كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وصمتت لحظة وهي تشعر بالضيق والإنزعاج ،ثم تابعت تقول :
" الحقيقة انني خارجة برفقة السيد مورغان الذي دعاني الى حضور حفلة موسيقية راقصة بعد أن رفضت الانسة ريانون مرافقته الى الحفلة...".
وإذا بالسيدة باري تتأملها طويلا وهي ترفع حاجبيها وقالت متسائلة:
" صحيح ؟ شيء غير معقول ! وكيف تقبلين الخروج معه ؟".
" اجل قبلت ، وأي ضرر في ذلك ؟ هل هناك ما يمنع الخروج برفقة فتى ظريف ولطيف مثل السيد مورغان ؟".
" تقولين فتى ؟ ما شاء الله ! وأنت ، كم عمرك ؟ إنه اكبر منك بسنتين ، على اقل تقدير ، ما كنت اتوقع منه ان يدعو إمرأة غريبة عنه ومتزوجة للخروج معه ، لست أدري ماذا ستكون ردة فعل والدته والسيد لويد على مثل هذا التصرف ، وهذا الحدث الطريف ! ".
حدّقت دافينا فيها طويلا وقد راودتها دهشة عارمة ، ثم ردت عليها قائلة :
" لماذا تعملين من الحبة قبة !؟ ألا تعلمين أن مورغان دعاني للخروج معه نكاية بإبنتك ولمجرد أن يعلمها درسا في ادب السلوك ؟ هذا كل ما في الأمر ، إذ أنني لا أعني شيئا في نظره".
وهزت السيدة باري كتفيها إستخفافا وهي ترد عليها ببرودة اعصاب قائلة :
" سامحيني إذن ... الحق عليّ لأنني تدخلت في ما لا يعنيني ، ولولا حرصي على سمعتك وكرامتك لما كنت سمحت بلفت إنتباهك الى عواقب هذه التجربة المتغايرة للعادات والتقاليد المألوفة في منطقتنا ، والتي تجهلينها ولا شك ، وهي تختلف كليا عنها في لندن .. إذ ان الزوجات هنا لا يخرجن إلا برفقة الأزواج ، وإلا بقين داخل البيوت".
وهنا إزدادت دافينا غضبا وعصبية وهي ترد عليها قائلة :
" أجل ، لو اتبعت هذه القاعدة خلال السنتين الماضيتين لكنت اصبحت ناسكة ".
" أنت صاحبة الرأي والخيار ! اما انا فاعتقد بأن على المرأة أن تتبع زوجها ، وتطيعه ، وتبتعد عن إثارة المشاكل وإلا كان نصيبها المتاعب والهموم ".
وردت دافينا بلهجة مقرونة بالتحدي تقول :
" لعلمك بانني لم أعط فرصة واحدة للإختيار ، أو لإبداء الرأي ، إذ كان السيد يصر على ممارسة قاعدة خاصة به ، ألا تعرفين هذه الحقيقة أم انك تتجاهلينها ! ".
" قلت لك واكرر القول بأنني لا اعرف شيئا عما حدث بينكما ولا اريد ان أعرف ، ولكن من المفيد معرفة ان الخروج برفقة رجل غريب أمر غير مقبول وغير لائق هنا ، ومن شأنه أن يجعل الأمور اكثر تعقيدا ، هذا ما يهمني إبلاغك إياه ، وأعذر من أنذر ".
ثم تركتها وذهبت الى المطبخ ، وتابعت دافينا طريقها الى الخارج .
وقفت تنتظر وهي تفكر بأن للسيدة باري الحق في التعبير عن رايها بكل صراحة وحرية ، والدفاع عن زوجها السيد لويد ، لكونها عمته ، ولكنها تساءلت : ترى ، ماذا كانت السيدة باري ستقول او كيف تتصرف لو كان زوجها يعاملها المعاملة نفسها التي يعاملها إياها لويد ؟ لا شك في أنها كانت ستقيم الدنيا ولا تقعدها ، لكنني أعذرها ، فهي معذورة لأنها لا تعلم شيئا عن حقيقة ما جرى بيننا ، ولا أظنها إستيقظت يوما لتجد ان زوجها غادر البيت وترك لها ملاحظة مكتوبة على قصاصة من الورق تقول ( الى اللقاء ) ، او أنها عانت آلام الوحدة والوحشة والعذاب والحزان كما عانتها هي في المستشفى ، فضلا عن الهموم والمآسي التي عاشتها ساعة فقدت جنينها بدون أن تجد بجانب سريرها من يعزيها ويواسيها ، وبدون ان تتوقف عن همس إسم زوجها ، اجل ، لا أتصورها تعرضت ولو لمرة واحدة لأي حادث من الأحداث التي تعرضت لها أنا ، ولا أجهضت جنينا ، ولا مرّت بمثل هذه التجربة المريرة ، أو عانت مرارة الفراق والبعاد عن زوجها كما عانيت وتعذبت وتحسرت ، وقد صدق من قال: المصيبة لا يشعر بها إلا صاحبها ، وهذا ما يشفع للعمة باري فيما ذهبت اليه في الدفاع عن لويد ، والتلويح امامها بأن لتصرفاتها حدود لا يجوز لها أن تتخطاها.
ثم توقفت لحظة عند ردّة الفعل التي جاءت السيدة باري على ذكرها في سياق دفاعها عن لويد وهي تفكر بالوسيلة التي سيؤدب ها على خروجها الليلة برفقة شاب غريب ، وهوالذي هجرها بعد زواجهما ببضعة أسابيع ، وسافر الى أميركا وإنشغل عنها بالمسرات بدون أن يكلف نفسه مرة أن يكاتبها أوو يرد على رسالة واحدة من رسائلها ، او رسائل محاميها ، ناهيك عن نظراته الجامدة والمريبة ، التي كانت تلاحقها حيثما إتجهت وتحركت ، خلال الأيام القليلة التي عاشاها معا ، قبل سفره الى الخارج ، والتي جعلت حياتها اشبه بالجحيم ، وماذا تفيدني حلاوة اللسان إذا كنت سأدفع ثمنها من حريتي وكرامتي وسعادتي !
وكما أن لويد كان يبالغ في مجاملة زوجته حتى الإبتذال ،ويلاحقها بنظراته الشاخصة الفاحصة حتى الرهبة والإرتياح ، كذلك كانت دافينا تبالغ في وصف مجاملاته الى الحد الذي يطبعها بطابع التهكم والمراوغة ، وفي تشخيص نظراته الى الحد الذي يطبعه بطابع السيد المستبد ، وتبقى الحقيقة التي يجب أن تقال وهي ان لويد اخطأ الهدف عندما راح يعامل زوجته بقسوة ومكابرة وإهمال ، لا لشيء إلا نكاية بوالدتها وإنتقاما منها لكرامته ، وأن دافينا أخطأت التصرف عندما راحت تتصوره يحاول من خلال معاملته تلك فرض إرادته عليها ،والقضاء على حريتها الشخصية ، فأصبحت أميرة الهواجس وشتى الإنفعالات والتناقضات.
وهكذا تحولت طمانينتها الى قلق ، وإنقلب حلمها الجميل الى كابوس مزعج ، وصفاء الذهن الى بلبلة ، لا تعرف الراحة أو الإستقرار ، ولا تدري ما إذا كان يصح تسمية لويد كشريك حياة ، ورفيق عمر ، كما حلمت بذلك ذات يوم.
|