كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
لم ترد ، ظلت صامتة تفكر بما يقصده من إشارته الى البنين كأنه يجهل ، أو أنه يتجاهل ، واقع حياتهما الانية ، وإنفصال أحدهما عن الآخر حتى هذه الساعة ، وتساءلت : ما باله يتحدث بمثل هذه الروح المتفائلة عن المستقبل ! وهنا عادت بها الذاكرة الى الجنين الذي فقدته والحسرة تحز في نفسها ، خاصة عندما بدأت تتخيل شكل الحياة التي كانت ستعيشها فيما لو كتب الحظ للجنين ان يرى النور ، ثم راحت تحدث نفسها : إذا شاء لويد أن ينسى ذلك الجنين الذي لم يبصر النور فلينساه ، اما انا فلن أنساه.
" دعنا الآن ننتقل الى الشق الثاني من مهمتي ".
وصمتت تفكر ثم تابعت تقول :
" كلفني عمي فيليب بأن أعرض عليك القيام بجولة جديدة في أميركا بعد النجاح العظيم الذي حققته خلال الجولة السابقة".
حدّق فيها لحظة ثم رد عليها مازحا :
" الهذا الحد تحاولين التهرب من مواجهة الأمر الواقع ؟ ام أنك تحاولين نبش الماضي لتذكيري بشبكات التلفزيون والأندية الإجتماعية والثقافية هناك وعلاقاتي بها ! تصرفاتك تحيرني".
" اجل ، وهل تنكر أيضا المتعة التي نعمت بها طيلة إقامتك هناك ؟".
" سواء نكرت ام لا ، فهذا شاني وحدي ، مع ذلك ، سابوح لك بسر وهو أنني كنت متكدرا ساعة وصلت نيويورك لأسباب لا أود الكشف عنها الآن ... ولم أتمكن من التغلب على الضيق والكدر إلا بفضل ما لقيته هناك من ترحيب وتكريم".
قال ذلك وصمت ، وظلت دافينا صامتة وهي تتمنى في قرارة نفسها لو لم تثر هذا الموضوع.
ثم رفعت رأسها وقالت كمن يشعر بالهزيمة :
" يبدو لي ان من العبث متابعة الحوار معك ، ومن الفضل لي ان أذهب وانام باكرا لأنني عازمة على السفر غدا صباحا".
رد عليها بإبتسامة فاترة قبل ان يعلق على كلامها قائلا :
" ليس من المعقول ان تقرري الرحيل بدون ان تعطيني فرصة كافية للتفكير في عرضك المثير للإهتمام ، فكري على الأقل بموقف عمك فيليب إذا عدت اليه فارغة اليدين ".
" هل تقصد القول بانك ستفكر في الموضوع ؟".
" موضوع الجولة الجديدة ، نعم ، سأفكر فيه ، إن المشاريع التي أنوي تنفيذها تحتاج الى اموال كثيرة ، آه ، يا دافينا ، كم هي الحياة صعبة وقاسية عمك يستطيع الإستغناء عنك لمدة قصيرة تعودين اليه بعدها راضية مرضية".
عضّت شفتيها من فرط الدهشة وهي تفكر بان لا شيء يمنعها من البقاء هنا ، طالما ان عمها فيليب شجعها على القيام بهذه الجولة للإتصال بزوجها شخصيا ، بدون ان تنسى الغرض الأساسي الذي جاءت من اجله ، موضوع الطلاق ومحاولة إقناعه بالموافقة عليه .
ثم تطرقا الى مواضيع اخرى متنوعة ، ودارت بينهما مناقشات عفوية ، كانت تشتد تارة وتحتد تارة ، وتهدا طورا ، حول الأحداث التي جرت خلال مدة إنفصالهما ، الى أن إنتهى لويد الى القول :
" حان وقت النوم ، إذهبي الان ونامي في سريري وثقي بانني لن اعكر عليك صفو نومك".
وهكذا نهضت دافينا بسرعة وهي تحدق فيه بعمق كأنها تحاول قراءة افكاره لمعرفة ما إذا كان يفكر باللحاق بها ، أم لا ، غير أنه ظل جالسا وهو يقول لها قبل أن يتسنى لها الخروج :
" دافينا ، إنني أنصحك بالبقاء هنا ، إذ ربما يحالفك الحظ في تحقيق الهدف الذي جئت من اجله ، كلانا نجاهد في سبيل إستعادة الحرية ، على فكرة ، نسيت ان أخبرك بأنني أنوي الزواج ثانية ".
صعقت دافينا من سماع ذلك ، ثم خرجت مسرعة هي لا تصدق ما سمعته أذناها ، ودخلت غرفتها ، والقت نفسها على السرير وهي تحدث نفسها قائلة :
" أبشري ، يا دافينا ، وإفرحي ! إنه سيوافق على الطلاق".
عندما إستيقظت دافينا في صباح اليوم التالي، شعرت بالإنقباض والضيق حين شاهدت الجو مكفهرا وملبدا بالغيوم نتيجة لتقلّب الطقس خلال الليل ، وسرعان ما سمعت الباب يدق ، فتوجهت نحوه لتفتحه وهي تقول :
" مهلا ! مهلا ! دقيقة واحدة وأفتح الباب".
وما ان فتحت الباب حتى وجدت الانسة ريانون واقفة امامها ، حاملة الشاي اليها ، وبادرتها قائلة بحدة وغضب:
" لماذا تقفلين الباب بالمفتاح ؟". ووضعت صينية الشاي على الطاولة بحدة وعصبية لدرجة أن الشاي تدفق الى خارج الأبريق ،وهي تثرثر وتقول : " إقفلي باب غرفتك بالمفتاح عندما تعودين الى لندن... أما هنا ، فلا ... لأننا لسنا لصوصا ، مفهوم ! ".
فردت دافينا تلاطفها قائلة :
" عفوا ! أعذريني ، لأنني تعودت إقفال الباب بالمفتاح منذ صغري ، صدقيني أنني لم افعل ذلك عن عمد".
وبالرغم من تمادي الآنسة ريانون في تصرفاتها الشاذة نحوها ، ظلت دافينا صامتة وهي تتأملها عائدة الى المطبخ ، وتفكر جاهدة لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هكذا تصرفات ، وتوقفت طويلا عند السر الذي اعلنه لويد اثناء الحديث الذي دار بينهما أمس ، من انه سيتزوج ثانية ، وحاولت أن تقنع نفسها بوجود علاقة ما تربط بين تصرفات الانسة ريانون ، وعزم لويد على الزواج مجددا.
والجدير بالذكر أن دافينا اوت الى غرفتها ليلة أمس وهي تشعر بالقلق والرق ؟ من جراء التناقضات التي كانت تتخبط فيها ، جاء يراودها الأمل بإقناع لويد للموافقة على الطلاق ، وعندما باح لها بأنه ينوي الزواج ثانية ، إضطربت وإرتبكت خشية ان ينفذ وعده فيطلقها ويتزوج ، وادهى من ذلك ، تفاقم قلقها أثناء الليل لدرجة أنها ظلت واعية وهي تتصور ، كلما سمعت حركة ما ، بان هذا هو لويد في طريقه الى غرفة الآنسة ريانون.
|