"أن لم يرو الآخرين سوى وجهك الجميل وجاذبيتك ألا تظنين أنها مشكلتهم هم لا مشكلتك أنت؟"
طرفت كايتى عينيها مدهوشة لسماعها العتاب فى صوته.إنه يظن حقاً أنه وجهها جميل.....؟
حاولت كتم صرخة ألم عندما أشتدت أصابعه على كاحلها المجروح و أوجعتها فأرخى نيكوس فى الحال قبضته وقال:"آسف إن آلمتك"
كذبت عليه:"ليس حقاً"
أبدى نيكوس استياءه ونظر إليها بغضب .أسند كاحلها إلى ركبته وأكمل لف الضمادة على قدمها ثم رفع عينيه ليرمقها بنظرة ساخرة :"كنت لأطلب منك أن تخبرينى أن آلمتك,ولكننى سأضيع وقتى أليس كذل؟"
لم تكن كايتى متأكدة من وجود ألم أسوأ من تلك المشاعر الجميلة التى تشعر بها كلما لمست أصابعه بشرتها وعندما أنتهى من تضميد رججلها قالت له:" شكراً لك"
رفع رأسه فلاحظت كايتى تورداً خفيفاً فى وجنتيه:"لم يكن الأمر صعباً.أجلسى هنا سآتيك بعض الطعام"
"فكرت فى أن آخذ شيئاً إلى غرفتى"
فسألها بسخرية :"تركضين هاربة؟"
"لا أستطيع الركض"
"هذا صحيح.لا أحب أن آكل لوحدى .أبقى إذاً"
"حسنا سأبقى" سمعت نفسها تقول ذلك ثم تضيف:"يبدو الوقت متأخراً جداً للأكل "
ولكن النهار بأكمله كان غريباً.
"يأكل الأنسان عندما يشعر بالجوع"
ابتسمت كايتى لدى سماعها هذه الفلسفة البسيطة إنها تليق فعلاً بـ نيكوس.
"لدى الناس هوس فى ما يتعلق بالطعام .كيف تجدين هذا الطبق؟"
"لو كان لدى أى هوس بالطعام لفقدت وعيى . يبدو شهياً"
بدا حماسها زائفاً حتى بالنسبة إليها .لكن الخطأ خطأ ابتسامته المدمرة التى تظهر هذه التجاعيد الصغيرة حول عينيه.
"يمكننا التظاهر بأننا نقيم حفلة عشاء عند منتصف الليل . أليس هذا ما يفعلونه بالمدار الأنجليزية"
قالت كايتى وهى تتذكر المبنى المتواضع لمدرستها:"ليس فى المدرسة التى ارتدتها أنا" كانت مدرستها بدون أى شك بعيدة كل البعد عن المدرسة التى ارتداها نيكوس.فى الواقع كانت حياتها كلها بعيدة كل البعد عن حياته
"هل كنت ذكية فى المدرسة؟"
"ليس كثيراً ولكن كانت شعبيتى كبيرة"
وضحكت ضحكة صغيرة أعطت نيكوس فكرة عن حس الفكاهة الذى تتحلى به ولا تتمكن من إظهاره عندما تكون فى صحبته:"لكن سبب هذه الشعبية كانت أخى التوأم الوسيم للغاية .ستتفاجأ إن عرفت عدد الفتيات اللواتى كن يرغبن بمصادقتى"
"كنتم توأمين؟"
هزت كايتى رأسها وفمها مملوء بقضمة من السندويش
"لابد أن خسارته كانت صعبة عليك"
لم تجب كايتى فالتكلم عن بيتر مازال صعباً
"كيف كان أخوك؟"
فكرت كايتى بالسؤال قليلاً :"كان وسيماً مندفعاً مسلياً..."
توقفت ورمقت نيكوس بنظرة ساخرة .من الأفضل ألا تعطيه فرصة للتعليق :"بإختصار كان النقيض التام لشقيقته التوأم!"
لم يناقش تعليقها :"أى أنك النوأم الحساس ؟"
كانت سرعة بديهته مخيفة بعض الشئ فقد كان بيتر المبدع المندفع
"كان أخى أكبر منى سناً ولم نكن مقربين من بعضنا صعب موته على أبى فقد كان أبنه المفضل"
ظهر على وجهه تعبير جامد فلم تستطيع كايتى رؤية ما إذا كان الأمر يهمه . وعندما تصورته صبياً صغيراً يحاول كسب رضى والديه شعرت بغضب عظيم يجتاحها.
"كان أبى يحضره ليتسلم زمام الأمور فى الشركة وعندما فقدناه كاد أبى أن يموت ظناً منه اننى لن أملأ الفراغ الذى تركه أخى "
بوجود أباء عديمى الأحساس كالذين يصفهم نيكوس من الصعب أن يصبح أى ولد طبيعياً!
أفصحت عن شعورها بغضب :"هذا ليس عدلاً"
رمقها نيكوس بنظرة غريبة جعلتها تتورد ثم أضاف:"آمل ألا أجعل أى طفل من أطفالى بأنه غير مرغوب فيه"
إن شعر نيكوس فى يوم من الأيام بنقص عاطفى فلابد أنه تجاوز الأمر منذ وقت طويل .فمن الصعب إيجاد شخص أكثر ثقة بنفسه منه
"وهل تودين أنجاب أطفال قريباً؟"
تنهدت كايتى قبل أن تجيبه :"توم لا يجد فكرة الأنجاب الآن جيدة علينا الأنتظار بضع سنوات"
شك نيكوس فى ألا تكون مدركة لمدى الكآبة فى صوتها فسألها بلطف:"وأنت؟"
"من الخطأ أنجاب لملء الفراغ"
بدا نيكوس أنها قالت ذلك لنفسها مرات عدة من قبل :"يرى بعض الأشخاص أنك أن تزوجت الرجل المناسب لن يكون لديك فراغ تملئية"
"بالطبع ولكن عندما تغرم بشخص من الطبيعى أن ترغب بإنجاب الأولاد منه..."
نظرت إليه يستمع بإنتباه إلى ما تقوله ثم توقفت عن الكلاملتؤكد:"سأتزوج فعلاً الرجل المناسب"
وتساءلت كايتى : (لماذا أتكلم كعجوز منازعة عن الحياة والحب والأطفال مع نيكوس لايكس بالذات؟)
"وهل قلت عكس ذلك ؟إنها ملاحظة عامة فقط لا غير "
"لم تبد لى عامة جداً"
وقررت أنه حان دورها لتطرح الأسئلة لكنها لم تستطيع إخفاء نبرة الأستنكار فى صوتها:" ووالداك هذا هل يختار لك زوجتك أيضاً؟"
كانت تعلم أن تجربة أمها ليس فريدة من نوعها حتى أن فى القرن الواحد والعشرون .فهز نيكوس رأسه :"يقول أبى أنه لا يريد إعطائى سبباً لاتهامه عندما أفسد زواجى . فزواجه بأمى كان مدبراً ولم تكن علاقتهما جيدة .وعندما توفيت أمى أتصل حبيبها بأبى لإخباره عن علاقتهما"
لم تستطيع كايتى تصور حياة كهذه.كيف يكون تأثسرها على الأولاد ؟ ضغط بأصبعه على زوايتى شفتيها ورفعهما قليلاً :"ابتهجى . وجد حبه الحقيقى فى زواجه الثانى"
فتمتمت :"يا لحبه الحقيقى المسكين!"
بدا نيكوس متسلياً :"إنها تتدبر أمرها .فوالدى ليس سيئاً لهذه الدرجة! على الأعتراف بأننى لم أقم بمجهود كبير لتغيير فكرة أننى لا أملك ميلاً طبيعياً للعمل الشاق .لم أكن ملاكاً أبداً!"
"مضى على زواجنا سبع سنوات والآن يخبرنى بذلك!"
ظهرت أبتسامة مشرقة مدمرة على شفتيه كرد فعل على مزاحها.ففكرت كايتى فى أنهما يتصرفان وكأن علاقة أو ربطاً حقيقاً يجمعهما .ثم جمدت فى مكانها مذعورة وقالت لنفسها : (علاقة ! رابط! لا تقترب المرأة من الرجل الذى يحاول المستحيل لمنعها من الزواج بالرجل الذى تحب!)
قالت له بابتسامة لم تنعكس فى عينيها القلقتين:"أسمع ليست مجبراً على إخبارى عن عائلتك"
"لماذا ؟هل جعلتك تشعرين بالملل؟"
منتديات ليلاس
"لا . لم تجعلنى أشعر بالملل ولكن الوقت متأخر قليلاً لإجراء أحاديث عميقة وجدية" ثم تثاءبت لتثبت وجهة نظظرها .فأقترح نيكوس بلطف :"أليس هذا ما يفعله الناس ليلاً ؟ عندما تسدل الستارة ويختفى العالم الخارجى من الوجود يكشفون حقائق عن أنفسهم لا يجرؤون على البوح بها خلال النهار .فلليل ميزة إنزال الدفاعات ومحو التردد"
وتجولت نظرته القاتمة ببطء على جسمها ثم عادت إلى شفتيها الناعمتين المرتجفتين :"ولكن بالطبع يكونون عادة فى السري فى مثل هذا الوقت ولا يقضون كل وقتهم فى الكلام"
كادت كايتى تفقد صوابها تنحنحت وربتت بعصبية على ياقة ثوب الإستحمام .أستعانت بإرادتها كلها لتبعد نظرها عن وجهه وشعرت بالأمتنان لإرتدائها ثوباً ذا قماش سميك يخفى جيداً جسمها .ففى ثوب عادى لكان من الصعب ألا يلاحظ نيكوس توترها ثم حاولت التلكم :"حسنا .نحن ليسا....لا أريد....أنت...نحن..."
أغمضت عينيها ورفعت كتفيها . ليتها تستططيع أن تتوقف عن النظر فى عينيه! لأصبحت قادرة على إكمال جملتها ! قالت له :"أنا متأكدة من أننى لا أريد التدخل فيما لا يعنينى"
ثم ركزت أهتمامها على الطعام مع إنها فقدت شهيتها
نظراً للجوع الذى كان يشعر به لم يأكل نيكوس الكثير ولكنه راح يراقبها . فى الواقع بدا أن شهيتها أدهشته . حاولت ألا تدع اهتمامه يزعجها بل تعهدت ألا تجعله يلاحظ تأثيره الكبير عليها
"كان الطعام لذيذ شكراً"
ورأت كايتى أنه من الأفضل أن تشكره على كل ما قدمه لها فأكملت:"وأشكرك على إنقاذ هرى ومنحى مكاناً أنام فيه هذه الليلة...هذا لطف منك"
نظر إليها نيكوس للحظة ثم أقترح عليها فجأة :"ربما من الأفضل أن تأخذى قسطاً من الراحة؟"
هزت كايتى رأسها بالرعم من إقتناعها بأنه على وشك قول شئ آخر.وقفت غير قادرة على إحتمال نظراته وقتاً أطول
"سأفعل"
أسرعت عينا نيكوس الداكنتان الغامضتان نظرها لكنه لم يجيبها
"عمت مساءً؟"
شعرت كايتى بالخجل لسماع نفسها تسأل ذلك بهمس .هل يمكن أن تكون أكثر وضوحاً ؟فوبخت نفسها : (لَم لا ترجين هذا الرجل لئلا يدعك ترحلين يا كايتى؟قد يكون ذلك أقل وطأة )
"عمت مساءً كاترينا"
مع أن تعبيره لم يظهر شيئاً أبداً وكذلك صوته العميق إلا أن كايتى كانت مقتنعة بأنه رأض .فعرجت بإتجاه الباب قبل أن تبدو حمقاء أكثر من ذلك.