كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
الارشيف
كانت كوري لا تزال مستيقظة عندما تفرّق الرجال بإتجاه خيامهم ، ظلت ساكنة تتنفس ببطء وإنتظام ، وعرفت أن بويد ومارك من الذين سيشاطرونها الخيمة ، وسمعت بويد يعلق بمرارة:
" يحتاج هذا الحقير الى النوم باكرا ليحافظ على جمال وجهه".
ورد عليه مارك بحدة لم تعهدها من قبل:
" دعه وشأنه ، إن فريزر لاحظ مضايقتك له".
" كان بإمكانه إختيار شخص أقل حقارة".
وإزدادت لهجة مارك حدة:
" ان لفريزر اسبابه الخاصة ، بالله عليك ، لا تفسد كل شيء يا بويد ، إنها رحلة شاقة وطويلة ولا يمكننا تحمل خلافات كهذه".
وتمتم بويد :
" الويل لك ايها الحمق".
وركل سريرها بغلاظة ، فحبست كوري أنفاسها ، ثم أحست به يبتعد عنها.
أغمضت عينيها بإحكام وهي تصغي الى احاديث الرجال ، وترامى الى مسامعها حفيف الثياب وإرتطام الأحذية المخلوعة ، وفكرت ان ما يمر بها الان سيكون اغرب حدث في حياتها .
وإمتلأت الخيمة ، بعد برهة قصيرة ، بشخير متواصل ، منتظم ، حال بينها وبين ملاك النوم رغم تعبها وإرهاكها ، إستلقت في الظلام تسترجع احداث يومها المثيرة .... مفارقة والدها ، وصولها الى ميوفونتين ، المواظبة على تمثيل دور الرجل ، التحليق بالطائرة الى الصحراء ومواجهة بويد المزعجة ، إستعادتها حادثة حادثة الى أن توقفت طويلا عند صورة رجل طويل ، ضامر القوام أسمر الوجه ، صارم الملامح ، تدفعها جاذبيته الى كشف هويتها كإمراة متيّمة.
بعد مرور ثلاثة أيام في الصحراء ، احست كوري بإرتياح وهدوء الأعصاب ، وكان ايامها الأولى سحابة صيف عابرة.... ثلاثة ايام قضتها تعيش وسط المخيم ، تلتقط الصور وتستمتع بعملها ، ثلاثة ايام في صحبة مجموعة من الرجال ، حيث توطدت صداقتها بمارك ، وتعلمت كيف تتفادى شراسة بويد ومراسه العنيد.
وحده فريزر يفقدها توازنها ، هذه نقطة ثابتة ، كانت تمنّت أن تعتاد على شخصيته الجذابة ، أما ما حدث فكان العكس تماما ، بل إزدادت الأمور سوءا ، ظلت ردة فعلها أزاءه غريزية عفوية ، تبذل جهدها في كبتها ، والإحتفاظ بموقف حيادي عادي.
أما مسرحيتها الخادعة فصارت الآن مسألة طبيعية ، سهلة التنفيذ ، وواظبت بعد الليلة الأولى على الإيواء الى الفراش قبل الآخرين ، وتظاهرت في الصباح بالإستيقاظ متاخرة ، لا ترتدي ملابس عملها إلا بعد مغادرة رفاقها الخيمة، أما الإغتسال فكان مشكلة حقيقية ، إذ لا تتوفر الحمامات هنا ، ولكنها مشكلة إستطاعت التغلب عليها ، تعلمت إستغلال الوقت وإنتهاز الفرصة المناسبة ، ولأنها هادئة الطباع ، محتشمة المسلك ، لم يعرها الاخرون إهتماما.
لم يكونوا قد قطعوا مسافة طويلة حتى الان ، إختار فريزر مكان المخيم قرب كومة من الصخور تمت بصلة الى أبحاث الرحلة العلمية ، لم تتصور كوري انها ستنكب على عملها بهذا الشغف ، كانت دراسات والدها قد قادتها الى الألمام ببعض تفاصيل الجيولوجيا ، ووجدت نفسها وهي تلتقط صور نماذج صخرية تتوق شوقا الى الإطلاع أكثر على أصولها وكيفية تركيبها
إنها تجد متعة غريبة في عملها ، حدثت كوري نفسها وهي ترقب رمال الصحراء الحمراء المتوهجة ، ها هي تقوم بمهمة مختلفة ، لم يسبق لها القيام بها ، وتعيش في صحبة رجال ، لا علاقة لهم بمن عرفتهم في عالم الأزياء ، إنهم اشد جدية ومباشرة ، باطنهم كظاهرهم ، لا خداع ولا تكلف ، كأن إنعدام الإناث ، ومستلزمات الصحراء الصارمة ، ومتطلبات العمل مرآة سحرية تكشف طبيعتهم الأصيلة وشخصيتهم الفعلية ، طارحة جانبا كل زيف أو مظهر كاذب ، إنها من وراء قناعتها تشاهد منظرا نادرا سقطت فيه كل الأقنعة التقليدية وأعراف المجتمع المفيدة.
إنها تحيا لحظات مليئة بالمفاجآت السارة ، كانت تتوثع صحراء قاحلة تعج بحر قاتل ورمال لا حد لها ، ولا شك ان الحر متوفر ، والرمال كذلك ، رمال حمراء كأنها تستمد لونها من لهب الشمس ، لكن الصحراء ليست مجرد رمال ، كانت هناك أغوار مليئة بالماء ، تنمو على أطرافها شجيرات صغيرة الحجم ، ومساحات واسعة من النباتات القاسية العنيدة المتشبثة بالحياة في أرض تندر الأمطار وموارد الطبيعة الخصبة.
وصلوا الى نهر يتماوج فيه القصب الطويل الغليظ ، وإرتعدت فرائص كوري عندما رأت أول تمساح ، أغبر اللون ، بشع المنظر ، يتمد كأنه يغط في نوم عميق فوق ضفة الرمل الحارة ، وعاجل مارك الى تهدئة روعها ، وتحذيرها من مغبة الإغتسال او السير في مجرى الماء الموحل.
كانت السهول المحيطة بالنهر تعج بالحيوانات ، وفي الليل ترامت الى مسامع كوري اصوات بعض الفيلة ، لكنها لم تدرك مدى أعدادها الكبيرة ، وفاتها ان الغابة المجاورة تزدحم بالنمور والأسود التي تتغذى بما تصطاده من الظباء والحمير الوحشية عندما ترد النهر لإطفاء عطشها.
حتى الان لم تعثر على أثر للحياة البشرية في هذه البقاع ، مع ان والدها حدّثها مرارا عن وجود بعض الجماعات ذوي القامة الضئيلة واللون الضارب الى الصفرة ، جماعات تتمتع بقدرة عجيبة على العيش في قلب هذه الأرض القاسية المعادية ، كما ان كوري لم يقع نظرها حتى الان على رسوم صخرية ، وهي أساس ابحاث والدها ، لكنها بعد مضي ثلاثة ايام فقط أصبحت تفهم ولعه بهذه الأرض الشاسعة ذات الشمس الحارقة ، والحياة الخشنة.
سرت في شرايينها موجة من الحر اللاذع ، وهي تجلس في سيارة الجيب التي أخذت تشق طريقها الى الأمام دون ان تعرف وجهتها المحددة ، كانت المشاهد الصحراوية حولها تستقطب إهتمامها ، فلم تنتبه كثيرا الى أي إزعاج اومشقة ، وبينما هي غارقة في افكارها ، توقفت سيارة الجيب فجأة ، وسمعت كوري عويلا حادا اليما ، نظرت الى السائق مرتاعة ، ثم قفزت من العربة لتلتحق بالرجال الذين تجمعوا على حافة الطريق.
|