كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وبعد مسافة غير قصيرة ، بدأت تباشير الأمل تظهر أمامها ، حين شاهدت من بعيد أعمدة من الدخان تتصاعد من قلب الغابة ، وفكرت بأن لا بد من وجود بعض الاماكن المأهولة هناك ، وبإحتمال العثور على مكان زوجها.
وهكذا بدأت بتخفيف سرعة السيارة ، كي تنعطف بها الى الطريق الضيقة ، وتابعت سيرها في الإتجاه المؤدي الى إحدى القرى ، وفقا لشارة السير ، وبعد لحظات ، وصلت الى تلك القرية ، التي كانت بيوتها لا تتجاوز عدد اصابع اليد ، ثم مرت بمكتب للبريد ، وحانوت ، ومحطة بنزين ، وفندق صغير تعلو مدخله صورة تنين باللونين الأسود والأحمر ، بالإضافة الى عدة أكواخ وبيوت ريفية ، تحمل إشارات واسماء متنوعة ، لم يكن بينها أي اثر للإسم الذي تبحث عنه ... أي بلاس غوين ،وهناك تساءلت في نفسها عن الدور الذي يمكن للسيد لويد ان يلعبه في حياة مثل هذه القرية المتواضعة ، في حال وجوده فيها.
بعد ان عجزت عن الإهتداء على أي مكان يحمل إسم بلاس غوين ، توجهت الى مكتب البريد علّها تجد هناك من يرشدها الى مكانه ، لكن المكتب كان مقفلا ، عندها ، فكرت بالذهاب الى الفندق ، حتى إذا حالفها الحظ تتجه اليه ، وإلا فإنها ستمكث في الفندق ، كي تستريح من عناء الرحلة ، وتتناول فنجانا من الشاي أو بعض المرطبات ،وهكذا كان .
كانت موظفة الإستعلامات في إستقبالها على الباب ، حينما وصلت ، ودعتها للدخول بكل بشاشة ، ثم رافقتها الى الصالة وهي تقول لها مداعبة :
" أظنك قادمة من مكان بعيد ... يبدو ان الرحلة كانت طويلة ".
" بل شاقة ومرهقة ايضا ، إنني تعبة ومرهقة للغاية ، هل لك ...".
فقاطعتها الموظفة لتقول وقد تصورت بحدسها ان هذه الصبية بحاجة الى شيء ينعشها ويعيد اليها نشاطها وحيويتها.
" لحظة وأحضر لك بعض المرطبات !".
لا شكرا ، أرجوك ان تحضري لي بعض الشاي ".
" حاضر... لحظة فقط ويحضر الشاي ! ".
كان الطقس باردا في الخارج ، إلا أن ذلك لم يمنع دافينا من الخروج والجلوس في حديقة الفندق ، حيث راحت تشرب الشاي ، على أنغام خرير مياه النهر بمحاذاة الفندق ، في طريقها الى قلب القرى ، لتتابع إنسيابها من هناك الى الحقول والسهول والبساتين الشاسعة ، ودهشت عندما شاهدت الطاولات والكراسي موضوعة بكثافة في الحديقة ، مع ان الفندق يقع في قرية صغيرة كهذه ، والمكان يبد شبه مهجور ، والحركة معدومة فيه.
ويبدو ان موظفة الإستقبال ادركت بحدسها الدهشة التي كانت تراود دافينا فإقتربت نحوها وهي تقول :
" لا شك في ان كثافة الطاولات والكراسي وقلة أو بالحرة ندرة الناس تثيران الدهشة ، ولكن هذه الدهشة تزول بعد معرفة الحقيقة ، اجل ، عائلات كثيرة تأتي الى هنا دائما لتمضية عطلة نهاية الأسبوع ... ومن المتوقع ان يرتفع عددها كثيرا في المتقبل القريب ، خاصة بعد ان يستأنف معمل الصوف نشاطه".
" معمل صوف ؟ واي مصنع يكون هذا ؟ اين يقع هذا المعمل ؟".
" إنه مصنع قديم يدعى بلاس غوين ... العمال جارية فيه على قدم وساق لتجديده وإعادة تاهيله للعمل في محاولة للحد من هجرة الشباب.......".
فرحت دافينا عندما أيقنت بان الأمور تسير في مسارها الطبيعي ، بعد سماعها الموظفة تذكر الإسم الذي جاءت من اجل البحث عنه ، وفكرت بأنها ستتول ، عاجلا أم آجلا ، الى معرفة مكان السيد لويد.
وما ان إنتهت دافينا من شرب الشاي وتناول بعض الطعام حتى جاءت موظفة الفندق تسألها عما إذا كانت تنزي النزول في الفندق ، وعن المدة التي تنوي ان تمكثها.
موضوع نزول دافينا في الفندق امر مفروغ منه ، غير أن مدة بقائها فيه تبقى مرتبطة بالمهمة المكلفة بها ، وهذا كان جوابها عن السؤال الذي طرحته عليها الموظفة ، ثم سالتها عما إذا كانت تعرف شخصا يدعى لويد ... أديب ومؤلف وشاعر...
فردت موظفة الفندق قائلة بدهشة عارمة:
" آه ! السيد لويد ... نعم اعرفه ... إنه موجود هنا ... في بلاس غوين... إنه صاحب المكان...".
" وماذا ايضا؟ يسرني معرفة المزيد عنه ، وأكون شاكرة إذا زودتني باية معلومات إضافية بهذا الخصوص ".
" طبعا ! طبعا ! ولكنني أفضل ان أترك ذلك للسيدة باري عمة السيد لويد وإبنتها ويانون وكنت على وشك ان أعرض عليك مرافقتك الى مركزهما ... القريب من هنا".
فوجئت دافينا عندما أخبرتها موظفة الفندق أن عمة السيد لويد تملك وتدير ناد للفروسية بقصده هواة ركوب الخيل ، من كل حدب وصوب لممارسة هذه الهواية بإشراف الآنسة ريانون .
وشاءت ان تسأل موظفة الفندق لتحجز لها غرفة تقضي الليلة فيها ، وتعود الى لندن في الصباح ، غير انها غيّرت رأيها ، وقررت الذهاب الى بلاس غوين ، وهي تتوقع سلفا من السيدة باري ان ترحب بقدومها ، فتستقبلها وتقدم لها غرفة تبيت غيها الليلة ، خاصة إذا اخبرتها أنها أتت الى هنا بمهمة رسمية ، ولكنها ، ما أن نطقت بسيارتها وقطعت مسافة قصيرة حتى راحت تتمنى أن يكون النادي مكتظا بهواة ركوب الخيل ، وجميع غرفة محجوزة ، بحيث يصعب على عمة لويد تامين غرفة لها للمبيت فيها ، فتجد امامها ما يبرر عودتها الى لندن .
وصلت دافينا الى بلاس غوين ، فأوقفت سيارتها في الباحة الأمامية ، وهي لا تزال حائرة ، مترددة ، فيما إذا كان عليها متابعة المغامرة حتى النهاية ، او الكف عنها والرجوع الى لندن ، قبل حلول الظلام ، وبعد تفكير طويل ، قررت متابعة المهمة ، ثم سارت في إتجاه الباب ودخلت منه لتجد نفسها في صالة واسعة ، ذات جدران خشبية ، وفي إحدى زواياها مدفأة وضعت حولها الزهور والنباتات المنزلية الجميلة.
|