كاتب الموضوع :
رباب فؤاد
المنتدى :
الارشيف
الحقيقة الخامسة
أغلقت(نهاد) باب غرفتها القديمة خلفها واستدارت تواجه شقيقتها قائلة في غيظ ـ"أتسمحين بتفسير سبب رفضك لـ(باسل)؟"
جلست(سارة) على طرف فراشها قائلة في حيرة ـ"لا أحبه يا(نهاد)."
قلدتها شقيقتها في سخرية قائلة ـ"لا أحبه يا(نهاد)؟! أي عذر هذا؟! هل كنت أحب(عبد الله) زوجي عندما تقدم لخطبتي؟ ألم تريني بنفسك مترددة بين الرفض والقبول متحججة بعملي؟ وما أن جلست معه مرتين حتى تقاربنا وأُعجبت به بل وأحببته بعدها، وها نحن الآن من أسعد الأزواج. صدقيني ستغيرين رأيك عندما تجلسين معه ثانية."
إلتوت ملامح وجه(سارة) وهي تقول ـ"أنت لم تعرفي(عبد الله) مسبقاً، أما أنا فأعرف(باسل) منذ كنا صغاراً ولم أحبه مطلقاً، على العكس كنت أراه دوماً ثقيل الظل."
هتفت(نهاد) باستنكار ـ"ثقيل الظل؟! والله لإنك أنت ثقيلة الظل. إن الإبتسامة لا تفارق وجهه. إنه أظرف أصدقاء(مهند). يكفي أدبه وذوقه وتدينه وخفة دمه. لقد تهافتت الفتيات عليه يوم زفاف شقيقك وأنت ترينه ثقيل الظل؟! والله ما أدر سر تمسكه بك، لابد وأنه فقد عقله ليتزوج رجلاً مثله."
إعترضت(سارة) بتخاذل قائلة ـ"(نهاد)؟!"
جذبتها(نهاد) من يدها لتوقفها أمام المرآة قائلة ـ"بالله عليك أهذا مظهر آنسة محترمة في الخامسة والعشرون من عمرها؟ زملاء(باسل)في الفريق شعرهم أطول من شعرك، ويهتمون به أكثر مما تهتمين أنت بدراستك."
خللت(سارة) شعرها بأصابعها قائلة في سرعةـ"بذكر الشعر، لم أقصه منذ شهرين. ذكريني بأن أذهب لمصفف الشعر كي أقصه."
ضغطت(نهاد) فكيها في غيظ قائلة من بين أسنانهاـ"إرحمني يا إلهي. ما من شك في أن(باسل) أصيب بلوثة عقلية كي يختارك زوجة له."
قالتها ولم تمنح شقيقتها فرصة للإعتراض إذ تابعت بلهجة المُدرسة مع تلميذتها الفاشلة قائلة ـ"غيري من مظهرك يا حبيبتي، غيري تصفيفة شعرك وغيري نظارتك هذه التي تعطيك عمراً يفوق عمرك الحقيقي. كوني على مستوى أناقته."
أشاحت(سارة) بوجهها بعيداً قائلة بامتعاض ـ"تتحدثين وكأني أصبحت زوجته بالفعل. كيف أتزوج رجلاً عيناه عينا قِط؟"
رفعت(نهاد) حاجبيها في دهشة هاتفة ـ"أتسمين عينيه الرماديتين بعيني قِط؟ لقد تمنيت أن يكون لـ(مروان) عينين كعيني(باسل) منذ رأيته في زفاف(مهند) وأنا حامل، وتقولين عيني قطط؟ بصراحة أنا لست مقتنعة بأي من أسبابك الواهية تلك، فالرجل لا يعيبه شيء. أم أنك كنت تريدين رجلاً مثل دكتور(فكري)؟"
أجابتها شقيقتها في حدة ـ"وما عيب الدكتور(فكري)؟ لقد حصل على الدكتوراه قبل أن يكمل عامه الثامن والعشرين و..."
قاطعتها(نهاد) قائلةـ"ويرتدي نظارة طبية سميكة ويهمل مظهره مثلما تهملين مظهرك تماماً. يا حبيبتي مثل هذا النوع من الرجال لا ينجح في زيجاته إن تزوج أصلاً. لو أردت نصيحتي فأنت بحاجة إلى رجل يحبك بالفعل. رجل مستعد لبذل قصارى جهده لإسعادك وليس لتنفيذ تجربة علمية جديدة. الرجال من نوعية(باسل) قادرون على إعطاء زوجاتهم الدفء والحنان الذي يحتجنه. أما نوعية الدكتور(فكري) فلا تقتنع بوجود حب من الأساس. صدقيني يا حبيبتي، أنت بحاجة إلى رجل مثل(باسل)."
لم يبد على(سارة) الاقتناع بحديث شقيقتها التي ربتت على كتفها قائلة بحنان اخوي ـ"مصلحتك عندي أهم من أي شيء في الوجود، وعندما أحبذ لك الارتباط بـ(باسل) فهذا يرجع إلى أنه شاب حسن التربية. يكفي أنه طلب من أمه اختيار عروساً مناسبة له والبنات يحطنه أينما يذهب، لكنه بحث عن الأصل الطيب. توضئي وصلي ركعتي استخارة وهي التي ستحدد القبول من الرفض."
قالتها وخرجت تاركة(سارة) تستلقي على فراشها في تكاسل وتستند برأسها على كفيها المعقودين لتحملق في سقف الحجرة وحركة المروحة الرتيبة، ودون أن تدري عادت بذاكرتها إلى لقاءها الأخير مع(باسل) الذي إنتهى قبل ساعة واحدة.
إنها لا تتذكر ملابسه بالضبط،
ربما كان يرتدي قميصاً وسروالاً.
أكان القميص طويل الكم أم قصير؟ لم تشغل بالها بتلك التفاصيل التافهة، إنها لم تنظر إليه بتمعن من الأساس.
لقد جلست في أول الغرفة بينما كان هو جالساً في نهايتها.
حتى حين تصافحا لم تلتق أعينهما.
ربما تكون ملامحه تغيرت قليلاً، فهي لم تره منذ زفاف شقيقها قبل عامين.
لقد لاحظت نحول وجهه قليلاً، ربما من المجهود الزائد في لعب الكرة، هكذا حدثها عقلها في سخرية.
المهم أن ملامحه كما هي، نفس العينيان الرماديتين ونفس الشعر الأسود الفاحم، نفس الوجه الوسيم والإبتسامة اللطيفة. إبتسامته الآن لطيفة لكنها لم تكن قبل ذلك.
التغير الواضح هو أنه لم يشاكسها كالمعتاد، مؤكد أنه نضج عقلياً.
نضج عقلياً؟!!
في سنه تلك حصل الدكتور(فكري) على الدكتوراه، وماذا أنجز هو؟
حصل على عقد احتراف بنادي إنجليزي!!! يا للبراعة.
من المؤكد أنه نضج بالفعل، وإلا لماذا خاطبها برقة وحنان حينما إنتقلت لتجلس على المقعد المجاور له؟
أم تراه يؤجل مشاكساته للزيارة القادمة؟
لقد أخبرها بصدق أنه فخور بما وصلت إليه من نجاح وأنه سيكون أكثر سعادة لو ساهم في إكماله.
وازدادت حيرتها وهي تقارن بين مشاحناتهما الماضية حينما كانا صغاراً ورقته وعذوبته منذ قليل...
وأخيراً...إمتثلت(سارة) لنصيحة شقيقتها وقامت لتتوضأ.
***********************
|