لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > سلاسل روايات مصرية للجيب > روايات أونلاين و مقالات الكتاب
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات أونلاين و مقالات الكتاب روايات أونلاين و مقالات الكتاب


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-06-12, 01:17 PM   المشاركة رقم: 21
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": شباب إلى الأبد



كان اختفاؤه مرتبطا بذلك الكشف الكبير الذي توصل إليه
للوهلة الأولى بدا محرر صفحة الحوادث في تلك الصحيفة اليومية الشهيرة ماجد مجدي، أنه أمام سبق صحفي كبير، يمكن أن يقفز باسمه إلى الذروة، عندما اتصلت على هاتفه الخاص، وليس هاتف الجريدة، زوجة العالم الشهير سالم وهيب، الذي احتلت أخبار اختفائه الغامض مكان الصدارة في كل الصحف تقريبا خلال الأسبوع الماضي.

كانت الشرطة تكثف جهودها للبحث عن سالم وهيب الذي أعلن منذ ثلاثة أسابيع فحسب، أنه إزاء كشف جديد سيقلب كل موازين العلم رأسا على عقب.

ولقد بذل كل إعلامي في مصر جهدا كبيرا لمعرفة هذا الكشف الخطير، لكن مقابلة الدكتور سالم بدت مستحيلة تماما، إذ أن زوجته نوال سيدة المجتمع الشهيرة، لم تسمح لهم بهذا قط، وأخبرتهم بكل الحزم أن العالم الكبير يرفض الإدلاء بأي تصريح خاص قبل أن يعلن كشفه الخطير للعالم أجمع.

ثم فجأة وبلا مقدمات أخبرت السيدة نوال الشرطة عن الاختفاء المفاجئ لزوجها دون أن يترك خلفه أدنى أثر.

في البداية تصور بعض رجال الشرطة أن الزوجة قد قتلت زوجها منذ أن رفضت السماح لأي شخص برؤيته أو مقابلته أو حتى سماع صوته عبر أسلاك الهاتف، ولكن كل التحريات أثبتت أن سالم وزوجته عاشقان منذ زمن طويل، وأن السيدة نوال ما زالت مبهورة بزوجها على الرغم من تجاوز كليهما منتصف الأربعينيات، وأنه من المستحيل أن تقدم على أي شيء يمكن أن يؤذيه.

بالإضافة إلى هذا لم تعثر الشرطة أو أجهزة الأدلة الجنائية على أي أثر يشير إلى حدوث جريمة من أي نوع في المنزل أو المعمل الصغير الملحق به، كما أن ذلك الحزن الذي انهمر من عيني السيدة نوال وهي تحتضن طفلهما الوحيد في مرارة بدا صادقا للجميع، مما أثار الكثير من علامات الاستفهام حول اختفاء العالم.

فلقد بدا كما لو أنه قد تلاشى تماما.
ثيابه كلها في موضعها.
حافظة نقوده..
سلسلة مفاتيحه..
وحتى بطاقات ائتمانه..
فكيف اختفى؟
كيف؟

كل هذا دار في ذهن ماجد وهو يستقبل مكالمة السيدة نوال التي طلبت منه فيها الحضور إلى منزلها حتى تطلعه على ما تستطع أن تطلع أحدا عليه.

وبأقصى سرعة استطاعها كان يدق باب فيلتها لتستقبله بنفسها، قائلة في حزن وانكسار وابنها الصغير يتشبث بيدها في توتر وكأنه يخشى أن يختطفه منها أحد:

"كنت أعلم أنك ستأتي مسرعا".
قالتها في هدوء حزين، فابتلع ماجد لعابه في صعوبة، وغمغم:
- لم يكن من الممكن أن أتأخر.

دعته للدخول وجلست أمامه في صالون الفيلا وهي تضع ابنها الصغير على ركبتيها، فتشبث بها مرة أخرى وهو يتطلع إلى ماجد في قلق، فربتت عليه في حنان محاولة تهدئته وهي تقول:
- ليس لديّ من شك في أنك تعلم لماذا أنت هنا.

غمغم ماجد محاولا كتمان انفعاله:
- بشأن اختفاء الدكتور سالم.
أومأت برأسها إيجابا وضمت إليها ابنها أكثر وهي تقول:
- بالضبط؛ المجتمع كله منشغل بالبحث عن سر اختفائه، ولقد استجوبتني الشرطة ثلاث مرات وأخبرتهم في كل مرة أنني مثلهم أجهل سر اختفائه.
غمغم ماجد:
- أعلم هذا.

تطلعت السيدة نوال إلى عينيه مباشرة قبل أن تقول في حزم:
- ولكنني لم أكن صادقة في هذا.
تراجع بحركة حادة، واتسعت عيناه وهو يحدق فيها قبل أن يقول متلعثما:
- إذن فأنت تعلمين؟!

أومأت برأسها في حزم وهي تضم طفلها إليها مجيبة:
- بالتأكيد.
قاوم ذلك الانفعال الشديد الذي سرى في كيانه كله وهو يعتدل على مقعده ويسألها في توتر:
- وهل تنوين إخباري؟!

أومات برأسها مرة أخرى، مجيبة:
- لهذا طلبت مقابلتك، فزوجي كان يطالع ما تكتبه دوما ويقول: إنك من أكثر من يكتبون في هذا المجال صدقا والتزاما.
أومأ برأسه وهو يزدرد لعابه دون أن يستطيع النطق بكلمة، فتابعت هي في هدوء لا يتناسب حتما مع الموقف:
- اختفاؤه يرتبط بذلك الكشف الكبير على نحو مدهش، ولكنه كان يخبرني دوما أنه يحتاج إلى إجراء ولو تجربة واحدة على البشر قبل أن يعلن كشفه.

اندفع يسألها في لهفة:
- وما هذا الكشف بالضبط؟
صمتت لحظات متطلعة إليه قبل أن تجيب في حزم:
- حلم البشرية منذ الأزل.. الإكسير.. إكسير الشباب.

تراجع في مقعده كالمصعوق يحدق فيها ذاهلا مستنكرا، وكأنما تصور أن المرأة قد أصيبت بنوع من الجنون بسبب اختفاء زوجها المفاجئ، وبدا من نظراتها أنها قد استوعبت ما دار في ذهنه، فهزت رأسها واحتضنت ابنها أكثر وكأنها تحميه منه وهي تقول:
- أعلم أن هذا قد يبدو أشبه بالجنون، ولكن المؤسف أنه حقيقة؛ سالم توصل بالفعل إلى عقار يعيد الحيوية والشباب إلى خلايا الجسد، بحيث ينقص بيولوجيا عدة سنوات من العمر قدّرها هو بعشر سنوات تقريبا من النتائج التي حصل عليها من تجاربه على حيوانات المعمل.

غمغم ماجد:
- ولكن هذا...
قاطعته في حزم:
- حقيقة يا أستاذ ماجد.. حقيقة ستفسر لك كل شيء، لو أنك فقط حررت عقلك وقررت قبولها.
ظل صامتا بضع لحظات يواصل تحديقه فيها قبل أن يقول في توتر:
- فليكن.. ما علاقة هذا باختفائه؟

مطت شفتيها وألقت نظرة حانية على طفلها قبل أن تقول:
- لقد أيقظني ذات يوم قرب الفجر ليخبرني أنه قد أجرى التجربة على نفسه وتناول العقار الذي يبدأ تأثيره خلال ساعات قليلة، ليلتها أصابني الفزع وعاتبته على ما فعل، ولكنه كان حنونا للغاية وهو يخبرني أنه واثق من نجاح عقاره، وسرعان ما سأدرك هذا.

غمغم ماجد وهو يحاول ازدراد لعابه في صعوبة:
- هل.. هل قتله العقار؟
هزت رأسها نفيا وهي تجيب:
- على العكس.. لقد نجح نجاحا مبهرا؛ ففي العاشرة من الصباح التالي بدا تأثيره شديد الوضوح. لقد زالت تجاعيد وجهه القليلة وصارت بشرته صافية واختفى الشيب الذي كان قد بدأ يسري في شعره، وبدا أكثر حيوية ونشاطا إلى حد جعله يشبه صورته عندما كان في الثالثة والثلاثين من العمر.

هتف ماجد مبهورا:
- مدهش!
ابتسمت ابتسامة حزينة، وطبعت قبلة على جبين طفلها، قبل أن تقول:
- هكذا بدا الأمر في البداية، مما جعله يطير سعادة وأخبرني أنه سيعد جرعة أخرى لي حتى ننعم معا بشباب أبدي، ونعوّض تلك الأيام التي ضاعت في تجاربه وأبحاثه.

بدا مبهورا بضع لحظات قبل أن يسأل في توتر:
- ما علاقة هذا باختفائه إذن؟ هل علمت جهة ما بكشفه العظيم فقررت التخلص منه؟
هزت رأسها نفيا مرة أخرى، وقالت في حزن:
- مطلقا.. إنه على الرغم من سعادته لم يعلن عن كشفه هذا لأي جهة، وإنما عكف على صنع جرعة ثانية، مؤكدا أن الكشف سيذهل العالم عندما نظهر معا في المؤتمر الصحفي أصغر سنا ويرى العالم كله عبقرية كشفه.

سألها ماجد وقد ازداد انفعالا:
- ماذا حدث إذن؟
تنهدت بكل الحزن والأسى قبل أن تجيب:
- في صباح اليوم التالي أصابني الذعر عندما شاهدت شابا يافعا يخرج من معمله وعلى وجهه كل علامات الأسى، ليفاجئني بأنه سالم زوجي وبأن العقار ما زال مستمرا في تأثيره ولم يتوقف عند حدود السنوات العشر التي توقعها، بل يواصل عمله حتى صار هو في أوائل العشرينيات من عمره.

اتسعت عيناه عن آخرهما مغمغما:
- يا إلهي!
واصلت بكل الحزن والأسى:
- الذعر الذي أصابه كان أضعاف الذعر الذي أصابني، ولقد أخبرني أنه سيبذل قصارى جهده لإنتاج عقار مضاد يوقف عمل الإكسير في أسرع وقت ممكن.

صمتت لحظة، لم يجرؤ هو فيها على نطق حرف واحد قبل أن تكمل:
- ولكن ذاكرته كانت تنخفض بدورها وتتناسب مع ما كان عليه في العشرين من عمره، وارتبك عمله وفشلت محاولاته، و...

عادت إلى صمت مفعم بالحزن لحظات قبل أن تضيف في اقتضاب:
- ولم ينجح عقاره المضاد.
اتسعت عينا ماجد عن آخرهما، وهو يغمغم:
- وماذا حدث بعدها؟

زفرت زفرة حارة، وهي تجيب:
- واصل العقار عمله.
سألها في صعوبة:
- إلى أي مدى؟

ابتسمت ابتسامة شاحبة حزينة وهي تهز رأسها، وغمغمت وهي تطبع قبلة أخرى على جبين طفلها:
- من حسن الحظ أننا لم ننجب.

اتسعت عينا ماجد أكثر وهو يحدق في طفلها، مغمغما في لهجة أقرب إلى الذعر:
- ولكن هذا...
بدت ابتسامتها أكثر شحوبا وهي تقول:
- من العجيب أن كل محققي الشرطة لم ينتبهوا إلى هذا، وكلهم تصوروا أن الطفل الذي أرعاه هو ابننا، ولم يخطر ببال أحدهم ولو لحظة واحدة أنه سالم زوجي.

قفز من مقعده ذهولا وهو يحدق في الطفل، وانتبه فجأة لأنه يبدو أصغر سنا مما كان عليه عندما وصل إلى المنزل، وانعقد لسانه، فلم يستطع النطق بكلمة واحدة في حين تابعت هي:
- زوجي الذي أحببته من كل كياني، والذي سأظل أحبه وأرعاه.
بصعوبة بالغة، غمغم محدقا في الطفل:
- وتريدنني أن أنشر هذا؟!
هزت رأسها قائلة:
- أردت فقط أن يُشاركني شخص ما الحقيقة.. ويُمكنك نشر ما تريد لأنني اخترت التوقيت في دقة؛ فمع موعد النشر لن يمكنك إثبات أي شيء.

قال في صعوبة:
- هناك تحاليل للحامض النووى، و...
قاطعته في حزم:
- كل هذا لن يفيد.
هتف:
- ولماذا؟

كانت ثياب الطفل قد اتسعت، وبدا وكأنه في الثالثة من عمره فحسب عندما طبعت قبلة أكثر حنانا على جبينه مجيبة:
- لأنه سيكون عندئذ، قد...
بترت عبارتها لتزدرد لعابها في صعوبة ثم أكملت مرتجفة:
- تلاشى.

ولم ينطق ماجد بكلمة واحدة.
أي كلمة.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 05-07-12, 07:14 PM   المشاركة رقم: 22
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": قطرات الماء



ظل يحدق في شبح زوجته وجسده يرتجف



"إنت قتلتني".
قالتها سلوى وهي تقترب سابحة في الهواء من زوجها عامر، الذي التصق بجدار ذلك المنزل القديم صارخا:
- ابتعدي عني.

كانت صرخته تحمل ذلك الارتجاف الشديد الذي شمل جسده كله وهو يحدق في شبح زوجته، الذي واصل سباحته في الهواء نحوه، وهي تواصل دون أن تفتح شفتيها:
- خدعتني بنزهة رومانسية على نيل القاهرة، ثم ربطت ذلك الحجر الكبير في ساقي بعد أن هاجمتني وكبلت حركتي.

أخفى وجهه بذراعيه وهو يهتف في صراخ مرتجف أقرب إلى البكاء:
- إليك عني.. أتوسل إليك.
كانت تقترب أكثر وأكثر متابعة حديثها وكأنها لا تسمعه:
- توسلت إليك أن ترحمني.. رجوتك أن تتركني أحيا.. تضرعت إليك أن تبقي على حياتي من أجل ابنتي الوحيدة، ولكنك صممت أذنيك وحملتني قسرا وألقيت بي في النيل.

انهار على ركبتيه وهو يقول:
- الرحمة.. كنت أدافع عن نفسي.. أنتِ قلت: "إنك ستبلغين الشرطة، ولم يكن أمامي سوى...".
قاطعته وهي تدنو حتى صار وجهها الشبحي المائل إلى الزرقة في مواجهته مباشرة وهي تتمتم:
- امتلأ صدري بالماء ورحت أغرق.. وأغرق.. وأغرق..
صرخ وهو يضرب ذراعيه في الهواء:
- ابتعدي.

ثم استيقظ دفعة واحدة..
كان العرق يغمر جسده القوي على الرغم من برودة الطقس، وراح يلهث في شدة وهو يتلفت حوله في ذعر، قبل أن يغلق عينيه مغمغما في ارتجاف:
- ذلك الكابوس اللعين مرة أخرى.

هز رأسه في قوة وكأنما ينفض عنه ذلك الكابوس الذي يؤرق نومه، واعتدل يجلس على طرف الفراش ويواصل لهاثه بعض الوقت قبل أن يغمغم بكل توتره:
- ألن يفارقني أبدا؟!

تأمل الأثاث الرث من حوله والجدران المتشققة التي بدت آثار الرطوبة فيها واضحة، ورفع عينيه إلى السقف الخشبي القديم قبل أن يضيف:
- لقد تركت كل شيء وعدت إلى حيث بدأت، فلماذا يطاردني الكابوس نفسه؟! لماذا؟!

نهض في تباطؤ يشعل ذلك الموقد القديم ويضع فوقه إناء من الألومنيوم وضع فيه بعض الماء، وتراجع يسترجع ذكرياته..
من هنا بدأ..
من هذا المنزل المتهالك الذي نشأ وترعرع فيه مع أبوين يجدان قوت يومهما بالكاد وبعذاب جعله يكره فقره منذ نعومة أظفاره ويسعى إلى الخلاص منه..
وبأي ثمن..

وفي الخامسة عشرة بدأ في تحقيق ما يصبو إليه واحترف سرقة الملابس التي يضعها أصحابها لتجف في منازل الطوابق السفلى، ثم سرعان ما انتقل إلى سرقة المنازل نفسها عندما يغيب عنها أصحابها، قبل أن يبدأ مع سن العشرين في احتراف مهنة أقل خطورة من وجهة نظره..
النصب والاحتيال..

استعان بالثياب الأنيقة التي سرقها من قبل ليمنح نفسه مظهرا لا يشف عن أصله، وراح يرتاد الأماكن الفاخرة مع رصيد سرقاته المنزلية ويتعامل على النحو الذي يبعث في نفسك الثقة، شأن أي نصاب محترف..

وفي الخامسة والعشرين استحق عن جدارة لقب "نصاب محترف"، بعد أن نجح في الاحتيال على مواطنين عاديين، والاستيلاء على مدخرات عمرهم ثم على رجال أعمال صغار، ليصعد إلى مرتبة النصب على رجال أعمال كبار نسبيا، و...
وهنا التقى بزوجته سلوى..

منذ اللحظة الأولى أدرك أنها صيد ثمين للغاية، فهي أقل من متوسطة في مستوى الجمال، تميل إلى البدانة، وأرملة لواحد من كبار المقاولين، ولديها منه ابنة واحدة في السادسة من عمرها..
في البداية وضع خطة للاحتيال عليها وإيهامها بأنه رجل أعمال جديد في محاولة للاستيلاء على مبلغ ذي ستة أصفار منها..
ولكن سلوى لم تكن بالصيد السهل..

كانت سيدة أعمال ذكية متمرسة وليست من النوع الذي يسهل الإيقاع به..
ولكنه كأي نصاب لا يستسلم في سهولة، ثم أنه يتمتع بوسامة طبيعية تؤهله لتحويل دفة العملية إلى جانب آخر..

وهكذا بدأ الاحتيال عليها على نحو بطيء، بحيث أوهمها بأنه واقع في غرامها، وأوحى إليها بأنه عاجز عن مفاتحتها في هذا..
وخلال عام كامل من الصبر أدى دوره على خير ما يرام..
زهور تصلها في عيد مولدها..

صورتها تسقط من جيبه أمامها بمصادفة ملفقة، ويستعيدها في سرعة متصنعا الخجل بعد أن يثق تماما في أنها قد لمحتها..
كلمات حانية رقيقة كلما التقيا..
ثم أخيرا بعد أن أيقن من أنها قد التقطت الطعم، توجه إليها وكله خجل وحياء يطلب منها قبول دعوته إلى عشاء متواضع..

كانت تلك هي المرة الأولى التي لمس فيها يدها ثم تراجع كمن صعقه تيار كهربي، وراح يلهث بالاعتذار والأسف..
وابتسمت هي..
ابتسامتها جعلته يشعر بالظفر والانتصار..
وبعد شهر واحد تم زفافهما..

وخلال عام كامل بدا لها مثالا للزوج الحنون، يعاملها بكل رقة ويفاجأها بهداياه كل حين وآخر في مناسبات خاصة أو حتى دون مناسبات، ويداعب ابنتها الوحيدة ويلاعبها طوال الوقت، حتى شعرت سلوى بأن القدر قد أنعم عليها بالزوج الذي تحلم به كل امرأة..
حتى كان ذلك اليوم الذي كشفت فيه أمره..

كان يستغل ثقتها الشديدة ويستولى على كل ما يقع تحت يديه من أموالها ومن قطع مجوهراتها، ثم يكون أول من يقف إلى جوارها، ويصر على إبلاغ الشرطة واتهام سفرجي أو خادمة..
ولكن حياته السابقة لم تكن لتتركه يواصل لعبته القذرة..

ذات يوم اصطدم بأحد عملاء شركتها ممن كانت له معه قصة احتيال سابقة..
ومنه عرفت سلوى حقيقته لأول مرة..
في البداية لم تصدق، ثم بدأت في ترتيب الأحداث والوقائع، وبعدها واجهته وطالبته بإعادة كل ما سرقه منها، وإلا أبلغت الشرطة بأمره..

ولأنه محتال محترف نجح في تهدئتها وطلب منها أن يخرجا في نزهة رومانسية أخيرة تذكرهما بشهر عسلهما، وبعدها سيعيد إليها كل شيء ويختفي من حياتها تماما..
ولكنه لم يفِ بوعده ولم يختف من حياتها..
هي التي اختفت من حياته..
وإلى الأبد..

قتلها بدم بارد وعاد وحده إلى منزل الزوجية، واستولى على كل ما استطاع الوصول إليه من الأموال والمجوهرات قبل أن يختفي تماما..

كان يعلم أنه أول من ستتجه إليه أصابع الاتهام وأن الشرطة ستبحث عنه حتما، ولكنه كان بلا سوابق، وكل الأوراق التي استخدمها للزواج منها كانت مزورة، والشرطة لن تعثر على الزوج القاتل أبدا..

ثم من سيبحث عنه هنا في تلك المنطقة العشوائية الفقيرة التي نشأ وتربى فيها؟!
من؟!

صب الماء بعد غليانه على قليل من الشاي وتناوله على مهل، وألقى نظرة على ساعته التي أشارت عقاربها إلى الثالثة صباحا، وتطلع لحظات إلى فراشه ثم قرر العودة إلى النوم من جديد..
"إنت قتلتني".

في هذه المرة كانت سلوى تقترب منه سابحة في الهواء والماء يقطر من شعرها القصير.. تراجع وهو يهتف:
- اتركيني لحالي.. ماذا تريدين مني؟!
بدا له وكأنه يسمع صوت الرعد من بعيد وصوت المطر ينهمر ويغمر شعرها القصير المتلبد وهي تزداد قربا قائلة:
- الجزاء دوما من جنس العمل.
صرخ:
- أنتِ أجبرتني.. لو لم تهددي بإبلاغ الشرطة لصار كل شيء على ما يرام لكلينا.
تقاطر الماء من شعرها أكثر وأكثر وجسدها الشبحي يسبح في الهواء مقتربا منه مكررا:
- سألتك أن ترحمني فلم تفعل.. أنت قاتل.. قاتل..
ضرب ذراعيه في الهواء وهو يصرخ:
- وأنتِ لست هنا.. أنت مجرد شبح.

اقترب شبحها منه أكثر وأكثر، فحدق في وجهها الأزرق في رعب وبدا له وكأن الماء قد صار يسيل من رأسها في غزارة وهي تكرر:
- الجزاء لا بد أن يكون من جنس العمل..

كان وجهها الذي يزداد زرقه يبدو مخيفا إلى حد جعله يرتجف من قمة رأسه وحتى أخمص قدميه، وتمنى أن يخرج من هذا الكابوس الرهيب ففتح فمه ليقول شيئا..
أي شيء..
ولكن حرفا واحدا لم يخرج من بين شفتيه..

وكما يحدث في الكوابيس، خيّل إليه أن جسده كله قد تخشب ولم يعد يستطيع تحريك إصبع واحد منه..
حتى فمه الذي انفتح لم يستطع إغلاقه مرة أخرى..
واقترب شبحها منه أكثر..
وأكثر..
وأكثر..

وبصوت بدا وكأنه يخرج من أعماق قبر قديم، قالت:
- أغرقتني وعليك أن تدفع الثمن..
أصبح وجهها الآن فوقه مباشرة، وعيناه تحدقان في عينيها اللتين بدتا كجمرتين من لهب وسط وجه شديد الزرقة..

وسال الماء غزيرا من شعرها على وجهه..
شعر به يغمره..
ثم شعر به يتساقط عبر فمه المفتوح..
ويملأ حلقه..
حاول أن يسعل..
أو حتى يغلق فمه..
ولكنه لم يستطع..
والماء يسيل في حلقه..
ويسيل..
ويسيل..

"هذه أول حالة أراها في حياتي".
غمغم طبيب الصحة بالعبارة بكل دهشته، وهو يرفع عينيه إلى السقف المبتل، الذي ما زالت بقايا أمطار الأمس تتساقط منه، قبل أن يضيف:
- لم أر في حياتي من قبل شخصا يموت غرقا في فراشه.. الماء تساقط من السقف في حلقه مباشرة.

التفت ثلاثة من رجال تلك المنطقة العشوائية حول فراش عامر الذي حمل جثته مفتوحة العينين عن آخرهما وفمه الذي يسيل منه ماء المطر وغمغم أحدهم في خشوع:
- هكذا عثرنا عليه.

وافقه الطبيب بإيماءة من رأسه، وهو يقول:
- هذا يبدو واضحا، لكنني ما زلت أتساءل: كيف بقي في هذا الوضع والماء يملأ فمه؟!
في الحالات الطبيعية، يسعل المرء، ويدير رأسه بعيدا عن الماء المتساقط.. أو حتى يستيقظ، ولكنه بقي على موضعه حتى مات غرقا.

وهز رأسه في قوة وهو يضيف مخرجا قلمه لتوقيع شهادة الوفاة:
- أظن أن هذا سيبقى لغزا.. لغز بلا حل.. على الإطلاق.
ووقّع شهادة الوفاة.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 05-07-12, 07:15 PM   المشاركة رقم: 23
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": كمٌ مهمل



كانت تجربة حمدي هي أول تجربة انتقال آني بشرية في التاريخ



انفعال عجيب ذلك الذي استقبل به حمدي زميل عمره فؤاد في تلك الليلة..
ولكنه انفعال لم يدهش فؤاد لحظة واحدة.
فمنذ كانا زميلين في كلية العلوم لم يتغير كلاهما قط.

فؤاد هادئ دوما وشديد الصبر في كل ما يخطط له، شديد الذكاء على نحو ملحوظ.
حمدي أيضا كان شديد الذكاء إلى حد بهر كل أساتذته، ولكنه على عكس فؤاد؛ كان قليل الصبر، كثير الانفعال والحماس في كل ما يدرسه ويفعله ويخطط له.

وبعد تخرجهما، وعلى الرغم من عبقريتهما ومن أنهما كانا على رأس دفعتهما بفارق ملحوظ، لم يتم تعيين أي منهما كمعيد في الكلية؛ لأن ابنيّ اثنين من أساتذة الكلية ممن يقلون عنهم ذكاء، فازا بالمنصبين لأسباب واهية لم تقنع أيهما.

وفي الوقت الذي اكتفى فيه فؤاد بوظيفة باحث في المعهد القومي للبحوث براتب محدود إلى جوار عمله كاستشاري علمي لعدة شركات خاصة، رفض حمدي التعيين في أي وظيفة حكومية أو خاصة، واستغل الثروة التي ورثها عن والده الراحل لينشئ لنفسه معمل أبحاثه الخاص في فيلا الأسرة القديمة في قويسنا.

ومنذ أكثر من عامين يتحدَّث حمدي في حماس عن اختراع جديد سيجعله أشهر عالم في الكرة الأرضية كلها، وسيرشحه حتما للفوز بجائزة نوبل في العلوم.
ولأن حمدي يتحدث دوما في حماس وانفعال أيا كان ما يتحدث عنه، لم يهتم فؤاد كثيرا بحديثه، وواصل حياته على نحو طبيعي.

حتى كان هذا اليوم..
لقد اتصل به حمدي في حماس شديد وأخبره أنه قد أنهى اختراعه ويريده أن يكون شاهدا على تجربته الأولى..

وعلى الرغم من مشاغل فؤاد العديدة، قرر ألا يخذل زميل عمره؛ قاد سيارته في السادسة مساء إلى فيلا عائلة حمدي في قويسنا..

كان يعرف المكان جيدا منذ كان والد حمدي الراحل يدعوه إلى ما سماه عزبته، حيث كانت الفيلا خارج مدينة قويسنا ومحاطة بفدانين من الفواكه، كان لها الفضل في رفض حمدي للعمل وعدم احتياجه إلى المال.

وعندما وصل فؤاد إلى الفيلا وقبل أن يطرق بابها، لفت انتباهه جسمان كبيران أشبه بكشكي هاتف قديمين تم صنعهما إلى جوار سور الفيلا وتم إيصالهما بكابلات كهربية للضغط العالي..

وما أن رآه حمدي حتى هتف بكل انفعاله:
- كنت أعلم أنك ستأتي.
غمغم فؤاد، في حذر لم يدرِ له سببا:
- كان من الضروري أن أفعل.

كان حمدي يلهث من فرط الانفعال وهو يميل نحوه قائلا:
- لقد فعلتها.. حققت حلم العلماء منذ عشرات السنين.
سأله فؤاد بنفس الحذر:
- أي حلم منها؟ العلماء لهم الكثير من الأحلام.

اعتدل حمدي ولهث أكثر وهو يجيب:
- الانتقال الآني.
ارتفع حاجبا فؤاد في شدة، وهو يحدق فيه بعينين اتسعتا عن آخرهما من فرط الذهول..
الانتقال الآني هو بالفعل حلم العلماء منذ عشرات السنين..
حلم الانتقال في الزمان والمكان آنيا..

حلم أن تكون في مصر وتدخل جهازا خاصا يفكك أجزاء جسمك وينقلها كالموجات اللاسلكية إلى جهاز مماثل في سوريا..
أو حتى في الولايات المتحدة الأمريكية..
والأهم أن يفعل هذا في لحظة واحدة..
شيء أشبه بالسحر والخرافة..
ولكن هكذا العلم، وهكذا التكنولوجيا..

في البداية تكون فكرة أشبه بالحلم..
ثم نظرية مبهرة، تؤيدها معادلات رياضية وفيزيائية..
وبعدها فجأة تصبح حقيقة..

حقيقة تبهر الناس وتدهشهم في البداية، ثم سرعان ما يعتادونها ويستخدمونها في حياتهم اليومية ويضيع انبهارهم بها، ويبحثون عن الانبهار التالي..
والتالي..
والتالي..
وهكذا..

ومتابعته لدينا العلم والتكنولوجيا أثبتت له هذا..
ففي العقد الأول فقط من القرن العشرين تحول الكثير من الخيال إلى حقيقة..
العالم الروسي "شيرنوبروف" اخترع آلة الزمن عام 1997م..
والدكتور محمد علي حول الاختفاء من خيال إلى حقيقة عام 2000..
وحتى التصغير حققه علم "المونوبول"، و"الفيمتوثانية" جعلها الدكتور أحمد زويل حقيقة علمية..

وها هو ذا حمدي يحدثه عن الانتقال الآني..
وانتقلت إليه عدوى الانفعال وهو يسأله:
- ولكن كيف؟ كيف فعلتها يا حمدي؟

أجابه بكل حماسه:
- هذه قصة طويلة يا صديقي.. المهم أنني قد فعلتها.
ثم عاد يميل نحوه مكملا:
- كانت التضحيات كبيرة.
غمغم فؤاد في قلق:
- أي نوع من التضحيات.

أطلق حمدي ضحكة انفعالية وهو يقول:
- ليس ما يدور في ذهنك، فلسنا في فيلم رعب أمريكي.. كل ما في الأمر أنني اضطررت إلى بيع نصف الحديقة.
ثم غمز بعينه، مضيفا:
- عمل كهذا يحتاج إلى نفقات باهظة.
قالها وهو يجذبه من يده في حماس إلى الكشكين المجاورين لسور الفيلا وهو يقول في سعادة عجيبة:
- انظر إليه.. ألا يبدو جميلا؟!

تطلع فؤاد إلى الكشكين قبيحي المظهر، وهو يقول في حذر:
- بالفعل.
بدا حمدي أكثر حماسا، وهو يقول:
- ذلك إلى اليمين هو الراسل، يدخل الشخص فيه ويغلقه في إحكام ويتم تشغيل الجهاز آليا، ليفكَّك ذرات جسده وينقلها إلى المستقبِل الموجود في اليسار.

نقل فؤاد بصره بين الكشكين قبل أن يسأله في قلق:
- وأين موضوع التجربة؟ من ستختبر عليه جهازك؟
تراجع حمدي خطوتين، وأشار إلى صدره وهو يجيب في زهو:
- أنا.

اتسعت عينا فؤاد، قبل أن يقول في عصبية:
- أي حماقة هذه؟! لو تصوَّرت أنني سأساعدك على هذا، فأنا...
قاطعه حمدي في انفعال:
- أنت هنا فقط لتكون شاهدا على التجربة؛ فكل شيء يعمل آليا فور إحكام إغلاق الباب.. كل شيء.

سأله فؤاد بنفس العصبية:
- هل أجريت أي تجارب سابقة قبل أن تجازف بتجربة الجهاز على نفسك؟!
هتف بكل حماس:
- بالطبع.

ثم هز كتفيه وهو عاجز عن السيطرة على انفعاله، وأكمل:
- كان هذا جزءا من التضحيات التي حدَّثتك عنها؛ فأوَّل ما أخضعته للتجربة كان قطي الصغير ميرو.. هل تذكره؟
لم يجِب فؤاد السؤال، وإنما سأله:
- وهل نجحت التجربة؟

مط حمدي شفتيه وأجاب في أسف:
- بل كانت كارثة.
جف حلق فؤاد وهو يسأله:
- كيف؟ ماذا أصابه؟

أجابه بنفس الأسف:
- تلاشى.. لست أدري كيف، ولكنه اختفى من الراسل ولم يصل أبدا إلى المستقبِل.. ربما تلاشت في الهواء أو...
لم يتم عبارته، فسأله فؤاد وقلقه يتصاعد:
- أو ماذا؟

أطلق ضحكة عصبية ولوح بيده في الهواء وهو يقول:
- المهم أن التجارب التالية كانت ناجحة.. ناجحة تماما.. انظر إلى المعادلات.
راح يضغط أزرار الكمبيوتر الملحق بالراسل، وعينا فؤاد تراجع تلك المعادلات الفيزيائية المعقدة في لهفة..

وفي تلك اللحظة بالذات كان عليه أن يعترف أن حمدي يفوقه ذكاء بكثير..
لقد كسر تقريبا ثلاث نظريات فيزيائية وأثبت نظريتين أخريين لكي يتوصل إلى المعادلات شديدة التعقيد للانتقال الآني..
وبكل الانفعال الذي صنعه به هذا، أشار إلى رقم صغير متسائلا:
- ما هذا بالضبط؟

ألقى حمدي نظرة لا مبالية على الرقم، وهو يجيب:
- كمَّ مهمل.. مجرَّد كمَّ مهمل، لا تأثير له على المعادلات الأصلية.
ثم عاوده الحماس وهو ينزع بعض ثيابه قائلا:
- المهم الآن هو أن تستعد؛ فستشاهد أول تجربة انتقال آني بشرية في التاريخ.

كان يستعد لدخول الراسل بالفعل بعد أن أعدّ كل شيء، عندما سأله فؤاد وقلبه يخفق في قوة:
- كيف تنتقل ذرات الجسد في الهواء دون أن تتبعثر؟
أطلق حمدي ضحكة حماسية وهو يقول:
- لا تضِع الوقت يا صديقي، سأخبرك كل شيء عند عودتي.. واطمئن.. هذا لن يستغرق سوى لحظات.

هم فؤاد بإلقاء سؤال قلق آخر، ثم لم يلبث أن أطبق شفتيه وراح يراقب في اهتمام وانتباه شديدين..
وبنفس الحماس دخل حمدي كشك الإرسال ولوّح له بيده وهو يبتسم في ثقة، ثم أغلق الباب وأحكم إغلاقه و...

وارتجف جسد فؤاد في شدة عندما بدا له أن عدة صواعق كهربية قد انطلقت داخل كشك الإرسال، في حين بدأ جسد حمدي يتلاشى، حتى اختفى تماما وتوقفت الصواعق..
وبسرعة انتقل بصر فؤاد إلى كشك الاستقبال ونبض قلبه في عنف شديد..
ونبض..
ونبض..

ولم يظهر حمدي..
ثوانٍ مضت..
ثم دقائق طالت..
ولم يحدث شيء..
وبكل الهلع اندفع فؤاد نحو كشك الاستقبال وهو يهتف:
- حمدي.. أين أنت؟

لم يدرِ ما إذا كان من الممكن أن يسمعه أو لا..
بل لم يدرِ حتى أين يمكن أن يكون..
ولكنه ظل يصرخ باسمه بلا انقطاع..

وبعد مرور نصف الساعة دون أن يظهر حمدي، أصيب فؤاد بحالة من الذعر الشديد، وراح يدور حول الكشكين وكأنما يبحث عن أي أثر لصديقه الذي اختفى تماما..
إنه ذلك الكمّ المهمل الذي لم يضعه حمدي في اعتباره..
لا بد أنه يؤثر في عملية الانتقال الآني..
ولكن كيف؟
كيف؟

كان يميل بجسده كله وهو يلقي السؤال في أعماقه ليلقي نظرة على ذلك الفراغ الصغير الذي يفصل الكشكين عن الجدار، عندما اتسعت عيناه عن آخرهما وتراجع في عنف كالمصعوق وهو يصرخ:
- مستحيل!

فمن السور الحجري السميك خلف كشك الاستقبال كان يبرز جزء من ذيل كثيف الفراء..
وإلى جواره كانت تبرز نهاية يد خلت أصابعها من الحياة..
يد حمدي الذي نجح اختراعه تماما مع فارق ضئيل صنعه ذلك الكمَّ المهمل البسيط..
لقد انتقل انتقالا آنيا بالفعل، بنفس الوسيلة التي انتقل بها قطه السابق ميرو..
انتقل من كشك الإرسال..
إلى قلب السور الحجري السميك.

***
تمت بحمد الله

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 09-07-12, 10:16 AM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": ذاكرتي







لم تكن هناك مرآة أرى فيها ملامحي كي أستعيد ذاكرتي


من أنا؟!

كان هذا أول سؤال طرحته على نفسي، عندما استعدت وعيي، في تلك المنطقة المقفرة، مع مغيب الشمس..

أول ما رأته عيناي، عندما فتحتهما، هو قرص الشمس الأحمر، وهو يتوارى خلف الجبال في الأفق..

كانت هناك الكثير من الجبال من حولي، كما لو أنني وسط منطقة جبلية في صعيد مصر!! أو ربما في سيناء!!

لم أكن أدري؟!
كنت أجهل تماما ما الذي أتى بي إلى هذا المكان!
ولماذا؟!
بل كنت أجهل حتى من أنا!!!

كنت أشعر بصداع شديد يكتنف رأسي، وألم في مؤخرة عنقي، كما لو أنني قد تلقيت ضربة ما، في وقت ما..
وربما كان هذا ما أفقدني وعيي..
وذاكرتي..

توقفت في مكاني، لا أدري أين أذهب بالضبط، فقد بدأ كل ما يحيط بي متشابها، حتى لا يمكنني تحديد إلى أي اتجاه ينبغي أن أسير..
ولم أكن أستطيع البقاء في مكاني، في الوقت ذاته؛ لذا فقد أخذت الاتجاه الذي لا ترتطم عيني في نهايته بجبل ما، ومضيت قدما إليه..

وبينما أسير بلا هدى، رحت أعتصر عقلي، محاولا إنعاش ذاكرتي..
"ماذا تريدون مني؟!"
تذكّرت صرختي المذعورة، وعربدت في رأسي ذكرى رجال يهاجمونني، فور هبوطي من سيارتي أمام منزلي.. أذكره جيدا..
إنها فيلا صغيرة، في حي شديد الهدوء، من أحياء المعادي..

عظيم.. هذا يعني أن ذاكرتي في طريقها إلى العودة..
كان الظلام يُطبق في سرعة، تساعده في هذا الجبال العالية، في غرب الطريق، الذي أسير فيه، مما جعل الخوف يتسرب إلى نفسي، من أن أفقد القدرة على الرؤية، فلا يعود لسيري من هدف..

ولكن القمر بدأ يبرز في السماء..
ومن حسن حظي أنه كان بدرا، مما جعل ضوءه الفضي ينير الطريق أمامي، ويزيل مني بعض الخوف، وإن أضافت تلك الظلال الضخمة، التي تُلقيها الجبال، جانبا آخر إلى مخاوفي، مما جعلني أرفع عيني إلى القمر المضيء، الذي بدا لي أشبه بمصباح كبير مضاء، و...

"ماذا تفعلون بي؟!"
استعاد عقلي فجأة، تلك الصرخة المذعورة التي أطلقتها، وأنا أحدق في دائرة الضوء الكبيرة، فوق رأسي مباشرة، وهم يقيدونني إلى مائدة تشبه موائد الجراحة..
بل كانت بالفعل مائدة جراحية..

وهم يلتفون حولي بتلك الثياب الخضراء، التي يرتديها الجراحون في المعتاد، والقفازات المطاطية تغطي أيديهم، والكمامات الطبية تخفي وجوههم..
"لا تقلق.. إنها مجرد تجربة علمية"

قالها أحدهم، فصرخت -حسب ما أذكر- بكل التوتر والذعر:
- ومن أخبركم بأنني فأر تجارب؟!
أذكر جيدا ألم تلك الإبرة، التي انغرست في ذراعي، مع ذلك الصوت، الذي بدا وكأنه يأتي من أعماق سحيقة:
- اهدأ، وسيكون كل شيء على ما يرام.
ثم بدأت ذاكرتي تنسحب..
وتنسحب..
وتنسحب..

من أنا؟!
عدت أطرح السؤال على نفسي، التي امتزج فيها الخوف بالتوتر الشديد، مع استعادتي لتلك الذكريات، التي لا تدعو أبدا إلى الارتياح..
ما تلك التجربة، التي كانوا يتحدثون عنها؟!
ولماذا يجرونها عليّ؟!
ولأي هدف؟!

"ما تقوله أشبه بالخيال العلمي، يا دكتور حسني".
استعدت فجأة تلك الذكرى، التي لا ترتبط بما استعدته من قبل..
"لا يوجد مستحيل في العلم يا دكتور مندور".
كنت أستعيد حوارا بين رجلين، ربما سمعتهما يتبادلانه..
أو أنني كنت أحدهما..
لست أدري!

"الاستنساخ لم يعد خيالا، بل أصبح حقيقة واقعة"..
"وما زال استخدامه على البشر غير قانوني، في كل دول العالم"..
"هذا عندما يرتبط بالأسلوب التقليدي، الذي يتم فيه محو الكروموسومات تماما من البويضة، وزرع خلية غير جنسية فيها، ثم إعادة زرعها في رحم آدمي؛ ليتواصل نموها، كأي جنين طبيعي"..
"هذا ما تحتمه قواعد الطبيعة، أما الفركة التي تتحدث عنها، فهي علميا مستحيلة".
"كل علم تحقق عبر التاريخ، أكدوا يوما أنه مستحيل".

عند هذه النقطة، غابت عني الذاكرة مرة أخرى..
ولكنني أذكر هذا الحوار جيدا..
وبكل تفاصيله..
وجسدي بدأ يشعر بالإرهاق، من طول السير وشدة التوتر والخوف..

من أنا؟!
مرة ثالثة طرحت على نفسي السؤال..
أأنا أحد طرفي ذلك الحوار، الذي استعادته ذاكرتي، أم إنني كنت....
توقف السؤال في رأسي فجأة، وقفز اسم جديد إلى ذاكرتي..
مصطفى.. المساعد الطبي في معمل الأبحاث..

لم تكن هناك مرآة، يمكنني فيها رؤية ملامحي، مما قد يساعدني على استعادة ذاكرتي، وتحديد هويتي..
أأنا مصطفى، المساعد الطبي، الذي أجروا عليه تلك التجربة؟!
وما تلك التجربة بالضبط؟!
أهو أمر خاص بعلم الاستنساخ؟!

ولكن ما شأني أنا بهذا؟!
بل من أنا من الأساس؟!
"ستفقد ذاكرتك بعض الوقت"
رباه!! تذكرت على التو تلك العبارة..

"ستبدو لك الأمور مشوّشة، وسيرتبك عقلك تماما؛ لأنه لم يمر بما ينبغي أن يمر به، ولكن لا تقلق.."
أذكر العبارة، ولا أذكر مطلقا قائلها!
ولا لماذا قيلت..
ولا متى..

توقفت فجأة، وخفق قلبي في قوة، وأنا أحدق في نقطة ما، على مرمى البصر..
بقعة ضوء صغيرة..
مصدر ضوئي يتحرك، على مسافة لا يمكنني تقديرها بالضبط..
ولكنه يحمل لمحة الأمل، التي كنت في أمسّ الحاجة إليها..

ولست أدري ما إذا كنت واهما، أم إنها بالفعل حقيقة..
ذلك المصدر الضوئي توقف..
إنها سيارة ولا شك..
هذا يعني أنني بالقرب من طريق رسمي..
أو أن أحدهم يبحث عني..

وفي كل الأحوال، فقد سارعت الخطى، حتى يمكنني الوصول إلى حيث ذلك المصدر الضوئي، قبل أن يبتعد..
"لو صحّت تجربتك، لن تكفي جائزة نوبل لتقدير عملك".
"أو ربما لن تكفي عقوبة الإعدام؛ لتجاوزي كل القوانين الطبية العالمية".
"لا يمكن أن يعاقبوا عالما فذا، على كشف مذهل كهذا".
"الخلاف بين العلم والقانون، خلاف تاريخي يا زميلي العزيز".
"ولكن تجربتك هذه مذهلة.. مذهلة بحق".

مرة أخرى، أستعيد الذكريات الخاصة بتلك التجربة، التي أجهل ماهيتها! وهذا ربما يعني أنها ترتبط بي، على نحو أو آخر..
زدت من سرعة خطواتي، محاولا بلوغ بقعة الضوء، قبل أن تفارق مكانها، وشعرت بقليل من الارتياح؛ عندما أدركت أنني أقترب منها..
وأنها ثابتة في موقعها..

بدأت ساقاي تشعران بالتعب والضعف، وأصبحت سيطرتي على اتزاني تحتاج إلى بذل جهد خرافي، وعيناي ترهقهما الرؤية إلى حد كبير، إلا أنني استنفرت كل إراداتي؛ للوصول إلى بقعة الضوء، التي راحت تقترب..
وتقترب..
وتقترب..

وفجأة، قفزت إلى ذهني فكرة، جعلتني أتوقف دفعة واحدة، وأنا ألهث، من فرط الانفعال والإرهاق، وحدقت في تلك البقعة المضيئة جيدا..
لقد كنت على حق..
لست وحدي من أسعى إليها..

هي أيضا تتجه نحوي مباشرة..
وبسرعة تفوق سرعتي..
ومع اقترابها، اتضحت معالمها أكثر..
لم تكن بقعة ضوء واحدة، بل بقعتين، تسيران معا، وتفصلهما مسافة قصيرة..

إنهما مصباحا سيارة تقترب..
خفق قلبي في قوة، وأنا أتابع اقترابها، ورحت ألهث أكثر، مع تصاعد انفعالي الشديد..
هناك شخص ما يبحث عني بالفعل..
ويعلم أين أنا..
و...

"من أنا؟!"
يا إلهي! أذكر جيدا أنني قد طرحت السؤال على أولئك الرجال، في حجرة العمليات، التي لست أدري لماذا وضعوني فيها!!
والعجيب أنني لست أذكر جوابهم مطلقا!!
أو أنني لم أتلقّ منهم أية إجابة..

إذن فأنا لا أعاني فقدان الذاكرة، منذ استعدت وعيي فحسب..
لقد فقدتها من قبل هذا!
فقدتها، عندما كنت هناك..
على مائدة العمليات الجراحية..

فجأة، وعند هذه النقطة، انتابني فزع بلا حدود..
إنهم يبحثون عني، ربما لأنني هارب من شيء ما..
أو لأنني مصاب بشيء ما..
وربما بجنون ما..

تلك الفكرة الأخيرة، قضت على ما تبقى من جهدي، فجلست القرفصاء، ودفنت وجهي بين كفي، ورحت أنتحب بلا دموع..
ثم غمر ذلك الضوء الساطع وجهي، فرفعت كفي عنه، وحدقت في تلك السيارة، التي توقفت على قيد أمتار مني، وفتحت أبوابها، وهبط منها ثلاثة رجال في البداية لم أتبين ملامحهم جيدا، حتى اقتربوا مني، وقال أحدهم في ارتياح:
- إذن فقد استعدت ذاكرتك.

حدّقت في ثلاثتهم، وذاكرتي تنتعش فجأة..
إنني أعرفهم جيدا.. المساعد الطبي مصطفى، والدكتور مندور، والدكتور حسني، و..
ولكن هذا مستحيل!

لا يمكن أن يكون الثالث هو الدكتور حسني!!
لأنني أنا الدكتور حسني..
صرخت محاولا النهوض:
- من أنت؟!

اقترب مني ثلاثتهم، ومال ذلك الذي ينتحل شخصيتي نحوي، وهو يقول مشفقا:
- أنا الدكتور حسني.. أنا أصلك.

أصلي؟! انتفضت كل ذرة في كياني، مع سماع إجابته، خاصة أنني قد استعدت ذاكرتي كاملة دفعة واحدة..
ليست ذاكرة الخلايا الأولية، التي تعود إلى الدكتور حسني، الذي صنعوني كنسخة منه، ولكن ذاكرتي أنا، بعد شعوري بالوعي، عندما اكتمل تكويني المعملي..

أسلوب النمو الفائق، الذي استخدموه لإنعاش خلايا حسني، واستنساخي كنسخة ناضجة، طبق الأصل منه، في زمن قصير، جعلني أنهض متصورا أنني هو، حتى إنني ارتديت بعض ملابسه، التي يتركها احتياطيا في المعمل، وأخذت مفاتيح سيارته، وقدت السيارة إلى منزله..

ولكنهم أطبقوا عليّ هناك، وأعادوني إلى المعمل، وأجروا لي جراحة صغيرة، لست أدري سببها بالضبط..
وعندما أفقت، هربت مرة أخرى، و..
فقدت الذاكرة..
"خلاياك تنهار"

قالها أصلي في أسى، وهو يتطلع إليّ مشفقا، قبل أن يُضيف في ألم:
- يبدو أن الطبيعة ترفض ما نفعله، وليس القانون وحده.. صحيح أنك نسخة طبق الأصل مني، ولكن تأثير النمو الفائق مؤقت مع الأسف.. خلاياك ستنهار كلها، حتى يذوب جسدك، كما لو كان قطعة من الثلج تركت في طقس ساخن..

أدركت عندئذ لماذا عجزت عن النهوض..
لقد بدأ جسدي يذوب بالفعل..
ولم تعد هناك فائدة من استعادة ذكرياتي..
أو حتى ذكريات الدكتور حسني
فذاكرتي مثل جسدي..
ستذوب..

بدأت الرؤيا تتشوش أمامي، إلا أنها لم تمنعني من رؤية الرجال الثلاثة، وهم يتطلعون إليّ بكل الأسف والألم والندم، وأنا أذوب أمامهم، تماما كما وصف الدكتور حسني الأصلي الأمر..
كقطعة ثلج في طقس دافئ..

وآخر ما حملته ذاكرتي، هو صوت الدكتور حسني، وهو يغمغم:
- أنا آسف.. اغفر لي.
ثم ذاب كل شيء..
تماما.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 25-07-12, 12:01 AM   المشاركة رقم: 25
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د.نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": العمالقة



أتى من خلفه فأر غيط ضخم وأخذ يقترب منه

في سرعة متوسطة راح خليل يقطع ذلك الطريق الطويل بين بلدته الصغيرة والطريق الموصل إلى العاصمة..

كان الظلام حالكا على نحو يخالف المألوف، مع غياب القمر والسحب الكثيفة التي تملأ السماء في واحدة من ليالي الشتاء..

وعلى الرغم من ضوء مصباحي السيارة، لم تكن الرؤية تتيح له المضي قدما في طريقه..
فعلى يمينه غيط كبير بدأت نباتاته في النمو منذ أيام..
وعلى يساره تلك الترعة الواسعة التي تمتد من فرع النيل وحتى نهاية القرية..

سار على مهل وهو يشعر بالسخط لإضطراره إلى السفر ليلا، بسبب تلك التطورات في شركته في القاهرة..
حاول تشغيل مذياع السيارة القديمة لكنه لم يستجِب، فمط شفتيه في ضيق وجازف بزيادة السرعة على الرغم من وعورة الطريق، حتى يبلغ الطريق الرئيسي في أسرع وقت..

ومن بعيد لاحت له الأضواء، مما جعله يزيد من سرعته أكثر وكله لهفة على بلوغ الطريق، و..
وفجأة، انتبه إلى أمر عجيب..
تلك لم تكن أضواء الطريق..

إنها أضواء مركبة ما تتجه نحوه مباشرة في سرعة تفوق المألوف..
ضغط فرامل سيارته قليلا، وهو يتساءل عن ذلك السائق المجنون الذي ينطلق بهذه السرعة على طريق كهذا!

ولكن المركبة كانت تقترب بسرعة تفوق سرعة أي مركبة أخرى رآها في حياته..
ثم اتسعت عيناه في شدة..
وعرف فجأة كيف تنطلق بهذه السرعة..
إنها لم تكن تنطلق على الطريق الوعر..
بل فوقه..

ولم يكن الضوء ينبعث من مصابيحها..
بل منها كلها..
وبكل رعبه ضغط فرامل سيارته ثم حاول التراجع بها إلى الخلف..
ولكن محرك السيارة لم يستجِب..
بل كلها لم تستجِب..

كل شيء فيها توقف فجأة، وكأنما انسحبت كل طاقتها دفعة واحدة..
وتلك المركبة العجيبة في سرعة..
وتقترب..
وتقترب..

فتح باب السيارة في فزع وانطلق محاولا الفرار منها، في نفس اللحظة التي بلغته فيها تلك المركبة التي بدت أشبه بقرص كامل الاستدارة تنبعث منه الأضواء من كل مكان..
حدق فيها لحظة في ذهول واستسلام قبل أن يسطع منها ضوء مبهر في وجهه، و..
فقد الوعي..

لم يدرِ كم ظل فاقدا للوعي، ولكنه عندما أفاق كانت الشمس في كبد السماء، وكان راقدا وسط أعشاب طويلة عملاقة لم ير مثلها من قبل..

نهض في رعب، يتساءل أين هو..
لم يكن يدرى أين هو، ولا أين نقله ذلك الجسم المستدير، فتلفت حوله في ذعر، إلا أن تلك الأعشاب العملاقة كانت تملأ كل المكان، وتحجب عنه الرؤية تماما..

توقف في مكانه بضع لحظات متسائلا عما حدث، ومحاولا تحديد المسار الذي ينبغي له أن يتخذه..

ثم شعر بتلك الحركة وسط الأعشاب العملاقة..
ارتجف جسده وهو يتطلع إلى حيث تتحرك الأعشاب قبل أن يبرز أمامه فجأة ذلك الشيء..

وحش ضخم في حجم الأسد تقريبا، ولكن له تكوين عجيب..
رأس في حجم كرة السلة، وجسم صلب في حجم سيارة صغيرة، وستة أرجل مفصلية مخيفة، تبرز منها إبر ضخمة تشبه الشعر..

ولقد تراجع في رعب مُحدقا في ذلك الوحش الذي توقف بدوره، وبدا وكأنه يتطلع إليه ويحرك شيئا ما تجاهه..
وصرخ خليل..
صرخ..
وصرخ..
وصرخ..

ومع صرخاته راح يتراجع..
ولكن الوحش لم يطارده..
فقط اكتفى بمتابعته في بلادة حتى اختفى خلف بعض الأعشاب العملاقة، ثم مضى الوحش في طريقه في هدوء..

تنفس هو الصعداء عندما ابتعد الوحش، وعاد يتساءل: أين هو بالضبط؟
بدأ يتحرك وسط الأعشاب العملاقة بلا هدى، وهو يطرح على نفسه عشرات الأسئلة..
ما ذلك الجسم الذي هاجمه أمس؟
أهو أحد تلك الأطباق الطائرة التي يقرأ عنها بين حين وآخر؟
ولو أنه كذلك فهل اختطفه وذهب به إلى كوكبه في يوم وليلة؟

هذا لو أنهم لم يفقدوه وعيه لعدة أسابيع قبل نقله إلى كوكب العمالقة هذا؟!
واصل سيره وعقله يبحث عن ألف جواب وجواب..
ولكن تلك الأعشاب كانت عملاقة بحق..
وتنتشر على نطاق واسع للغاية..

وعلى الرغم من أنه فقد وعيه في شتاء كوكبه، فقد كانت أشعة شمس هذا الكوكب حامية بحق..
ولم يكن هناك ما يوحي بأنه سيصل إلى مكان آخر..
ترى، هل ينتشر هذا العشب العملاق في الكوكب كله؟!

ثم أن تلك المركبة الغريبة لم تكن كبيرة..
لقد كانت في حجم سيارته تقريبا..
وهذا الكوكب يوحي بأن سكانه من العمالقة..
فكيف يتناسب هذا وذاك؟
كيف؟

انتبه فجأة إلى أن منطقة العشب لم تعد كثيفة كما كانت..
وهذا يعني أنه يقترب من شيء ما..
شيء يجهل ماهيته..

توقف لحظات مجهدا، التقط نفسا عميقا وهو ينحني ليستند بكفيه على ركبتيه لبضع لحظات قبل أن يعاود سيره..
ولقد كان على حق في استنتاجه..
كثافة العشب العملاق كانت تقل كلما سار..

ومن بعيد بدا له ما يشبه بناية ضخمة ذات طراز غير مألوف في عالمه..
وعلى الرغم من جهله بطبيعة البناء أو طبيعة قاطنيه، لكنه حث الخطى للخروج من منطقة الأعشاب العملاقة، أيًا كانت النتائج..
وعلى الرغم من أن ذلك الوحش قد تجاهله تماما، فإنه كان يخشى عودته..
وبشدة..

وانخفضت كثافة الأعشاب العملاقة كثيرا، وإن توزعت بالقرب من نهايتها بحيرات مائية متوسطة توحي بأن التضاريس سرعان ما تتغير فور خروجه من بينها..

وراحت -مع اقترابه- ملامح ذلك البناء الهائل تتضح..
وتتضح..
و..

تسمر في مكانه فجأة عندما بلغ نهاية منطقة الأعشاب العملاقة، وتوقف أمام مرتفع كبير..
ذلك الشيء الهائل الذي رآه لم يكن بناية..
بل كان سيارة..

وبالتحديد.. كان سيارته..
إنه يعرفها جيدا، مهما بلغت ضخامتها..
رباه! هذا يعني أنه ليس على كوكب آخر..

وتلك المركبة لم تختطفه..
إنه هنا، على كوكب الأرض..
وتلك الأعشاب ليست عملاقة..
إنها تلك الأعشاب الصغيرة في الحقل الذي سقط فيه..

هذا يعني أنه ليس في كوكب عمالقة..
هو الذي صار قزما..
يا إلهي!

أصابته الفكرة وأصابه الكشف بفزع ما بعده فزع..
ما الذي فعلته به تلك المركبة؟!
أي شعاع أطلقته عليه؟!
ولماذا؟!

راح جسده يرتجف في شدة ورعبه يتصاعد وهو يحاول تسلق حافة الغيط، والتي بدت بحجمه هذا وكأنها تبة عالية..
ماذا سيفعل؟
وهل يمكن أن يستعيد حجمه؟
هل؟

كان يبذل جهدا كبيرا لتسلق ما كان يتجاوزه بخطوة واحدة عندما كان في حجمه الأصلي، قبل أن يصيبه ما أصابه..

لم تكن لديه خطة واضحة لما ينبغي أن يفعله بعد أن يبلغ سيارته، ولكنها كانت تمثل له الشعور الوحيد بالأمان..
واستعاد عقله كل ما مر به..

ذلك الوحش الذي التقى به بين الأعشاب لم يكن وحشا..
الآن فقط انتبه إلى ماهيته..
لقد كان مجرد خنفساء حقل عادية..

خنفساء بدت له -بحجمه الضئيل هذا- أشبه بوحش عملاق..
لم يكن قد بلغ قمة المنحدر بعد عندما شعر بتلك الحركة من خلفه، فالتفت إليها، و..
وتجمدت الدماء في عروقه..

هذه المرة، كان ما أتى خلفه ليس مجرد خنفساء..
بل كان وحشا..
وحشا حقيقيا..
وبالذات في حجمه هذا..

لقد كان فأرا..
فأر غيط ضخم يهز شواربه وهو يتطلع إليه في اهتمام..
ثم يقترب منه..

صرخ بكل رعب الدنيا محاولا أن يتراجع أمام ذلك الكائن المفترس الذي طالما تباهى بقدرته على اصطياده..

الآن انعكس الأمر..
لم يعد هو الصياد..
لقد صار الفريسة...
فريسة لكائن لا يرحم..

الكائن تراجع خطوة، التمعت خلالها أسنانه الحادة..
ثم وثب نحوه..
وصرخ صرخة قوية عنيفة، و..
استيقظ..

"حمدا لله على سلامتك".
سمع طبيب القرية يقولها فور استعادته وعيه.. حدق فيه ذاهلا قبل أن يهتف:
- أأنا حي؟!

ابتسم الطبيب، وهو يقول:
- من حسن الحظ.. لقد عثروا عليك فاقدا للوعي في غيط الحاج نجيب وحملوك إلى هنا.

هتف غير مصدق أنه حي:
- والفأر.
ضحك الطبيب، وهو يقول:
- كيف علمت بأمره؟! إنه فأر غيط كان يقترب منك عندما عثروا عليك، ولكنه فر فور رؤيتهم.

وغمز بعينه في مرح مردفا:
- من حسن الحظ أنه لم يفترسك.. أنت تعلم ما يفعله فئران الغيط عندما يعثرون على فريسة لا تقاوم.

قالها وأطلق ضحكة طويلة، في حين انعقد حاجبا خليل في شدة وهو يتساءل: أكان هذا كله حلما، أم أن ركاب تلك المركبة العجيبة قد أعادوه إلى حجمه في اللحظة المناسبة؟
وظل تساؤله هذا كامنا في أعماقه، لم يصرح به أبدا..

ولكنه ظل أيضا بلا جواب..
على الإطلاق.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الستار الاسود, زهور الربيع, نبيل فاروق, قصة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات أونلاين و مقالات الكتاب
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:35 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية