1-لا نساء في حياتي
دقّت روزالي على باب مكتب أبيها ثم فتحت الباب فدفعت برأسها الى الداخل , أنها فارغة , أحست بخيبة , لكنها دخلت وأغلقت الباب خلفها , ثم مشت بتأن وأطلت على مكتب السكرتيرة المتصل بمكتب أبيها , إنه فارغ أيضا , لا بد أن تكون جين قد ذهبت الى البيت.
ثم تنهدت روزالي , إنه اليوم الأول لعملها الجديد , لذلك فهي متوترة الأعصاب قليلا , لكنها مفعمة بالرضى والأعتزاز , كم تود أن تتحدث عن ذلك , أن تقول لأحد ما , كيف أستمتعت بعملها , كيف تفضل عملها كمحاضرة في كلية , بدلا من معلمة في مدرسة للأولاد , ولكن حيث لا يوجد من تكملة عما في قلبها فليس أمامها سوى التحكم بتشوقها للحديث هذا , فترضى بالتفكير فقط.
منتديات ليلاس
أسقطت حقيبتها الى الأرض , وجلست على الكرسي المتحرك خلف طاولة والدها , ذلك الكرسي الذي كثيرا ما شعرت بسرور خاص كلما جلست عليه , ولطالما فعلت ذلك حينما كانت تزور الكلية مع والدها , قبل أن تصبح هي نفسها من أعضاء هيئة الكلية التدريسية , حين ذاك كان هدفها الأول ذلك الكرسي المتحرك حيث تروح تتأرجح بدوائر لا نهاية لها فيطفح البشر على وجهها حتى يصيبها الدوان , وكان من عادة والدها أن يدع لها الحبل على الغارب فيعطيها بضع دقائق لتمرح وتتعب نفسها قبل أن يطلب اليها ترك الكرسي فيجلس هو عليه.
لكنها اليوم أكثر حذرا بجلوسها , أنتصبت على الكرسي بهدوء وقاومت الرغبة الدفينة نحو التحرك اللولبي , لقد هيأت نفسها لأنتظار طويل , فهي تعرف أن والدها سيتأخر , فطالما فعل ذلك , كانت تعطي نفسها نصف ساعة أضافية على أي وقت يعود فيه بالوصول , نزعت سترتها ووضعتها على مسند الكرسي الى الخلف , وقع نظرها على سلة المهملات فوجدتها فارغة , وقلبتها رأسا على عقب , جلست مرة أخرى على الكرسي , خلعت حذاءها ووضعت قدميها على سلة المهملات المقلوبة , ثم راحت تنتظر.
وحيث أخذ الملل يتمكن منها قليلا , راحت تبحث في حقيبتها اليدوية , فأخرجت علبة من الشوكولاتة وبدأت تأكل لتلهي نفسها في قضاء الوقت , بعد ذلك جعلت تفتش حولها , ألتقطت شيئا ما من بين أوراق والدها ثم أعتدلت في الكرسي , وراحت تقرأ.
أنهمكت بالقراءة لدرجة أنها نسيت الوقت , حتى أنها أندهشت عندما وجدت النصف ساعة التي أعتادت أضافتها لموعد والدها قد مر , فصارت تفقد صبرها , وخالجها قليل من الأنزعاج , وبينما هي تهم بجر نفسها من مقعدها المريح أنفتح باب المكتب , أسرعت بعرض أبتسامة ترحيبية على وجهها , ولجمع الكلمات التأنيبية الرقيقة : ( جئت بموعدك بالضبط كعادتك !) , التي كثيرا ما أعادتها على والدها , ولكن هول المفاجأة هو أن من فتح الباب لم يكن والدها , بل شخصا غريبا تماما.
إنه طويل القامة قوي الجسم ذو وجه وسيم تمتاز ملامحه بالعزيمة والأرادة مما أضفى بريقا مخيفا لعينيه السوداوين , خطا الى داخل الغرفة بينما أخذت عيناه تنظران اليها بقوة , وكأنهما لا تريدان تصديق ما رأتاه , وعندما تكلم , أتسم صوته بالأنضباط , لكن بوادر الأنزعاج كانت بادية عليه بدون شك.
" هل لك من فضلك أن تقولي لي بالضبط , ما عساك تعملين هنا؟".
وبينما هي ترقب الغضب في عينيه , وصار يحول وجهه الى مظهر التعالي والغطرسة , صارت هي على درجة حادة من الأضطراب : ( كيف يبدو مظهري الآن ؟ ) , راحت تفكر مع نفسها وقد ساورها الحياء وأضطربت علائم وجهها وقد أنزلت قدميها الى أرض الغرفة بسرعة , وأعادت لطاولة والدها الأوراق التي كانت تقرأ بها , ثم أخذت تبحث بأضطراب عن حذائها , لبستهما ووقفت على قدميها بأنفعال وهي تشعر وكأنها قد أقترفت جريمة شنيعة – يبدو أن الأمر كذلك في عيني هذا الرجل الذي راح يحملق بحركاتها بصمت متجمد.
" أرجو المعذرة..... متأسفة". هو كل ما أستطاعت قوله بينما أستمر الرجل مقطبا حاجبيه.
" هل أنت موظفة جديدة هنا ؟ لم أرك هنا من قبل ؟".
" نعم , بدأت العمل اليوم فقط , أنه اليوم الأول من السنة الدراسية كما تعلم".
أي حد من ضعف الشخصية يمكن أن أصله؟ راحت تفكر مع نفسها , لقد كان جوابه لها وكأنها في الخامسة من العمر فقط , فشعرت أن لا لوم يقع عليه من ذلك.
" أنني أقدّر جيدا كونك جديدة ولكن ما لا يمكنني فهمه كيف يمكنك أن تخطئي بهذه الغرفة وهي تعود لرئيس قسم – فلم تميزيها عن غرفة الموظفين الواسعة المشتركة أو حتى غرفة أستراحة السيدات , والتي كما يبدو لي تعتقدين أنك جالسة فيها ! ألا تستطيعين أن تقرأي العنوان بحروف واضحة على الباب : رئيس قسم العلوم والرياضيات – واضحة بما فيه الكفاية حتى لشخص دون مستوى الذكاء ليحل رموزها , لأي قسم تعودين أنت؟".
لقد كان لأسلوب السخرية هذا فعل شديد فيها , أصابها في الصميم , فأمسكت بقبضة حقيبتها المكتبية وكأنها تريد أن تفلت من بين أصابعها , ثم سحبت شفتيها وقالت:
" إذا وجب عليك أن تعرف , فإنني من قسم الأعمال والدراسات العامة , أنني محاضرة في الدراسات العامة".