كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
إبتعدت تينا عن المجموعة ، نظر اليها بول وطلب من أخيه أن يدعها وشانها وقال :
" لا جدوى من مجادلة النساء ، إنها مضيعة للوقت ، هناك طرق اخرى لإستعادة ثقة المرأة ".
إبتعدت تينا غير مكترثة ، لن تدع بيار يرافقها في مهمتها وإذا أصرّ فسيذهب وحده ويمكنها ان ترى ماكس في مناسبة أخرى .
كان الحظ الى جانبها ، فقد نسي بيار قراره لكثرة أعماله ، قررت تينا الذهاب عن طريق الشاطىء وأخذت معها السترة الزرقاء ، إرتدت فستانا ورديا وفوقه سترة قصيرة معرّقة ، لكنها لم تجد ماكس في المنزل ، فأعطت بطاقة الدعوة الى كيم ، ثم قرّرت العودة عن طريق المزروعات ، حيث الجو أكثر برودة وظلال الاشجار تخفّف من حرارة الشمس ، لكن لم يكن في الأفق أي نسيم يخفّف من رطوبة الجو الخانقة ، وما أن إجتازت نصف الطريق حتى وجدت نفسها وقد تبللت من العرق وفستانها ملتصق بجسمها ، سمعت فجأة صوت دراجة نارية ، فإنتحت جانبا لتدعها تمر ، لكن الدراجة توقفت قربها وإنحنى ماكس نحوها وسألها:
" هل أضعت الطريق؟".
" كلا ، إنما قمت بدور ساعي البريد".
" من دون دراجة؟".
" سلّمت كيم دعوة الى العشاء مساء غد".
" الدعوة موجّهة الى كيم أم اليّ أنا؟".
" يا له من سؤال!".
" سألبي الدعوة ، هل تاتين الى المنزل وتاخذين كأسا؟".
" بكل طيبة خاطر".
" إصعدي إذن".
صعدت وراءه ووضعت يديها حول خصره وهي تبتسم ، بدأ النهار يبدو بالنسبة اليها رائعا ، قدم لها شرابا ناعما ، وفي صالونه الصغير شعرت بالإرتياح ، سالته:
" الى متى أنت باق في كالوها ؟".
" حتى نهاية الشهر".
كانت تحتسي الشراب اللذيذ ، جرعة وراء جرعة ، وهي تطلعه على تفاصيل تبديل برنامج سفر والدها الذي فضّل أن ياتي عن طريق البحر مع صديقه الرسام كارلو جيوردينو ، ثم قالت :
" إنني سعيدة لأنك هنا تساعد هنري لاتور".
أجابها وهو يهز كتفيه:
" هذا أقل شيء يمكن أن افعله لهنري".
نهض ماكس فجأة وقال:
" هل تحبين كاسا أخرى؟".
" كلا ، شكرا".
" تعالي ساريك كيف تم زراعة الفانيللا ".
رحّبت بالفكرة وصعدت من جديد وراء ماكس على دراجته النارية وكانت سعيدة لأن تضع ذراعيها حول صدر هذا الرجل القوي وتضغط عليه.
توقّف ماكس قرب فتاة تعمل في الحقل ، وهبط مع تينا على الأرض الصلبة وإقتربا من نبتة مليئة بالبراعم ، قال ماكس:
" هل تجدين أن هذه النبتة مريضة ؟".
كانت أصابع الفتاة الصينية تعمل بنشاط حول هذه النبتة ، إبتسمت الفتاة الصغيرة عندما بدا ماكس يشرح الموقف قائلا:
" آنيت خبيرة في تلقيح الأزهار ، يمكنها أن تعالج ثلاثمئة زهرة في اليوم ".
قالت آنيت ضاحكة:
" لكنني لن أستطيع تحقيق ذلك اليوم ، إذا ما واصلتما إلهائي عن عملي"
لاحظت تينا الأزهار العالية التي لم تتم معالجتها بعد ، فشرح لها ماكس قائلا:
" لم يعد يوجد أي لقاح في رؤوس هذه الأزهار".
"وتحت؟".
" إنه قانون الجاذبية ، يقع اللقاح على القرون المنخفضة التي يسهل حصادها لأنها تكوّن فروعا من غيرها".
" هذا رائع حقا ، اخبرني المزيد".
" يجب تلقيح النباتات في أسرع وقت ممكن ، لذلك نوظّف عددا كبيرا من الفتيات الصغيرات ، كل صباح يجب مراقبة كل شتلة بمفردها هنا في هذا الجزء من الحقل نحصد الفانيللا التاهيتية التي تنمو عادة هنا ، لكن هناك بعيدا ، ورعنا أصنافا تدر ارباحا أكثر ، وهذه الأصناف إستوردها هنري من الخارج".
" الفانيللا كانت تستعمل في الطب ايضا ، أليس كذلك؟".
" نعم ، كما هي الحال مع البناتات الأخرى ، كما ان لها منافع علاجية كبيرة".
أخذ ماكس معصم تينا وضغط عليه وأضاف:
" يمكن وضع أوراق الفانيللا على الجلد في حال تعرض الإنسان لأية لسعة ".
" لم أكن أعرف ذلك ، لكنني لا اذكر ان شيئا ما لسعني ".
كانت تحدّق فيه في إستغراب ، ثم لاحظت اثر جراح على جلده ، فهمس يقول :
" لا .... أعرف ذلك".
نظر الى ساعة يده ثم قال:
" ساوصلك الى الفندق".
وقبل أن يصلا الى الفندق ، خفّف ماكس من سرعة الدراجة ثم توقف وهز راسه وقال:
" لن أذهب أبعد من هنا".
قالت وخدّاها يلتهبان :
"أما زلت تعتبرني تلك الفتاة الصغيرة الحمقاء ".
" لا أبدا ، انت تكبرين".
عضّت على شفتيها متأثرة وقالت:
" حسنا ، ربما في المرة المقبلة ، هل ستأتي غدا؟".
" نعم ، الى اللقاء".
صعد الى الدراجة وإبتعد ، وهو يشير اليها ساخرا .
وعندما إختفى دخلت الفندق حالمة ، إنها لا تشعر اتجاه ماكس بالكراهية ، بل العكس هو الصحيح ، فهي ترغب في ان تقيم معه علاقة صداقة متينة ، تذكّرت مقالا قرأته في إحدى الصحف حول العلاقات بين الرجل والمرأة وعبارة تقول :
" أن الرجل يختار المرأة حسب قيمتها".
قطبت تينا حلجبيها ، يجب الا يعرف انها معجبة به ، خلال لقائها الأول مع ماكس كرهته ، وفي المرة الثانية أبعدته عنها بالرغم منها ، كيف كان في إمكانها ان تعرف مسبقا كيف سيتصرف بيار ليلة وصوله ؟ اليوم ، كل شيء مختلف ، مختلف جدا وهي تنتظر يوم غد بفارغ صبر.
إجتازت الشرفة ولم تلاحظ روزا التي تعمل في مكتب الإستقبال والتي كانت تحدق فيها بنظرة ثاقبة ، كأنها تريد أن تناديها .
فجأة ظهرت فاي شاحبة اللون وقالت:
" آه تينا ، اين كنت ؟لقد بحثنا عنك طويلا ".
" هل حدث شيء للتوامين ؟".
" إنهما في خير .... إنما...".
لم تستطع فاي ان تتكلم ، صمتت لحظة ثم قالت :
" وصلتنا رسالة ... والدك...".
" ماذا؟".
مرّ ظل على الشرفة ووضع بول يديه على كتفي تينا وقال:
" إنك تخيفينها يا فاي ، تينا ، لقد فقد الإتصال بالراديو مع يخت جيوردينو بإستثناء ذلك ليس هناك امر خطير ، إن الكابتن روليه يسعى للحصول على اخبار جديدة".
" اليخت؟ أتريد ان تقول ا ن ابي....".
إلتفتت تينا لتواجه بول وقد سيطر عليها الخوف وقالت:
" كلا ، إن هذا غير معقول".
" إجلسي يا تينا ، أحضري لها يا فاي شيئا تشربه ، لا تخافي فلا داعي للإضطراب".
أمسد يديها الباردتين ، وتركت تينا فاي تساعدها على الجلوس في المقعد وسالت:
" ماذا جرى ومتى؟".
" هبت عواصف بحرية فجأة في الأيام الخيرة في هذا المكان الهادىء نسبيا ، لقد إشتبكت الرياح ببعضها في ظروف سيئة ، مما ادّى الى هياج البحر وإرتفاع الأمواج ، وقد إنقطع الإتصال خلال إحدى العواصف ، وفي الليل إلتقطت إحدى السفن إشارة نجدة ، لكنها لم تستطع تحديد مصدرها ، وذلك بسبب سوء الحوال الجوية ، إن عائلة جيوردينو قلقة جدا وقد بدأت البحث عن اليخت ، لكنك كما تعرفين ن المحيط شاسع للغاية".
قالت فاي وهي تلمس يد تينا :
" حبيبتي ، أعرف ان ذلك مرعب ، لكن ما يزال هناك أمل ، لم نتأكد بعد ما إذا كانت إشارة النجدة آتية بالفعل من يخت جيورددينو...".
هزّت تينا رأسها ولم تقل شيئا ، قال بول:
" إن مثل هذا المحيط الشاسع من الطبيعي الا تصل الأخبار بالسرعة المطلوبة ، إن البحث عن اليخت مستمر ويجب الإنتظار".
كان بول يحاول ان يواسي تينا وهو ينظر الى زوجته في خيبة أمل.
|