كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
في هذه الأثناء بدأت تسمع أصداء أحاديث نزلاء الفندق العائدين من النزهات وركوب الخيل تتردد في أجواء الحمام ، مقرونة بأصداء قهقهاتهم ووقع أقدامهم.
وهكذا لم تفاجأ دافينا ، بعد خروجها من الحمام ، وذهابها الى غرفة الطعام ، برؤية الآنسة ريانون التي بادرتها بالقول حالما رأتها وهي جالسة الى المائدة:
"ماذا جرى لشعرك ؟ ماذا فعلت به؟".
" كما ترين ، قصرته قليلا عسى ان يعجبك شكلي الآن".
" وماذا يفيدني شكلك ! الحقيقة شكلك يعجبني ، ولكن وجودك هنا لا يعجبني ، لا تقولي بأنك باقية هنا !".
" أجل ، إنني باقية ، وهذا من سوء حظي ، لأن سيارتي معطلة ".
" وماذا أصاب سيارتك ! بإستطاعة هيو أن يصلحها ، أنا مستعدة لكي أطلب منه القيام بذلك ، إذا كنت لا تعارضين".
" لا شكرا ، لا تتعبي نفسك ، حاولت ولكن محاولته ذهبت عبثا لأن هناك قطعة مفقودة".
" قطعة مفقودة ! وكيف طارت ! ما كنت أتصور بأنك ذكية الى هذا الحد".
وكانت الإشارة الأخيرة المبطنة كافية لأثارة دافينا فردت تقول لها بحدة:
" كفاك تفلسفات وسخافات ، يا آنسة ريانون ، صدقيني بأنني تواقة للرحيل هذه اللحظة".
ثم إقتربت منها وإنحنت لتهمس في أذنها قائلة:
" انت بإمكانك مساعدتي إذا كنت حقا تريدين المساعدة".
" كيف؟ ولماذا تطلبين مني المساعدة؟".
" كي أتمكن من الرحيل".
" ولكن كيف؟ وما هي هذه المساعدة؟".
"كل ما أطلبه منك هو أن تنقليني بالسيارة الى أقرب محطة لسكة الحديد".
" كلا ، لا استطيع القيام بهكذا مساعدة ، هل تظنين بأنني ساذجة الى هذا الحد : أنا أعرف قصدك ، إنك تتصورين بأن لويد سيلحق بك ، أجل ، يجب ان تفهمي بان هذه الخطة لن تنجح ولن تنجحي في سحبه من هنا".
" أنت مخطئة يا آنسة ريانون ، صدقيني بأنني راحلة من أجل سعادتكم جميعا ، ولن أبوح لأحد بسر مساعدتك لي".
" كلا ، لن اساعدك لأنني متأكدة مما تخططين له".
قالت ذلك بعصبية ظاهرة ونهضت من كرسيها لتخرج وهي تثرثر قائلة:
" من قال لك بأنني أريد مساعدتك ، كان يجدر بك أن تبقي حيث أنت في لندن".
وتركت دافينا وراءها غارقة في بحر من الحيرة والدهشة.
وبعد لحظات غادرت دافينا مكانها ، بعد أن تضايقت من الجو الحار ، وأخذت طريقها الى الصالون وهي تتلفت يمينا وشمالا مخافة أن تلتقي مع الآنسة ريانون وتتجدد المعركة ، وجدت الصالون خاليا من الناس ، والشيء الوحيد الذي أثبت لها بأن هيو مورغان كان لا يزال قابعا داخل الفندق ، هو وسيارته الواقفة في وسط الساحة الخارجية ، صحيح أنها عاتبة عليه لأنه رفض ان ينقلها الى محطة السكة ، ولكن الصحيح أيضا أنه رفض لأسباب لها ما يبررها ، وقد يكون أهمها أن تبقى هنا ، حتى إذا تصالحت هي مع لويد ، عادت الآنسة ريانون تلقائيا الى كنفه ، ومن جهة أخرى ، كانت لا تستبعد أن يكون لاعبو الشطرنج هنا قد بدأوا يستعملونها كحجر من حجارة اللعبة ، كل واحد منهم حسبما يتفق مع رغبته واهدافه.
وعلى العموم ، كانت دافينا لا تلوم أحدا على ما كانت تتعرض له من نكسات ونكبات ، بل أنها ، على العكس من ذلك كانت تعتبر نفسها مسؤولة عن كل ما كان يصيبها.
وكأني بها شعرت بتجدد عزيمتها وتصميمها على ممارسة حقوقها غير منقوصة ، أسوة بغيرها من جميع البشر ، بدون ان تسمح لأحد من الناس بمنعها من ممارسة هذه الحقوق ، وإرغامها على الإنتظار الى ما شاء الله ريثما يسمح لها بذلك ، فإنتفضت واقفة ، وأخذت طريقها الى خارج الفندق ، وتوجهت لتوها الى سيارة هيو ، وراحت تتأمل صندوقها الخلفي ، والخيمة الموضوعة فيه ، وإمكانية الإختباء تحتها ساعة تقرر الرحيل ، بدون أن تخبر احدا بالأمر ، ولا حتى هيو نفسه ، إلا بعد أن تبتعد السيارة مسافة عن الفندق.
بقيت أمامها عقبة وحيدة ، ولكن أساسية ، وهي انها لا تستطيع معرفة متى سيقرر هيو مغادرة المكان ، إذ لا يمكنها الإختباء تحت الخيمة الى ما شاء الله إلا إذا شاءت أن تعرض نفسها لمشاكل الإختناق التي كثيرا ما تؤدي الى الموت ، ولكن ، هناك وسيلة واحدة تمكنها من الهرب بعيدا عن مواجهة خطر الموت وهي أن تبقى في غرفتها حتى إذا شاهدت هيو متوجها الى سيارته أسرعت في الخروج واللحاق به.
وهكذا عادت الى غرفتها ، فوضعت ثيابها وحوائجها في حقيبتها بعد أن أخرجت منها الأوراق المتعلقة بالرحلة الأميركية المقترحة ووضعتها في خزانة ثيابه ، ثم جلست بجانب الشباك تراقب خروج هيو.
لما طال إنتظارها على غير طائل ، قامت وحملت حقيبتها ، وخرجت بها ومشت الى السيارة ، حيث وضعتها تحت الخيمة وعادت الى الفندق كأنها لم تفعل شيئا.
في هذه الأثناء كانت الإستعدادات جارية في المطبخ لتحضير وجبة العشاء ، فقررت دافينا الإنتقال من غرفتها الى المطبخ ، يقينا منها بان هيو قد إستبقي لتناول العشاء هنا ، فيسهل عليها مراقبته من هناك ، بعد أن تعرض نفسها لمساعدة عمة لويد في تحضير الطعام ، على سبيل التمويه ، وفوجئت عندما رأت لويد وهيو جالسان في الصالون المجاور لغرفة الطعام ، يتبادلان أطراف الحديث بشغف وإهتمام لدرجة أنهما لم يرياها عندما مرت من هناك لتصل الى المطبخ ، المهم أنها تأكدت الآن من أن هيو باق لتناول العشاء ، كل شيء يجري حسب الخطة المرسومة حتى الآن.
|