كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
إستمرت تمشي حتى وصلت الى مشارف الوادي الذي يؤدي الى تلك الصخور المشهورة بشكلها الذي يشبه التنين ، وبعد مسيرة قصيرة لاحت أمامها صورة كتلة صخرية رمادية اللون ، غير واضحة المعالم ، فتصورت بأنه ذلك المعمل المهجور الذي يقوم لويد بتجديده وتاهيله لحياكة الصوف ، والأقمشة ، والبسط ، وتوقفت أمامه تتساءل : أنا لا أصدق بان لويد ، وهو الكاتب الذائع الصيت ، سيضحي بمستقبله الأدبي والثقافي ، في سبيل إحياء معمل مهجور كناية عن مجموعة أنقاض ، لا يعقل أن يكون جادا فيما يقوم به أو مصيبا في تفكيره بأنه من خلال ترميم هكذا معمل سيحقق طموحاته التي لا تقف عند حد ، ما لي وله ، فهو حر وأنا بصدد إستعادة حريتي.
ثم تابعت طريقها تقصد الوصول الى قمة الجبل أمامها ، الطريق الى هناك وعرة ، وتزداد وعورة وصعوبة كلما تقدمت في المشي ، لدرجة أنها أضطرت لنزع حذائها ومتابعة الطريق حافية القدمين ، وما أن قطعت مسافة غير قصيرة حتى أصبح بإمكانها ان تسمع صدى خرير تساقط المياه ، خاصة بعد وصولها الى منعطف حاد يشرف على منطقة منخفضة تقع فيها بركة مياه سبق لإحدى السائحات أن حدثتها عن مياهها الباردة ، ومتعة السباحة فيها ، ومنها تجري المياه منسابة بإنحدراها حتى تتخطى صخرة داكنة اللون ، وهي ترغو وتزبد أثناء إنسيابها فوق الصخور المتشعبة.
لم تشعر دافينا بحماس أثاره في نفسها أي مشهد سابق كالحماس العارم الذي أثاره فيها منظر المياه المنسابة أمامها ، بصفاء يفوق صفاء ، وصخب يفوق صخب الثائرين وضوضائهم ، فإنطلقت مسرعة الى هناك.
وصلت ووضعت رجليها في مياه البحيرة الضحلة القريبة من الضفة وهي مأخوذة بروعة المنظر ، والقشعريرة الناعمة التي خالجتها حالما غمرت المياه ساقيها حتى الركبتين.
السكون يخيم في أرجاء المنطقة ، لا يعكر صفوه سوى زقزقة عصفور ، أوحفيف اوراق الشجر ، أو قعقعة ضفدعة ، أو أزيز حشرة ، أو خرير الماء المتساقط من بين اصابع يدي دافينا للعودة الى أحضان البحيرة.
ظلت واقفة في المياه القريبة من الشاطىء ، تغطس يديها فيها حينا وتغرق المياه حينا آخر لتبلل بها ذراعيها ورجليها كي تمنحها مناعة كافية لمقاومة برودتها ، عندما تقرر السباحة فيها ، كانت مصممة على السباحة في البركة ، لكنها تباطأت ، ريثما تتأكد تماما من خلو المكان ، إذ أنها لم تحمل معها ثياب السباحة.
وما أن إطمأنت الى خلو المكان من البشر حتى عادت الى الشاطىء ، حيث نزعت ثوبها ووضعته جانبا ، ثم نزلت في الماء بثيابها الداخلية وبدات تسبح ، والحنين بدأ يشدها للسباحة الى موقع الشلالات ، الذي كان في قمة لائحة الأماكن التي قررت مشاهدتها ، وهكذا بدأت تسبح في إتجاه الشلالات ، وهي تتطلع يمينا وشمالا لتفادي الإصطدام بأي جسم غريب قد يكون تحت الماء ، أو الوقوع في فخ الدوامات والتيارات المائية العنيفة.
هذا وبعد ان قطعت نصف المسافة المؤدية الى مخرج جوفي لمياه البحيرة ، بدأت تسمع الأصوات الغريبة الصادرة عن إحتكاك الحجارة القريبة من المخرج ببعضها ، أو أنقلابها وتدحرجها فوق بعضها البعض بتاثير قوة المياه الجارية ، وتتفرج على صقر كان يحوم فوقها وهو يقوم بمناورات رائعة ، إذ كان يبسط جناحيه على مداهما ويبقى ساكنا لبرهة قصيرة ، او يعلو ليعود وينقض بسرعة فائقة كأنه يقوم بعملية مطاردة خاطفة ، عرفت ، او أقنعت نفسها بانها تعرف مصادر كل تلك الأصوات ، إلا واحدا صعب عليها معرفة مصدره ، وباتت تخشى من وجود مخلوق بشري يراقبها من وراء مخبأه على اليابسة ، لم تكن تخشى من وقوع إعتداء عليها ، وإنما كانت تخجل من ان يراها احد وهي تسبح بثيابها الداخلية ، أضف الى ذلك أنها تعتقد بأن ظهورها بمثل هذا المظهر مناقض تماما للتقاليد التي تؤمن بها ، وابرزها الظهور المحتشم امام الناس.
كان بنيتها أن تقطع الرحلة الى تلك الفجوة الصخرية وتعود الى الشاطىء لترى اين تذهب ، لو لم تطمئن الى خلو المكان من أي مخلوق سواها ، وقد عزز إطمئنانها هذا عودة السكون التام في أجواء المنطقة ، وهكذا تابعت السباحة في إتجاه تلك الفجوة الصخري ، التي بدات ملامحها تتوضح أكثر فأكثر ، كلما إقتربت منها وقصرت المسافة التي تفصلها عنها ، وذهلت عندما أخذت أوصاف الفجوة تظهر مطابقة لأوصاف عرين التنين الذي حدّثها عنه أحد نزلاء الفندق بعد عودته من زيارة المكان ، ولكن سرعان ما تبين لدافينا أن تلك الصفة ، صفة ( عرين التنين ) لا تنطبق على الموصوف ، أي الفجوة الصخرية التي أصبحت صورتها ماثلة أمامها بكل وضوح ، كانت واضحة بأنها ليست مغارة بالمعنى الصحيح للكلمة ، وإنما كناية عن فجوة صخرية ، مظلمة ، باردة مشبعة بالرطوبة ، وضيقة لدرجة يصعب عندها للطفل العبور من خلالها ، بالإضافة الى شقوق متنافرة ومتباعدة ، ناهيك عما تشكله طبيعة هذه الصخور الناتئة من مخاطر ومحاذير بوجه كل من يحاول السباحة اليها والتوغل في مجاهلها.
هذا ورغما عن عدم وجود أي أثر لأي مخلوق، شعرت دافينا بحدسها بما ينبىء بوجود كائن حي بالقرب من مكانها ، لم تكن تتصور إطلاقا وجود لويد هنا ، لأنها لم تخبره ، كما لم تخبر أحدا من الناس سواء ، عن المكان الذي توجهت اليه ، ولكن، لويد ، لسوء حظها ، كان هناك.
وكم كانت دهشتها كبيرة عندما إستدارت ، بعد أن أجالت النظر في شكل تلك الصخرة الذي يعكس فعلا شكل تنين حقيقي لأول وهلة ، لترى لويد جالسا على الصخرة التي وضعت ثيابها بجانبها ، وزاد في دهشتها رؤية ثيابها تلك موضوعة أمامه ، بشكل بارز ، وتساءلت : ترى ، لماذا يصر على مطاردتي كأنه هر وأنا فارة!
|