إستمعت الى نيكول كالعادة يتحدث اليها عن عمله وعن معاناته الخارجية وآراءه عن كل شيء يدور في العالم ,وعندما أسرع الوقت بالأنقضاء تذكرت أنها لم تقل له كلمة واحدة عن عملها الجديد ,إذ لا يبدو أنه مهتم بذلك.
" روزالي ؟". سمعت صوت أبيها خارج البهو .
" إنني آتية يا أبي".
"ما رأيك ببعض القهوة يا عزيزتي , إن والدتك على وشك القدوم".
سحبت يدها من نيكول وتركته وهي تتبادل بعض العبارات مع والدها ,تبعها نيكول إلى المطبخ وجلس يراقب بينما راحت هي تهيء الصينية,وضعت خمسة أكواب مع صحونها الصغيرة, لم يعرض نيكول أن يقدم مساعدة كما لا بد أن يفعل أدريان لو كان معها.
إستمر في الحديث حول نفسه وقضاياه ووجدت أفكارها تسرح بعيدا عن صوته الممل ,ما هو رد فعل الدكتور كرافورد اتجاه نيكول ؟ ما هو رأيه في صديقها؟ لديها شعور انها تعرف ما سيقوله حول نيكول بعد ذهابه ولا شك أن قوله لن يكون إستحسانا.
" خمسة أكواب يا حبيبتي؟".
سؤال نيكول أعادها إلى الواقع مرة أخرى
" لدى بابا ضيف زائر من الكلية يساعده في كتابه و كتاب مدرسي , هو متخصّص بالرياضيات بالطبع".
تذمّر نيكول وهو يقول:
" اوه....... واحد آخر منهم ؟".
وجدت روزالي نفسها في وضع غريب لأول مرة حيث تريد فيه الدفاع عن أناس يهاجمهم نيكول.
" أراهن أنه ذو عقلية قديمة ومثقل بالمعلومات ". قال نيكول : " كما هو الحال في معظمهم ,بإستثناء والدك بالطبع يا حبيبتي".
" كلا , هو ليس كذلك".
قالت بصوت أكثر حدة مما كانت تريد أن تظهره , فنظر إليها بإستغراب : " إنه شاب وذو شخصية مسرّة جدا , إذا أردت أن تعرفه".
لقد أصبحت مستاءة من نفسها و لماذا يجب عليها أن تقف في الدفاع عن رجل كان قد أزعجها هو إلى حد لا يطاق والذي كان خشنا معها كلما حدث وإلتقيا , لقد إلتوت إبتسامة نيكول.
" فالأمر هكذا إذن , أليس كذلك؟".
" إنني لا أعرف ما تقصده , إنه ليس كذلك مطلقا و إذا وجب أن تعرف فإنني أرى أننا نثير أعصاب أحدنا الآخر لم أتصور أن أثنين يمكن أن يصلاه ,لقد تخاصمت معه خلال ثلاثة أيام أكثر مما تخاصمت مع فرد آخر طول حياتي".
" حسنا يا حلوتي , لا تنحنين إلى الوراء محاولة الأنكار , وإلا سأحاول أن أصدق تلك الأفكار الرديئة التي جاءت في راسي".
أدارت نفسها إليه بغضب.
" لا تحاول أن تبرر أفكارك المشتتة عن طريق إتهامي بأن لدي مثل هذه الأفكار".
عليها أن تمارس سيطرة إرادية قوية وهي تحمل الصينية إلى البهو,يجب ان توقف الرجفة في يديها وإلا ستنسكب القهوة في المكان .
ذهبت الى غرفة الدراسة وفتحت الباب " قهوة ".
قالت وقبل ان يرفع ارجلان رأسيهما أغلقت الباب ثانية , عادت مرة أخرى إلى المطبخ لتحضر بعض الطعام وران بإرتياح أن نيكول لم يكن هناك , وضعت بعض الكعك والبسكويت على طبق وكمية من المعجنات المخبوزة على شكل أصابع صغيرة في طبق آخر وحملتهما الى البهو ثم جلست على الأريكة بجانب نيكول وصبّت القهوة.
وعندما ظهر الآخرون في مدخل الباب , اخذ نيكول يدها , قدم والدها الرجلين بكلمات مختصرة , رمى الدكتور كرافورد نظرة متفحصة على نيكول وتراءى لروزالي أنه قد اخذ فكرة قاسية عن نيكول ,لكنها لن تهتم في أي حال بنتيجة تفحصه هذه , ادارت القهوة والطعام على الجميع وبينما هي تنحني لتعطي كرافورد كوبه تركّزت عيناه على عينيها لبرهة , لقد كانت نظرته حاذقة ومتسائلة لدرجة أنها إرتعشت خجلا وأدارت نفسها بإنفعال , أي حق له أن يتصرف أتجاهها هكذا ؟ لم أطلب إليه ان يختبر لي الرجال من اصدقائي , قالت بصمت مع نفسها ,وأن يؤيد هذا أو ذاك و مثل ما يحلو له.
كان الحديث مملا و فروزالي تعرف أن أباها لا يحب نيكول وهو لا يكلّف نفسه عناء إخفاء ذلك , فتحت الباب الأمامي وبعد لحظات دخلت سارة.
"مرحبا بكم جميعا".
قالت واخذت عيناها تدوران في الغرفة ,وجدت زوجها فإبتسمت له ثم أدارت راسها , وقد أنتفض هو على قدميه في الحال .
" إسكبي لأمك كوبا من القهوة يا روزالي , فسآخذه لها بنفسي".
أعطته القهوة فترك الغرفة هي تعرف أنه سعيد إذ تمكّن من الأفلات , فإنه دائما لا يرتاح من وجود نيكول.
" لا تسرع يا دكتور كرافورد ". صاح فرانكلين : " خذ وقتك , سأتحدث قليلا مع زوجتي ". وعندما إنغلق الباب وراءه وضع نيكول كوبه الخالي بإعتناء على الصينية , وانحنى إلى الخلف ثم وضع ذراعه حول روزالي وقال :
" إذن فانت واحد آخر من هؤلاء العلماء الفصيحين يا دكتور كرافورد؟".
حملقت روزالي في نيكول وأغلقت عينيها بإنتظار رد فعل الدكتور كرافورد العنيف , ولكن عندما فتحتها مرة أخرى رات أنه بتسم , لقدمد ساقيه الطويلتين ودفع بيديه إلى جيبي بنطلونه , وقال بكسل واضح:
" نعم , أجدك محقا أن تسمينا هكذا ". بدا وكأنه يتهيأ لأن يمتّع نفسه : " لا شك أن ما يزعجكم أنتم المتمسكين بالتقاليد والمهتمين كثيرا بالماضي ,أنت تدرس اللغة اللاتينية واليونانية القديمة على ما أعلم , هو أننا العلماء نسأل أسئلة بصورة دائمة".
يبدو أن نيكول فوجىء بذلك, طلقته الأولى أخطأت الهدف وجلبت رد فعل غير متوقع ,حاول مرة أخرى.
" المشكلة أنكم تميلون دائما إلى إختراع الأشياء الخطرة ثم لا تعرفون كيف تسيطرون على ما اخترعتموه".
"نعم سمعت بذلك كثرا ,من قبل . قال الدكتور كرافورد وكأنه يخاطب طالب بطيء التعلم: "لكن ليس العلماء الذين يسيطرون على إختراعاتهم , فمعظم هذه الأختراعات , االتي تسميها خطرة ,وتذهب إلى أيدي السياسيين والعسكريين منهم حال ما تخرج من مرحلة التصميم و ولأنك حللت هذه الأختراعات الخطرة فإنك ستجد أن معظمها قد أخترعت لغراض محددة ولأستعمالها في أوقات محددة , وبالطبع هناك نسبة معينة من العلماء يختارون العمل تحت التخصص العسكري ولكن بعض منهم يعملون بصفة بناءة وليست هدامة ,في أي حال ذلك شانهم وإختيارهم , لا يمكنك الحكم على جميع العلماء بسبب قيام عدد قليل من زملائهم بالعمل بما يرونه جزءا من قناعتهم".