده، ولوجه الله سبحانه وتعالى..
وبعدها تسابق أصحاب البيوت في البلدة لدعوة الشيخ إلى الإقامة في بيوتهم بدلا من خيمته البالية، إلا أنه رفض بشدة وبقي في مكانه البسيط..
حتى عندما حاول البعض تزويده بطعام أو شراب كان يرفض هذا في إصرار، ويجيب بأن الله -عز وجل- يطعمه ويسقيه..

كل ما قبل به الشيخ على مضض هو إصرار أحد أهل البلدة على أن يكون في خدمته، ولقد فجّر هذا كل الدهشة في قلوب الجميع..
فذلك الرجل الذي عرض خدمة الشيخ لم يكن أبدا من أهل الخير ولا حتى من الساعين إليه..

لقد كان على العكس تماما..
بلطجي ولص وتاجر مخدرات وشخص لا يمكن الوثوق به على الإطلاق..
ولقد حاول الكثيرون تحذير الشيخ منه إلا أنه ابتسم في هدوء وثقة، وأخبرهم بأنه يثق به كل الثقة..

ولقد تفانى الرجل بالفعل في خدمة الشيخ طوال ذلك العام..
واعتبرها الناس كرامة أخرى من كرامات الشيخ..
دار كل هذا في ذهن محفوظ عندما سمع شلبي يقول هذا، فسأله في لهفة:
- هل قال الشيخ مهيوب إن هناك كنزا تحت منزلي؟

أومأ شلبي برأسه إيجابا:
- كنز كبير جدا... آثار وذهب ومجوهرات..
ثم مال نحوه بشدة مضيفا:
- وزئبق أحمر..
كان الزئبق الأحمر الذي لم يره أحد قط بمثابة أسطورة يرددها كل الباحثين عن الآثار..

أسطورة تنسب لذلك السائل كل شيء..
وأي شيء تنسب إليه القدرة على الشفاء..
وإطالة العمر..
وزيادة القوة..
وحتى استحضار الجن..

وفي بعض الأوساط ارتفع سعر كبسولة الزئبق الأحمر الواحد إلى ما يساوي عشرات الآلاف من الجنيهات..
وكان مجرد سماع اسمه يمثل حلما بالثراء لأي مخلوق..
ولهذا، وبكل لهفته، سأل محفوظ:
- وكيف يمكن استخراج ذلك الكنز؟
مال عليه شلبي، وردد الكلمة نفسها:
- الشيخ مهيوب..

وفي الصباح التالي اتجه محفوظ مع شلبي إلى خيمة الشيخ مهيوب التي أحيطت بكل من له حاجة عنده، واضطرا للانتظار لخمس ساعات كاملة حتى أتاهما عليوة خادم الشيخ يدعوهما إلى خيمته..

وبكل الهدوء استقبلهما الشيخ ودعاهما للجلوس أمامه، ثم التفت إلى محفوظ وقال بابتسامة هادئة:
- أتيت تسأل عن الكنز أسفل منزلك؟
هتف محفوظ في انبهار:
- وكيف عرفت؟

رمقه عليوة بنظرة مستنكرة، في حين لكزه شلبي في جانبه هامسا في توتر:
- أنت تجلس أمام الشيخ مهيوب.
امتقع وجه محفوظ وشعر بأنه قد ارتكب خطأ كبيرا، في حين أغمض الشيخ عينيه وهو يغمغم وكأنه يحدّث نفسه:
- أنت استأجرت ذلك المنزل منذ عام وثلاثة أشهر.

همّ محفوظ بسؤاله مرة أخرى عن كيفية معرفته بهذا، ولكن لكزة شلبي أعادته إلى صوابه، فلزم الصمت وترك الشيخ يكمل في خشوع:
- أنت لم تختر هذا البيت.
أراد أن يخبره بأنه اختاره من بين ثلاثة بيوت أخرى، ولكن الشيخ استدرك وهو يفتح عينيه في بطء:
- هو الذي اختارك.

انتفض محفوظ لدى سماعه العبارة، ولكنه ظل يلوذ بالصمت، في حين ابتسم الشيخ ابتسامة كبيرة وهو يضيف:
- أنت محظوظ يا ولدي... الرزق يسعى إليك.
حلّت العبارة الأخيرة عقدة لسان محفوظ، فتساءل في خفوت:
- وكيف يمكنني استخراج ذلك الكنز يا سيدنا؟

عاد الشيخ يغلق عينه وهو يجيب ببطء:
- أخلِ أهل البيت تماما.. أرسل زوجتك وطفليك إلى حيث أصل زوجتك، وأخبر جيرانك بأنك ستلحق بهم، وسأحضر إلى منزلك بعد يومين في تمام منتصف الليل.

تساءل شلبي في لهفة:
- هل يمكنني الحضور أيضا؟!
أجاب الشيخ دون أن يفتح عينيه:
- بالتأكيد... من حضر القسمة فليقتسم.

تهللت أسارير شلبي ففتح الشيخ عينيه وأضاف:
- كل من علم بالأمر سيكون له نصيب.
قال شلبي في سرعة:
- لم أخبر سوى محفوظ.

أدار الشيخ عينيه إلى محفوظ الذي قال في خفوت متوتر:
- وأنا لم أخبر أي مخلوق.
صمت لحظة ثم استدرك:
- حتى زوجتي.
أومأ الشيخ برأسه في ارتياح، وعاد يغلق عينيه مغمغما:
- عظيم.. كلما قلّ عدد من يعرفون كان الوصول إلى الكنز أسهل.

غادر محفوظ خيمة الشيخ مع شلبي، وقد تعاظمت أحلام كليهما كثيرا..
ولم يُضع محفوظ لحظة واحدة..
لقد عاد إلى منزله لينفّذ كل تعليمات الشيخ..
أرسل زوجته وطفليه إلى أسرة الزوجة في بلدة مجاورة، وأخبر كل جيرانه بأنه سيلحق بهم قريبا..
ثم انتظر..

وقبيل دقائق خمس في منتصف الليلة الموعودة جلس هو وشلبي ينتظران قدوم الشيخ في توتر ما بعده توتر، وتساءل شلبي في قلق:
- لماذا لم يطلب منا إحضار بعض البخور أو الطلبات الخاصة؟

أجابه محفوظ في حزم:
- لأنه صاحب كرامات حقيقي.
اكتفى شلبي بهذا الجواب، وراح يحصي الثواني حتى أعلنت الساعة تمام منتصف الليل، وخلت الشوارع تماما من المارة...
ودقّ باب المنزل..

مع دقاته تسارعت دقات قلبي الرجلين وهرعا إلى الباب يفتحانه، ليجدا أمامهما الشيخ وخادمه، وقال الشيخ في هدوء وهو يدلف إلى المكان:
- الكنز صار قيد خطوتين.

أغلق محفوظ الباب خلفهما في إحكام، وهو يسأل بكل اللهفة:
- أين هو يا سيدنا؟ أين؟؟
أدار الشيخ عينيه في المكان، ثم اتجه نحو حجرة نوم محفوظ وأشار إلى سريره المعدني، قائلا:
- على عمق ثلاثة أمتار أسفل فراشك تماما.

أسرع محفوظ وشلبي يزيحان الفراش في سرعة، وجلس الشيخ وخادمه يراقبانهما وهما يحفران في لهفة، ويغوصان في الأرض في الموضع الذي أشار إليه..
مترا..
ومتران..
وثلاثة أمتار..
ثم شهق محفوظ بكل انفعاله، وصرخ شلبي:
- ها هو ذا.

كان أمامهما وفي العمق الذي حدّده الشيخ بالضبط، صندوق معدني مغلق لا يحوي أية نقوش أو رسوم..
وبكل فرحتهما ولهفتهما تعاونا على إخراجه حتى صار داخل الحجرة، وهتف محفوظ في فرحة غامرة:
- إنه ثقيل.. لا بد وأنه يحوي الكثير.

كان يحدّق في الصندوق بكل لهفة عندما سمع عليوة يقول في غلظة لم يتوقعّها:
- خمسة عشر مليونا من الجنيهات على الأقل.

نطقها عليوة في نفس اللحظة التي فتح فيها شلبي الصندوق، وحدّق في محتوياته في ذهول..
وتراجع محفوظ في ذعر عندما وثب عليوة نحو شلبي فجأة وغرس خنجره في قلبه حتى الغمد..
وشهق شلبي، واتسعت عيناه في ألم ورعب وذهول قبل أن يتهاوى جثة هامدة، فدفعه عليوة بقدمه في قسوة ليسقط داخل حفرة الأمتار الثلاثة، ثم دار في وحشية لينقضّ على محفوظ الذي حاول الفرار من أمامه، إلا أنه فوجئ بالشيخ مهيوب ينقضّ عليه من الخلف ويحيط عنقه بذراعه اليسرى، ثم يضع نصل خنجره الحادّ على رقبته بيمناه، وهو يقول في سخرية شرسة لا تتناسب مع شخصيته:
- إلى أين؟
هتف محفوظ بكل رعبه:
- إنه ليس كنزا.. إنه...

قاطعه الشيخ وهو يمسّ عنقه بنصل خنجره الحاد:
- هيروين.. بالنسبة لنا هذا كنز كبير أخفاه شريك لنا كان يستأجر هذا المنزل قبلك، وكان علينا أن ننتظر طوال أكثر من عام كامل احتملنا فيه الكثير حتى نستعيده بعد أن تفقد الشرطة الأمل في العثور عليه.
قال محفوظ في رعب:
- إذن فالمرأة وزوجها كانا..

قاطعه الشيخ في سخرية:
- ممثلين.. حصلا على أجر كبير للقيام بذلك الدور الذي ساعدني على تنفيذ خطتي.
ثم تضاعفت سخريته وهو يضيف:
- وغباؤك ساعدني على إتمامها.
قالها وهو يغرس خنجره في عنق محفوظ بلا ذرّة من الرحمة أو الشفقة.

وفي قسوة ألقى عليوة جثة محفوظ فوق جثة شلبي وهو يقول في ظفر:
- لن يبحث عنهما أحد بعد أن قال هذا الغبي لجيرانه إنه سيلحق بزوجته.
غمغم مهيوب:
- نعم.. إنها خطة مكتملة.. والشيخ مهيوب أيضا سيختفي، وسيظن الكل بأنه قد انتقل إلى بلدة أخرى يوزّع فيها كراماته.

اعتدل عليوة وهو يغمغم في تفكير:
- وحتى لو بحثوا عنه لن يجدوه أبدا؛ فهو ليس شيخا ولا يُدعى حتى مهيوب.
كان مهيوب يهمّ بحمل الصندوق عندما انقضّ عليه عليوة فجأة مستطردا في شراسة:
- وسأفوز أنا بكل شيء.

غرس خنجره بكل قوة في ظهر مهيوب أو أيا كان اسمه، فشهق هذا الأخير، واعتدل بحركة حادة وهو يصرخ:
- أيها الـ...
لم يتم صرخته أبدا، ولكن اعتداله المفاجئ دفع عليوة إلى الخلف عند حافة الحفرة العميقة، فاختلّ توازنه، وحاول الإمساك بالشيخ مهيوب الزائف، ولكن قدمه انزلقت عند الحافة فهوى إليها جاذبا مهيوب معه، وسقط الاثنان فوق جثتي محفوظ وشلبي.

وقبل أن يحاول عليوة النهوض سقط الصندوق الثقيل على رأسه، فزاغت عيناه وهو يغمغم في وحشية:
- لا.. ليس من الممكن.
ثم لم يتم عبارته أيضا..

وبقي الجميع داخل الحفرة، وبصحبتهم الكنز الذي فعلوا ما فعلوه من أجله.. ولم يغادرها أحدهم..
على الإطلاق.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الستار الاسود, زهور الربيع, نبيل فاروق, قصة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات أونلاين و مقالات الكتاب
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:28 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية