كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
الصفقــة
(4)
(إبراهيم الأبيض) نقاش وصاحب سوابق وهجام سابق يزعم أنه تائب.. عرفه (ممدوح) عندما كان الأول يقوم ببياض الشركة..
بشكل ما نجح في استدراجه إلى أن ينصحه باسم قاتل أجير يخلصه من عدو استولى على قطعة ارض تخصه. وكان اسم (أبو هيبة) أول اسم ذكره..
يرفع (ممدوح) عقيرته صائحًا ليسمعه (إبراهيم) عبر سماعة الهاتف المحمول الرديء... طبعًا هو هاتف مسروق كذلك:
ـ "أنا أبحث عن (أبو هيبة).. إنه مختف تمامًا.."
ـ "هل كلفته بالـ.. بالمأمورية إياها؟"
ـ "نعم.."
قال (إبراهيم) في ثقة:
ـ "إذن لا تقلق..!.. سوف ينفذها.. هذا الرجل يعتمد على سمعته الحسنة.. سمعة كالذهب.. وهو لن يجازف بفقدها.. اعتبر المهمة أنجزت"
ـ "لكني أريد أن ألغي ما اتفقت عليه.."
ـ "للأسف ما دمت لم تجده فهو سينفذ.. هو لا يلعب بل هو رجل مسئول.. رجل محترف.. كان عليك أن تتريث قبل أن يغادر السهم القوس.. سأحاول أن أجده وأقنعه.. لكن أشك في أن أجده"
صاح ممدوح في لهفة:
ـ "اسمع..!.. قل له أن يحتفظ بالمال.. فقط يتركنـ.. يترك الرجل في حاله!"
ووضع السماعة شاعرًا بتقلص في معدته..
لا يمكن أن يتصل بالشرطة ويخبرهم بكل ما دار بينه والرجل.. مستحيل..
طلقة في الظلام.. غالبًا من الخلف.. هذا هو السيناريو الذي اتفقا عليه.. من الممكن ألاّ يمشي في تلك البقعة المظلمة، لكن (أبو هيبة) يعرف عنه كل شيء.. كل شيء.. عنوان الشركة.. عنوان الشركة الأخرى.. عنوان البيت.. يمكن أن يفعلها في أي وقت..
اتصل بسكرتيرة شركته الأصلية وقال لها إنه سيتغيب أسبوعًا..
ـ "لكن صفقة البصـل تلك.. نحن نحتـــ..."
ـ "قلت لك إن أسبوعًا واحدًا لن يخربنا.."
ووضع السماعة.. سوف يزعم أنه بالخارج، لكنه سيسافر مع زوجته إلى قريتها... بضعة أيام هناك لن تؤذي أحدًا.. سوف تصل الرسالة لـ (أبو هيبة) أن الضحية تراجع عن الصفقة.. لا شك أنه سيمل البحث... هذا رجل مشغول ولن يضيع وقته من أجل صفقة واحدة..
في الثامنة مساء اتجه إلى الشركة التي يدير أعمال المحاسبة فيها، وقال لهم إنه سيتغيب أسبوعًا.. حرص على أن يذهب بسيارته حتى لا يضطر للسير، وهو يعرف أن (أبو هيبة) لم يرها قط . كان لابد أن يذهب بنفسه لينهي بعض الأوراق..
هكذا يمكن القول إنه فعل كل شيء ممكن.. بعد ساعة عاد بالسيارة قرب تلك البقعة التي وصفها لـ (أبو هيبة).. البقعة المهجورة المظلمة.. راح يرمي ببصره في كل صوب.. في مكان ما ينتظر الرجل.. باردًا مصممًا كالموت.. ثابت اليد كجراح أعصاب.. ينتظر أن ينهي حياته.. كانت الفكرة فاتنة مخيفة، وخاصة أنه يعرف أن (أبو هيبة) لن يبحث عن راكب سيارة بل سيبحث عن رجل راجل... إذن أنت في أمان....
هنا حدث أسوأ كوابيسه..
الدخان يتصاعد من محرك السيارة!.. الرادياتور فارغ!.. لقد نسي أن يملأه..
أغلق المحرك وهو يسب ويلعن، ثم.. لابد من أن يترجل.. لابد من أن يفتح غطاء المحرك ويديره ليصب بعض الماء.. كم الساعة الآن؟.. نحو العاشرة.. مساء الثلاثاء!.. إنها اللحظة...
نظر حوله فلم ير أحدًا.. كان يرتجف كورقة..
"لا توسعني ضربًا حتى الموت.. لا تعذيب من فضلك.. الأسلحة النارية مفضلة دائمًا.. وطبعًا لا أريد أن تتركني كفيفًا أو مصابًا بشلل رباعي.."
هل قال هذا حقًا؟.. لقد كان مجنونًا.. ابنته تزحف ثم تمشي.. زوجته تضحك.. الملاءة هفهافة تغري بالنوم.. الأسهم تتحسن.. بصل.. بصل.. محرك ساخن.. بخار أبيض يتصاعد كسحابة كثيفة.. كشري.. شاي بالنعناع.. بصل..
سوف يزيد الماء بسرعة ويرحل. كان مجنونًا عندما قرر أن يعبث قليلاً حول حدود الموت الذي ينتظره... الآن يوشك على السقوط فيه..
طاخ!.. طاخ!
لقد وجده!.
صرخ وأغمض عينيه.. (أبو هيبة) لا يخطئ التصويب... لابد أن الطلقتين أصابتاه...
ارتمى على الأرض على ركبتيه أمام كشافي السيارة المضائين وصرخ:
- "لقد ألغيت الصفقة!.. ألغيت الصفقة يا (أبو هيبة)!!"
سائق التاكسي العجوز عم (جابر) راح يرمق المشهد في ذهول.. استدار للزبون الجالس جواره وقال:
ـ "في هذه المهنة ترى أشكالاً وألوانًا من الناس.. لكني لم أر قط من يحدث هذه الضوضاء لأنه سمع انفجار شاكمان سيارتي.. أعرف أنه مثقوب وأنه لابد من إصلاحه، لكن صوته ليس مرعبًا لهذه الدرجة!"
قال الزبون في استمتاع:
"الغلاء قد أطار عقول الناس.."
********
فرغ (أبو هيبة) من رص حجارة الطاولة وسحب نفسًا عميقًا من الشيشة، بينما كان (إبراهيم الأبيض) يعد نصيبه من المبلغ.. ثم سأل (أبو هيبة) وهو يدس المال في جيبه:
ـ "ألن تنفذ ما طلبه؟.. هذا هو الموعد.."
قال (أبو هيبة) بهدوئه المخيف المعتاد:
ـ "دعه وشأنه.. هذا رجل طيب.. رجل غلبان.. رجل مدني.. أنا لا أقتل أمثال هؤلاء"
ـ "لقد دفع لك مقدمًا كبيرًا"
ـ "هذا هو العلاج المفضل له عندي.. عندما تقابل بلهاء مثله اجعلهم يدفعون الكثير من المال.. فقط خسارة المال تجعلهم ينسون بلاهتهم.. لقد استحق هذا العقاب. عليه أن يتحمل الحياة مثلنا.. وعليه أن يلوم نفسه ألف مرة لأنه غبي أضاع ماله.."
ـ "لابد أنه سيموت ذعرًا.."
قال أبو هيبة وهو يلقي بالنرد:
ـ "طبعًا.. لن يمشي في الشارع مطمئنا قبل شهرين على الأقل.. والآن كفانا كلامًا عن هذا الغبي... العب!"
تمت...
|