كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
لم يخطر ببال دافينا ان المزينة كانت ستقصر لها شعرها الى الحد الذي أظهرها بمظهر فتاة مراهقة إلا بعد ان إنتهت المزينة من عملها ، وأدركت هي بعد فوات الأوان خطأ ما أقدمت عليه ، في أي حال ، نهضت من الكرسي ، ونقدت المزينة أجرتها ، ووضعت في يد المساعدة إكرامية ، ثم خرجت وهي xxxxxة ، لا تدري ما إذا كانت هذه القصة ستعجب لويد ام لا ، كانت تعرف ، من خلال تجربتها القصيرة معه ، ان الشعر الطويل يعجبه جدا ، إذ كثيرا ما كان يبالغ في إعجابه بشعرها الطويل وهو يلامسه ويداعبه بأنامله ، لكنها لم تسمعه مرة يقول لها أنه يفضل الشعر الطويل على القصير ، أو الشعر القصير على الطويل ، ومع ذلك ، كانت تتوقع منه ردة فعل ساخطة على ما فعلته بشعرها.
وسارت في طريقها تبحث عن محل الألبسة ، حتى إذا إهتدت اليه تخطته ودخلت في محل آخر بجواره ، حيث إشترت بعض الملابس الثقيلة ، ودفعت ثمنها من مالها الخاص ، فشعرت كان كابوسا كان يضغط عليها وإنجلى.
وقفت تفكر بما عساها تفعل ، إذ أن لويد فارقها بدون أن يحدد لها موعد للتلاقي بعد شراء الملابس ، وما لبثت تفكر حتى قررت ان تنتظره في مطعم قريب من المكان الذي أوقف فيه سيارته ، بحيث يسهل عليها مشاهدته عندما يعود.
وهكذا توجهت الى ذلك المطعم وطلبت لنفسها فنجانا من القهوة.
كانت السماء صافية، وأشعة الشمس قوية ولكنها كانت دافئة نوعا ما ، مما جعل دافينا تشعر ببعض الإرتياح النفسي ، ولولا الهواجس التي بدات تراودها حول طبيعة رد فعل لويد على شعرها القصير ، لأمكن القول بان هذه الفترة الصباحية كانت من أمتع فترات حياتها ، ومع ذلك ، حاولت تخفيف وطأة تلك الهواجس عن كاهلها ، أو بالأحرى إستبعاد حصول أي رد فعل سلبي اومحرج من جانبه ، بعد فترة إنفصالهما الطويلة ، غدت خلالها علاقاتهما الشخصية ، مفككة وشبه معدومة ، عن لم تكن معدومة تماما ، بإستثناء ما يرد عنها في رسائل محاميها.
وبعد فترة قصيرة نادت خادم المطعم وطلبت منه أن يشتري لها نسخة من دليل المنطقة السياحي.
وذهلت عندما إكتشفت ، من خلال قراءة الفصل الخاص بتاريخ هذه المنطقة ، إنها لم تشهد احداثا تاريخية بارزة ، منذ عدة قرون مضت حتى اليوم ، أو بالأحرى منذ تلك الحقبة الغابرة التي تصدى أثناءها أحد الحكام المحليين لسلطة اللوردات ، وتحداهم بتشكيل برلمان مستقل عن سلطتهم هناك.
ثم القت الكتاب جانبا لتراقب المارة علّها تلمح بينهم أثرا للويد ، فخاب ظنها وراحت تمضي الوقت في التفرج على بعض اللوحات الزيتية المعلقة على الجدران ، والتي كانت تضم لوحة رائعة بريشة أحد مشاهير الرسامين ، تعكس مناظر الجبال والوديان السحيقة القريبة منها ، جعلت دافينا تبرر للويد عودته الى ارض آبائه وأجداده حيث تفاصيل الطبيعة من تلال ، وروابي ، وجبال ، وسهول ، ووديان ، وأنهار ، واشجار ، تتىلف وتتكاتف لتشكل معا لوحة يعجز أمهر الرسامين عن وضع مثلها ، وباتت تتمنى لو تسنح لها الفرصة لإطالة مدة بقائها في المنطقة.
وهنا بدأت تقارن بين الدهشة التي راودتها لدى رؤية تلك المناظر الطبيعية ،وتلك الدهشة التي اثارها لويد في نفسها من خلال تصرفاته وإنفعالاته المتقلبة وخاصة في اليوم الأول لزواجهما إذ بدأت تشعر بالفرق الشاسع الذي يفصل بينهما ،وتشته الإبتعاد عنه الى غير رجعة ، ويبقى أن أهم ما إستنتجته من تلك المقارنة ، هو أن المشاعر العافية التي كانت بمثابة القاسم المشترك لحياتهما الزوجية ، ليست كافية كاسس للزواج وإستمراريته ، وبدافع هذا الإستنتاج تصورت بأن زواجه الثاني قد يكون أوثق وابقى من زواجه الأول ، لكونه يعرف الانسة ريانون منذ الطفولة ، بحيث نمت علاقتهما وتطورت بصورة طبيعية ، وإستقرت في النهاية على أساس متين لا تزعزعه المفاجآت مهما كانت ، وقد تعزز هذا الشعور لديها عندما تذكرت بأن لويد لا يزال حتى الساعة يتجاهل الجنين الذي أجهضته اثناء وجوده في الولايات المتحدة ، ولم يحاول مرة ان يفاتحها بهذا الموضوع.
من الواضح أن دافينا شديدة الحساسية أزاء تعاملها مع لويد ، خاصة عندما لا تكف عن التفكير بانه سبب جميع المآسي والنكبات التي نزلت بها منذ اليوم الأول لزواجهما ، وهي لا تريد ان تنسى الصدمة التي أصابتها ساعة تركها وسافر الى الولايات المتحدة .
ولكن الحقيقة يجب ان تقال ، وهي أن دافينا ولويد يحبان بعضهما حبا عميقا يفوق التصور ، حبا شوّهته وحطّمت حلقاته ، الإنتقادات اللاذعة المتبادلة بينهما ، مع ما يرافق ذلك من إشارات وتلميحات تهكمية غير معقولة ، وإتهام أحدهما الآخر بخيانة العهد والأمانة ، الى ان وصلت الأمور بينهما الى حد بات عنده كل واحد منهما يتهم الآخر بإهانته وتحقيره عن سابق تصور وتصميم ، ناهيك عن الحساسية المرهفة الكامنة في نفسية كل منهما ، التي تستيقظ لأقل الأسباب ، بعد ان تدفع العقل الى الراحة والنوم.
للدلالة على هذا الواقع الأليم ، يكفي الإستشهاد ببعض التصرفات أو المواقف ، من هذا الجانب أو ذاك ، أولا أثناء حضورهما الحفلة التي اقامها العم فيليب على شرفهما بمناسبة زواجهما ، حدث أن تركت دافينا لويد وحده مع بعض المدعوين وذهبت وإنضمت الى شلة أخرى من المدعوين ، فإذا بلويد يغضب ويحتد ردا على ما خيّل اليه بان زوجته فعلت ذلك عمدا بقصد إهانته وتحقيره أمام الحاضرين ، وبوحي من والدتها التي سبق لها واهانته ورفضت الموافقة على زواجهما ، ولا تزال حتى الساعة تحاول جهدها لفسخ الزواج وإعادة إبنتها الى أحضانها ، وبالمقابل ، كانت دافينا تتصور بأن لويد بإصراره على بقائها بجانبه ، وعدم الإبتعاد عنه إلا بموافقته ، يحاول فرض إرادته وسيطرته عليها.
|