3- فتحت(سارة) باب شقة والديها في ضيق بدا جلياً على ملامحها الرقيقة في مزيج عجيب، وألقت حقيبة يدها وحقيبة أوراقها وسلسلة المفاتيح على أول مقعد صادفها في تأفف، وقبل أن تجلس على المقعد المجاور فوجئت بابن شقيقتها الصغير يهرع إليها فاتحاً ذراعيه وعلى وجهه ابتسامة ترحيب واسعة ويقول بسعادة ـ"آتو...آتو."
وبسرعة غريبة اختفى الضيق المرتسم على وجه(سارة) وهي تلتقط الصغير بين ذراعيها وترفعه عالياً قائلة ـ"حبيبي(مرموري)، أوحشتني."
أتاها صوت شقيقتها من ناحية المطبخ يقول ـ"لقد أوحشته أنت أيضاً، فـ(مروان) لم يرك منذ أسبوع يا قاسية القلب."
اتجهت(سارة) إليها لتعانقها بحب قائلة ـ"أن تعرفين مدى حبي لـ(مروان) ولولا انشغالي في الكلية ما تركته هذه المدة. لماذا لم تحضري أنت؟"
خاطبت(نهاد) طفلها قائلة ـ"قل لآتو إننا كنا مشغولين في الامتحانات وأنك كنت مقيماً عند جدو(سعيد) لأنك لم ترد إزعاجها."
قبلت(سارة) الصغير في شغف قائلة ـ"ولا يهمك يا أستاذ(مروان)، خالتو لن تعترض على وجودك لأنك باختصار حبيبها الوحيد."
ربتت شقيقتها على كتفها قائلة بخبث ـ"حينما تتزوجين لن يصبح(مرموري) حبيبك الوحيد."
تنهدت(سارة) في عمق وهي تقول بإحباط ـ"يبدو أن مصيري هو الجلوس في المنزل في انتظار ابن الحلال، خاصة بعد ضياع البعثة."
تبادلت(نهاد) نظرة خبيثة مع أمها قبل أن تربت ثانية على كتف شقيقتها في إشفاق قائلة ـ"يا حبيبتي، مصيرنا جميعاً نحن النساء هو أزواجنا وأطفالنا. في النهاية نتساوى جميعاً."
همت(سارة) بالاعتراض حينما باغتها صوت أمها من المطبخ يقول ـ"استبدلي ملابسك يا(سارة)، فأبيك وزوج أختك على وصول. أسرعي كي تساعديني أنا وأختك."
قلبت (سارة) شفتها السفلى في امتعاض وهي تتأفف قائلة ـ"ما الذي أتى بي من الكلية؟ صحبة معملي الحبيب أفضل مائة مرة من رائحة البصل والثوم التي تملأ ملابسي وشعري ما أن أدخل المطبخ".
لكزتها أمها في كتفها وهي تتهكم قائلة ـ" الآن لا تحبين المطبخ، وحينما ترين المائدة تنهالين على الطعام كمن يعاني المجاعة".
احتقن وجه (سارة) قليلاً وهي تضع الصغير في مقعد الأطفال الخاص، قبل أن يعود صوتها لنبرته الطفولية الشقية وهي تشير إلى رأسها قائلة ـ" العقل السليم في الجسم السليم".
دفعتها والدتها ثانية إلى المطبخ بصرامة وهي تكتم ضحكتها قائلة ـ" هيا أمامي وكفى ثرثرة... هذا ما تبرعين فيه..الثرثرة الفارغة."
وبالطبع لم يكن باستطاعتها الفكاك من سيطرة (أم مهند) التي أجبرتها على المشاركة في طهي الطعام.
وبعد الغذاء أشارت الأم لـ(سارة) وصحبتها إلى غرفتها قائلة بجدية ـ"أريدك في موضوع هام يا(سارة)."
بدا الاهتمام على وجه الابنة وهي تقول ـ"خيراً إن شاء الله يا أمي."
ترددت الأم للحظات قبل أن تحسم رأيها قائلة ـ"لقد تقدم عريس لطلب يدك وأبوك لم يعترض."
عقدت(سارة) حاجبيها لبرهة ثم ما لبثت أن قالت بسخرية ـ"عريس؟! لم أكن أعرف أنني مرفوع عني الحجاب. ومن هو هذا العريس؟"
أجابتها أمها في سرعة قائلة ـ"شاب من أسرة طيبة وابن حلال وأخلاقه ممتازة، والأهم أنك تعرفينه."
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي(سارة) وهي تقول ـ"لا أعتقد أنني أعرف شاباً بهذه المواصفات."
قالت أمها بإصرار ـ"بل تعرفينه، إنه(باسل) ابن عمك(حسان)."
حاولت(سارة) تذكر الاسم قبل أن تقول فجأة ـ"(باسل)؟!(باسل) صديق(مهند)؟"
أومأت الأم برأسها إيجاباً وقالت ـ"هو بعينه، محاسب محترم ولديه شركة استيراد وتصدير."
لم يبد على(سارة) الاقتناع بالجملة الأخيرة فسألت أمها بغتة ـ"ألم يكن(باسل) هذا لاعباً لكرة القدم؟"
بدا الحرج على وجه الأم بعد أن كشفت ابنتها ما حاولت إخفاؤه فقالت في سرعة ـ"بلى، وهو يلعب الآن في نادي مشهور بانجلترا."
رفعت(سارة) حاجبيها باندهاش مصطنع وقالت بصوت متهكم ـ"انجلترا؟! أخذوا أموال البعثة هنا وسافروا أيضاً لانجلترا؟! أماه...رأيي النهائي هو الرفض، لن أتزوج(باسل حسان) أبداً."
********************************
في انتظار تفاعلكم