كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
أمسك بمعصميها وحاول تهدئتها ، لكنها إستمرت تقاوم لتتخلص من قبضته بلا جدوى ، كان متمسكا بها كالقيد وهي تتخبط مثل نمرةهائجة تتحرك وترفس بقدميها ،وفجأة شعرت بصفعة تحرق وجهها.
وضعت يدها على خدها وقالت حانقة:
" ماذا فعلت؟".
" أنت فتاة مجنونة حقا!".
" لقد صفعتني ، كيف تجرات على ذلك؟".
" إنها الطريقة الوحيدة التي ينبغي إستعمالها مع الفتيات المصابات بالهستيريا مثلك".
" لست مستهترة ، أنت المسؤول ، لم أطلب منك أن تتدخل في شؤوني".
"ولكن أنت التي بدات بضربي".
حاولت صفعه لكنه إبتعد عنها في الوقت المناسب ،وفي غضب كبير أخذت تركض على طول الشاطىء.
صرخ الرجل بكلمات لم تفهمها ، كانت تركض ولا تعي شيئا ، غلا غضبها ، ثم تعثرت قدماها على صخرة رملية ، كان الرجل الغريب ينظر الى ما يجري وتينا لا تتحرك ، إقترب منها وسال :
" هل انت بخير؟".
لا جواب ، إقترب منها خطوة وسألها:
" بماذا تشعرين؟".
" لا أدري".
" هدّئي اعصابك وإلا تركتك هنا مع مزاجك السيء".
كان صوته ساطعا مثل صفعته ، وفي صعوبة حاولت الوقوف ، لكنها لم تستطع وسقطت من جديد على الرمال.
" أعتقد أنك أصبت بجراح".
قالت وهو يتفحص كاحلها.
" لا أبالي ، إذهب عني!".
" ايتها الحمقاء الصغيرة ، يجب علاجك في الحال ، هل في إمكانك الوقوف؟".
هزت راسها سلبا ونظرت حولها : الفندق والحديقة بعيدان جدا ، امام عينيها يمتد فقط البحر والرمال والشمس والقمم الزرقاء.
لم تكن تعرف هذا المكان ، لم تستكشف مع فاي وبول وبيار سوى ضواحي مرفأ كالوها الصغير ، وعندما إقترحت المجيء الى هنا حبا بالمغامرة قال لها بيار إن المكان لا يرتاده احد وأنه الإمتداد النهائي للمزروعات ، كلما تذكرت بيار إزدادت آلامها ، شعرت بأنها وحيدة ، متروكة ، فجأة سألها الرجل الغريب:
" اين تسكنين؟".
" ولا في أي مكان".
كاحلها يرلمها ، تحسسته وصرخت:
" آه ، يا إلهي !".
وضع الرجل الغريب يده وقال في غضب:
" إنك حقا طفلة ! هيا قولي من أين جئت".
" لا أدري".
" يا لها من مصيبة ! هل أنت بلا عائلة ، بلا اصدقاء ، بلا منزل؟ اظن انني لا أصدقك يا آنستي الصغيرة".
" لست مضطرا لأن تصدقني".
عادت الدموع تنهمر من عينيها ، فأخفت وجهها بيديها وقالت في أسى:
" لا أريد أن أعود الى هناك ، أريد ان أموت".
ران صمت طويل قطعه الرجل قائلا:
" لا اصدق ما تقولين ... هل تتمنين الموت حقا؟".
" كيف لك أن تعرف إذا كنت اتمنى الموت ام لا ؟".
" انت على حق ، لا يمكنني أن اعرف ذلك ، لكنك الآن في حاجة الى مساعدة حتى وإن كنت تكرهين ذلك".
مدّ اليها يده وقال:
" هل تسمحين؟".
تفرّست تينا به وقبلت مساعدته مرغمة ، وعيناها محمرتان من الدمع ، سالها:
" اين تسكنين؟".
" أنا لست من هنا ، إنني اعيش في تاهيتي ، أتيت الى هذه الجزيرة لزيارة فاي ، لقد تزوجت حديثا وهي تدير الفندق هناك".
"فهمت الآن ، الفندق بعيد من هنا ولا يمكنك العودة اليه وحدك وأنت على هذه الحال".
" يجب ان أعود الى هناك ، لم أكن أدرك انني إجتزت كل هذه المسافة واصبحت بعيدة جدا عن الفندق".
" السبب انك كنت غاضبة جدا ، عديني ألا تتصرفي هكذا من جديد ، إذا ساعدتك في العودة الى الفندق".
كان صوته وكأنه آت من بعيد ، وبينما كان يسندها ، إسترخت متعبة ، لكنها ظلت متقلّصة الأصابع ، متعلقة بكتفيه القويتين ، يجتاحها شعور غريب ، لم يسبق أن أغمي عليها ، أدرك الرجل ان قواها بدأت تخور فراح يشجعها قائلا:
" تعلقي بي جيدا ، المكان ليس بعيدا كثيرا".
الرمال تمر تحتها ، وبدا العالم كله في عينيها وكانه غير واقعي ، الأشجار تتشابك لتشكل فضاء أخضر تلمع فيه بقع الشمس ، الطريق تتعرّج ، يحدها من كل جانب جدار من النباتات الإستوائية.
وعندما توقفا لم تكن لديها أية فكرة عن المسافة التي إجتازتها وهي متعلقة بكتفي الرجل.
إنتهت الطريق بسلالم وعرة محفورة في الصخور ، عضت على شفتيها وحاولت مواجهة الأمر ، ولكن يدين نشيطتين تمسكتا بها لترفعاها عن الأرض.
كان يتكلم بصوت أكثر نعومة ، يرتج بعمق أكبر في الصدر حيث وضعت تينا راسها.
أدركت خطورة حالتها وخيبة أملها وإستسلمت الى قوة هذا الرجل الملتهبة ، تذكرت والدها ، كان يحملها هكذا ويهمس في أذنيها كلمات ناعمة ، إنه فنان ، لو رآها على ما هي عليه الآن ، لكان تصرّف بالطريقة نفسها لكان حملها وهو يتسلق سلالم الفيللا ، متعبا ، ولكان قال وهو يعانقها : ( إنك خفيفة مثل ريش العصفور).
حملها الرجل الغريب الى الشرفة ، هناك باب كبير ، والى اليسار مقعد من قش مغلف بالوسائد البيضاء... وضعها الرجل الغريب على المقعد ثم توجه نحو الباب وقال:
" سأعود في الحال".
لم تتحرك تينا ، كانت تتامل إمتداد البحيرة : بساط من الحجارة البلورية المنثورة هنا وهناك ، وسد المرجان يبدو كانه يتلقف هذه الحجارة ، ما من كائن حيّ يعكر صفو هذا المشهد الرائع ، لا نسيم ولا ريح ، اشجار النخيل جامدة لا تتحرك ، كل شيء يشبه لوحة إنطباعية ،والدها يحب الهدوء ، لكن ماذا سيكون رأيه لو رآها هنا ، كانها ماخوذة بهذا الرجل الغريب الغامض ، الشبيه ببطل أسطوري!
|