كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
فأطرق العم فيليب رأسه وكانه يقول لنفسه : مسكينة أنت يا دافينا صامتة، تارة تشهق وطورا تتنهد كالأم المنكوبة ... وعبثا حاولت أن تضفي مسحة من الإبتسام على ملامح وجهها الحزين ، ثم إلتفتت الى عمها وقالت :
" كم يحز في نفسي كلما خطر ببالي ان تلك كانت النهاية .... نهاية احلامي واحزاني ، ولكن ....".
فقاطعها عمها ليقول لها بلطف وحنان :
" لا تخافي يا عزيزتي ما دمت حيا ، وثقي بأنني سابقى الى جانبك ، الحق معك ... والحالة ، كما وصفتها ، لا تطاق أبدا ، لكن يبقى علينا مواجهة كل تلك الأمور بالروية والتعقل ، أليس كذلك ؟".
" نعم ، إن ما تقوله هو عين الصواب ".
هنا ، فكر العم فيليب بأن يغيّر مجرى الحديث ، علّه بذلك يقنعها بما كان يجول في خاطره من افكار ، فتاملها لبرهة ثم سألها :
" هل خطر ببالك يوما ان تبحثي موضوع زواجك بعمق ، بينك وبين نفسك ؟ فإذا لم تفعلي ذلك بعد، ارجوك ان تحاولي ، انا متأكد بأنك ستتوصلين الى نتيجة ما ، إذا فعلت ذلك ..".
صمت يفكر ثم تطلع اليها وتابع يقول :
" ما رايك بالأتصال الشخصي؟".
" ماذا تقصد يا عمي؟".
" مجرد سؤال لمعرفة رأيك فيه".
" أظن بأنني فهمت الآن ".
" إذن أرجوك دراسة هذا الموضوع بإهتمام كلي تحسبا لأي طارىء في المستقبل القريب ".
" لكن لا مبالاته ، وصمته الرهيب ، أمران لا يطاقان ، أظنه يتصرف عل هذا النحو عن قصد ، وإلا كيف يمكن تفسير إحجامه عن الإجابة على الرسائل العديدة التي بعث بها المحامي بريستو اليه؟".
" ما العمل إذن ؟".
" لست أدري ... من الواضح أن فكرة الإتصال بلويد شخصيا لإقناعه بالموافقة على الطلاق تحتل مركز الصدارة بين الحلول التي طرحت لمعالجة هذا الموضوع ، لقد سبقك السيد بريستو الى طرح الفكرة اثناء مقابلتي إياه اليوم".
" صحيح ؟ وماذا كان تعليقك عليها؟".
" لا شيء سوى انني وعدته بدراستها وتبليغه قراري النهائي بشأنها".
" هذا يعني أنك لم تعارضي الفكرة ".
" كلا ، لم أعارضها ، إذ ليس من طبعي أن اعارض لمجرد المعارضة ، خاصة إذا كانت الفكرة تسهل أمامي الأمور ".
وهنا ، همهم السيد فيليب وإبتسم إبتسامة عريضة كمن يكتشف شيئا جديدا بصورة مفاجئة ، وينتهز الفرصة للإعلان عنه ، ثم حدّق فيها وقال :
" إسمعي يا عزيزتي ! إذا كنت توافقين حقا على الذهاب والإتصال بالسيد لويد شخصيا ، فإنني أقترح عليك الذهاب والإتصال به بصفتك مندوبة الدار ، ومكلفة للتفاوض معه بشأن العقد المبرم بينه وبين الدار والذي لم ينفذ حتى الآن ، وإياك ان تبحثي معه موضوع الطلاق ، لا من قريب ولا من بعيد ، أو موضوع رسائل محاميك ، أما إذا حاول هو التطرق الى موضوع الطلاق فليحاول ، وعندها تعرفين كيف تتصرفين".
" لكن ، هل تظن بأن هذه اللعبة ستنطلي عليه؟".
" لا باس ، المهم هو ان الزيارة ستفاجئه ، وقد تؤدي الى نتائج طيبة ، آه ، لو خطرت ببالي هذه الفكرة قبل توكيل المحامي بريستو لكانت وفّرت عليك الكثير من المتاعب والمآسي ، لا يهم ، المهم أن تذهبي قريبا بدون ان تراودك أية فكرة بالدخول في معركة معه ، وإلا ستكون النتيجة مخيّبة لآمالنا".
وبدا للعم فيليب أن دافينا كانت راضية عن فكرته الجديدة ، وربما اصبحت مستعدة للسفر الى مقاطعة ويلز ، حيث يقيم لويد الآن ، على الفور ، وقد كان صادقا في تصوره ، إذ بادرته قائلة وهي تبتسم :
" موافقة يا عمي ! لا أظن بان هناك فائدة ترجى من إنتظاره للقيام بالخطوة الأولى ، سأقوم بهذه المحاولة ، وليحدث ما يحدث".
وإنشرحت اسارير العم فيليب لدى سماعه ذلك ، فراح يتأملها وهو يداعب ذقنه بأصابعه ، ثم أجابها قائلا :
" ولا تنسي أن تبشريه بالجولة الجديدة التي ستكلّفه الدار القيام بها للولايات المتحدة بعد إكمال الترتيبات الخاصة بها ، أعتقد بأن هذا كل ما عندي ، وأتمنى لك التوفيق في مهمتك ، مع السلامة ! ".
خرجت دافينا من مكتب عمها وتوجهت فورا الى مكتبها ، إلا ان خبر الإعداد لرحلة جديدة يقوم بها زوجها الى الولايات المتحدة ، أقلقها واربكها ، إذ أنها لم تنس بعد النكسات والنكبات التي عانت منها بسبب الرحلة الأولى التي قام بها بمفرده ، بعد أن كانت تعد نفسها لمرافقته ، وتضع الخطط المختلفة لزيارة واشنطن ، وسان فرنسيسكو ،ونيو أورليانس ، وشلالات نياغرا ، بالإضافة الى المرارة التي شعرت بها لحظة عرفت الشخص الذي عرقا موضوع سفرها الى أميركا لتمضية شهر العسل هناك.
دخلت الى مكتبها واغلقت الباب وراءها ، ثم جلست وراحت تتأمل الأوراق المكدسة على مكتبها ، وكم كانت دهشتها عندما وجدت بين الأوراق مخطوطة كتاب يحكي قصة زواج فاشل ، كما تبين لها من بضع صفحات طالعتها ، فوضعتها جانبا وألقت برأسها على المكتبة ،وغرقت في لجة من الصمت ، كمن كان يتابع مشاهد حلم ن الأحلام الغريبة ، أو كمن كان يحاسب نفسه ويقارن بينه وبين كل من كانت له علاقة بالموضوع ، علّه يصل الى معرفة الحقيقة ، وفي غفلة من الزمن ، ووسط أصداء هذا الصمت الرهيب ، وكاني بها تساءلت ، في غمرة هذا الإنفعال الذي داهمها وهي تقرأ مقدمة قصة مماثلة للقصة التي كانت تعيشها ، عن سير الإحداث التي بدأت تتوالى منذ زواجها ، لا شك في أن دافينا سالت نفسها، وحاولت الإجابة عن كل سؤال طرحته على نفسها بنفسها ، علّها تتوصل الى معرفة الحقيقة، فترتاح نفسيا ، وتعطي لكل ذي حق حقه.
|