كاتب الموضوع :
رباب فؤاد
المنتدى :
الارشيف
الحقيقة الأخيرة
أحكم(باسل) ربط رداء الحمام حول جسده المبلل وإنهمك في تجفيف شعره في سرعة قبل أن يلتفت لينظر إلى وجهه في المرآة المغطاة ببخار الماء، فمسحها بطرف منشفته وتحسس لحيته النامية التي ضاعفت من ملامح الإجهاد على وجهه ومط شفتيه للحظات قبل أن يحسم أمره ويهذبها تاركاً شارباً ولحية صغيرة حول فمه. ثم وقف يتطلع إلى وجهه ثانية في المرآة بتكاسل وهو يخاطب صورته المنعكسة قائلاً بتهكم ـ"ماذا تريد أكثر من ذلك؟ إنك لست(توم كروز)، كما أنك لست عريساً."
قالها وضحك ضحكة قصيرة ساخرة وهو يعاود تجفيف شعره بالمنشفة أثناء خروجه من الحمام الملحق بغرفته في الفندق بدوفر حتى صار أمام الفراش، وحينها رفع المنشفة عن وجهه ليرى فجأة_أو هكذا بدا له_ باقة زهور طبيعية حمراء يتوسطها مظروف صغير إلتقطه في دهشة وأخرج منه بطاقة أنيقة كُتب بداخلها بخط أنثوي رقيق كلمتين فقط ’مبروك الفوز‘ فعقد حاجبيه في حيرة سرعان ما تحولت إلى فزع حينما سمع صوتاً مألوفاً يأتي من خلفه يقول بإندهاش ـ"’حرب طروادة‘ ثانية؟ لا أدري ما سر إعجابك بهذا الكتاب حتى تصحبه معك في كل مكان."
إلتفت(باسل) في سرعة إلى مصدر الصوت ثم توقف مشدوهاً يتطلع إلى(سارة) التي وقفت أمامه في ثوب أبيض أنيق تنساب عليه بعضاً من خصلات شعرها البني في نعومة ونفس الخصلة المتمردة نافرة على جبهتها في تحد يعطيها مظهر طالبة المدرسة الثانوية الشقية وعلى محياها الجميل أرق إبتسامة فبادلها الإبتسام دون أن يدري وهو يجيبها ـ"إنه يصور كيف قامت الحرب بين بلدين راح ضحيتها مئات الأبرياء بسبب تنافس رجلين على حب(هيلين) أميرة إسبرطة."
إقتربت(سارة) منه في دلال وعيناها على وجهه وهي تهمس في عذوبة ـ"لقد قامت الحرب لأن معتوهاً تصور أنه قادر على الفوز بقلب(هيلين) عبر نفوذه أو أمواله أو حتى وسامته، ولكنه نسى أن(هيلين) مثل(عبلة) مثل(سارة) لا يمكن شراء حبهن بالمال، ولا يعطين قلوبهن إلا لشخص واحد لأنه ’ما الحب إلا للحبيب الأول‘."
ضعف أمام رقتها وأنوثتها التي بدت_لأول مرة_ طاغية في عينيه، إلا أنه تماسك وهو يتنحنح قائلاً بثبات مصطنع ـ"كيف عرفت أنني هنا؟"
واصلت(سارة) إقترابها منه وهي تجيب بنفس الدلال ـ"ذهبت للقائك في هيثرو لكنك لم تخرج برفقة زملائك. وحينما لمحت(مايك) سألته فأخبرني أنك ركبت طائرة خاصة من أسبانيا إلى دوفر مباشرة، وها أنذا. جئت لأهنئك بالفوز ولأعترف لك بأنني لم ولن أحب سواك. والأهم هو أنني جئت لأعتذر لك عن الكلام الغبي الذي تفوهت به أمامك ولأقسم لك أنني ما تزوجتك سعياً للإنتقام أو لكي أستنزف أموالك."
توقفت للحظات لتزدرد لعابها قبل أن تواصل قائلة بصدق ـ"أعترف أنني لم أكن أحبك في بداية زواجنا، ولكني لم أكن أعرف(باسل) الحقيقي. (باسل) الذي ما أن عرفته عن قرب حتى وقعت في غرامه حتى النخاع."
إرتبك(باسل) من نعومة حديثها والصدق الواضح في عينيها، وهم بإرتجال أي رد على مشاعرها تلك إلا أنها سبقته بتغيير منحى الحوار بقولها ـ"بالمناسبة...لقد سجلت لك مباراة الأمس. لقد كنت رائعاً ومتألقاً كالمعتاد."
ثم مطت شفتيها قائلة بخفوت ـ"قدرما أسعدني تألقك، فقد أثار مخاوفي لأنني شعرت بك تقذفني خلف ظهرك ولا تعبأ بي. فهل كان ما شعرت به صحيحاً؟"
حركت كلماتها الصادقة مشاعره وأيقظت حبه الجارف لها فأحاط وجهها بكفيه في حنان هامساً ـ"دعيني أعتذر عن إهانتي الفظيعة لك...حينما تشاجرنا كنا وحدنا، لكني أهنتك أمام أصدقائي وهذا مؤلم وأعتذر عنه."
إستكانت للمسته الدافئة وهي تغوص في عينيه قائلة بصدق ـ"لم تؤذني الإهانة قدرما آذاني إحساسي بأنني السبب في إحتساءك الخمر...لن أسامح نفسي أبداً على ذلك."
لثم جبهتها بحب هامساً وهو يداعب خصلات شعرها ـ"أنا أسامحك. ربما كانت كلماتك قاسية، ولكنها جعلتني أدرك أشياء لم ألحظها من قبل، ودعمت قراري الذي إتخذته وأنا في كامل قواي العقلية."
أفزعها مغزى كلامه فأجفلت للحظة أضحكته وهو يسألها مبتسماً ـ"لماذا أجفلت هكذا؟"
لم تجبه وإكتفت بالتطلع إليه بترقب كطفلة تنتظر العقاب من والدها، فتابع بإبتسامة واسعة وهو يحتضن كفيها قائلاً ـ"اليوم، وقبل صعودي إلى الطائرة، وقفت أمام ممثلي صحف العالم وأعلنت بجميع اللغات التي أعرفها دعوتي لجميع رياضيي مصر المحترفين لأن نُنشئ جمعية من أموالنا الخاصة نتبنى فيها ذوي المواهب العلمية الفذة حتى يحصلوا على أعلى الشهادات ويرفعوا إسم مصر عالياً."
حاولت جذب كفيها من راحتيه وهي تقول بضيق إرتسم واضحاً على ملامحها ـ"(باسل)...لا يوجد سبب يدفعك لفعل هذا...ما قلته لك كان حديثاً غاضباً، ولا علاقة بينك أنت أو زملاؤك بالسياسة ولا..."
تسللت أنامله تزيح مشبك شعرها وتقطع حديثها وهو يهمس بحب ـ"لقد فعلت ما رأيته صحيحاً. فبغض النظر عن كوني لعبت في أندية مصرية أو لا، فأنا مصري حتى النخاع وفخور بذلك، وفخور أيضاً بزوجتي التي تبذل كل ما بوسعها كي تصل إلى سبق علمي من أجل بلادنا. ومادامت مصر تمتلك من القدرات البشرية ما يؤهلها للتفوق في جميع المجالات، فواجبي كمصري هو أن أساهم في هذا التفوق. أتضنين عليّ بهذا الشرف؟"
طفرت دموع التأثر من عينيها وهي تعانق زوجها في سعادة وتهمس قائلة ـ" أحبك يا(باسل). أحبك ونادمة على كل يوم قضيته بعيداً عن حبك. أحبك وأكره نفسي لأنها أخطأت في حقك يوماً."
مسد شعرها بحنان وهمس في أذنها بصدق قائلاً ـ"إلا نفسك...لن أسمح لك بكرهها لأنني أحبها. أنت حب عمري كله."
أبعدت رأسها عن كتفه لتلتقي أعينهما وهي تسأله بتوسل ـ"إذاً فقد سامحتني؟"
ضحك قائلاً ـ"أتريدين أن أقسم لك أنني سامحتك؟"
إبتسمت في دلال وهي تداعب شعره الرطب قائلة ـ"أريدك أن تقسم لي بأنك لن تحب سواي، وأن ’منسوب‘حبي لن يقل في قلبك."
أضحكه تعبير ’منسوب‘ فقال مطمئناً ـ"لا تخافي يا حبيبتي، فحبك ’بئر‘ لا قرار له. هل إسترحت؟"
أراحت رأسها على صدره قائلة ـ"أنا لا أشعر بالراحة إلا وأنا معك."
ثم عادت ترفع رأسها وتشير إلى لحيته الصغيرة قائلة بمرح ـ"على فكرة...شكلك يبدو أكثر وسامة في هذه اللحية رغم أنها حجبت أجمل إبتسامة."
تحسس(باسل) لحيته وشاربه الصغيرين وقال ضاحكاً ـ"كنت بحاجة إلى نيو لوك، وأعتقد أن هذه اللحية أرحم بكثير من حلق شعر رأسي."
شهقت بفزع مصطنع وقالت وهي تعود لمداعبة خصلات شعره الرطبة ـ"يا إلهي...لا أتصورك يوماً دون شعرك. أرجوك لا تفعلها."
أضحكه أدائها التمثيلي للحظات قبل أن يصمت فجأة ويتأمل عينيها الضاحكتين وقد شعر فجأة بمدى إفتقاده لها، فمال بوجهه عليها حتى تلاحمت أنفاسهما قبل أن تهتف به زوجته في قلق ـ"حبيبي...إنك لا تزال في رداء الحمام. إرتد ملابسك كيلا تُصاب بالبرد."
إبتعد واضعاً كفيه في خاصرته وقال يشاكسها ـ"وأين ملابسي؟"
أشارت بطرف عينها إلى ركن الغرفة قائلة بإبتسامة واسعة ـ"ملابسك نظيفة ومرتبة داخل تلك الحقيبة. وطعام الغذاء كان بإنتظارك في المنزل لكنك أتيت إلى هنا فإضطررت لوضعه في المبرد."
ثم مالبثت أن وضعت كفيها في خاصرتها بدورها وهي تسأله ـ"هلا أخبرتني لماذا أتيت من أسبانيا إلى هنا مباشرة؟"
إلتقط كفيها بين راحتيه ثانية وهمس بحب وهو يغوص في عينيها ـ"جئت لأنتظرك في الغرفة التي شهدت أجمل أيامنا. جئت لثقتي في أن قلبك سيقودك إلى هنا."
همست بدورها ـ"قلبي سيقودني إليك أينما كنت لأنك حبيب عمري كله. حبيبي الذي تفقد حياتي معناها في غيابه."
قالتها ودفنت وجهها في صدره وتركته يحتويها بكل جوارحه وشوقه إليها حتى ودت لو تظل بين ذراعيه هكذا حتى نهاية العمر.
ومن أعماقها همست بصدق ـ"لقد أوحشتني."
شاكسها كعادته وهو يريح وجنته على رأسها قائلاً ـ"أما أنت فلم تفارقيني لحظة."
إنكمشت أكثر بين ذراعيه وهي تقول ـ"ولن أفارقك بعد الآن بإذن الله، ليس بعد أن إكتشفت حقيقة مشاعري...حقيقة حبك."
وغاصا في بحار الحب سوياً قدر ما شاءا
ولم لا؟!!
لقد عرف كلاهما أقوى حقيقة.
فالحقيقة هي...الحب.
تمت بحمد الله
رباب فؤاد
|