كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
هذا وتطرقت السيدة باري الى أمور كثيرة ومتنوعة من خلال حديثها ، فروت لها عن أمور كثيرة تتعلق بظروفها العائلية والمعيشية ، كما حكت لها عن الأعمال التي قام بها لويد في السنتين الماضيتين، وعن المصاعب الإقتصادية التي واجهتها المنطقة ، والتي بسببها إضطر زوجها لبيع هذا المكان الى السيد لويد ، ولاحظت دافينا مدى الحسرة واللوعة التي إنعكست على وجه العمة المسكينة وهي تحدثها عن وفاة زوجها أثر النوبة القلبية التي اصابته بعد أسبوع من بيع المسكن ، الذي أبقاها فيه السيد لويد ، هي وإبنتها ريانون ، كي تقوم بإدارته ، ريثما يضع له تخطيطا لتطويره وجعله مركزا سياحيا يقصده الزوار من كل حدب وصوب.
وطال الحديث ، وتشعب كثيرا ، بحيث اصبح يدور في معظمه على مواضيع خارجة عن نطاق المجاملة المتبادلة ، أو الطقس ، أو مناظر المنطقة الطبيعية ، والتي كادت تكون مقتصرة على لويد ، والحياة التي يعيشها ، والأعمال التي يحاول تنفيذها ، وغيرها ، ومما قالته:
" بعد غيابه الطويل عن المنطقة وجولاته المتكررة في اخارج ، لم أصدق قوله بأنه ينوي الإستقرار هنا ... حسبته كان يمازحني ، لكن سرعان ما تبين لي العكس تماما ، بدليل أنه راح يكثف نشاطاته ، ويبذل المجهود في سبيل تجديد معمل الصوف تمهيدا لأعادة تشغيله ، فإستقدم لهذه الغاية عددا من الخبراء لدراسة المشروع وإقتراح نوع المعدات اللازمة لتشغيل المعمل ، وغير ذلك من الأمور ... كما أشرف على تنفيذ العديد من الأشغال بمساعدة عمال محليين ... المهم أنه لم يضجر كما توقعت له...".
وقاطعتها دافينا لتسألها بدهشة :
" أصحيح انه يحاول تجديد المعمل وإعادة تشغيله ؟ وهل سيكفيه إنتاجه من القماش !؟".
" ولم لا ! إنتاج المعمل ليس هدفه الأساسي ، وإنما السياحة وتنشيطها ، يهمه بالدرجة الأولى إجتذاب السياح لزيارة المنطقة والمعمل ، حيث يشاهدون أنوال الحياكة وهي تعمل ، في حياكة البسط والسجاد بالوانها وأحجامها وقياساتها المختلفة ، ويبادرون الى شراء بعضها وحمله معهم الى مدنهم وبيوتهم ... وأهم من ذلك أن أفكاره اخذت تشجع الأهالي وتدفعهم الى إحياء الحرف القديمة ، وفي مقدمتهم السيدة دافيس إذ بدأت هي الأخرى تستعد لعادة تاهيل انوالها تمهيدا لتشغيلها وبدء الإنتاج ، كما علمت بأنها تعد الخطط اللازمة لأقامة المعارض لعرض منتجاتها ... وهناك مشاريع كثيرة قيد الدراسة أرجو ان يكتب لها النجاح فتزدهر المنطقة وتنشط الحركة التجارية والسياحية وتتوقف حركة الهجرة ، وتزول البطالة ".
كانت دافينا تصغي الى السيدة باري تحدثها عن كل تلك الأمور ، وهي صامتة ، ولا يعني ذلك بانها لا تبالي بما كان لويد يخطط من أجل المستقبل ، بل انها كثيرا ما كانت تعبر عن دهشتها مما كانت تقصه عليها عمة لويد ، من خلال بعض الإشارات والتلميحات وخاصة عندما راحت العمة تتحدث عن المشاريع التي ينوي زوجها تنفيذها في الريف ، وهي مشاريع تفرض عليها البقاء والإقامة هنا .
وهكذا ظلت دافينا صامتة ، وقد إستولت عليها الحيرة والدهشة مما سمعته وهي تتمنى في قرارة نفسها الا تكون تلك الأخبار صحيحة ، إذ لا يعقل ان يكون لويد يفكر بالإستقرار في هذه المنطقة الريفية، والتخلي عن عالمه ، عالم الكتابة والدب ، عالم الشهرة والثروة ، بهذه البساطة ، اللهم إلا إذا كان الدافع الى ذلك يفوق طاقته ، فما هي الأسباب الكامنة وراء إقدام السيد لويد على هذا التحويل الخطير في حياته؟ هل كانت هي السبب ؟ ربما ، ولكنها إستبعدت ان تكون هي السبب الرئيسي والوحيد الذي يدفعه الى الإتجاه في ذلك المنحى الخطير على مستقبله الأدبي ، وإنتهت الى التفكير بأن ما ينوي القيام به لا يعدو كونه مغامرة ستكلفه ولا شك ثمنا ، باهظا عاجلا أم آجلا .
وكانت السيدة باري تتأملها وهي غارقة في تفكيرها ، وتتمنى لو تعلق على حديثها ، ولو بكلمة واحدة ، علّها تكون كافية للإفصاح عما كان يدور في خلدها بالنسبة الى موقفها من مشاريع السيد لويد ، أو ما قد يطمأنها الى مستقبلها في هذا المكان بعد مجيء دافينا ، بإعتبارها زوجته ؟ وتساءلت بنفسها هل يبقيني في منصبي كمشرفة على شؤون المنزل ، ام أن زوجته ستتولى هذا المنصب بنفسها ؟ من يدري ! كل شيء جائز) ، والحقيقة أن دافينا إستشفت بحدسها ما كان يدور في ذهن السيدة باري من مخاوف حول مستقبلها ، وكادت أن تطمئنها الى المستقبل ، لكنها عدلت عن ذك مخافة ان تسألها عن حقيقة الأسباب التي دفعتها للمجيء الى هنا ما دامت لا تفكر بالبقاء.
وهكذا فكرت بإثارة مواضيع أخرى لتغيير مجرى الحديث ، فسألتها عن الخيل ، وبرامج التدريب على ركوبها ، وعدد الخيول المتوفرة لهذه الغاية ، وعن المشاكل التي يواجهونها في هذا المجال .
تنهدت السيدة باري وهي تروي لها حكاية الخيل ، من بدايتها الى نهايتها ،وجاءت في حديثها على ذكر عائلة مورغان بصفتها إحدى العائلات التي تملك عددا وافرا من الخيول الصالحة لممارسة ألعاب الفروسية ، وتابعت القصة وهي تشعر بالمرارة تحز في نفسها عندما تطرقت الى عدد الخيول التي كانت تملكها غبنتها ريانون ، والتي ارغمت على بيعها أثناء الضائقة الإقتصادية التي سادت المنطقة ، ولم تلبث حتى عادت تشعر بالإرتياح عندما راحت تحدثها عن عملية الإنقاذ التي قام بها السيد لويد ، فور عودته الى المنطقة ، إذ ذهب وإشترى تلك الخيول من الذين سبق وإشتروها ، وردها الى ريانون ، فأعاد بذلك البسمة الى ثغرها ، والفرحة الى قلبها ، وكان هذا الخبر كافيا لإثارة الشكوك في نفس دافينا حول طبيعة العلاقة القائمة بين لويد وريانون ، إذ يأتي الحب في مقدمة الدوافع التي يمكن أن تدفع المرء الى الإقدام على عمل من هذا النوع ، يجوز وصفه بالمغامرة ،خاصة ان ريانون تمتاز بشخصية قوية ، وجمال رائع ، الإضافة الى كونها لا تزال في ريعان الصبا ، وهذه كلها من المزايا التي تثير الإعجاب في نفس لويد ، الذي لا يتورع عن التضحية بشيء في سبيل إرواء نزواته.
|