كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
قصة شخص مهم
*************************
شخص مهم (1)
لكي نفهم ما حدث، لابد أن نحكي القصة من بدايتها..
لا يمكن أن نبدأ باللقاء الأخير بين (ثروت) و(دافني) أو ما سمعه من (أدونيس).
هذه أشياء سوف يأتي وقتها؛ لكن لا يمكن أن نبدأ بها..
ألا ترى أننا نضيع الوقت في الجدل بينما هو قصير أصلاً؟..
لو كنت تريد أن أحكي القصة بالأسلوب الذي يروق لك؛ فإنه لمن ما يسرني أن تجلس أنت وتحكي بينما أصغي أنا..
من فضلك دع لي هامشًا من الحرية في السرد، وأنا أعدك بأن تفهم كيف تطورت الأمور..
أنت تعرف (ثروت البربري)...
عينان ملونتان لهما لون البرسيم، وشعر بني مجعد، وقامة نحيلة. الطبيب الشاب المفعم بالأحلام، والذي يعرف يقينًا أنه سيكون رائعًا وسوف يبهر العالم..
ربما يحكمه كذلك..
هنا يجب أن نقول إن نمط (ثروت) شائع نوعًا بين الأطباء؛ فهو من أصل ريفي..
ومنذ دخل كلية الطب نال احترامًا ووضعًا مرموقًا جدًا في قريته.
إنه يفحص المرضى بقلب جريء ويكتب العلاج لهم منذ أول يوم له في الكلية، وبالطبع يرتكب أخطاء قاتلة، ثم مع الوقت بدأ يتكلم.. يتكلم في السياسة والدين والأدب والفلسفة، وكان يتكلم بلا أية خلفية ثقافية أو قراءات يستند إليها؛ لكنه تعلّم أن الناس يصغون له باهتمام واحترام..
إن (الدكتور) يتكلم فانصتوا..
إنه الخلط المعتاد في مجتمعنا؛ حينما يفترض أن المتفوق في دراسته مثقف حاد البصيرة كذلك.
وهكذا كانت آراؤه تتخذ صيغة شبه مقدسة، ولكم من مرة جلس رجال واسعو الخبرة شابت شعورهم وشواربهم يتناقشون في قضية ما، ثم يلتفتون نحوه قائلين:
ـ "فلنسمع رأي الدكتور في هذا .."
كان يتنحنح ويتكلم في وقار..
يقول أي شيء؛ فكانوا يوافقون على كلامه في احترام..
مع الوقت ازداد جهلاً وضيق أفق..
وازداد غرورًا كذلك..
وبدأ يظهر تململاً كلما سمع مناقشة تدور أمامه في أي موضوع، كأن لسان حاله يقول:
ـ "لم لا تصمتون وتصغون لصوت الحجا؟"
يجب أن يستنوا القوانين التي تجعله هو المتكلم الوحيد.. كنت أنا طالبًا في كلية التجارة، وقد عرفته عن طريق مسكن للطلاب المغتربين؛ فأثار دهشتي أنه لا يعرف أي شيء على الإطلاق.
ذات مرة عرض التلفزيون فيلم أمريكي عميق شديد الأهمية والتعقيد؛ فجلسنا نتكلم عنه..
هنا تدخل ليبدي رأيه..
كتمت ضحكتي بصعوبة، وأنا أسمع آراءه الساذجة في الفن، ورؤيته (العميقة) للفيلم.
لكن أثار دهشتي أن رفاقي يصغون له باحترام، ويؤمّنون على كلامه.
مهما قيل؛ فإن المصري يحمل احترامًا عميقًا تاريخيًا للطبيب والضابط والقاضي..
مع ترجيح كفة العقل بالنسبة للطبيب؛ لأنه لا يمكن أن ينال شخص كل هذه الدرجات في امتحان الثانوية العامة ما لم يكن حكيمًا..
وهو خلط واضح بين ملكة الحفظ وسعة الاطلاع والثقافة والذكاء..
هكذا عرفت (ثروت)..
وهكذا كانت بيننا صداقة سطحية؛ لأنني بصراحة لا أطيق الأغبياء..
قد أقبل الجهلة إذا كانوا أذكياء، وهذا نمط لقيته كثيرًا..
مثل بواب البناية التي أقيم بها، ومثل تلك البائعة في السوق التي تشع عيناها ذكاء وألمعية.
تخرجنا وتفرقت السبل؛ فلم أعرف هذه التفاصيل إلا متأخرًا جدًا، ومن فمه شخصيًا.
كانت البداية هي أنه عندما ينام يشعر بأنه ليس وحيدًا.
كان طبيبًا مقيمًا للتحاليل الطبية (الباثولوجيا الإكلينيكية) في مستشفى تعليمي بالقاهرة، وكانت الظروف تضطره أحيانًا أن ينام وحده في الطابق كله.
يقول إنه كان يشعر بأن هناك من يقفون حول فراشه.
نهض أكثر من مرة مذعورًا وبسمل وحوقل، ونظر حوله فلم ير أحدًا.
في بعض المرات سمع من يتكلمون..
والأغرب أنه سمع مرارًا صوت:
كليك.. كليك.. كليك..
أما عن اختفاء الأشياء فهذا موضوع آخر؛ السماعة الطبية التي سرقت منه على سبيل المثال، سرقت من جوار فراشه وهو نائم، لم يسرق منه شيء من قبل، وهو يعرف يقينًا أن الغرفة كانت مغلقة من الداخل؛ ولكنه صحا من النوم فلم يجدها.
هذا لغز بلا حل..
هناك كذلك فقدان المناديل والأقلام..
تقريبًا لم يعد يوم يمر من دون أن يكتشف نقصًا في مناديله أو أقلامه. الأقلام لا تعيش في أية مستشفى، ومن المستحيل أن تمضي اليوم بذات القلم؛ لكن الأمر كان يتجاوز الحدود المعروفة. هكذا بدأ يشعر بقلق عظيم.
يـــــتــــــبـــــــع
|