كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
7- حب الى الأبد
كانت العودة الى فندق بلاس غوين أشبه بحلم مروع ، إذ تقررت فجاة ، ونشطا لتنفيذها على الأثر لدرجة جعلتهما يرفضان دعوة السيدة إيفانس لتناول طعام الفطور معها بحجة أن الوقت كان ضيقا للغاية ولا يسمح لهما بهدر لحظة واحدة خارج نطاق الإستعداد لرحلة العودة ، والبدء بها على الفور ، وعبرت دافينا عن إمتنانها للسيد لويد على صموده الرائع بوجه إلحاحات السيدة إيفانس المتكررة لمشاركتها في وجبة الصباح ، والذي أنقذها من مازق حرج جدا كان لا مفر لها من الوقوع فيه ، لو جلست الى المائدة لتأكل وهي عاجزة عن الأكل بسب ذراعها المكسورة.
غير أن التطور المفاجىء للاحداث كان يقلقها ، وكان ينذر بتحول اسرع مما كانت تتصوره من ذروة السعادة الى هوة اليأس والكآبة ، ويشعرها بأن حياتها مقبلة على حالة من الإستنزاف ، تفوق قدرتها على الإحتمال ، ذلك ما بدأ يخالجها وهي جالسة بجانب لويد في السيارة ، تتطلع الى المناظر الطبيعية حينا وغلى لويد حينا آخر.
وبعد لحظات بدأت تناشد لويد أن يصدقها بأن خبر قدوم والدتها الى المنطقة صدمها ، فلم تنجح ، إذ انه رفض رفضا قاطعا تصديق الدوافع البريئة التي أهابت بوالدتها للقيام بهذه الزيارة المفاجئة ،وإعتبرها حلقة في سلسلة خططت لها سابقا وقد تعزّز شعوره السلبي إزاء زيارة الوالدة عندما تذكر محاولة دافينا الإتصال بوالدتها هاتفيا ، منذ يومين ، تلك المحاولة التي وصلته أخبارها من عمته ، السيدة باري وهي لا تدري بفشل تلك المخابرة بسبب وجود والدة دافينا خارج البيت ، في ذلك اليوم.
كانت تميل الى معارضة العودة الى الفندق لولا خوفها من أن يتهمها لويد بمحاولة أخرى للتهرب من مواجهة الحقيقة ، ثم رضيت وفي ذهنها أن تقنع والدتها بضرورة الكف عن التدخل في شؤونها الخاصة ، وفيما كانت تفكر بالطريقة التي ستواجه بها والدتها عندما تقابلهافي الفندق ، إلتفتت اليه وتذكرت بأنه ، منذ لحظة الإنطلاق ، لم يحاول ولو مرة واحدة أن يلتفت اليها ، او يرد على أي سؤال من أسئلتها ، أو أن يبادرها بكلمة واحدة بعيدا عن الأسئلة التي كانت تطرحها عليه ، مما أعاد اليها الشعور باللم الذي كاد ان يتلاشى كليا بفضل المودة المتبادلة التي كانا ينعمان بها لفترة قصيرة خلت.
وفكرت بضرورة إنعاش جو الجمود والعبوس الذي كان يظللهما داخل السيارة كي تعيده الى الأجواء المرحة السابقة ، فضلا عن الشعور المشترك بالأخذ والعطاء الذي بدأ يشدهما الى بعضهما بعضا ، مع ما اثار ذلك من حنين في نفسها للعودة الى لويد ، وإستعادة ثقته الكاملة بها ، وبدافع هذا الشعور ، إلتفتت اليه وخاطبته بصوت هامس هادىء قائلة:
" لويد ! لويد ! يجب ان نتحادث ، قل شيئا...اي شيء.... من غير المعقول ان نظل هكذا صامتين".
"ولم لا ! رد بدون أن يعيرها ولو لمحة خاطفة ، فظل يتطلع أمامه ، وتابع قائلا:
" مثلنا مشهدا من المسرحية معا بالأمس ، وبذلك يمكنك العودة الى لندن والتمتع بأناقة وبهجة الحياة فيها".
" لا يجوز لك أن تتفوه بمثل هذا الكلام ، وأنت ادرى مني بالحقيقة ، لست أدري ماذا أو كيف يجب ان أفعل كي اقنعك".
" لا حاجة بك لذلك...لا تعذبي نفسك ، إنخدعت بما اثاره التقشف من حنين جارف في نفسك نحوي وظننته سيدوم.... لكن سرعان ما خاب ظني .... لا شيء يدوم .... لا شيء".
" بلى ، هناك شيء واحد يدوم هو الحب ، الحب يبقى ويدوم ، اللهم إلا إذا كنت لا تعني ما قلته لي".
" اجل ، كنت أعني ما قلته في حينه".
وصمت يفكر ويتأملها لحظة ثم تابع يقول بلهجة قاسية:
" ولكن لا تنسي أن الرجال يميلون أحيانا الى المبالغة في مجاملاتتهم الى حد الإفراط والإبتذال ساعة يعيشون مثل تلك اللحظات ، كما لا يخفى عليك ، يا دافينا".
" ما قلته هو أفظع ما سمعتك تقوله حتى الآن".
" عودي الى حيث يجب ان تكوني والزمن يشفي الجراح والأحزان وقبلة واحدة تطبعها أمك على وجهك تكفي لمعالجة الصدمة البسيطة التي أصابتك".
أدارت وجهها وراحت تتطلع أمامها بنظرات زائغة بعد الصدمة التي شعرت بها من جفاء كلامه ، وقساوة قلبه ، وخشونة ملامحه ، لدرجة أن حرارة أعصابها وصلت الى درجة الغليان ساعة إنعطف بالسيارة نحوالطريق المؤدية الى الفندق ، بدون ان تفقد الأمل من تخفيفها وتسكينها بعد المواجهة المتوقعة بينهما.
وما هي إلا لحظات حتى وصل الى لفندق وأوقف السيارة في الساحة الأمامية ، فترجلت منها ، بعد تريث قصير لأستعادة أنفاسها ، وطلبت من لويد أن يجلب لها حقيبتها من صندوق السيارة ، كي تستعمل المرآة لتسوية شعرها ومسح آثار الهم والغم عن وجهها ، بالبودرة او بأحمر الشفاه ، لا يهم ، فالمهم بنظرها هو أن تخفي عن والدتها كافة مظاهر البؤس والشقاء البادية على وجهها.
ثم سارت بخطى ثابتة صوب الباب ودخلت الفندق ، حيث كان الفتى تيم اول من إلتقته ، فحيته ورد لها التحية بأحلى منها ، ثم سألها بلهجة مؤثرة كمن يتعرض فجأة لحادث مفجع بعد أن لمح ذراعها المضمد المشدود الى عنقها برباط ابيض:
" ما الخبر ! سلامتك ! كيف حدث لك هذا؟"
" شكرا على عواطفك النبيلة يا تيم ، إطمئن ، كسر بسيط ويشفى بعد مدة قصيرة".
" مسكينة ! مسكينة أنت يا سيدة دافينا ، سلامتك".
" شكرا... الوداع".
|