لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > سلاسل روايات مصرية للجيب > روايات أونلاين و مقالات الكتاب
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات أونلاين و مقالات الكتاب روايات أونلاين و مقالات الكتاب


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-05-12, 10:43 AM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

القصة الثالثة


د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": حبيبتي


ابتسمت ابتسامة كبيرة وهي تتأمل الرسوم الهندسية


"حبيبتي"..
امتلأ قلبي بتوتر شديد عندما سمعت صوتها يُناديني..

في الماضي كان قلبي يختلج فرحا كلما سمعت صوتها في أي لحظة من الليل أو النهار..
كنت أحبّها..
أحبها من كل قلبي وكياني..

وكنت أعشق صوتها العذب، كلما هتف باسمي، أو همس بحبي..
أما الآن، فالأمر يختلف..

لم أشعر بها وهي تقترب مني، ولكنني حاولت تجاهل هذا، متظاهرا بالانهماك في الرسم الهندسي الذي يفترض أن أقدّم الرئيسي، في الصباح الباكر، ولكنني لم أستطِع السيطرة على التوتر المتزايد في أعماقي؛ خاصة عندما سمعت صوتها خلفي مباشرة، وهي تهمس:
- اشتقت إليك.

تجاهلت عبارتها مرة أخرى، لعلها تنصرف وتتركني لحالي، ولكنها واصلت، دون أن تبالي بتجاهلي لها:
- أما زلت تعمل حتى ساعة متأخرة.
غمغمت في توتر:
- المفترض أن أقدّم هذا في الصباح الباكر.

همست في نعومة:
- ولكنني هنا.
انعقد حاجباي، وأنا أقول، في توتر امتزج بشيء من الحدة:
- تأتيني دوما دون موعد.

قالت في نعومة:
- آتي كلما اشتقت إليك.

رأيتها تدور في نعومة حول مائدة الرسم، وتنحني لتلقى نظرة على الرسوم الهندسية، قبل أن تبتسم ابتسامة كبيرة، وتقول:
- تشبه فيلا أحلامنا.

في الماضي كانت ابتسامتها هذه تسحرني، أما اليوم..
"أمازلت تذكر أحلامنا"..

قالتها بنفس النعومة، فغمغمت، محاولا إبعاد نظري عنها :
- كانت مجرد أحلام.

حمل صوتها رنة حازمة، وهي تقول :
- الأحلام يمكن أن تصبح حقيقة، مع قليل من الإرادة..

نفس العبارة التي كانت ترددها على مسامعي دوما، عندما كنا معا..
نفس الرنة الحازمة في صوتها، والتي تشعرني بأنني تلميذ، يقف أمام أستاذته التي تلقنه درسا في الحياة..
"الأحلام تتغيّر، مع مرور الوقت.."

قلتها في شيء من العصبية، فاعتدلت ترمقني بنظرة غاضبة، وهي تقول:
- يبدو أنك لم تعد تحبّني.
زفرت في توتر، قائلا:
- أرجوك.. أنا منهك في عملي.
رمقتني بنفس النظرة، قبل أن تقول في شيء من الحدة:
- كنت تعدني دوما بأنك لن تحب سواي.

لم أحاول التعليق على عبارتها، متظاهرا بالانهماك في الرسم، فتابعت، وحدتها تتزايد:
- أهذا وقت الحديث عن الحب؟!
قالت في عصبية:
- كل الأوقات تناسب الحديث عن الحب.

قلت في حدة:
- وماذا عن وقت العمل؟!
مالت نحوي، على نحو ضاعف من توتري، وهي تقول:
- إنه أفضل وقت للحديث عن الحب.

كانت قريبة مني، على نحو أشعرني ببرودة في أطرافي، فاعتدلت لأبعد وجهي عنها، وأنا أقول:
- لو لم يتسلم رئيسي هذا الرسم صباح غد، قد أفقد وظيفتي.

اعتدلت بادية الغضب، وهي تقول:
- يبدو أنك قد نسيت أنني من ساعدك في الحصول على هذه الوظيفة، التي ترفض اليوم التخلي عنها من أجلي.

كنت أشعر بتوتر بالغ، كلما نظرت إليها في الأشهر الأخيرة، وعلى الرغم من هذا، فقد أجبرت نفسي على النظر إليها، وأنا أقول:
- لم أنسَ بالتأكيد، ولكن..

لم أستطِع إتمام عبارتي، فقالت في غضب:
- ولكنك نسيت بالفعل.
هززت رأسي، قائلا في توتر كاد يبلغ ذروته:
- أنت تعلمين أن الظروف كلها تغيّرت.

اكتسى وجهها بغضب شديد، وهي تقول:
- الظروف أم القلب؟!
تطلعت إليها في صمت، ودون أن أنبس ببنت شفة، فتابعت في حدة:
- إنها بثينة.. أليس كذلك؟!

شعرت بارتباك حقيقي، وأنا أشيح بوجهي، قائلا:
- بثينة مجرد زميلة عمل.
خشيت حقا النظر إلى وجهها، وهي تقول:
- محاولة سخيفة.

أدرت رأسي في بطء، محاولا النظر إليها، وكل ذرة في كياني تمنعني من هذا، وحتى لساني عجز عن قول أي شيء، فأضافت هي في غضب:
- تنسى أحيانا أنني أستطيع رؤية الحقيقة.

مرة أخرى عجز لساني عن النطق، فدارت حولي بنفس النعومة، وهي تقول :
- أسلوبك في التعامل معها، ونظراتك الحالمة إليها، وصوتك المفعم بالحرارة، عندما تتحدث إليها.. كل هذا لا يوحي أبدا بأنها مجرد زميلة عمل.

غمغمت في صعوبة:
- الواقع أنني..
قاطعتني في حدة:
- الواقع أن تلك الحقيرة قد استغلت غيابي؛ لتتقرّب منك، وتلقى شباكها حولك، وتوقعك في حبائلها، وتحتل مكاني في قلبك.

غمغمت في عصبية:
- لا تصفيها بالحقيرة.
هتفت :
- أرأيت؟!

مرة أخرى أشحت بوجهي، دون أن أجيب..
كنت أعلم أنها ستكشف كذبي، مهما قلت أو فعلت..

ولم أستطِع أن أبوح لها بالحقيقة..
فأنا بالفعل غارق في حب بثينة..
غارق في عشق رقتها وحنانها وبساطتها..

أذوب مع ابتسامتها العذبة..
أهيم مع كلماتها الرقيقة الدافئة..
أعشق مجرد التواجد معها في مكتب واحد..
"لقد وعدتني بأنك لن تحب سواي"..

قالتها في ضراعة باكية، فالتقطت نفسا عميقا، في محاولة لتهدئة أعصابي، قبل أن أغمغم:
- أنت تعلمين أنني قد حاولت.
قالت في مرارة:
- المحاولة لا تكفي.

غمغمت في عصبية :
- انفصالنا لم يكن بإرادتي.
قالت في حدة:
- تعلمين أنني لم أقصد هذا.

تراجعت في أسى، قائلة:
- أنسى أحيانا.
التقطت نفسا عميقا أخر، وقلت:
- لقد احتملت فترة طويلة، ولكن من الضروري أن أواصل حياتي.

رمقتني بنظرة حزينة، وهي تقول:
- مع بثينة؟!
خفضت عيني، وأنا أتمتم في توتر:
- هي أو غيرها.

صمتت لحظات، قبل أن تقول في حزن:
- هي أفضل من غيرها.
شعرت بصوتها يبتعد عني، وهي تضيف:
- كانت صديقة عمري على الأقل.

بقيت صامتا، لا أحاول التعليق على عبارتها، حتى انصرفت، وأيقنت أنها لم تعد هناك؛ فالتقطت نفسا عميقا آخر، وتطلّعت إلى لوحة الرسم الهندسي..
نفس الحوار في كل ليلة..
ونفس النهاية..

أعترف أنني كنت أحبّها من كل كياني..
ولكن الحياة يتحتّم أن تستمر..

وتساءلت وأنا أعاود عملي: هل سينتهي هذا العذاب يوما، لو أنني تزوّجت بثينة، وواصلت حياتي، أم إن حبيبتي السابقة ستواصل زياراتها اليومية لي، منذ أن..
ماتت..

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 27-05-12, 04:51 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": شات



ظهر ذلك الزائر فجأة على صفحة الشات الخاصة بها
"العشاء يا عبير"..
بلغ النداء مسامع عبير، وهي تجلس أمام شاشة الكمبيوتر، فانعقد حاجباها في ضيق، ومطت شفتيها في امتعاض، وهي تواصل الكتابة على لوحة الأزرار لتحكي لإحدى صديقات الشات ما حدث معها، خلال رحلة الصيف في الساحل الشمالي..

وتكرر نداء الأم مرتين، دون أن تجيب عبير، فطرقت الأم باب حجرتها، وهي تقول في يأس، يبدو أنها قد اعتادته:
- ألن تتناولي العشاء معنا؟!

هتفت عبير، دون أن تتوقف عن مواصلة "الشات":
- كلا.. لقد تناولت شطيرة منذ قليل.
زفرت أمها، مغمغمة:
- أنتِ وشأنك.

لم تبال عبير كثيرا بضيق أمها التي يئست من محاولات انتزاعها من أمام الكمبيوتر، الذي أدمنت الجلوس أمامه، منذ تخرجت في كليتها، منذ أكثر من عام، لم تحاول خلاله البحث عن عمل، ولا مرة واحدة، وكأنها قد وهبت حياتها للكمبيوتر، ولهذا الشات الذي صنعت منه حياتها الاجتماعية كلها..

أما عبير فقد انتهت من الشات مع زميلتها ثم انتقلت إلى زميلة أخرى في شغف غير طبيعي، جعل الساعات تمضي، وأسرتها تنام، وهي مستمرة أمام الكمبيوتر..

وعندما قررت أخيرا، مع اقتراب الفجر، أن تأوى إلى فراشها، ظهر ذلك الزائر فجأة، على صفحة الشات الخاصة بها..

"ع.ج".. هكذا عرف نفسه، قبل أن يتحدّث معها عن رحلتها الصيفية..
واتسعت عيناها في دهشة بالغة مستنكرة..

إنها لم تعرف "ع.ج" هذا من قبل، ولم تجرِ أي شات معه من قبل، وعلى الرغم من هذا، فهو يذكر لها أمورا لم تخبرها حتى لأعز صديقات الشات..

وفي غضب، سألته عبير من يكون..
في بساطة، أخبرها أنه شخص شديد الإعجاب بها، ويرغب في صداقتها..

وعلى الرغم من دهشتها واستنكارها، دفع الفضول "عبير" إلى أن تسأله: كيف عرف كل هذه الأمور عنها..

وفي سرعة مدهشة تفوق قدرة أي إنسان على الكتابة، ظهر الجواب على الشاشة "أنا أعرف عنك أكثر مما يمكنك تصوره".
لم يرق لها الجواب، وفكرت لحظة في إغلاق الكمبيوتر، ولكن الفضول دفعها إلى أن تسأل:
" مثل ماذا؟".

وبنفس السرعة المدهشة، ظهر الجواب..
"أعرف أنك كنت تفكرين الآن في أشرف، ذلك الشاب الوسيم، الذي التقيت به في الساحل الشمالي، والذي يمتلك سيارة سوداء، من طراز "بي. إم. دبليو".

خفق قلبها بعنف، وبدا لها الجواب مستفزا، فهي بالفعل كانت تفكر في أشرف هذا، ولا أحد سواها يعلم، أو يمكن أن يعلم هذا.
ولكن هناك من يمكن أن يستنتجه..

إنه أشرف نفسه..
ربما هو يمازحها، واثقا في أنها تفكِّر فيه طوال الوقت، بعد أن بهرها بوسامته وشدة ثرائه، منذ أقل من شهر..

نعم .. هو أشرف حتما؛ فهي لم تخبر أحدا عنه، حتى هذه اللحظة..
إنه هو دون سواه..

وبسرعة، كتبت على الشاشة..
"أنت أشرف.. أليس كذلك؟".

وما أن رفعت سبابتها عن آخر حروف لوحة الأزرار، حتى ظهر الجواب على الشاشة ..
"أشرف شاب تافه، لا يستحقك".

أدهشتها سرعة ظهور الأجوبة، فتراجعت لحظة في مقعدها، تحاول فهم ما يحدث..
مستحيل أن يكون هذا شخصا آخر..

لا أحد يعلم بأمر أشرف سواها.
ولكن من يمكن أن يكون هذا؟

وكيف يضع إجابات أسئلتها بهذه السرعة؟
انعقد حاجباها في شدة، وهي تحاول البحث عن الجواب..
ربما هو أشرف، ولكنه يختبر مشاعرها نحوه..
ربما..

وربما أعد الإجابات كلها مسبقا، مستنتجا حيرتها إزاء هذه المعلومات والأسئلة..
من المستحيل أن يكون قد روى الأمر لأحد أصدقائه، وتركه يعبث بها..
مستحيل تماما..

صحيح هي لم تتعرفه جيدا، ولكنه لم يبدُ لها أنه من تلك النوعية أبدا..
وفجأة، بينما عقلها منشغل بالبحث عن إجابات تساؤلاتها، ظهرت عبارة على الشاشة..

"لا تشغلي عقلك بالتفكير، فأنا لست صديقا لذلك التافه أشرف، الذي ينافسني الإعجاب بك".
وانتفض جسدها في دهشة وانفعال..
كيف عرف ما تفكر فيه؟
كيف؟
كيف؟

وبسرعة، نقلت سؤالها إلى الشاشة..
"هل تقرأ أفكاري؟".

وفي نفس اللحظة، أتاها الجواب..
"بالتأكيد.. أقرأ كل ما تفكرين فيه".

انعقد حاجباها في شدة، وفكرت في أنه شاب عابث حتما، يعلم أمر علاقتها بأشرف، بوسيلة ما، ويستغل هذا في إخافتها والعبث بها..

وفي ذهنها قررت أن تفكِّر في أمها، وتسأله أن يقرأ أفكارها..
وقبل أن تمد أصابعها لكتابة العبارة، فوجئت بكلمة واحدة تظهر على الشاشة.." في أمك".

لم تكن قد كتبت العبارة بعد، لذا فقد جعلها الجواب تثب من مقعدها، وتتلفت حولها في خوف، قبل أن تكتب..
"من أنت بالضبط؟ أرجوك".

مضت لحظات من السكون، وهي تنتظر الجواب في لهفة، ولكنها لم تحصل عليه، طوال الدقائق الخمسة التالية، فكتبت في سرعة..
"أين ذهبت؟".

أتاها الجواب على الشاشة، بأسرع مما تتوقع..
"لماذا؟ هل افتقدتيني؟".

انتفض جسدها مرة أخرى، وترددت لحظة، قبل أن تكتب في حزم..
"سأغلق الكمبيوتر الآن".

أتاها الجواب، قبل أن تتم العبارة..
"لن يمكنك هذا".

شعرت بعصبية شديدة، وهي تقول لنفسها:
- من يظن نفسه؟! هل تصور أنني لا أستطيع إغلاق الكمبيوتر؟! واهم هو لو تصور هذا.

وبكل العناد، دفعت سبابتها، وضغطت زر إغلاق الكمبيوتر، و...
لم يستجب الجهاز..

تراجعت في دهشة، وحدقت في شاشة الكمبيوتر في ذهول، مع العبارة التي ارتسمت عليها..
"ألم أخبرك؟!".

انتابها خوف شديد، وهي تضغط زر إغلاق الكمبيوتر مرة..
وثانية..
وثالثة..
ورابعة..
وخامسة..
ولم يستجب الكمبيوتر لأي محاولة..

لقد ظلت شاشته مضاءة، وحملت عبارة صارمة..
"لن يمكنك إغلاق هذا الكمبيوتر، وقطع الشات بيننا، إلا بإرادتي أنا".

انتفض جسدها، وهي تتساءل في رعب..
أهذا فيروس جديد من فيروسات الكمبيوتر؟

هل دس "ع.ج" هذا في جهازها فيروسا جديدا يمنع إغلاق الكمبيوتر؟ ولكن كيف فعلها؟ كيف؟ حاولت أن تغلق صفحة الشات لتعيد فحص جهاز الكمبيوتر، عبر برنامج مضاد للفيروسات، إلا أن الصفحة أيضا لم تستجب، في حين حملت الشاشة عبارة جديدة..
"دعيني ألتقي بك أولا، وبعدها سيستجيب لكِ الكمبيوتر".

لم تحاول الرد على عبارته هذه المرة، وجسدها ينتفض في قوة، وإنما تراجعت بمقعدها، وراحت تحدق في العبارة في ذهول، قبل أن تندفع فجأة، وتنتزع قابس الكهرباء، المتصل بالكمبيوتر..

ووفقا لأي مقياس فيزيائي في الوجود، كان المفترض أن يغلق هذا الكمبيوتر على الفور، إلا أن هذا -للعجب- لم يحدث!

مع غياب التيار الكهربي، ظلت شاشة الكمبيوتر مضاءة، وتراصت عليها عبارة جديدة..
"دعيني ألتقي بك أولا".

كان جسدها كله ينتفض رعبا، وغمغمت بصوت مرتجف:
- ولكن هذا مستحيل!

لم يكن جهازها بميكروفون لنقل الصوت، وعلى الرغم من هذا، فقد جاءت العبارة التالية لتثير كل فزعها..
"مع مثلي، لا يوجد مستحيل".

راح جسدها ينتفض في قوة، وعجزت ساقاها عن حملها خارج مقعدها، وعجز حلقها حتى عن الصراخ أو الاستنجاد بأحد..

وعلى الشاشة ظهرت العبارة نفسها تتكرر..
"فقط دعيني ألتقي بك".

وبكل صعوبة، غمغمت:
- كيف؟

أتاها الجواب على الشاشة، وكأن "ع.ج" هذا يسمعها..
"اطلبي مني أن ألتقي بك".

غمغمت في رعب:
- متى؟
ومرة أخرى أتاها الجواب في سرعة..
"الآن.. اطلبي مني الآن".

كان الرعب يملأ كيانها كله، والدموع تنهمر من عينيها من شدة رعبها، وعلى الرغم من هذا فقد غمغمت:
- فليكن.. لو أن هذا ينهي ما أنا فيه.

حملت الشاشة كلمة واحدة بحروف كبيرة..
"اطلبيها".

هتفت بصوت مختنق:
- التق بي.. الآن.

لم تكد تنطقها، حتى انطفأت الشاشة فجأة، ودوت فرقعة مكتومة في الحجرة، وهوى قلب عبير بين قدميها، عندما ظهر شخص إلى جوارها بغتة، وهو يقول:
- "لم يكن من الممكن أن ألتقي بك، دون أن تطلبيها صراحة".

واتسعت عينا عبير عن آخرهما، في رعب ما بعده رعب، مع وجه شديد الحمرة، وعينيه المشقوقتين طوليا كأعين الثعابين، وتراجعت بمقعدها في عنف، فتهاوى بها، وارتطم رأسها بطرف فراشها، فسقطت في عنف..
واستيقظت..

وفي رعب، حدقت في شاشة الكمبيوتر المضاءة أمامها، والتي تحمل صفحة الشات الخاصة بها، والتي ليس عليها أثر لمحادثاتها مع "ع.ج" هذا..

وفي ذعر تلفتت حولها، قبل أن تطلق زفرة عصبية، وتغمغم:
- يا إلهي! لقد كان كابوسا رهيبا.. لا ريب في أن النوم قد غلبني أمام شاشة الكمبيوتر، فكان هذا الكابوس..

ضغطت زر إغلاق الكمبيوتر، فاستجاب لها في يسر، ونهضت إلى فراشها، مع نسمات الصباح الأولى، وهي تتمتم:
- لا بد أن أقلل من ساعات جلوسي أمام الشات.. أمي كانت على حق.. هذا يصيب العقل بإجهاد شديد.

رقدت في فراشها، وهي تستعيد ذكرى ذلك الكابوس الرهيب، وحاولت أن تبتسم، وهي تغلق عينيها، مغمغمة:
- ولكن لماذا "ع.ج"؟ أي شيء يمكن أن يعنيه هذا؟
- "يعني عفريت من الجن".

العبارة جعلتها تقفز من فراشها بكل رعب الدنيا، ووجدته يقف أمامها، وذيله يتلاعب خلفه، وهو يبتسم بأنيابه الحادة، قائلا:
- هكذا يطلقون علينا..

وصرخت عبير..
وصرخت..
وصرخت..
ولم يسمعها أحد..
على الإطلاق.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 10-06-12, 06:34 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": الآخر



أنا مُجبر على رؤية كل ما يرتكبه القاتل من أعمال وحشية دموية
لا يمكنني احتمال كل هذا..
لا يمكنني أبدا..

ذلك القاتل الوحشي قيدني في إحكام، حتى لم أعد أستطيع تحريك طرف واحد في جسدي كله..
ولا يمكنني حتى إبعاد رأسي..
أو إغلاق عيني..

أنا مُجبر على رؤية كل ما يرتكبه من أعمال وحشية دموية..
لست أدري حتى كيف فاجأنا..
ولا كيف فعل بنا هذا..

كنت ورفاقي نبحث عن مكان متوارٍ يمكننا فيه أن ندخن بعض المخدرات دون أن يلمحنا أحد..
ولقد عثرنا بالمصادفة على هذا المكان..

منزل قديم متهدم، تطل إحدى حجراته، التي فقدت جدارا أساسيا، على ساحة خالية، تمتد لمسافة كيلو متر تقريبا..
ولقد بدا لنا المكان مثاليا للغاية..
مكان بعيد..
خالٍ..
مهجور..

لا يمكن أن يشعر بك أحد، أو حتى يسمعك أحد فيه..
وبالفعل بدأنا في إعداد مجلسنا المطل على تلك الساحة الخالية، وأشعل بعضنا النار، في حين بدأ البعض الآخر في إعداد النرجيلة، و...

وفجأة، ظهر هو..
لم نكن قد بدأنا في تدخين أي مخدرات، كما قد يتبادر إلى ذهنك في البداية، ولم يكن أينا قد اقترب منها حتى..
كنا جميعا في أتم الصحة والعافية..
وعقولنا كلها يقظة..
تماما..

وعندما ظهر هو، كان شرسا صارما، من اللحظة الأولى..
وكان يحمل مسدسا..

في البداية، تصورنا أنه شخص يمازحنا، حتى أن بعضنا قد أطلق ضحكات مرحة، ودعابات لطيفة..
لكنه لم يكن مازحا..

علمنا هذا، عندما أدار عينيه الشريرتين في وجوهنا، بكل غضب الدنيا..
عندها توقفنا عن الضحك والدعابة..
وبدأ الخوف يتسلل إلى نفوسنا..
فماذا يريد منا؟
ماذا؟

كنا خمسة شباب أقوياء..
ولكنه كان يحمل مسدسا..
وتصورنا كلنا أن ما يستهدفه هو سرقتنا، والاستيلاء على ما نملك..
ولقد عرض عليه بعضنا هذا بالفعل..
وجاءت إجابته، لتفسر لنا كل شيء..
جاءت عبر رصاصة من مسدسه، أصابت رأس أحدنا مباشرة..

ومع سقوط رفيقنا جثة هامدة، أدركنا الحقيقة..
إنه ليس سارقا..
إنه قاتل..
رحنا نرتجف، ونبكي، ونتوسل..
وما من مجيب..

كان قاسيا، صارما، ساديا، يستمتع برعبنا وعذابنا وتوسلاتنا وألمنا..
وبكل وحشية الدنيا، أمرنا أن يقيد بعضنا البعض..
ومع الرعب الذي ملأ نفوسنا، أطعناه..

كنا نعلم أن القيود ستعني أننا قد صرنا في قبضته تماما..
ولكننا لم نملك الاعتراض..
وكان هذا ما ينشده بالضبط..
القوة..
والشعور بالقوة..

وبكل مهابة الدنيا وخوفها ورعبها، رحت أحدق فيه، بعد أن انتهيت من تقييد آخر رفاقي، عندما انتبهت إلى تلك النظرة الوحشية، التي يرمقني بها..
لم أكن أدري لحظتها أن اختياره قد وقع عليَّ لأكون شاهدا على وحشيته وساديته، قبل أن يحين دوري..
ولست أدري حتى كيف قيدني، ولكنني وجدت نفسي مكبلا تماما، وغير قادر على تحريك إصبع واحد..

ولقد جذب جفني إلى أعلى وأسفل بوسيلة ما، فلم أعد قادرا على إغلاق عيني أيضا..
كنت مضطرا إلى مراقبته، وهو يرتكب جرائمه الوحشية..
وكان جسدي كله يرتجف..
ويرتجف..
ويرتجف..

وفي برود سادي عجيب، اتجه نحو أول رفاقي، وأخرج من جيبه سكينا ذا نصل طويل حاد، راح يمرره على وجه رفيقي، الذي راح ينتحب في رعب، والكمامة اللاصقة على فمه تمنعه من الاستنجاد..

ثم بدأت اللعبة السادية..
بطرف نصل السكينة الحاد، راح ذلك السفاح يمزق وجه رفيقي، بضربات سريعة سطحية..
رأيت الدم يغرق وجهه..
والرفيقان الآخران تتسع أعينهما في رعب هائل..
ثم جاءت الطعنة الأخيرة..
بعد أن تمزق وجه رفيقي الأول تماما، طعنه ذلك السفاح في جانب عنقه، طعنة سريعة غادرة قوية..

وبعينيّ المذعورتين، شاهدت النصل يغوص في عنق رفيقي، من الجانب الأيسر، ثم يبرز من الجانب الأيمن..
واتسعت عيناه في ألم ورعب..
ثم سقط جثة هامدة..
وتدفقت الدماء من عنقه في غزارة..
وفي هدوء، التفت السفاح إلى الثاني..
وفي بطء أيضا، راح يمرر نصل خنجره..
ليس على وجهه هذه المرة، وإنما على صدره..

وعبر الكمامة اللاصقة، سمعت رفيقي يهمهم متوسلا، ويحاول الصراخ، ولكن ذلك السفاح لم يبد ذرة واحدة من الاهتمام..
ولا من الرحمة..

لقد بدأ بكل هدوء في تمزيق صدر الثاني بنصل خنجره، ورفيقي يتلوى ألما وعذابا..

ثم بدأ السفاح في شق صدره..
كان يعمل في هدوء مذهل، كما لو أنه يشق صدر لعبة من الفراء..
وأمام عيني الذاهلتين، رأيت قلب رفيقي الثاني..
رأيته يبرز، عبر ضلوعه المقطوعة وصدره الممزق..
رأيته ينبض..
وينبض..

وتساءلت في حيرة، على الرغم مما ملأ جسدي من خوف ورعب: كيف يمكن أن ينبض قلب على هذا النحو المكشوف؟
بل كيف يمكن أن يحيا؟

وبكل رعب الدنيا، شاهدت السفاح يمد يده، ويمسك قلب صديقي داخل صدره، ثم ينتزعه في قوة..
وانتفض جسد رفيقي الثاني، قبل أن يسقط جثة هامدة..
وأصيب الرفيق الثالث والأخير بحالة رعب، لم أرَ لها مثيلاً، وهو يحدق في يد السفاح التي أمسكت قلب رفيقه وهو يتطلع إليه في ازدراء، ثم ألقاه بكل قوته نحو تلك الساحة الخالية قبل أن يلتفت إلى ضحيته الثالثة..

كان الرعب قد بلغ من الثالث مبلغه، حتى أنه راح يطلق صرخات هستيرية مذعورة مكتومة، من خلف كمامته اللاصقة، فجذبه السفاح من شعره، وراح يتطلع إلى رعبه في استمتاع صامت قبل أن يخالف أسلوبه السابق ويضع نصل سكينه الطويل على عنقه ويبدأ في ذبحه بكل هدوء وبرود..

وراح رفيقي الثالث ينتفض..
وينتفض..
وينتفض..

وتفجرت الدماء من عنقه في قوة، وأغرقت ثيابه وثياب السفاح، الذي واصل عمله بنفس الهدوء والبرود، قبل أن ينهض واقفا وهو يحمل رأس رفيقي الثالث من شعره وقد ظلت عيناه متسعتين من الرعب والألم..

رأيت جسد رفيقي الثالث يسقط بلا رأس، والسفاح يقف في هدوء ممسكا بالرأس الذي يقطر دما قبل أن يرفعه إلى وجهه، وكأنما يريد أن يلقي عليه نظرة متشفية أخيرة قبل أن يلقيه أيضا بكل قوته نحو تلك الساحة الخالية..

وبعدها التفت إليّ..
وبكل رعب الدنيا، راح جسدي يرتجف..
لقد حان دوري..
لو أنه قتلهم بكل تلك الوحشية، فماذا سيفعل بى؟
ماذا؟
ماذا؟

اقترب السفاح مني في بطء وانحنى يواجهني مباشرة، التقت عيناه بعينيّ دون مواربة وأصبحت أرى ملامحه في وضوح..
رباه! إنني أعرف هذه الملامح جيدا..
أعرفها بكل تفاصيلها..
أعرفها حتما..
واقترب مني السفاح بوجهه..
واقترب..
واقترب..
و..
"ما كل هذه البشاعة ؟!".

سمعت العبارة فجأة، وتلاشى معها ظلام الليل، لأنتبه إلى أنني راقد على فراش نظيف، في حجرة قليلة الأثاث بها إضاءة جيدة، وعلى مسافة خطوات مني يقف رجل في معطف أبيض، يقول لآخر في ثياب مدنية:
- حالات انفصام الشخصية، التي تبلغ هذا الحد، لا يمكنها أن تتوقف عن تناول الدواء أبدا.

سأله المدني في توتر:
- ما فائدة العلاج إذن؟
أجابه صاحب المعطف الأبيض في حزم:
- الحفاظ على المريض في حالة توازن.. فبدون العلاج، يمكن أن يصنع المريض لنفسه عالما وهميا خياليا، يحقق فيه ما يعجز عن تحقيقه بشخصيته العادية في عالمه الفعلي..

ألقى ذو الثياب المدنية نظرة عليّ، قبل أن يقول:
- أتعني أن عجزه عن الانتقام من هؤلاء الأربعة، الذين أهانوه وسط حيه السكني، هو الذي دفعه إلى تقمص شخصية السفاح الوهمي.
أجابه صاحب المعطف الأبيض في حماس:
- بالضبط.. لقد تقمص في خياله المريض تلك الشخصية الدموية البشعة التي استدرجتهم إلى منطقة مهجورة وقتلتهم جميعهم بلا رحمة، كما سمعته يروي في هذيانه.

أشار إليّ ذو الثياب المدنية، قائلا:
- في عالمه الوهمي؟!
كرر صاحب المعطف الأبيض:
- بالضبط.

التقط ذو الثياب المدنية نفسا عميقا، قبل أن يقول في حزم:
- معذرة أيها الطبيب، ولكنني كرجل أمن لم أستطع غض البصر عن أربع جرائم بهذه الوحشية رواها لي مختل عبر الهاتف، مهما كانت تفسيراتك الطبية، خاصة أنه عندما وصلت سيارة النجدة إلى حيث أشار في اتصاله، كانت هناك دمي ممزقة في كل مكان، وكان هو يقف هناك، ممسكا رأس دمية من القطن، ويصر في هستيريا واضحة، على أنها رأس آخر ضحاياه.

تساءلت في حيرة: عمن يتحدثون؟
السفاح هو من فعل هذا، وليس أنا.
إنهم مصابون بمشكلة نفسية حتما.
لقد خلطوا بيني وبين الآخر.
لديهم انفصام في الشخصية بالتأكيد.
لست أنا من فعلها.

إنه هو..
ذلك السفاح..
الآخر.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 10-06-12, 06:35 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": أهل الهوى



وضعت جزءا من العينة في مزرعة خاصة لدراسة سلوكها
لا بد وأن أنتهي من كتابة هذه المذكرات بأقصى سرعة، قبل أن أعجز عن كتابتها تماما فيما بعد..
لا بد وأن يعرف العالم كله الحقيقة..
هذا لو صدّقني أحد..

ولكن كيف يصدقونني، وأنا أروي مذكراتي من داخل هذا المكان..
من المستشفى..
مستشفى الأمراض النفسية والعصبية..

أرأيتم.. أنتم أنفسكم دخلتم في زمرة غير المصدقين، أو على الأقل المتشككين، فور معرفتكم بالمكان..
ولكنني لست مريضا..
صدقوني.. لست كذلك أبدا..

كل ما في الأمر هو أن ما أرويه يبدو أشبه بالجنون، ويدفع البعض إلى الإسراع بافتراض أنني مختل عقليا، أو على الأقل نفسيا..
ولكن حتى لا نضيع الوقت في تفسيرات لا طائل منها، دعوني أقص عليكم الأمر منذ البداية.. منذ الْتقيت بمريضي عزيز..

آه.. نسيت أن أخبركم بأنني طبيب.. وطبيب أمراض نفسية وعصبية بالتحديد.. بل وصاحب نفس المستشفى، الذي يتم احتجازي فيه كمريض..

دعونا نبدأ من البداية، قبل أن يفوت الوقت.
منذ دخل عزيز عيادتي في البداية، كدت أجزم بأنه مصاب بمرض ذهاني شديد؛ إذ بدا شديد التوتر، زائغ البصر، أشعث الشعر، ثيابه غير مهندمة، ولحيته غير حليقة، حتى إنني لم أصدق ما أخبرتني به زوجته، من أنه عالم بكتيريولوجي معروف..

لم يكن عنيفا على الإطلاق، بل بدا مستسلما، بائسا، عاجزا، حتى إنني وبخلاف كل القواعد الطبية، تعاطفت معه في شدة، وتعاملت معه برفق شديد، وأنا أسأله مشفقا عما يعانيه، وما زلت أذكر إجابته العجيبة، حتى يومنا هذا:
- ما أعانيه هو صورة مما سنعانيه جميعا، في غضون عام واحد من الآن..

سألته في رفق:
- وما الذي سنعانيه جميعا؟!
تطلّع في وجهي لحظات، بعينيه الزائغتين، قبل أن يقول في يأس، وهو يشير بيده:
- سنعاني منهم.. سيسيطرون على عقولنا جميعا.. على أدمغتنا.. على إرادتنا.. لن يسلم شخص واحد منهم؛ لأنهم مثل البكتيريا.

سألته في حيرة:
- مثلها في ماذا؟!
زاغت عيناه أكثر، وهو يلوّح بذراعيه في الهواء، مجيبا:
- إنهم ينتشرون في الهواء.. لا تراهم ولا تشعر بهم، ولكنك تستنشقهم وتتنفسهم، ومن رئتيك يغزون دمك، ويسيرون عبره إلى مخك، ويبدأون السيطرة عليه.. في البداية ستسمعهم يتحدثون إليك، ثم سيلقون عليك أوامرهم، وفي خلال أسبوع واحد ستصير عبدا لهم، وستنسى حتى مَن أنت.

ثم مال نحوي، حتى شعرت بالخوف، وهو يضيف:
- ولا يوجد سبيل لمقاومتهم.. أي سبيل.
بدت لي كحالة هلوسة مثالية، ونموذج للفصام شبه الكامل، فغمغمت:
- وهل تطيع أوامرهم؟!
هزّ رأسه، قائلا في يأس:
- لن تملك سوى هذا.

تصوّرت أنني أمام حالة تستحق الدراسة بالفعل، فملت نحوه، أسأله في اهتمام:
- هل يمكنك أن تروي لي القصة من البداية؟!
تراجع في مقعده، وهو يواصل التحديق في وجهي، قبل أن يدفن وجهه بين كفيه، وهو يغمغم، وكأنه يحدّث شخصا آخر في الحجرة:
- سأخبره.. من حقه أن يعرف.. بل من حق العالم كله أن يعرف.. نعم سأخبره.

وعندما رفع عينيه إليّ، كانتا محمرتين كالدم، وهو يقول في توتر:
- البداية كانت في عينة بكتيرية جديدة، حصل عليها طبيب سموم شاب، وحار في تحديد فصيلتها، فأرسلها إلى معملي لدراستها، وإبلاغه بالنتائج.. ولقد بدأت الإجراءات الطبيعية، فوضعت جزءا من العينة في مزرعة خاصة؛ لتنمو فيها وتتكاثر؛ لدراسة سلوكها في هذا الشأن، ووضعت قطعة على شريحة مجهرية؛ لأفحصها عبر المجهر الخاص بالمعمل.

دارت عيناه في محجريهما، وهو يشير بيده، قائلا بلهجة مضطربة:
- وهنا كانت المفاجأة.
شعرت باهتمام شديد، لمعرفة تلك المفاجأة، فعدت أميل نحوه، وهو يواصل بلا انفعال:
- كانت فصيلة حيوية، لم أرَ لها مثيلا من قبل.. شكلها الخارجي يشبه البكتيريا بالفعل.. والبكتيريا العصوية لو شئت الدقة، أما سلوكها، فلم يكن سلوك بكتيريا على الإطلاق، بل كان أشبه بسلوك مستعمرات النمل، أو خلايا النحل..

بدت علىّ الحيرة، وأنا أسأله:
- وكيف هذا؟!
بدأت يداه تتحركّان في انفعال زائد، وهو يجيب:
- كلها كانت متشابهة في مظهرها الخارجي، إلا أنها انقسمت إلى مجموعات، لكل منها وظيفة محددة، والمزرعة البسيطة التي زرعتها فيها بدت بعد أسبوع واحد أشبه بمستعمرة منظمّة، بها قائد يحتل مركزها، وجنود يحيطون به، ومجموعات تنتشر في الأطراف.. مستعمرة حقيقية.

أثار الأمر اهتمامي بالفعل، وخاصة مع تلك التفاصيل الفنية، فسألته في لهفة:
- أما زالت تلك المزرعة، أو المستعمرة كما وصفتها، في معملك؟!
هزّ رأسه نفيا في أسى، وهو يجيب:
- كلا.. لقد نقلتها إلى وحدة الميكروسكوب الإلكتروني، في جامعة القاهرة، وما إن فحصتها هناك، حتى تملكني رعب حقيقي.

بدأ عرق عجيب يتصبّب على وجهه، على الرغم من برودة الجو، وزاغت عيناه في شدة، وهو يلوّح بيديه في عصبية، مكملا بكل انفعاله:
- إنها ليست بكتيريا، كما بدت تحت ميكروسكوب عادي، بل هي كائنات حية عاقلة، تختفي تحت زي خداعي، يشبه تركيب البكتيريا العصوية، كائنات ما إن أدركت أنني قد كشفت أمرها، حتى شنّت هجومها على الفور.

تراجعت في مقعدي، أتطلّع إليه لحظات في حيرة، محاولا إعادة تشخيصي الأوّلى..
الرجل، على الرغم من مظهره وعصبيته، يبدو واعيا تماما لما يقول..
وفي حياتي كلها، لم أرَ مريضا يمكنه التحّدث عن أمور علمية، بهذا القدر من الدقة والمعرفة، على الرغم من أن روايته تشبه أفلام الخيال العلمي، منها إلى الحقيقة!!.

وبكل فضولي، سألته:
- وكيف شنّت ذلك الهجوم؟!
تضاعف انفعاله، وهو يجيب:
- كنت قد اتخذت كل الاحتياطات، للحفاظ على تلك المزرعة، وعلى الرغم من هذا، فقد رأيتها تزحف على المكتب، أمام عينيّ، ثم سقطت أرضا، وتحطّمت تماما..

مال نحوي بغتة، وبدا أقرب إلى الانهيار، وهو يضيف:
- ومع تحطّمها، انطلقوا ينفّذون خطة الغزو.
غمغمت بكل دهشتي:
- غزو؟!

لوّح بذراعيه مرة أخرى، صائحا:
- لم أدرك هذا في البداية.. فقط أسرعت أجمع بقايا ذلك الطبق الزجاجي، الذي حوى المزرعة، وعندما فحصتها، لم أجد بها أي أثر لكائن واحد منها، وأدهشني أن تختفي كلها في لحظة واحدة.. ولم أدرك بالطبع أنهم في الهواء من حولي، وأنني أستنشقهم، وأطلقهم داخل جسدي، دون أن أدري.

بدأت أشعر بقلق وخوف حقيقيين، في حين نهض هو من مقعده بحركة حادة، وهو يواصل صياحه وانفعاله:
- قبل أسبوع واحد، بدأت أسمع أصواتهم داخلي، وأخبروني بكل شيء عنهم.. أخبروني بأنهم جاءوا مع نيزك صغير، سقط على الأرض، في غفلة من الزمن، وهالتهم في البداية أحجامنا الهائلة، ثم سرعان ما أدركوا أن كل ما يحرّك تلك الأجساد الضخمة، بالنسبة لهم، هو مخ صغير نسبيا.

سألته، محاولا كتمان قشعريرة سرت في جسدي:
- وكيف أدركوا هذا؟!
أشار إلى رأسه، قائلا:
- من مخي.. من ذاكرتي.. من جسدي كله... لقد علمت منهم أنني البداية، وأنهم سينتشرون في الهواء، عبر جهازي التنفسي؛ ليغوصوا في كل جسد أرضي، ويسيطرون علينا تماما.

بدأ يصرخ بكلماته، على نحو مقلق، فضغطت الزر الموجود على سطح مكتبي، وسرعان ما ظهر ممرضو المستشفى، فقلت لهم، محاولا السيطرة على انفعالاتي:
- الأستاذ عزيز يحتاج إلى راحة طويلة.. سنستضيفه لدينا لبضعة أسابيع، حتى يستردّ عافيته.
قاوم عزيز طاقم التمريض في استماتة، وهو يصرخ:
- أنت أيضا لا تصدقني.. لا أحد يصدقني.. هذا هو مكمن قوتهم.. لا أحد يقنع بوجودهم... سيسيطرون على الجميع.. أنت التالي أيها الطبيب.. أنت رسولهم التالي؛ للقضاء على إرادة البشر.


ظل يواصل صرخاته، وهم يحملونه عنوة إلى قسم الحالات العنيفة، وبكت زوجته في مرارة؛ عندما أخبرتها بأنه سيحتاج إلى علاج طويل؛ للخروج من حالة الهلوسة التي يعيش فيها..
في البداية، اضطررنا لحقنه بعقاقير مهدئة قوية، حتى تمنع إصابته بأي انهيار عصبي عنيف، وعلى الرغم مما أصابته به من استكانة، كان يحدّث نفسه طوال الوقت، باعتبار أنه يتحدث مع تلك الكائنات الميكروسكوبية، التي تعيش داخله.

ثم، وبعد يومين فحسب، صار شديد الهدوء، شارد البصر، يطيع الأوامر طاعة عمياء، دون جدل أو مناقشة..
ولكنه واصل الحديث مع نفسه..
أو معهم..
تصوّرت عندئذ أننا قد نجحنا في السيطرة على حالته، وبدأت أدوّن هذا في ملفه، حتى كانت ليلة باردة، سهرت فيها لإنهاء بعض الملفات في مكتبي، عندما بدأ الاتصال..

فجأة، سمعت صوتا من داخلي، يقول في آلية:
- فهمنا لتكوينكم يزداد يوما بعد يوم.
شعرت برعب هائل، وخيّل إلىّ أنني سأقضي نحبي رعبا؛ فالصوت كان ينبعث من أعماقي بالفعل.. من ثنايا مخي...

وبكل رعب الدنيا، صرخت:
- ماذا تريدون مني؟!
أتاني الصوت نفسه يقول:
- كل ما أردناه حصلنا عليه بالفعل.. وكل ما عليك الآن، هو أن تنقلنا إلى كل من تعرف.. عبر الهواء.

رحت أصرخ بكل قوتي:
- لا.. هذا ليس حقيقيا.. إنها هلاوس سمعية.. مجرد هلاوس سمعية.
قال ذلك الصوت بنفس الآلية:
- هذا ما سيقوله الآخرون.. وهذا يضمن عدم كشف أمرنا.. لقد أصبحت تحت سيطرتنا تقريباً.. انقلنا عبر الهواء.. انقلنا إلى كل من تعرفه.

رحت أصرخ، وأصرخ، وأصرخ، حتى امتلأ مكتبي بكل أفراد النوبة الليلية، من أطباء وطاقم تمريض..
حاولت أن أشرح لهم الأمر، إلا أن نظرات الإشفاق فاضت من عيونهم، وأسرع بعضهم يحضر العقاقير الطبية المهدّئة، و...

وأنا الآن أرقد في جناح خاص، مجاور لجناح عزيز، وقد صرت مثله، زائغ العينين، أشعث الشعر، أتلقى علاجي في انتظام، وأنا أعلم أنه في أية لحظة الآن، ستكتمل سيطرتهم على عقلي، ولن أملك إلا طاعة أوامرهم.

ولكن هذه المذكرات ستكشف أمرهم، إذا ما قرأها شخص لديه بعض الخيال..
وعندئذ ستبدأ المقاومة..
مقاومة الغزاة..
لا.. ليسوا غزاة.. إنهم السادة.. السادة الجدد..

كما تأمرون أيها السادة.. سأمزّق هذه المذكرات فورا، وسأنفّذ أوامركم، وأنقلكم عبر الهواء، لكل من ألتقي به..
أنا عبدكم المطيع أيها السادة..
مُرُوني أنفذ..
فأنتم السادة الآن..
سادتي..
وسادة الأرض..
الجدد.

***

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 25-06-12, 01:16 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. نبيل فاروق يكتب.. "الستار الأسود": ليلة مثالية



قبل أن يتم عبارته انقض عليّ فجأة بمحقنه الذي يحوي ذلك الخليط


كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة مساء عندما ارتفع رنين هاتفي المحمول وأعلنت شاشته أن صديقي الغامض نسيم هو المتصل، فضغطت زر الاتصال قائلا في شيء من المرح:
- نسيم.. كيف حالك؟ هل عدت إلى الظهور مرة أخرى؟!

فاجأني صوته شديد التوتر وهو يقول:
- مراد.. أريد أن أراك الآن.
سألته في دهشة:
- ولماذا الآن؟
أجابني بكل توتره:
- أرجوك.. لا تلقِ الكثير من الأسئلة.. إنني أحتاج إلى رؤيتك فورا.

حاولت هضم الموقف كله وأنا أغمغم:
- فليكن .. أأنت في منزلك؟
أجابني في لهفة غير طبيعية:
- بل في القبو.

لم أكن قد سمعته يتحدث عن ذلك القبو من قبل، لذا فقد سألته في حذر:
- أي قبو؟
أجاب في سرعة ولهفة:
- قبو منزل أسرتي القديم في الفيوم.. سأعطيك العنوان.

لم تكن الدهشة قد فارقتني بعد، عندما ركبت سيارتي لأنطلق بها إلى الفيوم تلبية لنداء صديق..
والواقع أن نسيم لم يكن صديقا حميما كما قد تتصورون، بل هو صديق تعرفته في حفل عام أقامته شركة الأدوية التي يعمل بها منذ ما يقرب من عامين، ولقد بدا شديد الطيبة والمودة، على الرغم من وجهه الشاحب وعينيه الغائرتين وأسنانه الصفراء التي توحي بإهماله التام للمظاهر والنظافة الشخصية..

يومها حدثني كثيرا عن الأبحاث التي يجريها على عدد كبير من مرضى الدم ومحاولاته لإيجاد بديل صناعي للدم البشري يمكنه تعويض حالات النقص الدائم فيه، ويستطيع في الوقت ذاته مد خلايا الجسد بما تحتاج إليه من الأكسجين والغذاء..

ولقد عارضته أيامها كثيرا باعتبار أن الدم البشري سائل حيوي يستحيل إيجاد بديل معملي له، لكنه بدا شديد الاقتناع والحماس لأبحاثه إلى حد منعني من إحباطه بآرائي المخالفة..
بعدها اختفى نسيم لأكثر من ثلاثة أشهر قبل أن يعاود الاتصال بي مرة أخرى، ليخبرني في حماس أن أبحاثه تتطور بشكل كبير وطلب لقائي للحديث عنها..

وذات ليلة اكتمل فيها القمر وتوسط كبد السماء التقينا وتحدثنا كثيرا وطويلا، وراح يشرح لي أبحاثه ونتائجها، وأنا أستمع إليه في اهتمام صامت..
كان أكثر نحولا وشحوبا، كأنه لم يتناول طعاما كافيا خلال الأشهر الثلاثة، لكنه أيضا كان أكثر حماسا وحرارة..

التقينا بعدها خمس مرات على فترات متباعدة، وفي كل مرة كان يزداد نحولا وشحوبا ويتطلع إليّ بنظرات عجيبة متوترة، حتى خشيت أن تكون أبحاثه قد أرهقت عقله مع قلة ما يتناوله من طعام، فلم يعد يستطيع التفكير على نحو سليم..
أما اتصال الليلة فقد جاء بعد ستة أشهر من الانقطاع التام، وعلى ذلك النحو العجيب الذي ذكرته..

وعلى الرغم من هذا، فها أنا ذا على مشارف مدينة الفيوم حيث أرادني أن أكون..
لم يكن التوصل إلى عنوان منزل والديه عسيرا؛ فهو منزل قديم تحيط به الحقول من كل جانب، وطرازه يوحي بأن بناءه يعود إلى أكثر من قرن من الزمان..

وعند باب المنزل استقبلني نسيم في توتر شديد، وحاول أن يبتسم ابتسامة مضطربة وهو يقول:
- كنت أعلم أنك ستأتي.
قلت وأنا أصافحه في حذر:
- لا يمكنني أن أتأخر على نداء صديق.

كان قد وصل إلى درجة مخيفة من الشحوب والنحول، وصارت نظراته أشبه بنظرات المجانين، وخاصة عندما ألقى نظرة عصبية على القمر المكتمل في السماء وهو يغمغم:
- أعتقد أنها ليلة مناسبة تماما.

لم أدرِ ما الذي كان يعنيه بكلمة "ليلة مناسبة" هذه، لكنني انتهيت إلى أن كل لقاء لنا كان يتم مع اكتمال القمر، مما جعلني أتساءل: أمصادفة هذه أم أن نسيم يعشق الليل والقمر على نحو ما؟
لم يمنعني هذا من اللحاق به إلى قبو المنزل، والذي أدهشني أن يحوي ما يشبه معملا كيماويا كاملا، على ذلك الطراز القديم الذي تراه في أفلام الرعب، فسألته في دهشة:
- ماذا تفعل هنا؟
أجابني في سرعة واقتضاب:
- أجري أبحاثي.

غمغمت وأنا أدير عيني في المكان في حيرة:
- هناك أجهزة حديثة أكثر دقة.
غمغم وهو يتجه نحو قارورة كبيرة تحوي سائلا شفافا له لون أحمر باهت:
- هذا يكفي.

صب بعض ذلك السائل الأحمر الشفاف في وعاء صغير وهو يسألني دون أن يلتفت إليّ:
- ماذا تعرف عن مصاصي الدماء؟
صدمني السؤال العجيب، فحدقت فيه لحظات وأنا أغمغم:
- ما يعرفه كل متابع لأفلام الرعب الإنجليزية والأمريكية.. إنها كائنات ليلية شبه أموات لهم أنياب بارزة و...

قاطعني وهو يرج الوعاء الصغير في رفق ثم أضاف إليه سائلا آخر له لون أزرق باهت:
- هراء.. كل هذا من خيال برام سنوكر، أول من ألّف رواية عن مصاص الدماء، الذي اقتبس اسمه من الكونت دراكيولا حاكم تراسلفانيا القديم (حقيقة).

غمغمت في حذر:
- هذا ما يعرفه الكل عن مصاصي الدماء الخرافيين.
وهنا التفت إليّ وبدت عيناه زائغتين أكثر وهو يقول:
- هنا تكمن المشكلة.
ثم مال نحوي وبدا صوته مخيفا وهو يضيف:
- ليسوا خرافيين.
تراجعت في دهشة مغمغما:
- ماذا؟!

اعتدل والتقط محقنا سحب بوساطته بعض الخليط الذي صنعه وهو يقول في توتر:
- لم أكن أتوقع أن توصلني أبحاثي إلى هذا، ولكنهم كائنات حقيقية تعيش بيننا وتتغذى على دماء الضحايا التي يقع اختيارها عليها.

وتألقت عيناه وهو يضيف في لهجة بدت أشبه بالجنون:
- ولكن ليس بوساطة أنياب حادة ومخالب وكل تلك الخرافات التي روّجت لها الروايات وأفلام السينما.. إنهم يتعاملون بوسائل بشرية طبيعية.. وسائل هي السر في أن أحدا لم يكشف أمرهم طوال قرون من الزمان.

لذت بالصمت بضع لحظات وأنا أتطلع إليه قبل أن أسأله في حذر:
- كيف يحصلون على دماء ضحاياهم إذن؟

لوّح بيده الحرة في الهواء وهو يمسك المحقن بيده الأخرى في حرص هاتفا:
- تماما كما يحصل أي بشري عادي على الدماء.
ثم مال نحوي بحركة حادة، مستطردا:
- هل سبق لك أن تبرعت بالدم؟

تراجعت مبتعدا عنه وراودني شعور بأنني قد أخطأت بالمجيء إليه، وأنا أغمغم:
- ليس كثيرا.
اعتدل بنفس الحركة الحادة وهو يقول:
- إنهم يغرسون إبرة سميكة في عروقك ويسحبون كمية من الدم عبر أنبوب شفاف إلى وعاء يحوي مادة مانعة للتجلط.. أليس كذلك؟!

غمغمت في حذر أكبر:
- بلى.
هتف في انفعال:
- هذا ما يفعله مصاصو الدماء بالضبط.. في جيب كل منهم ستجد كيسا فارغا يحوي تلك المادة المانعة للتجلط، وعندما يقع اختيارهم على الضحية المناسبة يغرسون الإبرة السميكة في عروقها.. وبالتحديد في وريدها العنقي ويسحبون الدم من جسدها.

اتسعت عيناي لحظات، قبل أن أقول في عصبية:
- هذا أمر لا يمكن حدوثه.. لا أحد سيستسلم لشخص يغرس إبرة غليظة في وريده العنقي.. سيقاوم حتما.
رفع ذلك المحقن إلى جوار وجهه مجيبا: الضحية أولا.
تراجعت أكثر محدقا في ذلك المحقن وأنا أسأله في عصبية:
- نسيم.. لماذا طلبت مني الحضور إلى هنا؟

ابتسم ابتسامة أضفت على مظهره شكلا مخيفا وهو يقول:
- ألا توافق معي على أنها ليلة مناسبة؟!
قلت في عصبية أكثر:
- نسيم.. إنك تحتاج إلى علاج طبي.
هز كتفيه في لا مبالاة، وهو يقول:
- كل ما أحتاج إليه هو الراحة.. لم أحصل على الراحة منذ فترة طويلة.. طويلة للغاية.

حاولت الابتعاد أكثر، إلا أن أدوات معمله البدائي تصدت لمحاولتي، فقلت بكل عصبيتي:
- نسيم.. لا تجبرني على فعل أمر لا أريده.
ابتسامته هذه المرة كشفت أسنانه الصفراء القبيحة وهو يقول:
- أحقا لا تريده؟!

ثم رفع يده الحرة إلى أعلى وهو يقترب مني بمحقنه متابعا في نشوة عجيبة:
- ألم تنتبه لكونها ليلة مثالية؟! القمر بدر والسماء خالية من السحب ونحن نقترب من منتصف الليل.

حدقت في ذلك المحقن الذي يحمله في تحفز وأنا أفكر في أنه يدفعني بالفعل إلى أمر لا أريده، ولكنه واصل مع اقترابه مني أكثر:
- وهذا المنزل مثالي.. إنه وسط حقول كبيرة ويبعد مسافة كافية عن أقرب جار، ونحن في قبو مغلق و...

قبل أن يتم عبارته انقض عليّ فجأة بمحقنه الذي يحوي ذلك الخليط الذي أجهل ماهيته، و...
وبسرعة لم يتوقعها ملت بجسدي جانبا وأمسكت معصم يده التي تحمل ذلك المحقن، ولويته في قوة وشاهدت محقنه يسقط أرضا، فلويت ذراعه خلف ظهره وأنا أقول في قسوة:
- معلوماتك عن مصاصي الدماء ناقصة يا هذا.

كان يقاوم في استماتة ولكن جسده النحيل الضعيف لم يسمح له بهذا، فأضفت وأنا أدس يدي في جيبي:
- إنهم يتمتعون بقوة تفوق قوة البشر وبسرعة استجابة غير طبيعية.
أخرجت من جيبي ذلك الكيس الذي يحوي المادة المضادة للتخثر، والذي يمتد منه أنبوب قصير ينتهي بإبرة غليظة، متابعا:
- ونحن نفضل في المعتاد تخدير الضحية أولا ولكنك أجبرتني على فعل ما لا أريده.

غرست الإبرة الغليظة في عنقه، وهو يصرخ:
- لقد كشفت أمرك منذ زمن وأبحاثي نشرتها على شبكة الإنترنت قبل وصولك إلى هنا.. العالم كله سيكشف أمركم.. العالم كله سيعرف بوجودكم.
أجبته في سخرية قاسية وأنا أشاهد في شراهة دماءه الطازجة تسيل عبر الأنبوب القصير إلى كيس الدم:
- ومن سيصدقك؟!

لم أكن قد تناولت وجبة دم طازجة منذ زمن طويل، ولكن نسيم لم يكن من طراز الضحايا الذي أفضله، فهو شاحب نحيل يحوي جسده دماء ضعيفة قليلة..

ولكنني كنت مضطرا..
فلقد كان على حق تماما..
إنها ليلة مثالية..
للغاية.


 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الستار الاسود, زهور الربيع, نبيل فاروق, قصة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات أونلاين و مقالات الكتاب
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:08 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية